كلمات _ 1

كلمات...

2/2

 

عبد الكريم الناعم

 

جلسا في ظلِّ كرمةٍ سكرى بعناقيدها،

الشابُ يستظلُّ بعشرين عنقوداً،

فوقَ رأس الشيخ أكثر من ستين غُصناً،

قال الشاب للشيخ: "عِظني يا عماه."

قال الشيخ: "وما الفائدة؟

حين يقترب الإنسان من فكِّ رموز أبجدية الحياة،

يكون قد اقترب موعد الرحيل."

***

قال الشيخ:

"الرغبةُ شقاءٌ،

وموتُ الرغبةِ شقاءٌ...

فَحُلَّ هذه المعادلة!"

***

قال متباهياً: "أوَلا ترى أنني أكثر ثراءً منك في مستوى ما هو جَوَّاني؟"

قال: "قد يكون، ولكنَّك أغفلتَ أنني أكثر تسامحاً، وأقلَّ تتبُّعاً للنقائص."

زغردَتْ إحدى كفَّتي الميزان.

***

كان السؤال مفاجئاً وصعباً. سأله الحارسُ الذي يقف على الحدود:

"أتريد أن تكون الخزف أم النار؟"

***

صاح الدرويش في لحظة ألم: "يا الله! اصرف عني آلام جسدي لكي أصرف روحي إليك."

صرخ السكِّير الذي في زاوية الحانة: "الأحمق! يعلِّم الخزَّاف كيف يلوِّن الخزف."

***

كان صاحبُ البستان يأتي في الصيف، فيستقبلُه أحدُ محبِّيه من أهل الفلاحة بنوافذ مضاءة بقناديل الروح.

في لحظةٍ من اللحظات التي يطيش فيها حجر الآغوات، وكانت الأوهامُ قد نَمَّتْ على صديقه الفلاح، وكان عند الآغا عبدٌ اسمه "غضب" – وغضب هذا، حين يغضب، كان يتحول من عبدٍ إلى سيِّد مستبدٍّ...

جاء غضب، فحطَّم التنُّور، والمعلَف، والأعمدةَ، والقنطرة...

وأقبلَ صفاءُ الصيف، وحَنَّ الآغا لظِلالِ البُستان مُنَدَّاةً بحضورِ صديقِهِ الفلاح، فقامَ لزيارته. ولما وصلَ وَجَدَ صديقَه يجلسُ على الأنقاض، ويَجْهَدُ في ترتيب مفردات روحه.

قال له: "أينَ الخبزُ الناضج فقد جاعتِ الببغاء؟"

قال الفلاح: "لقد دمَّر غضب التنور!"

قال : "أين المعلفُ الذي كانت ترتاحُ إليه البقرةُ الوديعة؟"

أجابه: "لقد حطَّمه غضب!"

قال: "أين الأعمدة التي كانت تحمل حبال البامياء المجفَّفة، والسِّراجَ، وبيتَ المُصحف المطرَّز؟"

أجابه: "حطَّمَها غضب!"

قال: "أين القنطرة التي كنَّا نأوي إلى ركنها الشديد؟"

قال: "هَدَمَها غضب!"

هَمَسَ الآغا لنفسه: "لقد فعلتَ الكثيرَ من الدمار يا غضب..."

والتفتَ إلى الفلاح، فسأله بلهجة الآغا الحاكم الحادة: "ولماذا تقيم أنت فوق هذا الخراب؟"

أجاب الفلاح بصوتٍ فيه رنين السنوات القادمة: "أقيمُ فوقه لأنه من فعل رسول من أحبُّ."

***

يا إلهي! العواصف الشديدة تملأ الأفقَ بالسواد والخوف ولا ذهول... فلا تسدُّ الآفاق علينا.

***

إذا نويتَ السفر، ودخلتَ الطريق، فلا تنشغلْ بالسؤال إلى أين وصلنا، بل غذِّ الخطوات.

***

الخمرُ الذي توهَّم أنه بلغ ذروة جودّي السُّكْر، حين اقتربَ من شفتيكِ صار فماً.

***

أكثر من سبعين مرة، كلَّما جاؤوا به لرئيس المخفر كان يَعِدُ، ويتذلَّل، ويتعطَّف، ويصير أرضاً.

البارحة جاؤوا به بحرارةٍ عالية. وَعَدَهم أن يكون صادقاً، وأن هذه آخر مرة. وقبل أن يُطلَق سراحُه، كانت نفسُه تحدِّثه بالعودة... لِلَعِب القمار مرة أخرى...

***

كلُّ المرض ليس فيه أجْرٌ، ولكن بعضَه تعدو أفراسُه في مروج التأمُّل والعرفان.

***

حين أعطتْه الأرضُ قمحاً جلس يندب حظَّه على ما فات...

مرَّ به فلاحٌ عتيق... قال له كَمَن يحدِّث نفسه:

"القمحُ لا يُحصَد بمناجل الندم."

***

شجرةٌ فوق صخرة،

طيورٌ على الأغصان،

الببغاءُ تردِّد،

الطيورُ تغرِّد،

الشجرةُ تزهو،

الصخرةُ صامتةٌ بجلال.

***

مرَّ درويشٌ بصديقٍ له، فوجَدَهُ يئِنُّ من المَرَض، فسأله: "ما الذي فَعَلَهُ بك؟"

فقال: "هذا حبيبي يدلِّلني بالمرض."

***

الآبارُ التي أُعِدَّت لاستقبال يوسف، شرفُها أنَّها أُعِدَّت لاستقباله.

***

مولايَ، لقد نزفتُ كثيراً هذه الليلةَ... فامنحني فرصةَ أن آوي إلى الظلالِ قليلاً.

***

إن كنتَ لا تَمنحني فرصةَ أنْ أوزِّعَ هذه الغلالَ التي جمعتُها على مستحقِّيها، فلِمَ أرهَقْتَني بجمعها؟

***

أنت عاجزٌ عن معرفة لماذا أُعِدَّ الإناءُ، فلماذا تسأل عمَّا فيه؟!

***

مولايَ، لقد منحتَني صوتاً جميلاً، ولكمْ أنا خَجِلٌ الآنَ ممَّا غنَّيتُ به على أبوابِ غيرك.

***

لكلِّ مسجدٍ قُبَّة، وهذه السماءُ الزرقاءُ قُبَّة مسجدِك.

***

كانَ يعبرُ صحراءَ طَهَارى... اشتَدَّ القيظُ عليه... طالعتْهُ واحةٌ وارفةٌ... أغراه الثمرُ البهيجُ... مَدَّ يَدَهُ وهو يعلَمُ أنه قد قفزَ من فوقِ الحائط... فجاءةً بَرَزَ صاحبُ الواحة... جفَّ ريقُه وأحيطُ به. بعدَ صمتٍ رهيبٍ، ابتَسَمَ صاحبُ الواحة، فأدركَ معنى الرحمة.

***

سمِعَ مربِّيَ طيورٍ مغرِّدَة – وهوَ مِن "عُتَقاءِ" هذا الكار –،

سَمِعَه يتحاورُ مع هاوٍ اجتَذَبَه الطريق...

قال الهاوي: "لماذا تَفْصِل هذا الذَّكَرَ عن أنثاه؟"

قال المربِّي العتيق: "لأنَّه لا يجودُ في التغريد إلا إذا كانتْ بعيدةً عنه."

قال الهاوي: "ولماذا تسجنُ هذا الجمالَ وهذا التغريدَ في قفص؟

قال المربِّي العتيق: "كيف يتمُّ الاستمتاعُ بما ذَكَرْتَ حين لا قفص؟"

سمعَهما، فأدركَ لماذا تطولُ الدروب.

***

كان يعلم جيداً أن القافلةَ لن تمرَّ تلك الليلة.

انطلاقاً من ذلك اليقين، قال:

"خَلُّوا النارَ موقَدةً لكي لا يتعثَّر نديمٌ بظلمة الارتباك."

***

أيُّها الطائرُ الحرُّ! العنقاءُ، في حلمٍ نادرٍ، قالت:

"إلى كم تضرب بأجنحتِكَ وأنتَ تزعم أنك مسافرٌ إلى مطلع الشمس؟

أتريد الوصول؟

أوْقِدْ شمعةً في داخلك."

***

مولايَ، جسدي عليل... وتُسْهِرُني حتى الصباح... فهلْ لي أن ألتقِطَ ثمارَ بساتينِكَ في الصبوح؟

***

حَلَّ ضيفاً عندَ فتيةٍ أبُوهُم شيخٌ كبير.

في الفجر كانَ يرتجف...

قال: "دثِّروني!"

اقتربَ الأبُ، نظرَ إليه، تمتَمَ: "أظنُّ أنَّه قد أمضى ليلةً محمَّدية."

*** *** ***

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود