الصفحة التالية                  الصفحة السابقة

المقامية العربية 2
الأصول والتطورات

 

أ. د. محمــود قـطَّـاط

 

ثوابت المقامية من خلال الغناء بطريقة النوبة

تعود الملامح الأولى للغناء بطريقة النوبة في الرصيد الكلاسيكي، إلى القرن الثاني الهجري/الثامن الميلادي، اتضحت ملامحه مع العصر الذهبي خلال الطور العباسي الأول، قبل أن يعم استعماله مختلف مراكز البلاد العربية الإسلامية بالمشرق والمغرب والأندلس. والنوبة الغنائية[1] تعد أهمَّ القوالب وأكملها منذ المدرسة العربية القديمة، وقد كان لها بالغ الأثر في تطوُّر الشعر والموسيقى إذ أنَّها تفسح المجال لتعدد الضروب والأساليب في الحصَّة الواحدة حيث يكون للتصرُّف والترديدات والإبداع الفوري مكانة أساسية، وهي كلُّها عناصر إثراء وتجديد في مجالي التلحين والأداء الآلي والصوتي كما أنَّ مسايرة تنوُّع الإيقاعات الموسيقية واستنباط ما يناسبها في النظم الشعري أدخل تنوُّعًا متواصلاً على الأنماط الغنائيَّة نظمًا وتلحينًا حيث صار الشعر ينظَّم من أجل الغناء، أي أصبح الإيقاع الموسيقي هو الاعتماد والأساس، هذا مما ساعد على تحطيم قيود النظم التي منها أبحر العروض المحدودة والقافية الموحَّدة، وذلك إثر محاولات اهتمت بتنويع نظم الشعر والتفنُّن في القافية والوزن، بلغت ذروتها مع استنباط الموشَّح والزجل في الأندلس، والتي يقول عنها ابن سناء الملك (1155-1211):

لخروجها عن الحصر وانفلاتها من الكفِّ، وما لها عروض إلا التلحين، ولا الضرب إلا الضرب، ولا أوتاد إلا الملاوي، ولا أسباب إلا الأوتار [...] فهي كلام منظوم على وزن مخصوص لا يمكن ضبطها إلا بالتلحين فيلجأ فيها إلى إدخال ألفاظ الترنُّم لإكمال تطابق الإيقاع الشعري على الإيقاع الغنائي[2].

كما تجدر الإشارة إلى أنِّ قالب النوبة يحتوي على مختلف العناصر الفنيَّة والتقنية للرصيد الكلاسيكي، وقد ساعد إلى حدٍّ كبير - بالرغم من الخصوصيات المحليَّة التي أثَّرت في تنوُّع تراكيبه وتغيُّر تسميته - على المحافظة على طابع هذا الرصيد ومضمونه العام، وعلى ضمان استمراريته لدى مختلف المجتمعات العربية الإسلامية.

ثوابت قالب النوبة

الأداء

الشعر

الإيقاع الشعري

الإيقاع الموسيقي

اللحن

القطع

يتسم بكثرة الارتجالات  والترديدات والتصرفات اللحنية والإيقاعية

عربي قديم-  أعجمي

(بالمشرق)

عربي قديم مع *موشحات وأزجال

أشعار المولدين

(بالأندلس والمغرب)

 

تعدّد البحور والأوزان الشعرية مع تنوع  القافية

تنوع الإيقاع والحركة من الحر المنساب ثم الثقيل الموسع إلى الخفيف المتوسط السرعة..

فالسريع المرقص

وحدة المقام/الطبع، مع إمكانية الانتقال بين مقامات/طبوع متقاربة والرجوع إلى الأصل

عدد من القطع الآلية والغنائية تؤدّى حسب تسلسل معين

مع الحفاظ على الثوابت المشار إليها كقالب مركب من مجموعة أنماط غنائية وآلية تؤدى حسب نسق معين، شهد الغناء بطريقة النوبة تعديلات وإضافات متعاقبة، نوجزها في الجداول التالية.

1- تطور النوبة بالمشرق

بغداد

التطورات بالمشرق الإسلامي

ملاحظات

VIII-X

XI

XIII

XIV

وحدة المقام- تنوع في الشعر والإيقاع والحركة من الحر المنساب، ثم البطء إلى الخفيف السريع

نشيد

قول

قول

قول

إنشاد حر فيه عمل

بسيط[3]

غزل

غزل

غزل

غناء متقن – إيقاع موسع ، من بحر القول[4]

 

ترانا

ترانا

ترانا

دوبيت أو رباعي متوسط الحركة، من بحر القول

 

 

فروداشت

فروداشت

سريع الحركة، من بحر القول

 

 

 

مستزاد

من إضافات ابن غيبي، يؤدى قبل الفروداشت

من الواضح، أنه طرأ على النوبة الغنائية المشرقية تغييرات جذرية، حيث صارت طريقتها محدثة متأثرة بطريقة "الفرس أهل العراق الأعلى"، تتضمن أربعة حركات، تؤدى على النحو التالي:

-       القول: وهو إنشاد بالعربي فيه عمل.

-       الغزل: وهو شعر بالعجمي من بحر القول، على إيقاع ثقيل.

-       الترانا: وهو دوبيتي بالعربي من بحر القول، على إيقاع متوسط السرعة.

-       الفروداشت: مقطع وبيت واحد بالعربي من بحر القول، على إيقاع سريع.

وقد أضاف ابن غيبي، قطعة خامسة من اختراعه سماها المستزاد، تؤدى بين الترانا والفروداشت. وهذه الحركات أو الأقسام الخمسة لنوبة الغناء، منها الآلية والغنائية مع بيان قافيتها ونوعية إيقاعها وحتى افتتاحيتها الآلية المسماة "البيشرو" ("الطريقة" سابقًا)[5].

2- تطور النوبة بالمغرب والأندلس[6]

بغداد

التطورات بالغرب الإسلامي

ملاحظات

VIII-X

زرياب

XI

ابن باجة

XII

 

وحدة المقام- تنوع في الشعر والإيقاع والحركة

أشعار عربية قديمة ، وفيها للمخضرمين المولدين

نشيد

نشيد

استهلالó نشيد

 

إنشاد حر

بسيط

بسيط

عمل ó استهلال

 

غناء متقن – إيقاع موسع

 

محركات / أهزاج

محركات / مرقصات

 

غناء خفيف – إيقاع مرقص

 

 

موشحات / أزجال

 

شعر محدث يعتمد الإيقاع الموسيقي،  يرقص عليه

واضح أن النوبة كأثر فني، تشكل نموذجًا موسيقيًا متكاملاً امتزجت في إطاره ألوان متنوعة وثرية بتنوع وثراء روافد التراث الموسيقي العربي الإسلامي وتأكيد خصائص أدائه، من ذلك فن الارتجال. في هذا الصدد يذكر لنا التيفاشي (الباب العاشر) نموذجين يدلان بوضوح على مدى القيمة الفنية التي وصل إليها الأداء في ذلك العصر، حيث يقول:

لقد حضرنا بإفريقية مغن أندلسي فغنى من شعر أبي تمام الذي أوله: ]ومنفرد بالحسن خلو من الهوى]، فعددت له في هذا البيت أربعة وسبعين هزة؛ وحضرت جارية مغنية في مجلس عظيم من عظماء المغرب، تغني في هذا الشعر لابن أبي ربيعة: ]تشكَّى الكميت الجري لمَّا جهدته]، فمر عليها في غناء هذا البيت وحده مقدار ساعتين من الزمان.

ودون أن ندخل هنا في التفاصيل التحليلية، نلاحظ أن هذا الوصف يؤكِّد على جودة الغناء وعلى المستوى الذي ارتقت إليه التقنية الصوتية وفن الارتجال والتصرف وهي أمور تعتبر من ركائز الموسيقى العربية، بل والمقامية الشرقية عمومًا.

3- النوبة وطرق أدائها في الأندلس وإفريقية والمغرب

النوبة في الأندلس وإفريقيا حسب التيفاشي

ملاحظات

الأندلس

إفريقية (المغرب)

وحدة المقام- تنوع في الشعر والإيقاع والحركة

نشيد (استهلال وعمل)

نشيدó استهلال

إيقاع حر

صوت (عمل كله دون استهلال)

عمل

إيقاع موسع

موشح

محرك

إيقاع خفيف

زجل

موشحة + زجل

 

الأداء

طريقة أهل الأندلس في الغناء، الطريق القديم وأشعارهم التي يغنون فيها أشعار العرب القديمة المذكورة في كتاب الأغاني الكبير للاصفهاني بنفسها

الأداء

أهل إفريقية فإن طريقتهم في الغناء مولدة بين طريقة أهل المغرب والمشرق فهي أخف من طريقة أهل الأندلس وأكثر نغما من طريق أهل المشرق، وكذلك أيضا أشعارهم التي يتغنون فيها هي أشعار المولدين

 

التلحين

أما طرائق التلحين، فإن طريقة الندلسيين فيها أثقل وأكثر نغما

 

 

رغم تصدع الحضارة العربية الإسلامية وانقسامها، استمر قالب النوبة التقليدية من خلال التطورات المتعاقبة التي عرفها في كل من المشرق والمغرب، محافظًا على إطاره العام، مستفيدًا من كل المبادرات والإضافات التي أدخلت عليه، خاصة بداية من القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي. وهو لا يزال ماثلاً في قوالب المدارس التالية[7]:

المقام العراقي – الصوت الخليجي – القومة الصنعانية – الوصلة الشامية المصرية.. وكذلك، الفاصل التركي – الشاش مقوم الأوزبيكي والطاجيكي – الداستقاه الإيراني والأفغاني – المُقام الأذربيجاني - الأونيكي مُقام الإيغوري – الراقا الهندي...

العربية

العربية الإفريقية

التركية

الإيرانية

الهندية

. “المقام” العراقي

. “الصوت” الخليجي

. “القومة” الصنعائية

. “الوصلة” الشامية المصرية

. “النوبة” المغاربية

. أزوان بني حسان  بموريتانيا

. “الفاصل” التركي

. “الشاش مَقوم” الاوزبيكي والطاجيكي

. “الداستقاه” الايراني والافغاني

. “المُقام” الاذربايجاني

. “الاونيكي مُقام” الايغوري

( تركستان كازاخستان/ منطقة سين كيان الصينية)

. “الراقا” (الهند الشمالي – باكستان - أفغانستان)

 

في إطار هذه القوالب الكبرى المنحدرة من النوبة التقليدية توجد أهم الأنماط الغنائية والآلية للرصيد الكلاسيكي ومن خلالها مختلف العناصر المكونة للمقاميات المحلية وطرق الأداء الآلي والصوتي وتشكيلات الآلات التقليدية. فهي قوالب محكمة في بنيتها وطرق أدائها، تتطلب من المغنين والعازفين مهارة فائقة وحذقًا للصنعة ودراية عميقة بأسرار اللغة الموسيقية التقليدية.. هذا مع اكتساب الخبرة والذوق الرفيع والإحساس المرهف. لذلك اعتبر الخوض فيها مقياسًا للمستوى والتميُّز في هذا المجال.

***

استمرارية مرجعية آلة العود[8]

رغم فترات الركود التي اعترضت مسيرته، استمر العود يتبوأ الصدارة بين الآلات والفرق الموسيقية وهو داخل إطار التواصل المذكور، يتخذ في التراث الموسيقي العربي أصنافًا تقليدية متنوعة، أبرزها:

أ. العود المشرقي، المصطلح عليه بـ "المصري" أو "الشامي": وهو خماسي أو سداسي الأوتار. فهو الأكثر رواجًا على الساحة الفنية العربية، بقي محافظًا – باستثناء بعض التغيرات الطفيفة لا تمس الجوهر، مثل غياب الدساتين - على أغلبية الثوابت التي رأيناها مع الرواد الأوائل: خمسة أوتار مزدوجة، تسويتها تتبع طريقة تتالي الرابعات (ثنائية بين الأول والثاني)، وهي على التوالي من القرار إلى الجواب: يكاه (يمكن تغييره حسب المقام) - عشيران - دوكاه - نوى - كردان (مع إمكانية إضافة وتر سادس).

ب. العود المغاربي، تختلف تسميته حسب المناطق: العود "العربي" أو "الرمال" أو "الصويري"، وكذلك "الكويترة": رباعي الأوتار تعتمد تسويتها على تداخل الخامسات، وليس على تتالي الرابعات المتعارف عليه في العود المشـرقي. تتخذ الأوتار تسمية تتماشى مع المصطلحات المألوفة في التراث الموسيقي المغاربي، وهي من القرار إلى الجواب: [الذيل - الماية - الرمل - الحسين/عوض الاصطلاح القديم: بم - مثلث - مثنى – زير/أو الحالي: عشيران - دوكاه - نوا – كردان]. وهي مستمدة من أسماء الطبوع (مقامات) الأساسية في شجرة طبوع التراث الموسيقي المغاربي.

وهذا جدول مقارن للتسويتين المشرقية والمغاربية

وفيما يلي جدول يلخص النقاط المذكورة:

الأوتار (1)

(من القرار

إلى الجواب)

الرمز

[ذمْرحْ]

الأوتار (2)

(حسب تسلسلها

على الآلة)

الرمز

[ذحْمرْ]

مطلق

سبابة

(شاهد)

بنصر

(ضامن)

الذيل

الذال

لذيل

الذال

أ   (دو)

 

 

الماية

الميم

حسين

الحاء

ب  (ري)

ج   (مي)

د   (فا)

الرمل

الراء

الماية

الميم

هـ  (صول)

 

 

حسين

الحاء

الرمل

الراء

و  (لا)

ز   (سي)

ح (دو)

 

*استعمالنا للنوتة الغربية نسبي، فالمهم – كما هو الحال في النظام المقامي – مراعاة النسب الكائنة بين النغمات. وهو ما يمكن ترجمته بالرسمين التاليين:

الجدول يعطينا التسوية التالية

ج. العود التقليدي بالجزيرة العربية (القنبوس): تداوله اليوم يكاد ينحصر على اليمن حيث يصنع محليًا ويسمى "طرب" أو "طربي" (تصغير لـكلمة طرب)، انتشر من عدن، باسم "القنبوس"، إلى مدغشقر وجزر القمر، واندنوسيا. فهو رباعي الأوتار تكون من القرار إلى الجواب، على الترتيب التالي: [الجر أو اليتيم (راست/دو1) - الرخيم (دوكاه/ري) - الأوسط (نوى/صول) - الحازق (كردان/دو)]، أي رباعية تامة - رباعية تامة - ثنائية كبيرة (كما هو الحال لآلة العود والموسيقى العربية عمومًا، تبقى ترجمة الدرجات بالنوتة الغربية الحديثة، تقريبية، إذ إن المهم هو احترام النسب الكائنة بين النغم، انطلاقًا من الطبقة الصوتية المعتمدة).

هكذا تتلخص تسوية القنبوس كالآتي:

ترتيب الأوتار

تسمية الوتر

المقابل

في العود الشرقي

مطلق

بالسبابة

بالبنصر

بالخنصر

1

الجر/ اليتيم

راست

دو1

 

 

 

2

الرخيم

دوكاه

ري1

مي ¼

فا1

 

3

الأوسط

نوى

صول2

لا2

سي2  (خاصة) 

 

4

الحازق

كردان

دو2

ري2

مي2  (خاصة)

فا2

د. العود العراقي: جاء نتيجة التثاقف الإيجابي الذي حصل بين المدرستين العربية والتركية والدور الذي لعبته في هذا المضمار مدرسة بغداد للعود. فهو مع اقترابه بالعود المشرقي، يتبع تسوية مرتفعة بحوالي الخامسة، مع إمكانية وضع بعد الوتر الحاد، وترًا سادسًا يكون على حوالي الديوانين والسادسة في القرار. وهذه التسوية تأتي كما يلي: [دوكاه - بوسلك – حسيني – سهم – عجم].

تسويات آلة العود

***

التوجهات الحديثة:

المقامية العربية في ظل العولمة:

مع المحدثين حُسمت المسألة المقامية - على الوجه الذي استقر عليه الأمر إلى الآن - وذلك بتعريف المقامات والطبوع بالقياس إلى فصائلها في جماعاتها المختلفة النغم، دون الاهتمام بالعلاقة بين الأنغام وبين عناصر البروج والطبائع.

مع وفرة التنوُّع الذي وصلت إليه المقامات والطبوع (مائة والأربعة عشر حسب إحصائيات مؤتمر القاهرة 1932)، بقي تطبيقها يصارع محاولات التثبيت المتتالية التي ما فتئ يشاهدها السلم الموسيقي العام. ظل هذا الأخير، طوال المرحلة العثمانية، يعتمد أساسًا على معطيات ونتائج المدرسة المنهجية، أي ضبط السلَّم الموسيقي بتوالي: بقيَّة – بقيَّة – ومضة (ليما- ليما- كوما) مع احتساب الإضافات الزلزلية والفارسية التركية.. باستثناء المغرب العربي - خاصة الجزائر والمغرب - حيث تواصل العمل بالنظام الدياتوني-اللوني؛ واعتماد البعض منذ عبد القادر المراغي (تـ 1435) وخضر بن عبد الله موسيقار الخليفة العثماني مراد الثاني (1421- 1451)، في قسمة السلَّم على أساس المجنّب (بعد طنيني = 9 كومات، ومجنّب كبير = 8 كومات ومجنّب صغير = 5 كومات)، وقد تطوَّر السلم التركي في تلك الحدود حتى رتبه أخيرًا رؤوف يكتا (1878- 1935) وقسَّمه إلى 24 جزء غير متساوية تقوم على المجنّب والبقية والومضة؛ وهي لعمري طريقة أكثر صوابًا من الرأي القائم على تقسيم السلَّم إلى 24 جزء متساوية أي على غرار السلم المعتدل الغربي، والذي وُجد له تحت وطأة الغزو الثقافي الأوروبي منذ القرن التاسع عشر، أنصار لدى العرب والأتراك والإيرانيين وغيرهم ممَّن راهنوا على "محاكاة موسيقى الغرب".. الأمر الذي أدخل تشويهًا فادحًا على المقامية العربية والشرقية عامة... وقد أشار لهذا التوجُّه عربيًا ميخائيل مشاقة ( تـ 1888)، قبل أن ينقلب من مجرَّد افتراض ينكره الواقع الموسيقي، إلى قاعدة مسلَّم بها لدراسة، بل لنسف هذا الواقع، مما أجهض معظم البحوث والدراسات في هذا المجال حتَّى الجادة منها.

وأمام المحاولات والتجارب العديدة والمتضاربة التي شاهدتها عملية ضبط السلَّم الموسيقي العربي في إطار المدرسة العربية الحديثة، منذ القرن التاسع عشر وحتى الآن.. نلاحظ أنها في مجملها مستقرة على مبدأ تجزئة الديوان إلى أربعة وعشرين ربعًا، وذلك حسب الأهواء والتوجهات دون الوصول إلى أي اتفاق يذكر، فهي:

عند البعض، متساوية أي بحساب الأرباع المعتدلة (أسوة بالأنصاف المتساوية للنظام التونالي المعدَّل الذي فرضه بأوروبا تطوُّر الآلات الثابتة والكتابة التوافقيَّة). وهذا التوجُّه استعرضه مشاقة وواصله أغلب الموسيقيين المنظِّرين خاصة في مصر[9]. هكذا فإنَّ السلَّم الموسيقي حسب هذا التوجُّه، يتكوَّن من ستَّة أبعاد كاملة (= بردات ج. بردة) تقسَّم إلى أنصاف (عربات ج. عربة) وأرباع (نيمات ج. نيم/للربع الأدنى من نصف الدرجة) وثلاثة أرباع الدرجة (تيكات ج. تيك/للربع الأعلى من نصف الدرجة) وذلك بتساوي القيمة النغمية أي أربعة وعشرين ربعًا متساويًا تُرصد عن طريق الجذر الرابع والعشرين، وليس البقية والومضة/الليما والكوما [مثلاً من الراست إلى الكردان = 4/4- ¾- ¾ - 4/4-  4/4- ¾ - ¾ أي 6 درجات كاملة] غير أنَّه لا بدَّ من التنويه هنا ببعض الأفكار النيِّرة - وإن بقيت محدودة[10]- انطلاقًا من واقع الصناعة الموسيقية؛ ووجوب "البحث أوَّلاً عن السلَّم الطبيعي أو السلالم الطبيعية لمقاماتنا، أي دراسة السلَّم الشامل لجميع درجاتها"، ثمَّ التوجُّه بعد ذلك إلى التعديل "إذا ما وجدنا حينئذ ما يستوجب التعديل"؛ وبالتالي فإنَّ دراسة السلم "هي في الواقع دراسة للمقامات دراسة علمية معملية" أي "قياس ترددات مكونات المقامات المتداولة في جميع البلاد العربية بحثًا عن المفردات النغمية التي تكوِّن السلَّم الموسيقي العربي المتداول" وذلك "دون استثناء أو اختيار أو تفضيل، أو تصنيف للمقامات إلى أساسية وفرعية" عند البعض الآخر، فهي غير متساوية أي بحساب الكومات والليمات المستوحى من دائرة الخامسات الطبيعية والمتوارث عن النظام القديم (العربي – الفيثاغوري). وباستثناء البعض مثل الشيخ علي الدرويش الحلبي: 1884-1952، الذي كان يقول بنظام تركي مشابه يقوم على المجنّب، فإنَّ غالبية الموسيقيين الباحثين بالشام اتبعوا هذا المنحى، نذكر من بينهم:

توفيق الصبَّاغ (1892-1964) الذي لم يكن "يبحث عن معادلة رياضية مجرَّدة، بقدر ما كان يحاول تقدير تردُّدات الدرجات الصوتية للمقامات"، فالسلَّم عنده يتكوَّن من 53 كوما/تسع الدرجة، أي أقلُّ قليلاً من 24 ربعًا أو 6 درجات إلا كوما (543/48) ويشتمل على 19 درجة أبعادها غير متساوية، تتركَّب منها مجمل النغمات الأصلية والفرعية، وهي على التوالي بحساب الكومات من الراست إلى الكردان: [0-5-4-4-1-2-2-4-4-1-4-4-1-4-4-3-1-1-4] أي ما مجموعه [53 كوما]، ومقام الراست عنده يأتي بهذا التسلسل: [1- - - ¾1- 1- 1- ¾ - 2/4 ، أو بحساب الكومات: 9-7-6-9-9-7-6] وهو توجُّه يغلب عليه الحسُّ الموسيقي والذوق الشخصي، إلى جانب الخبرة والمهارة في التعامل مع المقامات... نفس المبدأ نجده عند مجدي العقيلي (1917-1983) الذي يرفض أيضًا السلم المعتدل ونظرية الأرباع المتساوية لأنَّها خاطئة ولا تُنصف الأذن الموسيقية العربية، فالسلَّم عنده يتألَّف من ثلاث وخمسين كوما حسب الترتيب: [ليما- ليما- كوما] على غرار السلَّم العربي القديم، وهو مثله يضمُّ سبع عشرة درجة حدَّدها بناءً على إحساسه وخبرته وممارسته للمقامات، وهي تتضمَّن: [البعد الطنيني والمجنّب الكبير والمجنّب الصغير والبقيّة والبقيّة الصغرى والفضلة (أو الومضة) أي بحساب الكومات: 9-8-5-4-3-1]... وكذلك الأمر في أعمال فؤاد محفوظ الذي يرى في سلَّم الأرباع "وهْم لا تقبله الألحان العربية، ولا تستسيغه" ويرى أنَّ الـ كوما والليما "تفعلان بموسيقانا فعل السحر، لذا نرى أنفسنا منساقين على سجيَّتنا في بحث قيمة كلٍّ منهما في موقعها ضمن السلَّم الموسيقي"... أمَّا ميخائيل الله ويردي (1904-1981) فبالرغم من تهجُّمه على السلَّم المعدَّل ودفاعه عن جمال السلَّم العربي "الطبيعي" الذي بذل جهدًا ضخمًا في سبيل دراسته وتثبيته، كان له تصوُّر مختلف، فهو يجزئ السلَّم إلى خمسة أبعاد طنينية (يساوي كلٌّ منها 8 كومات ونصف) وسبعة كومات ونصف، أي ما مجموعه [50 كوما]، والديون عنده يحتوي على [سبعة عشرة صوتًا] في حين أنَّ تحليل المقامات الواردة بالدراسة تفصح عن [47].. هذا إلى جانب الكثير من الخلط والتعقيد مع اصطناع التعديل الصريح في النسب، ومقابلة النسبة بالذرات /السنت أو بأرباع الكومات وكيفية متشعِّبة في معالجة المقامات وابتداع المصطلحات، وطريقة التدوين، علاوة على "فلسفته" الرامية إلى "هرمنة الموسيقى الطبيعيّة" (أي العربية).. وغير ذلك مما جلب لآرائه وحساباته حول السلم العربي، الكثير من الجدل والنقد.

الثوابت والمتغيرات

كما نلاحظ، ما فتئ المهتمُّون "بتنظيم الموسيقى العربية"، يبحثون عن "سلم شامل" لجميع مقتضياتها النغميَّة.. وفي نفس السياق، يسعون إلى تحديد مقاماتها وإيقاعاتها وتوحيد مصطلحاتها باعتماد المقارنة والمقايسة أو المفاضلة وصولاً إلى الاختيار وعند الاقتضاء، إلى الإهمال والإلغاء! كلُّ ذلك بدافع "النهوض بالموسيقى العربيَّة وتمكينها من مواكبة العصر"؟!... كثيرون هم الذين اهتمُّوا بهذه "المعضلة" ووضعوا لها حلاّ تدبَّروه – تبعًا لنزعاتهم وغاياتهم وكلٌّ يظنُّ أنَّ حلَّه هو الأنسب إن لم يكن هو الممكن الأوحد. ولنا أن نتساءل:

-       هل أنَّ سلَّم الأصوات "مشكلة وليدة عقول علماء الموسيقى المنظِّرين؟

-       هل أنَّ العقبات التي تصطدم بها هذه الدراسات هي نتيجة خلط في المفاهيم والرؤى وازدواجيَّة بين نظامين متباينين: المقامي والتونالي.. وبالتالي هي وليدة عقد التقليد والتبعيَّة؟

-       ما هي الغاية المرجوَّة فعلاً من وراء تثبيت السلَّم وتنظيم المقامات؟

-       ما هي حقيقة مسافة "ربع البعد"؟

-       هل إنَّ تثبيت السلَّم ضروري لإيضاح المقامات أم أنَّ دراسة المقامات وتحليلها وإبراز مختلف النغمات والمسافات المكوِّنة لها، شرط أساسي لإقرار السلَّم؟

حفاظًا على خصوصية المقامية العربية وثراء تنوعها، لا بدَّ من التأكيد على ضرورة التحرُّر من العقد والمسلَّمات الواهية التي ما فتئت تحاك حول مسألة السلَّم الموسيقي والمناداة بتعديله وتثبيته كحتمية "تفرضها متطلبات التطوُّر" و"مواكبة العصر" وما يتبعها من حجج حول "تقنين التدوين الصحيح ومناهج التدريس وأساليب التأليف واستغلال الإمكانات التي تتيحها الآلات الثابتة ومجالات التوزيع والكتابة الديافونية والبوليفونية والهارمونية النابعة منها"... وفي نفس السياق "تحقيق وحدة الفكر العربي في قطاع الموسيقى" بوضع "سلَّم موسيقي موحَّد" يسمح بتجاوز "الخلافات في التسمية وفي طريقة العمل في المقامات والفروق الكائنة بينها"... الخ من التعليلات الواهية.

بعيدًا عن معضلة التقليد وما تسفر عنه من خلط مريب في المفاهيم والرؤى، فإنَّ الواقع الموسيقي ودراسات علم اللغة الموسيقية، تفيد بأنَّ السلَّم الموسيقي ما هو إلا تجسيد مجرَّد لمكوِّنات موسيقى الشعوب عزفًا وغناء، يحيكه الإنسان من مكوِّنات مخزون حضارته وأخلاقه وإحساسه، في تراكيب إيقاعية لحنية تعبِّر عن ذاته وصفاته، وهي التي يجب أن تكون منطلقًا للبحث عمليًّا ومنتهاه نظريًّا.. لذا لا يمكن الفصل بين السلَّم والمقامات التي لها الأولوية في الحصر والتصنيف والتبويب وقياس نسب درجاتها وأبعادها، على أن يشمل ذلك جلَّ المقامات المتداولة في كامل البلاد العربية دون استثناء أو تحيُّز، والعمل على تقدير قيمة تردُّداتها دون تكييف أو تطويع لتكريس نظرية رياضية مسبقة... لا شكَّ في أنَّ نجاح هذه المرحلة وما ستسفر عنه من نتائج فنَّية وعلمية، سوف يعزِّز وعينا وينير سبيلنا فيما يستوجب عمله للنهوض بموسيقانا على أحسن وجه...

علمًا وأنَّه إذا كان من بين طموحات هذه المرحلة العمليَّة المعمليَّة، الكشف عن مكوِّنات مختلف المقامات العربية وتقدير تردُّداتها تقديرًا صحيحًا ثمَّ ترتيبها في إطار سلَّم موسيقي عام وشامل، فإنَّه لا يجب بحال من الأحوال، النيل من بعدها الحيوي أو التفريط فيه إذ إنَّه يشكِّل العنصر الجوهري والأساسي في نظامنا المقامي.. إلاَّ إذا كنَّا نريد استبداله، وهذا أمر آخر!

تأكيدًا على أهمية هذه المسألة الشائكة، نرى من الضروري توضيح ما يلي:

منذ أواخر القرن التاسع عشر تاريخ انطلاق النهضة العربية الحديثة، شهد الفن الموسيقى من التحديث والتغيير ما عرفه الأدب والمسرح والفنون التشكيلية، وانفعل بنفس الموضوعات والتطلعات، فتنوعت المحاولات والاتجاهات وتعددت المواقف. فبالإضافة إلى القطيعة المؤسفة التي علقت بهذا الفن منذ قرون، بين العلم والعمل، جاء التصادم المفاجئ بالنموذج الغربي وتأثير التكنولوجيا الصناعية... تغيرات جذرية حصلت بكيفية سريعة ومتتالية على المشهد الموسيقي العربي، كان من نتائجها التخلي تدريجيًا عن الثوابت والتشبث بالمتغيرات الوافدة. وقد كان للتعليم الموسيقي حسب النموذج الغربي، الدور المركزي في تكريس هذا التوجه القائم على الخلط غير المدروس بين مكونات نظامين موسيقيين مختلفين تمام الاختلاف: المقامي العربي والتونالي الغربي. أن مميزات كل منهما تبرز واضحة جلية، من خلال الموسيقى ذاتها، وهيكلتها، وتراكيبها اللحنية والإيقاعية، والآلات الموسيقية والتقنيات الصوتية والوظيفة الاجتماعية. وبإيجاز شديد، يمكننا القول، أن الموسيقى الغربية الكلاسيكية تقوم على نظام تونالي سلمه معدل ثابت الدرجات، وعلى أساس مقاميْ الكبير والصغير (ماجور- مينور) والإيقاع المنتظم النبرات، مع اعتماد التدوين والكتابة التوافقية العمودية والتوزيع الأوركسترالي، الخ. بينما الموسيقى العربية تعتمد نظامًا مختلفًا، يمكن تلخيص عناصره كالآتي:

-       الاعتماد أساسًا على التلقين الشفوي وهو عنصر حيوي، يكون فيه للإبداع والارتجال، والذاكرة، وسعة الخيال، دور رئيسي يتطلب التعامل معه الكثير من الوقت والمثابرة والصبر إذ إن الغناء والعزف والنظريات والتحليل وبالتالي الإبداع والتلحين، كلها عناصر تتماشى مع بعض ويُستمد بعضها من بعض. ولا غرابة في أن عظماء من تدارسوا الموسيقى من الأقدمين عندنا، أمثال الكندي والفارابي وإخوان الصفا وابن سينا وصفي الدين، وغيرهم، وبحثوا في أدق جزئياتها، قد تجنبوا عمدًا وضع ترقيم جاف يكون بمثابة تحنيط لفن روحي وحيوي كالموسيقى.

-       الانتماء إلى الأسرة المقامية أي الاعتماد على مبدأ المقام أو الطبع الذي يعبِّر في نفس الوقت عن سلم موسيقي معيَّن، وعلى ما يتضمنه من خاصيات وما يثيره من تفاعلات سيكولوجية وفيزيولوجية. فكل مقام أو طبع يشكل ظاهرة مقامية تسبح في عالم "نغمي-إيقاعي" خاص، تخضع فيه بنياته الداخلية، الفضائية منها والزمنية، إلى مجموعة قوانين تفرضها التقاليد ويكيفها الذوق، وكل ما تفرزه اللهجات والأصوات المقترنة بعبقرية الفئات الاجتماعية.

-       السلم المعتمد في النظام المقامي، مستمد من مبدأ تآلفي، يعود إلى أصل سامي قديم - رغم نسبته إلى فيثاغورس - وهو فيزيائيًا، سلم "طبيعي" مستخرج من تسلسل تآلف الخامسات، ويعتمد على النظام السباعي أو الخماسي أو بمزج الاثنين معًا. عمليًا يتبلور في شكل خلايا متتالية (اثنتان فأكثر، تكون واحدة منها الأساس): أجناس أو عقود ثلاثية، رباعية، أو خماسية، من النوع المقامي (الدياتوني)، أو المتقارب (اللوني)، أو الشرقي بثلاثيته أو ثنائيته الخاصة (4/3 أو ¼1 تقريبًا). وتكون إما متصلة وإما منفصلة ببعد طنيني أو متداخلة. وهذا السلم الطبيعي الذي يعتبره العلماء أفضل سلم لحني على الإطلاق، ليس له أي علاقة بالسلم الغربي المعتمد على المعادلة الرياضية وتجزئة الديوان إلى اثني عشرة نصفًا من البعد متساوية، أو إلى أربعة وعشرين ربعا متساوية كما يطالب بذلك بعض النظريين المعاصرين من العرب وغيرهم من الشرقيين. فكلاهما يعود إلى قياسات حسابية مصطنعة، الهدف من ورائها تثبيت الكتابة التوافقية/الهارمونية، وإقحام الآلات ذات المنازل الثابتة.

-       دراجات السلم: تكون ثابتة في النظام التونالي، وتتسلسل من درجة الأساس إلى جوابها، وهي تكتسي في هذا الحيِّز، أهمية متباينة حسب دورها داخل المركبات المتآلفة وقواعد الكتابة التوافقية، من ذلك: الرابعة (تحت المسيطرة) والخامسة (المسيطرة/الثابتة)، والسابعة (الحساس)، والثامنة (الديوان). بينما درجات السلم في النظام المقامي، تختلف بين ثابتة ومتحركة بحكم الجاذبية الطبيعية حسب الأهمية، مع إمكانية تغيُّر بعضها عند النزول مقارنة بما هي عليه في الصعود. ويمكن تحديد الفروق الكائنة بين الدرجات، في النقاط التالية:

·        درجة القرار: المحور الأساسي الذي يحوم حوله ويبنى على أساسه سير اللحن. وهي تبرز خاصة في القفلات النهائية أو شبه النهائية، وتعطي أحيانًا اسمها للمقام المرتكز عليها.

·        المراكز أو الغمازات:  تتغير حسب نوعية الخلايا المكونة للمقام.

·        المبدأ أو المدخل: بالرغم من تنوعها، فهي ذات أهمية بالنسبة لانطلاق الحركة اللحنية.

·        درجات يفصح تجنبها أو تأكيدها عن شخصية المقام أو الطبع، وهي باختلاف وظائفها تفرز بين مقامات وطبوع تتماثل من حيث السلم.

-       روح المقام: ينفرد كل مقام بملامح معيَّنة تبرز من خلال تراكيبه اللحنية (وأحيانًا اللحنية–الإيقاعية)، تعرف بـ "روح المقام"، يستمد منها قدراته التعبيرية والتأثيرية. ولهذا الإحساس المقامي المميَّز، ثلاثة أبعاد:

·        فنِّي: ثابت يتم من خلاله التعرف على المقام.

·        تأثيري: يختلف وقعه حسب الإدراك الحسي والمزاج النفسي للمؤدي وكذلك للمتلقي.

·        ماورائي : تقليديًا كان يُنسب لكل مقام أو طبع قدرة تأثيرية (إيتوس Ethos) خاصة، بنيت على أساسها نظرية ما كان يعرف بـ شجرة المقامات أو الطبوع الأصلية والفرعية... غير أن هذا العنصر رغم أهميته، لم يعد متداولاً اليوم.

-       أسلوب الأداء: يعتمد الإضافة الشخصية (الزخارف والتلوينات والارتجالات المقامية والإيقاعية) كظاهرة حيوية وإبداعية هدفها تجاوز قيود الهوموفونية وإبراز الخط اللحني في صوره الجمالية الزاهية والمتنوعة، أي بطريقة التعدد النوعي (هيتروفونية)، تزداد حيوية وتكاملاً مع رهافة إحساس الموسيقيين وتمكنهم من تقنيات الأداء وقدرتهم على التصرف والتفنُّن... هذا ما يتعارض تمامًا مع الأسلوب العمودي التوافقي القائم على احترام السير اللحني في أدق تفاصيله، والذي يزداد انضباطًا مع إتباع المدونة الموسيقية والتضخيم العشوائي لعدد العازفين والمنشدين واعتماد قائد للفرقة. الحصيلة: التقيُّد بدقة الأداء وتوحيده، وبالتالي طغيان الرتابة، على حساب تلقائية المبادرة الشخصية وحيوية التجدد والتواصل والتكامل. وهذا يعني التخلي عن عناصر فنية وجمالية جوهرية، واستبدالها بأخرى مختلفة بل متضاربة تمامًا مع ما هو مطلوب.

-       أما العنصر الإيقاعي فهو لا يقل أهمية، إذ إنه يبرز في الموسيقى المقامية بطرق وإمكانيات فائقة التنوع والثراء. كل ذلك في تسلسل دوري، قوامه النبرات المميزة، داخل إطار زمني يحدده عدد معين من الوحدات، منها الساكنة، ومنها المتحركة بمختلف مستويات القوة والضعف حسب ما تمليه التركيبة الإيقاعية. هذا ما تفصح عنه مختلف المصطلحات المستعملة، منها:

·        أصول: أي أصل، أساس.

·        إيقاع (ج. إيقاعات): أي أن النبرات الإيقاعية تلعب دورًا أساسيًا في تركيبه وتنويعه (يعبر عنها موسيقيا بـ: دم – دم مه – تكْ – تكَّ – تكّه – تاكاه...)، مع اعتبار ما يُعرف بالزمان الأول أو المعيار.

·        وزن/ميزان (ج. أوزان/ميازين): أي أنه أداة تنظيم وقياس لأزمنة النغمات، فهو يقسمها إلى مجموعات متساوية تتكرر حسب نظام خاص، فيأتي اللحن موزونًا جميل الوقع.

·        ضرب/دور- دائرة/طقم (ج. ضروب/دوائر/طقوم): جملة نقرات متحركة وساكنة، متنوعة النبر من حيث القوة والضعف، تضبط أزمنتها وتتوالى، حسب نظام مخصوص لكل إيقاع. أي تسلسل منتظم طوال القطعة الموسيقية لعدد من الإيقاعات لها نفس المدة الزمنية ونفس النبرات ونفس النقرات القوية والضعيفة والساكنة، تعود بانتظام.

·        تعمير/حشو أو طرز: فن التلوين والتزويق في النقرات والنبرات الإيقاعية، بمعنى التنوع والإثراء وفيه حسب مقدرة الناقر، طرق شتى وفنيات عدة، تصل مع تعدد الناقرين إلى طريقة التعدد النوعي في الإيقاع (الهيتروريتمية).

·        عنصر التعبير: المتمثل في سير الحركة وتنوعها، حيث يتنوع الإيقاع بين منساب (مفتوح) وموزون تتدرج حركة أدائه من البطيء (موسع/ثقيل)، إلى متوسط السرعة (قنطرة/خفيف) فالسريع (انصراف، ملفوف). وهو ما يجعل من المقطوعة في نفس الآن، وحدة مستقلة ومتآلفة مع بقية المقطوعات داخل الوصلة في تسلسل محكم من البداية إلى النهاية.

فلكل من كلمة إيقاع ووزن مفهومًا خاصًا ولو أنها كثيرًا ما تستعمل الواحدة مكان الأخرى. فالوزن يعني: تنظيم الحركة وتقسيم الأزمنة في الألحان تقسيمًا منظمًا، وإن اختلف هذا التقسيم في أجزاء الأزمنة. وقد تكون لقطعتين موسيقيتين وزن واحد ولكنهما من إيقاع مختلف، وقد تكون عدة مقاييس في قطعة موسيقية متساوية الميزان طبعًا ولكن إيقاع كل مقياس يختلف عن الآخر بسبب اختلاف تقسيم زمن النقرة إلى عدد من النغمات مغاير لما في الآخر... وقد يتغير الإيقاع كذلك بتغيير سرعة أداء القطعة الموسيقية بكاملها.

والجدير بالملاحظة، أنه إذا ما بحثنا في جمالية البناء اللحني-الإيقاعي للنظام المقامي العربي، نجده يحاكي الاتجاه الجمالي المميَّز لنماذج الفن الإسلامي عمومًا، كالتوريق النباتي، والتظفير الهندسي، ونماذج الرقش العربي مثلاً، فهو يميل مثلها إلى استعمال وسائل تقنية وأسلوبية واضحة ومتفتحة، تبتعد أساسًا عن الخداع والقولبة وافتعال العناصر الوهمية.

هذه الفوارق المشار إليها، بين النظامين الموسيقيين، تبرز بإلحاح في أساليب التعليم. فهي بالنسبة إلى "النظام التونالي" الأوربي تقوم على التقاليد المكتوبة التي تتطلب "التطبيق الحرفي لما كتب حسب التقريب" اعتمادًا على "ذاكرة ذات اتجاه واحد غير مدمجة ضمن نظام ثابت ودقيق"؛ في حين أننا نجدها في "النظام المقامي" العربي والشرقي عمومًا، تعتمد على تقاليد شفوية تقوم على "ذاكرة متعددة الاتجاهات ومدمجة تبعًا لعادات متأصِّلة ضمن نظام حيٍّ وذات صيغ متعددة ومبادئ وفنيات جرِّبت طويلاً"، فهي مزيج من المقدُرة المكتسبة والإبداع ومن الارتجال والتأليف. وهي بالتالي، نتيجة مباشرة من المعلِّم إلى المتعلِّم ويبذل هذا الأخير مجهودًا يتضاعف تدريجيًا لفهم وهضم العمل الفني في أكمل أشكاله. ويأنس بذلك لقواعد اللغة الموسيقية ويكتسب في الآن نفسه ذوقًا وإحساسًا وقدرة على الإبداع. ولا يمكن أن يتحقق ذلك، إلا بالاستماع إلى فنان حقيقي والسير على منواله، وليس بتلقي دروس جافة من معلم مدرسة (كما لا يمكن أن يصبح المرء شاعرًا بمجرد درسه لعلم العروض ومعرفته لبحور الشعر). وهنا تأتي التفرقة بين التعليم الذي يهدف إلى تكوين فنانين مبدعين داخل المعاهد المختصة، والتربية التي تسعى إلى التثقيف والتوعية الموسيقية ضمن التكوين العام. كما يكتسي التوجه المتبع في مجال التعليم والتربية والثقافة الموسيقية عمومًا، أهمية بالغة، إذ صار متأكدًا بحكم التجربة، بأن الطرق الخاصة بالنظام التونالي، التي لم تعد ملائمة حتى للموسيقى الكلاسيكية الغربية ذاتها، تلحق فادح الضرر بالتقاليد الموسيقية الأخرى خاصة تلك الخاضعة إلى النظام المقامي. هذا مما دفع عددًا من أهل الاختصاص في التربية الموسيقية بأوربا من أمثال: سلطان كوداي، وكارل أورف، وموريس مارتنو، وسوزوكي وغيرهم.. إلى البحث عن أساليب جديدة عرفت بالتعليم "النشيط"، والتي ما هي في واقع الأمر، سوى محاولات محتشمة إذا ما قارناها بالأساليب العائدة إلى طريقة التقليدية الشفوية المباشرة، المتبعة في الموسيقى المقامية. ولقد برهنت هذه الأساليب الحسيَّة المستحدثة على نجاحات باهرة في مجالات تعليم الآلات الموسيقية ومجالات التربية الموسيقية بصفة عامة من الناحيتين النظرية والعملية. فهي تركِّز على تنمية الذكاء الموسيقي والذاكرة والمهارة لدى الطفل منذ نعومة أظفاره؛ وقد استفادت في مجملها من مكتسبات الطريقة الشفوية التقليدية التي تنطلق أساسًا من التطبيق الملموس، والتي برزت إيجابيات استغلالها وتجلَّت بوضوح – كما أسلفنا - من خلال تجارب علم النفس التربوي الحديث. والغريب في الأمر، أن بعضنا ينادي باعتمادها كما هي وكأنَّها حدث جديد عن مجال التعليم في الموسيقى العربية، بينما هي في الواقع، تشكل أحد أهم مميِّزاتها.

غير أن المشكل يكمن في كون مشاغل هذا العصر الذي نعيشه، تحول دون تطبيقها، إذ إنها تتطلب تعايشًا يكاد يكون مستمرًا بين المعلم والمتعلم. لذلك بات من الضروري التوصل إلى حل وسط يجمع بين الطريقتين، مع مراعاة شروط أساسية لا بد من الحفاظ عليها في المراحل الأولى من التعليم على الأقل، من بينها:

·        الانطلاق من عناصر اللغة الموسيقية المحلية؛ واعتماد سواها، عناصر إثراء لا بدائل.

·        استعمال النظريات كنتيجة للتمارين العملية (الصوتية والآلية)، واستعمال الترقيم الموسيقي كمعين للذاكرة، لا كعنصر أساسي يُتبع حرفيًا.

·        التخلص نهائيًا، من الاعتقاد بكون النوتة "لغة إنسانية" والتونالية الغربية "موسيقى عالمية"، فهو إدعاء باطل سوَّقه غزو ثقافي مهيمن بثقله على بقية ثقافات شعوب العالم.

·        الاعتراف بكون العالمية هي الانتصار للمحلية وللتنوع الثقافي في مفهومه الشامل.

هذه المقارنة الموجزة، تجعلنا نؤكد مرة أخرى على وجوب إعادة النظر في مناهج الدراسة ومناقشة المفاهيم المعتمدة، والآراء السائدة إلى حد الآن لدى أغلب مؤسساتنا التعليمية... فلقد بات من الضروري إرجاع الاعتبار إلى موسيقانا اعتمادًا على نظرة علمية فنية ثاقبة، تربطها أساسًا بمتطلبات نظامها المميَّز وخصوصياته..

*** *** ***

قائمة مختارة في المصادر والمراجع

المصادر

-       ابن زيلة، الكافي في الموسيقى، ت. زكريا يوسف، دار القلم، القاهرة، 1965.

-       ابن سينا، جوامع علم الموسيقى من كتاب الشفاء، ت. زكريا يوسف، مط. الأميرية، القاهرة، 1956.

-       ابن طحان، أبو الحسن محمد، حاوي الفنون وسلوة المحزون، ت. زكريا يوسف، مط. المجمع العربي للموسيقى، بغداد، 1076؛ طبع بالتصوير/ منشورات معهد العلوم العربية والإسلامية (سلسلة ج المجلد 52)، فرانكفورت، 1990.

-       ابن غيبي، عبد القادر المراغي، جامع الألحان، ت. تقي بنيشن، مؤسسة مطالعات وتحقيقات، طهران، 1987.

-       .....، مقاصد الألحان، ت. تقي بنيشن، مؤسسة مطالعات وتحقيقات، طهران، 1966.

-       ابن المنجّم، رسالة في الموسيقى، ت. زكريا يوسف، دار القلم، القاهرة، 1964؛ ت. يوسف شوقي، مط. دار الكتب، القاهرة، 1976.

-       محمد البوعصامي، إيقاد الشموع للذَّة المسموع بنغمات الطبوع، ت. بن عبد الجليل، مط. أكاديمية المملكة المغربية/سلسلة "التراث"، الرباط، 1995.

-       إبراهيم التادلي، أغاني السكا في علم الموسيقى، مخ.

-       أبو الحسن علي الجرجاني، شرح مولانا مبارك شاه بار أدوار (مخطوط).

-       صالح الجذبة، مختصر سفينة الحقيقية بعلم الموسيقى (مخ).

-       أبو عبد الله محمد الحايك، مجموع... (طبعات عدة).

-       أحمد السفرجلاني، السفينة الأدبية في الموسيقى العربية، دمشق، 1308 / 1879.

-       محمود سيالة، قانون الأصفياء في علم نغمات الأذكياء (مخطوط).

-       فتح الله الشرواني، رسالة في علم الموسيقى، طبع بالتصوير/ منشورات معهد العلوم العربية والإسلامية (سلسلة ج المجلد 26)، فرانكفورت، 1986.

-       محمد شهاب الدين، سفينة الملك ونفيسة الفلك، القاهرة، 1856.

-       قطب الدين الشيرازي، درة التاج لغرة الديباج، ت. سيد محمد مشكوت ونصر الله تقوى، طهران، 1939-1946.

-       صلاح الدين الصفد (696-764 هـ / 1296-1362م)، رسالة في علم الموسيقى، القاهرة، 1991.

-       صفي الدين الأرموي، كتاب الأدوار، ت. الحاج هاشم محمد الرّجب، سلسلة كتب التراث (192)، وزارة الثقافة والأعلام، بغداد، 1980؛ طبع بالتصوير/ منشورات معهد العلوم العربية والإسلامية (سلسلة ج المجلد 6)، فرانكفورت، 1984.

-       ....، الرسالة الشرفية في النسب التأليفية، ت. الحاج هاشم محمد الرّجب، سلسلة كتب التراث (119)، وزارة الثقافة والأعلام، بغداد، 1982؛ طبع بالتصوير/ منشورات معهد العلوم العربية والإسلامية (سلسلة ج المجلد 6)، فرانكفورت 1984.

-       شمس الدين الصيداوي الذهبي، كتاب الإنعام في معرفة الأنغام (مخطوط).

-       الفارابي، كتاب الموسيقي الكبير، ت. غطاس عبد الملك خشبة، دار الكتاب العربي، 1967؛ طبع بالتصوير/ منشورات معهد العلوم العربية والإسلامية (سلسلة ج المجلد61)، فرانكفورت، 1998.

-       الحسن الكاتب، كمال أدب الغناء، ت. غطاس عبد الملك خشبة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1975.

-       الكندي، مؤلفات الكندي الموسيقية، ت. زكريا يوسف - ملحق بـه موسيقى الكندي، مط. شفيق، بغداد، 1962.

-       ....، رسالة في اللحون والنغم، ت. زكريا يوسف، مط. شفيق، بغداد، 1965.

-       ....، رسالة في خبر صناعة التأليف، ت. يوسف شوقي، مط. دار الكتب، القاهرة، 1969.

-       ....، رسالة في أجزاء خبرية في الموسيقى، ت. محمود أحمد الحفني، اللجنة العليا – سلسلة تراثنا الموسيقي، القاهرة، 1959.

-       عبد الحميد اللاذقي، الرسالة الفتحية في الموسيقى، ت. الحاج هاشم محمد الرّجب، السلسلة التراثية (16)، الكويت، 1986.

-       مجهول، الشجرة ذات الأكمام الحاوية لأصول الأنغام، ت. غطاس عبد الملك خشبة وإيزيس فتح الله، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1983.

مسلم القادري الرفاعي الموصلي (تـ 1150 هـ / 1737م)، الدر النقي في علم الموسيقى، بغداد، 1964.

***

المراجع

-       ميخائيل خليل الله ويردي، فلسفة الموسيقى الشرقية، مط. ابن زيدون، دمشق، ط. 2، 1949.

-       الشيخ صالح الجذبة الحلبي، مختصر سفينة الحقيقة بعلم السماع والموسيقى (مخطوط).

-       عثمان الجندي، روض المسرات في علم النغمات، المكتبة العمومية، القاهرة، 1895.

-       سليم الحلو، الموسيقى النظريَّة، دار مكتبة الحياة، بيروت، 1961.

-       كامل الخلعي، الموسيقي الشرقي، مط. التقدُّم، ط. 1، القاهرة، 1904؛ ط. 2، الدار العربية للكتاب/أوراق شرقية، القاهرة، 1993.

-       الشيخ علي درويش الحلبي، النظريات الحقيقية في القراءة الموسيقية (مخطوط أنجز بين 1925 و1943).

-       أحمد أمين الديك، قانون أطوال الأوتار – تطبيقه على العود وما يشبهه، مط. نادي الموسيقى الشرقي بمصر، 1966.

-       محمد ذاكر، حياة الإنسان في ترديد الألحان، القاهرة، 1894.

-       عبد الله مختار السباعي، تراث النوبة الأندلسيَّة في ليبيا (نوبة المالوف المعاصرة)، المركز الوطني للمأثورات الشعبيَّة، سبها/ليبيا، 2001.

-       محمد سعادة، موسيقى تبحث على سلَّم، الحياة الثقافيَّة، عدد 5، تونس، 1978، ص 12-16.

-       أحمد السفرجلاني، السفينة الأدبية في الموسيقى العربية، دمشق، 1890.

-       المنوبي السنوسي، معيار قيس الأبعاد اللحنية في الموسيقى العربية، مجلة الإذاعة، عدد 178 و179، تونس، 1966.

-       يونس الشامي، النوبات الأندلسية المغربية، مط. مؤسسة بن شارة/بن ميد، الدار البيضاء، 1982-1986.

-       سامي الشوّا، القواعد الفنية في الموسيقى الشرقية والغربية، مط. جبرائيل جبرى، القاهرة، 1946.

-       يوسف شوقي، قياس السلَّم الموسيقي العربي، القاهرة، دار الفكر، 1969.

-       توفيق الصباغ، تعليم الفنون، ط 2، دمشق، 1938.

-       ....، الدليل العام في أطرب الأنغام، مط. الإحسان، حلب، 1950.

-       محمد صلاح الدين، مفتاح الألحان العربية، مط. أحمد مخيمر، القاهرة، 1946، (ط. 2، 1950).

-       ....، تصوير الألحان العربية، مط. أحمد مخيمر، القاهرة، 1951.

-       مجدي العقيلي، السماع عند العرب، دار الحياة، دمشق، 1969-1979.

-       أبو عبد الله محمد العلمي، الأنيس المطرب...، ط. حجرية-فاس، 1897.

-       أبو علي الغوثي، كشف القناع عن آلات السماع، الجزائر 1904؛ ط. 2، 1995.

-       فيّوتو، الموسيقى والغناء عند المصريين المحدثين (من وصف مصر :VIII، ترجمة زهير الشايب)، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1983.

-       محمود قطّـاط، نظرية النظام الخماسي، مجلة فنون، عدد 3-4، تونس، 1985؛ مجلَّة الموسيقى العربية/المجمع العربي للموسيقى (عدد خاص بمناسبة الندوة الدولية للسلَّم الخماسي- الخرطوم، 1984)

-       ....، قضايا السلم والمقام، مجلة البحث الموسيقي، المجمع العربي للموسيقى/جامعة الدول العربية، عمان – بغداد، 2002-2003، ص 7 –59.

-       ....، آلة العود بين دقة العلم وأسرار الفن، وزارة الإعلام – مسقط، 2006.

-       كتاب مؤتمر الموسيقى العربية (القاهرة 1932)، القاهرة – المطبعة الأميرية 1933 ("تاريخ مختصر للسلَّم الموسيقي العربي"، هنري جورج فارمر، ص 383-392).

-       كتاب المؤتمر الثاني للموسيقى العربيَّة (فاس 8 – 18 أبريل 1969)، وزارة الشؤون الثقافيَّة – الرباط، 1971.

-       المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، حلقة بحث الموسيقى في الإقليم المصري (الأولى والثانية/مطبوعات المجلس رقم 7، 1957؛ ورقم 52، 1961 (بهما أبحاث في السلَّم لكل من: محمد الحبيب، يحي الليثي، فرج عبد الرزّاق العنتري، محمد توفيق مصطفى بدران، ويوسف شوقي - وفي المقام: محمد صلاح الدين، السيّد طه مرسي ومحمد توفيق مصطفى بدران).

-       فؤاد محفوظ، تعليم آلة العود والموسيقى الشرقية والغربية، دمشق، ط. 1، 1962-1964، ط. 2، 1966.

-       محمود مختار، السلالم الموسيقية المستعملة في مصر، مط. الجمعية المصرية لهواة الموسيقى، القاهرة، 1944.

-       ميخائيل مشاقة، الرسالة الشهابية في الصناعة الموسيقية، ت. الأب لويس رنزفال، مجلة المشرق، بيروت، 1899؛ ت. إيزيس فتح الله، دار الفكر العربي، القاهرة، 1996.

-       صالح المهدي، مقامات الموسيقى العربيَّة، نشر المعهد الرشيدي، تونس، 1982؛ ط 2، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1993.

-        Chottin , Alexis :  Tableau de la musique marocaine, Paris-Geuthner, 1938

-        Collangettes, S. J. : “Etude sur la musique arabe”, in Journal Asiatique, série 10/IV et VIII, 1904- 1906, p. 162-168 ; 149-190

-        Erlanger, Rodolphe d’ : La musique arabe, t. V : “Essai de codification des règles usuelles de la musique arabe moderne / Echelle générale des sons – système modal, Paris-Geuthner, 1949, 2e éd. 2001

-        Guettat, Mahmoud : La musique arabo-andalouse / L’empreinte du Maghreb, Paris (El Ouns), Montréal (Fleurs Sociales), 2000

-        Id. ------ : La tradition musicale arabe, Ministère Français de l’Education Nationale/CNDP – Nancy, 1986

-        Id. ------- : Musiques du monde Arabo-Musulman / Guide bibliographique et discographique : Approche analytique et critique, Paris-Dâr al-Uns, 2004

-        Land, J.P.N. : “Recherches sur l’histoire de la gamme arabe”, 6e Congrès des Orientalistes, Leyden , 1884.

-        Recueil des Travaux du Congrès du Caire (1932) - Boulac-Le Caire 1934 (Histoire abrégée de l’échelle musicale arabre”, par . G. Farmer, p 647-655)

-        Rouanet, Jules : “La musique arabe” / “La musique arabe dans le Maghreb”, in Encyclopédie de Lavignac, t. V, Paris-Delagrave, 1913-1922.

-        Touma, Habib Hassan : La musique arabe (coll. Traditions musicales), 2e éd. Paris- Buchet / Chastel, 1996.

-        Villoteau, G.-A. : De l’état actuel de l’art musical en Egypte, in Description de l’Egypte, imp. Impérial-Paris, 1812

-        Yekta, Raouf : “La mùusique turque”, in Encyclopédie Lavignac, Paris-Delagrave, t.V, 1922

 


 

horizontal rule

[1]  تفيد المصادر بأن "نوبُ الغناء" التي يتغنى بها في البحور/الطرائق (المقامات) المذكرة، كانت كثيرة بالمغرب والمشرق، إذ يشير التيفاشي أنه "من مغني الأندلس رجالاً ونساء من يغني خمسمائة نوبة ونحوها"؛ النوبة عندهم : "نشيد (وهو المعروف عند أهل الأندلس بالاستهلال والعمل)، وصوت (وهو عمل دون استهلال)، وموشح وزجل" (متعة الأسماع في علم السماع، الباب الثاني عشر). وهذه الكثرة فيؤكدها ابن الطحَّان المصري (القرن الخامس للهجرة/الحادي عشر الميلادي) يقوله "أنَّ النوب كانت كثيرة" (حاوي الفنون وسلوة المحزون، المقالة الثانية – الباب 18)، وكذلك العمري الذي يقول بأنه يوجد موسيقيون يمكنهم أداء مائة وخمسين نوبة مختلفة (مسالك الأبصار، ج 10). وهو ما يفند  الرأي القائل بوجود 24 نوبة باعتبار نوبة لكلِّ ساعة من ساعات الليل والنهار، والذي هو في رأينا اعتقاد باطني بحت، يعود إلى ربط الموسيقى بمعتقدات روحانية وفلكية موروثة؛ توجُّه يركِّز على علاقة الأصوات بالطبائع البشرية والكونية، وعلى مبدأ التأثير الموسيقي. (انظر، محمود قطاط: "من قوالب التراث الموسيقي العربي الإسلامي/ النوبةالحياة الثقافية، عدد 63، تونس 1992، ص 17-41؛ موسوعة الحضارة الإسلامي /المجمع الملكي- آل البيت، عمان/  الأردن، 1989، ص 193-206).

[2]  دار الطراز، ص 35. وما بعدها.

[3]  البسيط:  غناء متقن يعتمد أساسًا على الإيقاعات الموسعة كالثقيل الأول والثقيل الثاني وثقيل الرمل، ويتركب من ثلاث حركات: مقدمة آلية (طريقة)، خانة يمكن أن يستعمل فيها كلمات شعرية (تشييعة)، ثم ضرب من التلوينات والتصرفات (صوت/ صوت الوسط، أو المائة خانة).

[4]  من بحر القول، أي من تلحينه وفي مجرى إصبعه. فهذه عندهم نوبة واحدة كاملة، إلا أنها تتصرف في كل واحدة من البرداوات والأوازات المذكورة.

[5]  هذا ما تؤكده مصادر عدة من بينها: التيفاشي والشرواني (تـ 880 هـ / 1475 م) وخاصة عبد القادر ابن غيبي (تـ 754 – 834 هـ / 1354 – 1435 م)

[6]  "اشتهر بالأندلس إنَّ كلَّ من افتتح الغناء فيبدأ بالنشيد أوَّل شدوه بأيِّ نقر كان، يؤتي إثره بالبسيط ويختم بالمحرّكات والأهزاج تبعًا لمراسم زرياب". ثمَّ صارت تقوم في بلدان المغرب - حسب التيفاشي - على: "نشيد واستهلال وعمل ومحرّك وموشّحة وزجل وجميعها تتصرَّف في كلِّ بحر من بحور الأغاني العربية"، لقد هذب ابن باجة الاستهلال والعمل وجاء بعده ابن جودي وابن الحمارة الغرناطي وغيرهما، فزادوا ألحانه تهذيبًا، واخترعـوا ما قدروا عليه من الألحان المطربة وكان خاتمة هذه الصناعة أبو الحسين ابن الحاسب المرسي فإنَّه أدرك فيها علمًا وعملاً ما لم يدركه أحد، وله في الموسيقى كتاب في جملة أسفار، وكل تلحين يسمع بالأندلس والمغرب فهو من صنعته". ابن حيان: المقتبس الثاني، ص 128-129؛ المقري: نفح الطيب...، ج 3، ص 128؛ التيفاشي: متعة الأسماع... (الباب الحادي عشر والثاني عشر)، يذكر هذا الأخير 24 من طريقة النشيد و19 من طريقة الصوت، موزعة على أربعة بحور/ طرق (مقامات)، هي: المطلق، والمزموم والمجنب والخسرواني، مع ذكر شعرائها وكذلك ملحنيها.

[7]  لقد تواصل استعمال مصطلح النوبة بالمغرب العربي، بينما حلت محله تسميات أخرى في بقية التقاليد الموسيقية للعالم العربي الإسلامي

[8]  محمود قطاط: آلة العود بين دقة العلم وأسرار الفن.

[9]  مع محمد ذاكر (1894)، كامل الخلعي وإدريس راغب (1904)، أحمد أمين الديك (1926) ولجنة بحوث السلَّم للمعهد الموسيقي الشرقي (1929-1930)، وكذلك لجنة السلَّم في المؤتمر الأول للموسيقى العربية (القاهرة 1932) التي اعتمدت بدورها على نفس الافتراض: "إثبات قيمة الأربعة والعشرين صوتًا التي يتكوَّن منها السلَّم العام للموسيقى العربية" (كتاب المؤتمر، ص 331)، وذلك في معزل تام عن لجنة المقامات والإيقاع والتأليف.. وتواصل الأمر مع يحي الليثي ومحمد صلاح الدين وغيرهما ممن ساهم في حلقة بحث الموسيقى العربية التي شكَّلها المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية (1957-1961).

[10]  كالتي اتبعها كل من مصطفى مشرفة ومحمود مختار (1935-1944) وكذلك محمد الحبيب (1957) ويوسف شوقي والذين كانوا يرفضون منحى التقليد القائم على السلم المعدَّل.

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني