مقامية الموسيقا العربية

 

محمد قدري دلال

 

تمتاز الموسيقا العربية بأنها لحنية (ميلودية)، فهي لم تؤسس على تعدد الأصوات (الهارمونية) عموديًا، ولم تُبْنَ على توازي الألحان (البوليفونية) أفقيًاـ بل استعاضت عنهما بالمقامية، لذلك كثرت المقامات وتعددت، وتجاوز عددها المئات، نظرًا لبناء المقام على تغيُّرٍ في الجمل اللحنية مما يستدعي تبدلاً في الدرجات الموسيقية المستخدمة في أبنيتها، وتغيرًا في الأجناس (العقود)، و(السلالم) التي تشكلها هذه العقود، و(الأثر) المتخلِّف في أذن السامع لكل واحد من هذه المقامات.

قبل الخوض في طرق معالجة القدماء لكل مقام على حدة، لا بد من تعريف المصطلحات التي وردت - وسترد كثيرًا -، وبيان وجهة نظرنا بعد أن استقرأناه استقراء وافيًا للألحان المسموعة والمدوَّنة، ونحاول توضيح كل المواضيع الشائكة التي تعترض الدارس المبتدئ، وقد تعوق الباحث عن المتابعة، نظرًا لوجود معمَّيات وألغاز كثيرة وردت في كتب القدماء النظرية.

المقام:

أسلوب خاص جدًا في استخدام درجات موسيقية، تحكمها أبعاد معينة تجتمع في عقودٍ قد يصل عددها إلى /17/ سبعة عشر، العقود هذه تُؤَلف في اجتماعها سلالم كثيرة.. والمقامات تتغير أسماؤها بطريقة تناول هذه العقود، تقديمًا وتأخيرًا، استهلالاً أو بدايةً. ولا بد حين التأليف على مقامٍ ما من إظهار درجات معينة في السلم، والتركيز عليها، كي نفرق بين المقامات التي تشترك في درجات سلم واحد، بحيث يترك كل واحد من المقامات أثرًا مميَّزًا لدى السامع، وانطباعًا مستقلاً لا يشاركه فيه آخر لدى السمِّيع المحترف:

مثال ذلك (مقامات: راست - مـاهور (عربي) - رهاوي - سوزدلارا..) (ومقامات: بياتي - عشاق – حسيني - محيَّر..).

الخلاصة:

المقام: أسلوب خاص في التأليف باستخدام درجات موسيقية معينة، يخلف أثرًا مميَّزًا في أذن السامع، لا يشاركه في الأثر هذا مقام آخر.

أشهر المقامات:

1.    المقامات التي تشترك مع (راست) في العقد الأول: راست - سوزناك - ماهور - نوروز سلطاني - دِلنشين - رهاوي - سوزدولارا - يكاه (على درجة صول).

2.    المقامات التي تشترك مع (بياتي) في العقد الأول: بياتي - عشاق (تركي) - طاهـر - حسيني - حصـار - قارجغـار (شوري) - محيَّر - وجه عرضبار.

3.    المقامات التي تشترك مع (نهاوند) في العقد الأول: نهاوند - نهاوند مرصَّع - نهاوند (كبير) - فرحفزا (على درجة SOL يكاه)ـ

4.    المقامات التي تشترك مع (حجاز) في العقد الأول: حجاز - حجاز (غريب) – أصفهان - حجاز كار (على درجة DO) - شاهيناز - زنكلاه (زنجران).

5.    المقامات التي تشترك مع (صبا) في العقد الأول: صبا.

6.    المقامات التي تشترك مع (سيكاه) في العقد الأول: سيكاه - هزام - ماية - بسته نِكار (على درجة SI ) - عراق (على درجة SI ) - فرحناك.

7.    المقامات التي تشترك مع (حجاز كار كرد) في العقد الأول: حجاز كار كرد - طرز ناوين - شوق طرب.

8.    المقامات التي تشترك مع (العجم) في العقد الأول: عجم عُشَيران - شوق أفزا.

9.    جهار كاه.

السـلَّـم:

هو بمثابة الرسم البياني الذي يظهر لنا الدرجات الموسيقية المستخدمة في مقام ما صعودًا وهبوطًا، متوالية حسب تسلسلهـا (الأدنى فالأعلى - ثم العكس مع التغييرات التي قد تطرأ حين الهبوط)، مُوَضحًا أبعادهـا ومقسمـة إلى عقود (أجنـاس) أقرتها مؤتمـرات الموسيقا العربيـة، بعد دراسة للألحان التراثية (الكلاسيكية)، فهي إذن ملزمة للملحن حين التفكير بالتأليف على هذا المقام أو ذاك، وتلك الطريقة تحكُم تسمية المقام.

وأبعاد الدرجات فيما بينها - متغير في أنحاء الشرق الذي يستخدم المقامات نفسها، فدرجـة (سيكاه) وهي مـن أهم الدرجات في سلالم كثيرة، ليست موحَّدة، ففي تركيا أعلى منها في سورية، وهي في حلب أعلى منها في مصر، وفي باقي المدن السورية.

الخلاصة:

السلم الموسيقي رسم يوضح الدرجات المستعملة في مقامٍ ما (صعودًا وهبوطًا)، مبيِّنًا أبعادها موزَّعة في عقود (أجناس) موروثة.

ألوان من السلالم الموسيقية:

رموز الأبعاد

العقد (الجنس):

مجموعة من الدرجات الموسيقية المتوالية، ذات أبعاد ثبَّتها الاستخدام الموروث لها، يتراوح عددها بين /3/ ثلاثة و/5/ خمسة، والتسمية هذه فيزيائية الأصل، فالوتـر إذا شُدَّ من طرفيه وحُبَس في نقاط معينة، نشأ من اهتزازه بطون، والنقاط المحبوسة عقود تنقسم إلى درجات موسيقية تختلف وطول البطن المهتز.

والعقـود في الموسيقـا العربية و(الشرقية) قد لا يبلـغ مجمـوع أبعادها (فاصلة رباعية) أي (درجتين ونصف) كما في الموسيقا الأوربية، فقد تزيد أو تنقص عن ذلك كما سيأتي لاحقًا.

أنواع العقود:

1.    ثلاثي الدرجات: ويحتوي على ثلاث درجات كما في عقد (سيكاه): مجموع الأرباع فيه (درجة وثلاثة أرباع الدرجة).

2.    رباعي الدرجات كما في عقدي راست وبياتي: مجموع الدرجات فيهما (درجتان ونصف الدرجة).

3.    خماسي الدرجات كما في عقد نكريز وراست بإضافة الدرجة الخامسة: مجموع الدرجات فيه (ثلاثة درجات ونصف الدرجة).

أشهر العقود:

عقد راست - ساز كار – نهاوند - نكريز - كرد - بياتي - صبا - صبا (زمزمة) - صبا (بوسليك) - حجاز- سيكاه – مستعار – عجم - جهار كاه – حصار - حصار كردي (كرد أثر) - نوا...

الخلاصة:

العقد هو مجموعة من الدرجات المتوالية أقلها ثلاث وأكثرها خمس، يسمى حسب أبعادها: باسم أشهر المقامات الذي يكوِّن العقد قسم سلَّمه الأول.

الأثر المقامي:

هو إحساس خاص متفـرِّد، يتخَلَّف عن الغنـاء أو العزف السليمين لمُؤَلَّف من مقـام معيَّن في أذن السامع وروحه، بحيث يميِّز هذا الإحساس من غيره، ويفرِّق المستمع مقامًا من سواه من المقامات الأخرى، وإن اشترك معها في السلم والعقود..

تنبيه: للأرباع الشرقية أسماء وضعها الدكتور ميخائيل مشاقّة، بعد أن قسَّم السلم الموسيقي الشرقي إلى /24/ ربعًا ابتداءً من درجة صول (القرار)؛ ومن قائل إنها موضوعة قبلاً ونسبت إليه، وهي منتشرة بين الموسيقيين الشرقيين عرب وغيرهم، ولا بد للدارس من الاطلاع على هذه الأسماء وحفظها إن أمكن.

جدول بأسماء الأرباع التي سمَّاها الدكتور ميخائيل مشاقّة:

على سبيل المثال إذا أردنا كتابة أسماء درجات سلم راست بالأرباع السابقة- فستكون على النحو التالي:

أما مقام سوزناك المشترك مع راست بالعقد الأول - فيُكتب بالأرباع على النحو الآتي:

مقام راست

من أهم المقامات في الموسيقا الشرقية و(العربية)، فقد لا يخلو مؤَلَّفٌ منه، وهو ذو أثر حزين جليل متَّزن، ويعد أحد المقامات الرئيسية الثلاثة التي يبتدأ بها طقس (الذكر) الإسلامي، كما أن المؤلفات في المقام هذا أكثر من أن تحصى، والانتقال إليـه من مقام آخر يضفي جمالاً على المؤلف غنائيًا كان أم آليًا.. ولذا فإن عقد راست يدخل في صلب سلالم مقامات عدة.

أشهر المؤلفات الآلية التي تعبر تعبيـرًا دقيقـًا عن مقـام راست هي: (بشرف راست لمحمد فخري - بشرف وسماعي طاتيوس أفندي - وسماعيات وبشارف أخرى كثيرة)، أما المؤلفات الغنائية فلا تحصى، منها: موشحان من أقدم ما وصلنا (كلما رمت ارتشافا وأحن شوقًا إلى ديارٍ)[1] يضاف إليهما موشح غير متداول هو (أي بارقَ العلمِ في حيِّ ذي سَلَمِ)، ومن قصائد لحنها الموسيقار المبدع رياض السنباطي: (سمعتُ صوتًا هاتفًا في السحر)، ومن ألحان محمد عبد الوهاب قصيدة (أخي جاوز الظالمون المدى)، وأغنية لحنها لعبد الحليم حافظ مطلعها (قول لي حاجه)، هذه القصائد والأغنية المذكورة هي خير تعبير عن طريقة التلحين التراثية (الكلاسيكية) في هذا المقام.

من الملاحظ أن المستخدم من سلم المقام في الأمثلة السابقة - هو العقد الأول (راست DO) عمومًا-، يصدق هذا على الخانة الأولى، وقد يصدق هذا على التسليم (السماعي مثلاً) - وفي أحيانٍ قليلة يستخدم العقد الثاني (هابطًا) لقفلة مُلِحَّة طارئة، كما نلحظ ذلك في تسليم كلا البشرفين.. فأنت ترى المؤلف يدور في فلك الدرجات الأربع (العقد الأول)، وقد يضيف درجة أو اثنتين مـن (العقد الثاني)، وتحس برنيـن درجتي الأساس والخامسة (دوDO - صول SOL).

في المؤلفات الغنائية التقليدية ينسحب ما ذكرناه عليها أيضًا، إلاَّ أننا نلاحظ ما يلي:

-       إمَّا أن يُكتَفى بالعقد الأول كما في موشحي (أحـن شوقًا - أي بارق العلم - ملا الكاسات وسقاني..).

-       أو أن ينطلق المؤلف إلى (العقـد الثاني) كما في موشح (كلما رمت ارتشافا).

دوَّنا مقطع اللحن الأول من دور الموشح، أما المقطع التالي فانتقال إلى مقام حجاز غريب، ومنه إلى حجاز كار على درجة (دو DO)، في قفلة مستغربة، أو بعيدة عن جو مقام راست الذي استهلَّ به الموشح.

كما اعتمدنا في إيراد الأمثلة الأخرى على الخانة الأولى من الموشح، ذلك لأن الملحن - حسب ما نراه - لا بدَّ أن يستهلَّ لحنه بأسلوب التأليف الكلاسيكي (التقليدي) للمقام، ومن ثم يعرض ما توحيه عليه قريحته من أفكار موسيقية أخرى في المقام نفسه، أو أن يعرِّج على (عقود) قريبة، سواء أكانت من صلب سلمه أم لا. وهناك رأي آخر يقول: إن الخانة كلها تعبر عن المقام، رغم ما فيها من تغيير أو تعريج على عقود أخرى، إذ هي برأيهـم صورة المقـام الحقيقية!!

ومن الأمثلة الهامة: دور موشح (منيتي من رمت قربه) للحاج عمر البطش، ففي الدور يستخدم العقد الأول وصولاً إلى الدرجة الثانية من العقد الثاني (لا LA)، هبوطًا إلى العقد ما قبل الأساس حتى درجة (يكاه SOL)، لكن التركيز الأكبر يتم على العقد الأول كما هو واضح.

الموشح من ألحان محمد عثمان (1845- 1900)، أضاف محمد عبد الوهاب خانتين، لحنهما لتغنيهما المطربة ليلى مراد في فيلم (عنبر)، في الأربعينيات من القرن العشرين.

هذا ومن القدود ما يعبر بشكل دقيق عن جو المقام وأسلوب التأليف فيه ابتداءً، مثل قد محبوبي (لحن صبري مدلل):

وكذلك اللحن التالي وهو قد معروف في حلقات الذكر، والمناسبات الاحتفالية الدينية الأخرى.

إذا انتهى المؤلف من عرض العقد الأول، ينتقل إلى العقد الثاني من سلم المقام، فإنه يستهلكه، لكن القريحة والإلهام قد يدفعانه إلى استخدام ثالث العقود، ومن ثم الهبوط إلى درجـة القرار، مرورًا بالعقـد الثاني الذي تُخفَض ثالثتُـه (SI )، ليتغير اسمه أيضًا فيصبح (عقد بوسليك) على درجة نوا (SOL)، ولقد رآه القدماء ضروريًا حين الهبوط، ليوحي بالعودة والانتهاء.

ومن الملاحظ أيضًا في المؤلفات القديمة: استخدام عقد (حجاز) أو (بياتي)، وحتى الانتقال إلى مقامات مثل نو أثر أو نهاوند على (دو DO)، ثم العودة إلى المقام الأصل (راست).

ولعل في موشح (كلما رمت ارتشافًا) دليل على ما ذكرناه:

أدرجنا بعض التوضيحات للانتقالات التي حدثت في مجرى اللحن يرجى التنبه لها..

في خانة البشرف أو السماعي الثانية، جرت العادة أن ينتقل إلى العقد الثاني منتقلاً بالمستمع إلى عقد (حجاز)، وليضحي المقام إذا اكتمل بالهبوط إلى درجة القرار (سوزناك).

أما في الثالثة فمن الملحنين من يؤثر الانتقال إلى الجواب (العقد الثالث)، صائغًا جملاً في مقام الكردان (ماهور عربي)[2]، وقد ينتقل كما في سماعي راست لطاتيوس إلى البياتي على الدرجة الخامسة.

لعل للموشح شروطًا أخرى، إذ إن الانتقال إلى العقد الثالث في الخانة أمر مستحب، وبالتالي فنحن نستمع لحنًا وُضِع في مقام (ماهور عربي)، لكن من الطريف ذكره أن محمد عبد الوهاب حين لحن خانتي موشح (ملا الكاسات): جعل الثالثة في مقام صبا على درجة (الحسيني)، مع محافظته في الثانية على ما جرى عليه التقليديين.

وما ذكرناه يتجلَّى في خانة موشح (منيتي من رمت قربه):

وهو كذلك في الخانة الثانية من موشح ملا الكاسات، التي لحنها عبد الوهاب، وهو فيها يجارى التقليديين:

أما لدى المحدثين، فتغييرهم إلى عقود أو مقامات أخرى، لا يتبع منهاجًا معيّنًا، أو قاعدة ثابتة، بل الحبل مُلْقىً على غاربه، والأمر متروك للسليقة والحس الجمالي، وما تمليه لحظات الإلهام من جملٍ قد تصل إلى حد الإغراق في الانتقال الذي لا يخلو من غرابة، خاصة في لحن القصيدة، أو ما يسمَّى بالأغنية العاطفية، تأثُّرًا بما يسمعونه من المؤلفين الأوربيين، والمحدثين منهم، لكن الجمالية متوفرة عند الكثير، وفي الأمر هذا لا يصلح التعميم، فكل عمل موسيقي تجربة فنية لها مزاياها، والذي يجب أن يدرس منفردًا برويَّة وعناية، كي نكتشف بواطن الجمال وسر إيثار هذا السبيل على ما اتبعه التقليديون من ملحنينا، لكننـا والحالة هـذه هل نسمي المقـام المحدث (راست)؟

*** *** ***


horizontal rule

[1] ملحنهما الحاج عبد القادر المراغي ( 1433 م.).

[2] تمييزًا له من مقام ماهور التركي الذي تكون الدرجة السابعة في سلمه (طبيعية)، ويكون العقـــد الثاني (عجم أو جهاركاه).

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني