سورية: الاغتراب والعنف 2014

 

المركز السوري لبحوث السياسات

 

لا تزال المأساة الحادة والعنف المستشري في سورية يرخيان بثقلهما الكارثي على جميع الجوانب المتعلّقة بالتنمية في أنحاء البلاد. وقد تسبَّبت هذه المأساة بحصول تحوُّل مدمِّر يُنتج مؤسسات جديدة ويشوِّه المؤسسات الحالية لخدمة اقتصاديات العنف الآخذة في التوسُّع. وإضافة إلى ما سبق، وفي الوقت الذي يسحق فيه النزاع المُسلَّح تطلُّعات الشعب السوري وقدرته على بناء وتشكيل مؤسسات بوسعها استعادة الأمن الإنساني واحترام الكرامة البشرية وحقوق الإنسان، فقد أسهم النزاع أيضًا في استنزاف رأسمال البلاد وثروتها. كما تراجعت قيمة دليل التنمية البشرية لسورية، وهو الذي يقيس قدرات التنمية البشرية وخياراتها، بنسبة 32.6% مقارنة بالعام 2010، ليجعل بذلك ترتيب سورية يتقهقر من المراكز الوسطى إلى المركز 173 من أصل 187 دولة. ويشكِّل ذلك مؤشرًا واضحًا على الفجوة الآخذة بالاتساع بين المؤسسات القائمة وحالة الاغتراب الموجودة لدى الشعب السوري والآخذة بالتعمُّق.

مع تواصل التراجع في دورة الاقتصاد السوري، وصلت الخسائر الاقتصادية الإجمالية إلى 202.6 مليار دولار حتى نهاية عام 2014، وتُعادل هذه الخسارة 383% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2010 بالأسعار الثابتة لعام 2000. وتبلغ قيمة الخسارة الُمقدَّرة في الناتج المحلي الإجمالي 119.67 مليار دولار أميركي خلال فترة النزاع، ممَّا يشكِّل 59% من الخسارة الاقتصادية الإجمالية.

وقُدِّرت الخسارة التي تواصلت في مخزون رأس المال، نتيجة للأضرار والتخريب، وأعمال النهب والسلب والسرقة بمبلغ 71،88 مليار دولار أميركي، أي ما يُعادل نسبة 36% من الخسائر الاقتصادية الإجمالية. في حين أن النفقات العسكرية الإضافية البالغة 11 مليار دولار أميركي تمثِّل 5% من هذه الخسائر.

لقد تغيرت هيكلية الاقتصاد السوري جذريًا مع تواصل إغلاق مؤسسات الأعمال وتسريح العمَّال، ومع تسجيل انكماش كبير طال معظم القطاعات الاقتصادية ومنها التجارة الداخلية والصناعة الاستخراجية والنقل والاتصالات والبناء والتشييد. ورغم أن مكوِّن القطاع الخاص من الناتج المحلي الإجمالي قد تقلَّص، إلا أن القطاع الحكومي والزراعة سجَّلا معًا تزايدًا كبيرًا في حصَّتهما من الإنتاج الآخذ بالتراجع، حيث شكَّلا معًا 44% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2014. وفي حين أن قطاع الصناعة التحويلية شهد تحسنًا طفيفًا في العام 2014. إلا أنَّ حصة القطاع لم تشكِّل سوى أقل من 5% من الناتج المحلي الإجمالي. وعلى الرغم من النمو الكبير في الخدمات الاجتماعية وخدمات المنظمات غير الحكومية طوال مدَّة النزاع، إلا أنهما لم يشكِّلا سوى نسبة ضئيلة من الناتج المحلي الإجمالي، كما أن هذا النمو لم يكن كافيًا لمواكبة الوتيرة المتسارعة لتزايد الاحتياجات الاجتماعية والإنسانية.

تناقص عدد سكَّان سورية خلال النزاع بنسبة 15% عما كان عليه عام 2010، مع اضطرار 3,3 مليون إنسان إلى اللجوء في دول أخرى، فضلاً عن 1,55 مليون شخص هاجروا بحثًا عن العمل والحياة الآمنة في أماكن أخرى. وضمن ما تبقى من سكان سورية، اضطر 6,80 مليون نسمة إلى النزوح داخليًا بعيدًا عن بيوتهم وأحيائهم ومناطقهم جراء العنف، والخوف، والترهيب، والتشرد. وخسر أكثر من 12 مليون إنسان المصدر الأساسي لدخلهم، بما أن قرابة 3 ملايين عامل فقدوا وظائفهم خلال النزاع.

ومع نهاية العام 2014، كان أكثر من نصف القوى العاملة (وتحديدًا 57,7%) عاطلاً عن العمل، بينما كان أكثر من نصف من يشتغلون (أي 55% منهم) يعملون في القطاع العام. وبما أن شرائح واسعة من المجتمع فقدت فرصتها في العمل وكسب الدخل فإن 4 من كل 5 سوريين يعيشون الآن في حالة من الفقر. بينما انحدر 30% من السكان إلى الفقر المدقع الذي يشير إلى عدم قدرة الأسر على تأمين الحد الأدنى من الغذاء الأساسي للبقاء على قيد الحياة. وتشيع هذه الحالة في مناطق النزاع والمناطق المحاصرة - التي تواجه فيه الشرائح الأفقر والأكثر هامشية من السكان - الجوع، وسوء التغذية، بل وحتى خطر المجاعة. ومع تنامي العنف وتصاعد حدته، تضاعف حجم الخسارة في الأرواح البشرية ليصل عدد الضحايا في 2014 الى 210000 إنسان. وبالتالي، فإن حوالي 6% من السكان كانوا قد لقوا حتفهم، أو جرحوا، أو أصيبوا خلال أحداث النزاع المسلح.

وبناءً عليه، ووسط هذا التدهور الاقتصادي والاجتماعي والإنساني، لجأت مختلف قوى التسلط الداخلية والخارجية إلى تجنيد المؤيدين والاستعانة بالمستثمرين لينضموا الى آلة الحرب، ومؤسسات واقتصاد العنف، حيث بات الاضطهاد والتطرف والتعصب والإرهاب جزءًا من الأدوات الشائعة المستعملة لإخضاع المجتمع المدني والناس وقمعهم. وغالبًا ما تستعمل قوى التسلط مجموعة من المصالح والحوافز التي تشجِّع الأشخاص الذين جندتهم كي يتصرفوا بطريقة تعارض مصالحهم الذاتية وتطلعات مجتمعهم المحلي، وغالبًا على حساب قيم المجتمع وهدر الحياة الإنسانية. لقد عبرت غالبية الناس عن رفضها وتجنبها للعنف بطرق مختلفة لكنهم في ظل سيطرة الحالة العنفية يشعرون بالاستلاب والاغتراب عن المجتمع المدني والسياسي خلال هذه الحالة الاستثنائية التي تتركهم في حالة من الخوف الشديد، والتبعية، والإقصاء. كما أن الكثيرين يشعرون بالعجز والإرباك والصدمة، فضلاً عن إحساسهم باليأس وفقدان الأمل، عندما لا يرون في الأفق أي نهاية محتملة لهذه الحالة المرعبة من العنف. بالرغم من ذلك فإن بعض الناس والمؤسسات أيضًا يرفضون العنف، ويعون حالة الاغتراب هذه، ويواصلون نضالهم السلمي ضد قوى التسلط الداخلية والخارجية لكي يتغلبوا على هذه الكارثة التي ألمَّت بسورية. وهم يكابدون ويعانون لإنجاز التغيير وإحراز التقدم نحو مؤسسات عادلة وشفافة وشاملة للجميع تعيد الاعتبار للأمن الإنساني مع احترام حقوق جميع السوريين وكرامتهم.

يمكن قراءة التقرير كاملاً على الرابط التالي:

 http://scpr-syria.org/ar/S370/%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%BA%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%A8-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%86%D9%81-2014

*** *** ***

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني