الفصل السابق

سَدَنَة هياكل الوهم

بحث في الخطاب الديني للعقل الفقهي المشيخي

(محمد سعيد رمضان البوطي مثالاً)

2

 

عبد الرزاق عيد*

التواتر والإجماع

إذا كان الإجماع يشكِّل الحلقة الثالثة من الأصول الأربعة التي تنضِّدها مصفوفةُ الشافعي، متمثلةً بالكتاب والسنة والقياس والإجماع والاجتهاد، – نقول: إذا كان الإجماع يأتي ترتيبُه ثالثًا في مصفوفة علم الأصول، إلا أنه يشكل عنصرًا تكوينيًّا فاعلاً في منظومة الأصول الأربعة، حيث إن القرآن والسنة، كما وصلانا، إنما وصلانا بالتواتر الذي يتأسَّس، لإسناده القوي وخبره الصحيح، على الإجماع، الذي يبلغ حدًّا في فاعليته المنهجية أن يعتبره الغزالي "أعظم أصول الدين؛ فهو الذي يُحكَم به على كتاب الله تعالى وعلى السنة المتواترة"[30].

هذا العنصر الركني في التأسيس لأصول الدين كان مثار نزاع وخلاف في تحديد معناه: هل هو إجماع الصحابة؟ أم هو إجماع أهل المدينة؟ – باعتبارهم عايشوا سيرة النبي وأصحابه، كما يذهب مالك. أم هو إجماع أهل عصر من العصور على مسألة من المسائل الدينية؟ – كما يذهب الغزالي، مفندًا الآراء السابقة القائلة بإجماع أهل المدينة وإجماع الصحابة، ليقرر قائلاً: "أجمعت الأمةُ على وجوب اتِّباع الإجماع."[31] كما يرد الغزالي على الإمام مالك بأن المدينة لم تجمع "جميع العلماء، لا قبل الهجرة ولا بعدها، بل مازالوا متفرقين في الأسفار والغزوات والأمصار"[32].

يقوم محمد عابد الجابري بتلخيص ثلاث أفكار رئيسية، معتمدًا كتاب مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها لأبرز رجال "السلفية الجديدة" في المغرب: علال الفاسي. وهذه الأفكار هي:

1.     إن الإجماع، على كونه ذا أصل أصيل في الدين، فإن أمره يرجع تاريخيًّا إلى حادثة سياسية، وهي اجتماع الصحابة لاختيار خليفة للنبي بعد وفاته.

2.     إن العصر الأول، عصر الصحابة، عصر بناء الدولة الإسلامية، قد امتاز بالتشاور في كلِّ ما لا نص فيه؛ ومن خلال عملية التشاور هذه "كان أهل الحل والعقد يشتركون في وضع أسُس تاريخية واجتماعية لمصدر الإجماع الشرعي"؛ بمعنى أن "الإجماع"، كأصل من أصول التشريع، إنما يجد مصدرَه في التاريخ والمجتمع، لا في أيِّ شيء آخر، وأنه إنما يعني، من الناحية العملية، التشاور في كلِّ ما لا نص فيه.

3.     إن تحول الحكم في الإسلام بعد "العصر الأول" إلى "الحكم المطلق الوراثي" أدى إلى "تقييد النظر" والقضاء على "التشاور" والقضاء، بالتالي، على المضمون الحقيقي لفكرة الإجماع.[33]

ويضيف الجابري، عارضًا لآراء علال الفاسي، أن الأخير يدعو الدولةَ الإسلامية لأن "تجعل من أنظمتها الديموقراطية الحديثة سبيلاً لبعث الشورى الإسلامية وتحقيق معنى الإجماع الإسلامي لأول مرة..."، حيث يعلِّل الفاسي إخفاق المجتمع الإسلامي في تحقيق مجتمع "الشورى والإجماع" بالاستبداد، يقول:

إن الاستبداد الذي أصاب نظام الحكم الإسلامي هو الذي حوَّل التطور في تنظيم الشورى والإجماع إلى مجادلات فارغة في حجية الإجماع وإمكان وقوعه وعدم ذلك.[34]

ويخلص داعية "التراثية المُحَدْثَنَة" إلى أن استنتاج الفاسي لا يعني أن الفقهاء قد أرادوا ذلك (أي "تحويل الإجماع إلى مجادلات فارغة") واختاروه، بل إن "انقلاب الخلافة إلى ملك عضوض" هو الذي أدى إلى ذلك؛ لكنه لا يلبث أن يحمِّل الطرفين المسؤولية، بعد أن برَّأ الفقهاء، ليخلص إلى أن الاستبداد الذي عانى منه العقلُ العربي البياني استبدادان: استبداد السلف بالمعرفة، واستبداد الحاكم بالسياسة. ومن دون شك فإن "الوقوع في الثاني إنما كان بسبب الهروب من الأول، بسبب عدم القدرة على مواجهته والتصدي له"[35].

هذا "الإجماع"، يتناوله كاتبٌ من أواخر القرن التاسع عشر، هو الشيخ العلامة عبد الحميد الزهراوي، قائلاً:

لم يمضِ الثلث من القرن الأول على المسلمين حتى كفَّر بعضُهم بعضًا، فتحاربوا وتحازبوا وتخاذلوا، إلى أن انقسموا إلى ثلاث: فئتان تشايع كلٌّ منهما رئيسًا كبيرًا، وأخرى خارجة عن دائرتهما، ناقمةً عليهما حاليهما.

ولم يمضِ الثلث [الثاني] حتى انقلبت دعوتُهم إلى الدين وتهذيب النفوس دعوةً إلى المُلك والاستئثار وتوسيع أبهة الملك وجعله منحصرًا في أسرة يحدث أفرادها ما شاؤوا أن يحدثوا.

ولم يمضِ الثلث الثالث حتى تكاملت أصولُ الشيع وتلاحقت فروعُها وأينعت ثمراتها، وأحدث في الدينُ مَن أحدث واخترع مَن اخترع، فاختلفوا في القراءات: فتعددت أشكالُها، وتعارضوا في الروايات، فتناقضت أحكامُها، وتباينوا بالفهم من النصوص، فضاعت ثمراتُها، وتجادلوا في الفهوم، فذهبت غاياتُها عقائدَ متباينة، وعباداتٍ مختلفة، وأقضيةً مضطربة، وضمائرَ متباغضة – فأين الإجماع؟[36]

ثم يتساءل العلامة الزهراوي:

أليس هذا هو أمرنا الذي عليه مدار فخرنا، وإليه يُرَد أصلُ مجدنا. دَعْ عنك زمن الخليفتين، وقل لي: متى كان الإجماع؟ وكيف يُجمِع قومٌ حالهم ما ذكرناه آنفًا؟ وأي المسلمين مُطالبون أن يفهموا معنى ذلك الإجماع: أعرابهم الضاربون في بطون الأودية وظهور الجبال، أم أمصارهم المؤلَّفة من أبناء الروم والفرس والقبط وقليل من أبناء الأحبار؟ مَنِ المُطالَب منهم بالتشريع: أَولاة أمورهم –وهم مَن علمتَ بين لاهٍ، فَرِحٍ بالنعمة الجديدة التي ورثوها، وبين نشيط حازم، مشتغل بتسكين تلك الفتن المعهودة – أم الرواة الذين لم يكن أكثرهم يعلِّم أكثر من النقل والحكاية؟[37]

هذه الأسئلة التي يطرحها الجَدُّ المستنير، منذ القرن الماضي وبدايات تفتح العقل والعقلانية لمدرسة الإصلاح الديني مع بداية القرن العشرين، يأتي الحفيد الشيخ البوطي في زمن الهزيمة – هزيمة عقل الأمة وروحها – ليجيبه عليها في ثقة هائلة قائلاً:

والجواب: أن كلاً من علمَي الجرح والتعديل وتراجم الرجال إنما وُجِدَ تذليلاً لسبيل البحث وتيسيرًا للإطلاع على الواقع الذي ينبغي الوقوف عليه. ففي مكتبتنا الإسلامية مؤلَّفات كثيرة تستعرض معجم الرجال الذين وردت أسماؤهم في أيِّ سند من الأسانيد، تستطيع أن تقف فيها على ترجمة مَن تشاء منهم جرحًا وتعديلاً. كما قد تكوَّن في مكتبتنا فنٌّ خاص بهذا الشأن، وهو ما يُسمَّى بفن مصطلح الحديث، وقد ضم هذا الفن كلَّ المقومات المختلفة للتحقيق في النقل والإخبار، طبق منهج علمي فريد.[38]

الإجماع أم التعدد والتغاير؟

قبل مناقشة الدكتور البوطي بـ"علم الجرح والتعديل"، لا بدَّ لنا من تقديم صورة مكثفة عن الاختلافات التي انتقلت إلينا عبر النقل والإخبار الصحيح عما يمكن أن نسميه "الاختلاف الخلاق"، وهو أهم منجز من منجزات العقل العربي عندما دخل طور الاستقرار والتحضر. وإن نظرة سريعة إلى مكتبتنا الإسلامية تكشف أنها حافلة بكتب "المِلَل والنِّحَل"، من الشهرستاني إلى البغدادي إلى ابن حزم إلخ، تومئ لنا إلى دلالة ذات مغزى بعيد، مؤداه أن عنوان تقدُّم مناهج البحث العلمي ليس في "الإجماع"، بل في "المغايرة والاختلاف"! فما من أمَّة، في الماضي والحاضر، حاولت أن تكبل العقل بمنظور "الواحدية" الذي لا يقبل التعدد والاختلاف إلا أخفقت وذهبت ريحها. وليس أولها طموح الإسكندر المقدوني إلى ذلك، ولا جموح العقل الفقهي الإسلامي إلى صياغة رؤية دينية للعالم، توضع تحت تصرف الحاكم المستبد باسم وحدة الأمة ودرء الفتنة، وليس انتهاءً بالنظام السوفييتي، الذي أراد أن يصمِّم عقلاً "فقهيًّا" ماركسيًّا في خدمة توتاليتاريةِ السلطة ومركزيتها الدولتانية الهائلة، – وها هي ذي نتائج ذلك أمام أعيننا! – أو بـ"النظام العالمي الجديد" المزعوم، الذي يطمح إلى عولمة العالم كوسموپوليتيًّا حول المقدسات القومية الأمريكية، الطامحة إلى أمركة عقل العالم وروحه وذوقه عِبْر المزيد من تفكيكه وتذريره، لصالح المزيد من تمركُزها الإمبريالي المتوحش.

فالتعددية عِبْر التاريخ كانت عنوانًا لازدهار العقلانية والفلسفة والحوار والديموقراطية، لأن الأمة، عندما ترتقي في ثقافتها وفكرها إلى مستوى قبول التعدد والتغاير ورفض الاستبعادات المتبادَلة التي تحكم الصراع الإيديولوجي والسياسي، تستطيع عِبْر ذلك فقط أن تحقن دماء المجتمع، وتضخ دمًا في شرايين التاريخ. لكن الحضارة العربية الإسلامية – مع الأسف! – حكمتْها هذه الثنائية التي ظلت تنخر في بنيتها التكوينية، حتى آلت إلى وضعها المخجل اليوم. لقد حكمت بنيةَ العقل العربي ثنائيةُ قبول التعدد في المجال الفكري (الفقهي والكلامي والفلسفي) ورفض هذا التعدد في المجال السياسي. وعلى هذا، فإن التاريخ الفكري الإسلامي لا يعرف هذا العنف والطغيان كلَّه الذي شهده تاريخ المسيحية، في حين أن التاريخ السياسي لا يزال هو تاريخ الفتنة، تاريخ الدم، تاريخ القهر، حتى اليوم – بدءًا من "الفتنة الكبرى" مع مقتل عثمان، إلى اقتتال علي مع معاوية، ومن بعدُ اقتتال علي مع الخوارج، الذي ذهب ضحيتَهم، إلى اقتتال الأمويين مع الخوارج والشيعة، فلم يستطيعوا أن يبيدوا الخوارج دون أن يبيد سلطانُهم، فأفنى الأمويون مع الخوارج بعضهم بعضًا. واستمرت المعارضة الشيعية عِبْر الدولة العباسية التي شهدت أرقى تجلِّيات العقل وهو يمارس حريته وتعدده ومغامراته في الكشف والاكتشاف الخارجي والداخلي للعالم وللذات. لكن هذه الدولة سرعان ما فتنتْها السياسةُ عن نفسها مع بداية هبوطها، بتقويض السلطة العربية نهائيًّا بعد اقتتال الأمين والمأمون، ومن بعدُ، بتقويض سلطة العقل بعد وفاة المأمون وملاحقة المعتزلة، لتكون المعركة مع المعتزلة آخر المعارك التي خاضتْها الأمة ضد ذاتها باسم "الإجماع": إجماع الأمة على عقيدة السلطة. وبذلك بدأت تتكون إيديولوجيًّا سلطةٌ راحت تتداعى ككيان سياسي، يتزامن معها تداعٍ على مستوى العقل، الذي طفق يشرِّع لتداعيها وارتكاساتها عِبْر الأشعرية التي كانت تتويجًا لخروج الإسلام كفعالية مؤثرة في التاريخ، للانتقال إلى مرحلة المفعولية التي صاغ الغزالي فلسفتَها الواحدية القهارة التي ترفض التعدد والتغاير والعقل المتسائل والمتفلسف، ليحيي "علوم الدين" القائمة على الإيمان والإذعان بأن الإنسان لا يملك من أمر نفسه شيئًا، أي لا يملك أية فاعلية أو قدرة على الفعل في العالم والأشياء، حيث الفاعلية لله ولسلطان الزمان، الذي كان الغزالي ينظِّر لمشروعيته السلطانية، تاركًا الصليبيين للقدرة الربانية، لأن للإسلام ربًّا يحميه! حسبنا، إلى اليوم، التضرع والدعاء لدفع الحروب واستجلاب النصر، وكفانا التعاويذ طلبًا للبركة والعون والشفاء ودرءًا للشرور والحسد!

ونظرًا لصعوبة الوحدانية التي أرادها الغزالي في وحدانية السلطة، ولإلحاح الفقهاء وأصحاب الطرق والإسلام المشيخي السلطوي على الغيبيات، من جنٍّ وملائكة، فقد كثرت الخرافاتُ والأوهام، وعاد الناس إلى وثنيتهم الأولى، يقدسون الأبطال والأضرحة والأولياء، مما أطفأ نورانية العقل المتسائل، المُحاوِر، المغاير، المتعدد، لصالح "مشكاة الأنوار" اللدُنِّية، المنبعثة من أضرحة الأولياء والدراويش وأصحاب الطرق. تخلَّى الفكر تدريجيًّا عن دوره الحِواري المُغني للحياة الاجتماعية والروحية للجماعة، حتى تحولت هذه الثنائية إلى شرخ مثَّل قطبيه في الزمن السلجوقي عالمان كبيران هما الإمام الغزالي وعالم كبير آخر هو عمر الخيام: الأول داعية عزلةٍ، وانغلاقٍ، ومصالحةٍ مع التصوف، وتخويفٍ للناس، على طريقة الحسن البصري، من أهوال الموت وعذاب القبر، وتعظيمٍ لسلطان القضاء والقدر، كمعادل لتعظيم سلطان الحاكم؛ بينما الوجه المضاد الآخر الذي شغل فضاء القرن السادس الهجري هو عمر الخيام، الذي يشكِّل الأطروحةَ المضادة للفناء في الذات اللدُنِّية، المتمثلةَ في الفناء في الذات الحسية، الجسدية، الكونية، عِبْر الإعلاء من شأن لحظة الحاضر التي هي اللحظة الوحيدة القابلة للَّمْس والحس والاستغراق في اللذة – لذة الخمر والمرأة.

لقد تأسَّست هذه الحالة الانحطاطية في ثنائياتها الشرخية منذ بداياتها مع الدولة الحمدانية في حلب، حيث بلغت السلطةُ حدًّا بعيدًا من الطغيان والاستبداد، فكان

عهد سيف الدولة أسوأ مَثَل للاستبداد، من فَرْضِ ضرائب باهظة على الناس، وضمِّ كثير من البلاد إلى ممتلكاته الخاصة: فانتزع حلب من يد الإخشيديين المتغلبين في مصر، وأراد أن يبسط سلطانه على دمشق، ولكنه أخفق. غير أن حسنته الوحيدة الكبرى موقفُه أمام البيزنطيين.[39]

مع سيف الدولة، تكرستْ إحدى السمات المميِّزة للدولة العربية الإسلامية: فهو قد أضاف إلى استبداديتها المؤسِّسة لپسيكولوجية حق الحاكم في امتلاك الأمة – وطنًا وشعبًا، جسدًا وروحًا – بُعدًا جديدًا لهذه الدولة المستبدة، وهو التمركز حول ذاتها الوثنية من خلال الإعلام الذي استعاضت به عن الفكر والثقافة. فسيف الدولة كان يريد أن يظهر بمظهر راعي الثقافة والمثقفين إعلاميًّا؛ فكأنه بذلك كان يؤسِّس لصورة العلاقة بين الحاكم والمثقف اليوم: كان يخصِّص جعالة تكاد ألا تقوم بأود العاملين في مجال الفكر والثقافة والعلم في عصره، كمثال الفارابي، بينما كان يغدق بلا حدود من آلاف الدنانير على المتنبي ثمنًا لمديحه، أي لما يمثِّله من قيمة "إعلامية" للإشادة بمآثره المزيفة – حتى قيل عن سيف الدولة في إغداقه من أموال الأمة على المتنبي والشعراء (وزارته الإعلامية) القولُ المأثور: "ليتها ما زَنَتْ ولا تصدَّقتْ"!

وعلى هذا، تحولتْ فكرةُ الإجماع في صدر الإسلام، ممثلةً بالشورى، – شورى أهل الحلِّ والعقد (مثالها اجتماع السقيفة) – إلى إجماع الأمَّة على إيديولوجيا السلطة: كلما ازدادت السلطة مركزيةً وسفهًا وطغيانًا ازداد الإلحاحُ على الإجماع باسم "درء الفتنة والحفاظ على وحدة الأمة" – في حين أن هذه الأمة، على المستوى الواقعي السياسي التاريخي، كانت تتآكل وتتفتت إلى دويلات وأمصار وأقاليم. لكن المراد بالإجماع الذي "يدرأ الفتنة عن الأمة" هو في الواقع إجماع أهل مصر كلها على حاكمها وعلى سَدَنَة هيكلها العقائدي من الفقهاء الذين راحوا يطلبون السلطة بعد أن كانت تطلبهم، وذلك حين كانوا في أوج نهوضهم العقلي والحضاري؛ في ذلك الزمن، لم يترددوا في إطلاق الرأي والاجتهاد والتفسير والتأويل وفق مقتضيات الزمن الذي يبدِّل الرؤى والأحكام.

ولنأخذ مثالاً على بلوغ العقل الإسلامي مرحلةً من القدرة على تعايش الآراء المتعددة، لا يمكن مقارنتها إلا بفضاءات المجتمع الليبرالي الغربي اليوم؛ وليكن هذا المثال تعدد آرائهم، لا في مسألة شرعية فرعية، بل في دستور العقيدة والشريعة ذاتها: القرآن. وبهذا الصدد، يلخِّص لنا القاضي عبد الجبار آراء الفقهاء في طبيعة القرآن، يقول:

-        وذهب هشام بن عبد الملك ومن تَبِعَه في القرآن إلى أن صفة الله تعالى لا يجوز أن توصَف، لأن الصفات لا توصَف.

-        وذهب ابن كلاب إلى أن كلام الله – عزَّ وجلَّ – غير مخلوق ولا بمُحدَث، وأنه قديم بقِدَمِه، وإنْ لم يصف كلامَه بالقِدَم ولا بالحدوث، لأن القديم إنما يكون قديمًا بقِدَم مَن قام به، ولا يجوز قيام القِدَم بالصفة، ولا يقال في القرآن: إنه غير الله تعالى، ولا بعضه، ولا هوَ هو.

-        وارتكب الأشعري القول بأن القرآن قديم، وقال: لا يقال فيه الله، ولا غير الله، ولا هو هو، ولا غيره.

-        وحُكِيَ عن بعض الحشوية إنه قال في القرآن الكريم: هو الخالق.

-        وفيهم مَن قال: هو بعضهم.

-        وقد حُكِيَ عن بعضهم في القرآن إنه جسم.

-        وعن بعضهم إنه ليس بجسم ولا عَرَض.

-        ثم اختلفوا، فمنهم مَن قال: يوجد في غير مكان.

-        ومنهم مَن قال: يوجد في مكان.

-        ومنهم مَن أحال أن يكون القرآن في الحقيقة فعلَه – عزَّ وجلَّ – ممَّن يقولون بالطبائع.

-        ومنهم مَن جعله حروفًا مؤلَّفة.

-        ومنهم مَن زعم أنه الحروف ولا نظم فيه.

-        ومنهم مَن زعم أنه الحروف والنظم.

-        ومنهم مَن قال في الكلام إنه عَرَض وجسم لأنه حروف وتأليف.

-        ومنهم مَن قال إنه يجوز أن يكون الكلام جسمًا وعَرَضًا، ويجوز أن يكون عَرَضًا دون جسم؛ فإن كان جسمًا وعَرَضًا فهو حروف وتأليف، وإن كان عَرَضًا دون جسم فهو تأليف الحروف دون الحروف، وإن كان لا ينفك من الحروف، كما لا ينفك إذ هو مسموع من صوت.

وهذا جملة ما اختلفوا فيه.[40]

لسنا في صدد الدخول في مناقشة هذه المسألة الكبرى في تاريخ علم الكلام الإسلامي، التي أدَّت إلى فَرْز هذه الآراء بين تيارات ثلاثة: القائلين بقِدَم القرآن، ومن ثمَّ محنة ابن حنبل المعروفة لأنه قائل بالقِدَم أيضًا، والمعتزلة وقولهم بخلق القرآن أو أنه محدث، وفرقة تنوس ما بينهما، وهم الأشاعرة القائلون بقِدَم مضمونه وحدوث لفظه – نقول: لن نتناول في هذا السياق تلك المسألة الكبرى، لكننا نريد أن نلمع إلى أن هذه الآراء المتعددة والمختلفة والمتغايرة تومئ إلى الحقيقة التي توصل إليها المتنوِّر الحمصي الكبير عبد الحميد الزهراوي، وهي: "أين الإجماع؟" – لاسيما أننا حيال مسألة تمس العقيدة ذاتها، لا الشريعة فحسب، وذلك في مثالنا أعلاه حول تعدد الآراء والاختلاف في تحديد طبيعة القرآن.

ولنأخذ مثالاً آخر، لكنه ليس من اللاهوتيات (الكلام)، بل هو من أهم مسائل الشرعيات التي تناوَلَها المعتزلة، وهي مسألة الإمامة، حيث إن الفكر الاعتزالي العقلاني المستنير بلغ مستوى من الوعي المدني بهذه المسألة حدَّ أنه لو أمكن له أن يحقق إجماع الأمة عليه لعَصَمَ تاريخَها من حروبها التي فتَّتتْها داخليًّا؛ وهذه المسألة تتمثل في الصراع الدموي على الإمامة بين قريش والبيت الهاشمي.

لقد كان موقفهم من هذه الفتنة (موقعة الجمل) أن فسَّقوا طرفيها، فكانوا يردون شهادة رجلين أحدهما من أصحاب الجمل، أي من أنصار السيدة عائشة وطلحة والزبير، والآخر من أصحاب علي. يحدثنا البغدادي قائلاً بأن عمرو بن عبيد زاد على واصل بن عطاء في هذه البدعة، فقال بفسق كلتا الفرقتين المتقاتلتين يوم الجمل. ويضيف الإسفراييني أن المتقاتلين في كلتا الفرقتين "خالدون مخلَّدون في النار" بحسب عمرو بن عبيد؛ وبعبارة أخرى، يحدِّثنا الشهرستاني قائلاً إن عمرو بن عبيد زاد على واصل بن عطاء في تفسيق أحد الفريقين لا بعينه، بأنْ قال: "لو شهد رجلان من أحد الفريقين، مثل علي ورجل من عسكره، أو طلحة والزبير، لم تُقبَل شهادتُهما، وفيه تفسيق الفريقين وكونهما من أهل النار."[41] فأي وعي "مدني" ذلك القادر على تأثيم – بل وتجريم – أيِّ شخص، مهما كان موقعُه ومقامُه، إذا أهدر دم أخوة الأمة والجماعة؟!

هذا الرأي المعتزلي لم يُخلِص له الفرنسيون إلا بعد الثورة الفرنسية. لكن سيرورة التقدم الاجتماعي والسياسي والثقافي للمجتمع المدني الديموقراطي المؤسَّساتي أتاحت لهذا الرأي ("دم الفرنسي على الفرنسي حرام") أن ينتسج في بنية وعي الأمة ويترسخ في مخزون لاوعيها الثقافي. لكن لحظة الانهيار التي بدأت مع موت المعتزلة، التي يعتبرها أحمد أمين من أكبر مصائب المسلمين[42]، لم تُتِحْ – للأسف – لهذا لرأي المعتزلي ("دم المسلم على المسلم حرام") أن ينتسج في وعي الأمة ويترسخ في لاوعيها الثقافي والشعوري، وإلا لَكُنَّا أنجزنا هذا المكتسَب المدني الحضاري قبل الأوروبيين بعشرة قرون، ليس فقط على مستوى تجريم القاعدة كلَّ مَن يشهر السلاح في وجه أخيه الآخر، أيًّا كانت الأسباب والدواعي، بل ولجنَّبنا هذا الرأيُ والفهمُ الكثيرَ من الويلات عِبْر التاريخ، وصولاً إلى يومنا هذا، حيث "التفكير" يؤسَّس على "التكفير" (نصر حامد أبو زيد): تكفير الجميع للجميع، انطلاقًا من امتلاكهم وهم "الفرقة الناجية"، التي برهن تاريخُها المعاصر على أن "الفرقة الناجية" الوحيدة كانت دائمًا إسرائيل في مواجهة أمَّة تتذابح فِرَقُها عِبْر تاريخها حتى اليوم!

نقول بأن هذه الفتوى العقلانية المدنية – "الطرفان المقتتلان في النار" – ما كانت ستحول دون الأمة وتاريخَ حروب الفتن الطائفية التي عاشتها وتعيشها إلى اليوم وحسب، بل ولقدَّمتْ لنا رؤيةً ووعيًا مدنيين في قراءة الأحداث وقراءةً تاريخية تتأسَّس على صراع القوى والمصالح في الأرض، وليس في السماء. فالمتقاتلون بشر، تحرِّكهم دوافع وأطماع السياسة والسيادة، وحُكْمهم، بالتالي، حُكْم أهل الدنيا والمطامع، مهما جلَّ قدرُهم وعلا شأنُهم في موقعهم من الرسالة، كالصحابة الذين شاركوا في موقعة الجمل – ما يؤكد لنا أطروحة علم الأديان المقارن، على لسان ماكس فيبر، بأن القرن الأول للإسلام كان قرنًا سياسيًّا، وأن الغطاء اللاهوتي التقديسي أتى لاحقًا، حيث بدأت مرحلةُ قراءة الأحداث بعيون السماء، وبدأ التدخل الإلهي في الشأن الأرضي، لإكساب المدنس الأرضي التساميَ السماوي، ولإكساب الدناءات الأرضية شرعيةً إلهية سماوية، مما أنتجه لاحقًا العقلُ الغيبي الميثي، بعد أن بدأ العقل العقلاني – "لأن العقل موجود دائمًا، ولكن ليس دائمًا في صورة عقلانية" – يقدِّم استقالته مع موت المعتزلة، حيث أدخل الرواةُ وكَتَبَةُ التاريخ اللهَ في سير الوقائع والأحداث، كما في الملاحم اليونانية.

ونعود إلى الإجماع لنتساءل: ماذا لو أن المسلمين أجمعوا على منهج الاعتزال في التفكير[43]: لا مرجعية إلا مرجعية العقل وحرية التفكير، ليس في النظر إلى الوجود فحسب، بل إلى ما وراء الوجود! – نقول: لو تسنى للمسلمين مثل هذا الإجماع، هل سيكون وضع الأمة إذ ذاك على هذه الدرجة من الضعة والهوان، إذ يصنع عقلَها ووجدانَها سَدَنةُ هياكل الوهم، وهم العقل الفقهي المشيخي؟

ونحن، إذ نتساءل عن حقيقة الإجماع، – ليس طلبًا له، لأنه لا يقود على مستوى العقل إلا إلى الجمود والتخشب والتخثر الدماغي – نتطلع إلى تلك اللحظة التاريخية التي تأخذ الأمة العربية فيها قرارَها التاريخي في دخول التاريخ والخروج من التراث، وإعادة الارتباط بالتراث، ليس بالاستغراق فيه، بل بالخروج منه عِبْر الانتظام في السلسلة العقلانية التي أسَّس لها المعتزلة.

إن غاية ما تطمح إليه الأمة في موضوع الإجماع – وهو ما نسمِّيه اليوم بلغتنا الحديثة بـ"الثوابت الوطنية والقومية"! – هو ما يوحِّد الأمة تجاه العدو الخارجي، مع إفساح المجال للحرية العقلية لفصائل الأمة كلِّها لكي تفكر بوسائل المواجهة والمقاومة، وليس المساومة.

إن في النصوص التي يسوقها لنا القاضي عبد الجبار، وما يمكن لنا أن نتلمَّسه في كتب "الملل والنحل" من اختلافات في الرأي، ما يبدو لنا اليوم وكأن ذلك العقل المتعدد، المتسائل، قد قامت بينه وبين العقل الإسلامي الراهن قطيعةٌ معرفية (إپستمولوجية) بحق، لأن مجموع الآراء المُساقة في طبيعة القرآن آنفًا، لو جرت اليوم، لَشُهِرَتِ السيوفُ وسُفِكَتِ الدماء – حيث كلُّ طائفة تلعن أختَها وتكفِّرها وتصف نفسها بأنها "الفرقة الناجية" الوحيدة، بعد أن "تأفغَنَ" و"تَجَزْأر" العقل المشيخي – من حيث إن الإسلام الفقهي المشيخي الرسمي التابع للسلطة يحمل في داخله قابليات "الأفغنة" تكوينيًّا، لأنه لا يستند في منظومته العقيدية إلى الإسلام الشعبي، الوطني، الذي يشكِّل مأثورُه التاريخي والثقافي والحضاري أحد أهم المكونات التاريخية للهوية وللذاتية الحضارية والثقافية للأمة؛ كما أن الإسلام المشيخي السلطوي المذكور لا يستند في منظومته المعرفية إلى الميراث العقلاني المدني والحضاري، المتمثل في الإسلامية التي يعرِّفها الكواكبي بأنها

تجعل الإنسان لا يرجو ولا يهاب من رسول أو نبي أو ملك أو فلك، أو ولي أو أجنبي، أو ساحر أو كاهن، أو شيطان أو سلطان[44]

– مادام مفهوم الله يتعين بوصفه نظامًا وقانونًا داخليًّا ضروريًّا، يحكم الظواهر بعليِّتها الداخلية السببية: "ولن تجد لسنة الله تبديلاً" [الأحزاب 62، الفتح 23]. فالله بهذا المفهوم – بحسب الإمام الكواكبي – لا يختلف إلا في الأسماء: "لا خلاف بين الله والمادة والطبيعة إلا في الأسماء"، بحسب تعبيره[45].

*** *** ***


 

[30] أبو حامد الغزالي، المستصفى من علم الأصول، ج 1، ص 176.

[31] المصدر نفسه، ص 180.

[32] المصدر نفسه، ص 187.

[33] محمد عابد الجابري، نقد العقل العربي 2: بنية العقل العربي، طب 3، مركز الدراسات الوحدة العربية، بيروت، ص 134.

[34] علال الفاسي، مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، الرباط، مطبعة الرسالة، ص 117-118؛ عن المصدر السابق: بنية العقل العربي، ص 135، 143.

[35] المصدر السابق: بنية العقل العربي، ص 135. ولا يجد المرء من معنى لهذا الاستدراك الذي يقوم به داعيةُ "نقد العقل العربي"، لأن مَن يكون "العقل العربي" هدفَه التحليلي هو الجابري. الحفر الأركيولوجي عن البنية اللاواعية الصانعة لمنظومته المعرفية لا يبرِّر للعقل الفقهي امتثالَه وإذعانَه للنظام التراتبي الهرمي، الذي يبدأ بالتأسيس لمبدأ الطاعة والإذعان للطغيان تأسيسًا لها (أي للمنظومة المعرفية)، ولا إضفاءه بذلك على الدنيوي مشروعيةً دينية، كما أسلفنا في شرح سورة القدر. فالمستبد لا يستطيع بَسْط سلطانه والحفاظ عليه بالجند المنظمة فحسب؛ فلا بدَّ من "الفقيه المتمجِّد بمجد السلطان"، على حدِّ تعبير الكواكبي، في وجه المثقف "الماجد المعارض للاستبداد". هذا التلازم العضوي، الذي يشد طرفَي معادلة الاستبداد (السياسي والديني) ليس من اكتشافات الكواكبي في الفكر العربي، بل أشار إليه من قبلُ، كاشفًا وفاضحًا، حجةُ الإسلام الإمام الغزالي عندما تحدث عن الفقهاء في كتابه إحياء علوم الدين: "الفقهاء التابعون ظلوا ملازمين صفو الدين، فكانوا إذا طُلِبوا أعرضوا وهربوا من تولية الخلفاء لهم القضاءَ والحكومات. لكنهم سرعان ما أصبحوا، بعد أن كانوا مطلوبين، طالبين، وبعد أن كانوا أعزاء بالإعراض عن السلاطين، أذلةً بالإقبال عليهم." ويختم رأيه بالفقهاء بأنهم "يشتغلون بأمور الدنيا وهم يلبسون مسوح التقوى والورع، متعلِّلين بأن ما اشتغلوا به هو علم الدين؛ ولا مطلب لهم سوى التقرب من رب العالمين". (راجع في هذا السياق عرض أحمد أمين لموقف الغزالي من أولئك الفقهاء في كتابه يوم الإسلام، مؤسسة الخانجي، مصر، دون تاريخ، ص 134-137.) وعلى هذا، يتبدى أن صورة التقهقر على جبهة التنوير والإصلاح الإسلامي ليست أقل كارثية مما تتعرض له التياراتُ الفكرية الأخرى عربيًّا (اللبرالية، القومية، الاشتراكية)، حيث "ناقد العقل العربي" يداجي المزاج العام، ويترفق تدليسًا في حوار العقل الفقهي، مسجلاً التراجع عن مدرسة محمد عبده والكواكبي وأحمد أمين وعبد الحميد الزهراوي (نماذج التنوير الإصلاحي الإسلامي السوري الذي سنسوق آراءه في المتن). فإذا كان "ناقد العقل العربي" يسجل إپستمولوجيًّا هذا النكوص، فمن باب أولى ألا ندهش من كلِّ هذا التقهقر الذي ينتجه العقل الفقهي الرسمي المشيخي للدكتور البوطي، وهو يواصل مسيرة الفقهاء الأجداد في التأسيس لسلطان الدنيا على سلطان الشرع، وذلك لكسب كلتا الحسنيين: حسنى الدنيا وحسنى الآخرة، حسنى الله ورسوله وحسنى أولي الأمر.

[36] عبد الحميد الزهراوي، الأعمال الكاملة 2، القسم الثاني، بإعداد وتحقيق د. عبد الإله نبهان، "قضايا وحوارات النهضة العربية 20"، وزارة الثقافة، دمشق 1995، ص 526.

[37] المصدر السابق، ص 526.

[38] كبرى اليقينيات الكونية، ص 36-37.

[39] أحمد أمين، يوم الإسلام، سبق ذكره، ص 107.

[40] القاضي أبي الحسن عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل؛ راجع الجزء السابع في "خلق القرآن"، بتحقيق إبراهيم الأبياري، وزارة الثقافة المصرية، طبعة دار الكتب.

[41] راجع: البغدادي، الفرق بين الفِرَق، ص 72، والإسفرايني، التبصير في الدين، ص 42، والشهرستاني.

[42] أحمد أمين، ضحى الإسلام، ج 2، ص 207.

[43] يقع عبد الرزاق عيد هنا فيما يحذر منه (مع أنه يلطف رأيه في الفقرة التالية): إجماع الأمة على رأي واحد – وإن يكن رأي المعتزلة. فالتاريخ يبرهن لنا أن بعض المعتزلة (مثل أحمد أبي داؤد)، حين استقوى بالسلطان في فترة قصيرة، لم يكن أقل استبدادًا برأيه من غيره! (المحرِّر)

[44] عبد الرحمن الكواكبي، طبائع الاستبداد، طب 3، دار الشرق العربي، 1991، ص 120.

[45] المصدر السابق، ص 121.

 

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود