الصفحة التالية                  الصفحة السابقة

التوتر والجنس*

 

ألكسندر لوِون

 

الجاذبية: رؤية عامة للتوتر

لا يجب أن نتفاجأ بمناقشة التوتر والجنس معًا في فصل واحد، ذلك لكون التفريغ الجنسي، كما نعلم جميعنا، هو الآلية التي تعمل كتفريغ للتوتر. وبالتالي، يجب على كل نقاش حول التوتر أن يتضمَّن تحليلاً لهزة الجماع الجنسية. وتكمن مهمتي الأساسية عند هذا الحد في تقديم رؤية عامة لطبيعة التوتر.

ينجم التوتر عن فرض قوة أو ضغط على الجسم، ويتعارض هذا الضغط مع قوة الجسم نفسها من خلال تعبئته بطاقتِه. ومن الواضح أنه إذا استطاع الجسم الإفلاتَ من الضغط فلن يتعرَّضَ للتوتُّر. وبالشكل الطبيعي، ثمَّةَ قوى طبيعية تضغط علينا، والتي نستطيع الإفلات منها. ولكننا مزوَّدين بشكل عام بالكثير لمواجهتِها. من هذه الضغوطات الضغوطات الناجِمَة عن ظروف الحياة في المجتمَع، والتي تتنوَّع وفقًا للوضع الثقافي للشخص. وثمة مثال على ذلك كالقيادَة وَسَطَ طريق سيارات مزدحِم حيث ثمة من يبقى في حالةٍ من الحَذَر المتواصِل لتجنُّب حادِث خطير. وفي مجتمَع تنافسي بين الأشخاص بأعلى درجاتِه، تكون هذه الضغوطات كثيرةً لدَرَجَة يتعذَّر علينا أن نذكُرَها بتفاصيلِها. وبشكل عام، تكون العلاقات متوتِّرَة فيما بين الأشخاص لسبَب المتطلَّبات التي نرى أنفسَنا خاضعين لها. وحيث يتواجد عنف يكون الشخص في حالةٍ من التوتُّر. وأخيرًا، ثمَّةَ التوترات للتضييقات المفروضة على الذات والتي تفعل على مستوى الجسم على النحو نفسِه التي تفعل فيه العوامِل الخارجية.

من القوَى الطبيعية الأكثر كونية، والتي تخلق حالةً من التوتر هي قوة الجاذبية. نستطيع بشكل مؤقَّت الإفلات منها بالاستلقاء على الفراش. ولكن ما أن نقِفَ على أقدامِنا أو نتحرَّك، نعود فنخضَع لها. إذ تتطلَّب الوضعية المنتصِبَة، والتحرُّك التعبئة بالطاقَة للقيام بمجابهة قوَّة الجاذبية. وليس الوقوف على قدميْن عبارة عن سياق آلي. وبالرغم من أن التناسُق البنيوي لعظامِنا يُسهِّل علينا المهمَّة، فعلى عضلاتِنا أن تنفِّذ عملاً مهمًّا للحفاظ على وقفتِنا. وعندما نتعَب أو تنقصُنا الطاقة، تصبِحُ المحافظة في وقفتِنا على أقدامِنا صعبةً إن لم تكن مستحيلةً. فالجنود المجبَرون على البقاء واقفين على أقدامِهم، وثابتين لمدَّةٍ طويلة يقعون أرضًا حينما تُستنفَد طاقتُهم. ويحصَل انحلالٌ للقوَى أيضًا عندما يتلقَّى الشخص صدمةً جسمانية أو نفسية، مما يؤدي إلى ابتعاد الطاقة باتجاه مركز الجسم، مبتعِدةً عن محيطِه.

السقوط أرضًا هو دفاع طبيعي إزاء خطورة توتُّرٍ لا علاج له. ثمة كمية ما من التوتر التي يستطيع الجسمُ تحمُّلَها قبلَ أن ينهار. فالجنود الذين يتجاوزون حدودَهم الخاصة بينما هم واقفون على أقدامهم، يتناهون إلى عتبة الموت. ونعلَم أيضًا عن حالات وفاة بسبب استنفاد طاقاتِهم في حالات الحر الشديد، وذلك عندما تعجز قدرة الجسم عن مُوَاجَهَة توتُّر درجات حرارة عالية. إلا أن الوقوع أرضًا أو الاستلقاء على الأرض حتى في هذه الظروف يقلِّص إلى درجة كبيرة من خطَر الضغط النفسي stress من خلال إلغاء قوة الجاذبية.

بشكل عام، يستطيع التوتُّر أن يُفهَم كقوة تدفع الشخص من أعلى إلى أسفَل، أو تجذبه إلى أسفَل. فالأعباء تضع ثقلَها فوقَنا، ضاغِطةً بنا إلى الأسفَل، والجاذبية تفعل بنفس الاتجاه من حيث جذبِها لنا إلى أسفَل. نستجيب لهذه الضغوطات من خلال طاقتنا المطبَّقَة في ضغط بكمية موجَّهَة بشكلٍ مُعاكِس لتلك الضغوطات المُمَارَسَة باتجاه الأرض. ووفقًا للمبدأ الفيزيائي بأن الفعل يساوي ردَّ الفعل، فإننا نضغط على الأرض مُرجِعين بالضغط إلى أعلى من خلال الحفاظ في بقائنا واقفين على أقدامنا. وعلى النحو نفسه الذي نقول فيه بأن شخصًا "واقفًا على قدميْه" وذلك عندما "يواجِه" وضعًا صعبًا، أو باعثًا على التوتُّر.

إن الوضعية النموذجية للإنسان هي الوقوف على القَدَميْن انتصابًا. فالإنسان هو الحيَوان الوحيد الذي تُعتبَر هذه الوضعية وقفته الطبيعية. وبالرغم من ذلك، تتطلَّب هذه الوضعية استهلاكًا لطاقةٍ لا بأس بها. فبالرغم من واقِعِ كونِ الجسَد الإنساني مهيَّأ تشريحيًا لهذه الوقفة، فلا أعتقِد أنه بوسعِنا تفسير وضعيَّتِه الفراغية على كلتا الساقين في مصطلحَات آلية فقط. علينا الاعتراف بأن الكائن الإنساني الحي هو عبارة عن منظومة طاقية أكثر تحميلاً من أية منظومَة حيوانية أخرى، وأنه يكمن في الإنسان أكبرُ سياقٍ للطاقة أو مستوى فائق من الاستثارة التي تجعلُه قادِرًا على بلوغِه وحفاظه على وقفتِه المنتصِبَة.

نتجاهَل عمليًا الدلائل التي توثِّق كون منظومة الطاقَة للكائن الإنساني الحي هي الأكثر تحميلاً بأعلَى دَرَجَاتِها. إن تسجيل النشاطات ونتائج الأفعال الإنسانية يشكِّل برهانًا كافيًا. فليس لدينا في هذه اللحظة حاجة للجسم فيما إذا كانَت هذه الطاقَة تتمتَّع بنوعية معاكِسَة لقوة الجاذبية، كما أعلن رايش، أو إذا كانَت مُستخدمَة في مواجَهَة قوَّة الجاذبية. تكمن النقطة الهامة في انسياب الطاقة على طول محوَر الجسم، إلى الأعلى، وإلى الأسفَل في داخل الكائن الإنساني. يكمن تأثير هذا النبض القوي في واقع أن كلاً من قُطبَي الجسم يظلاَّن مستثارَيْن بشكلٍ متساوٍ، ويصيران مركزَيْ نشاطات مكثّفَة.

اعتدنا على التفكير بأن الهيْمَنَة التي يمارسُها الإنسان على الأرض تنجم وفقًا لآخر الأبحاث عن النمو المتفوق لدماغِه. وهذه هي الحقيقة بشكلٍ مؤكَّد. ولكنها حقيقية فقط وفقًا لعدَّة أنثروبولوجيين، لأنه من الأهمية بمكان للجنس البشَري أن يصير النوع المُهَيْمِن، وذلك مع ظهور قدرتِه على الصيْد التعاوني، والتقاسمات المشتَرَكَة، والروابط القوية بين الذكور والإناث. وفي تحليل أخير، ليسَت اجتماعية الإنسان إلا انعكاس لجنسانيته. وواقِع تحرُّر الجنسانية الإنسانية الأنثوية من صِلَتِها الإنسالية الدورية أدَّت دورًا هامًا في استقرار المجتمَع الإنساني بقدر ما يضمن فرصةً للشعور باللذة، والإشباع الجنسي المتواصِلَيْن ضِمنَ الوَضع العائلي. وأفسحَ هذا لمجال الالتزام الضروري للذكَر مع الأنثى ومع من يتحدَّر منهما، فهذا عنصر جوهري لشعور الأطفال بالأمَان.

في رأيي، إن النمو لدماغ كبير، والاهتمام الجنسي الأكبَر، ونشاطًا أكثَر شِدَّةً للحيَوان الإنساني، فضلاً عن وقفتِه المنتصِبَة، كله نتيجَة حمولة طاقية أعظَم في الجسم. وهذه الحمولة العظمَى هي المسؤولَة أيضًا عن الوقفة المنتصِبَة للإنسان. كما أن تغيُّرات تشريحية وفيزيولوجية قد رافقَت بالضرورة زيادة حمولة الطاقَة. لا أعتقِد بأن الحمولة الطاقية كانت قد سبقَت التغيُّرات، لأن كل هذه النشاطات الإنسانية الخاصة تتطلَّب درجَةً من الاستثارَة أو سياقًا من الطاقة ليس متوفرًا عند الحيوانات الأخرى.

من الجدير بذكر صفات إنسانية كثيرة موعَزَة بشكل مباشَر للوَقفَة المنتصِبَة لنوعِنا الإنساني. وتكمن الصفة الأكثَر أهمية في تحرر الأعضاء العليا من خضوعِها لخدمة وظائف الاستناد والتنقُّل، مفسِحًا المجال لتطوِّر الذراعيْن، واليدَيْن. فأصبح بمقدورنا أن نمسك، ونستعمِل الأشياء، سواءً كانت أدوات أو أسلِحَة. كما لدينا درجة رفيعة من الحساسية إلى حدٍّ أقصى في رؤوس أصابعِنا، متمكِّنين على هذا النحو، أن نلمُسَ غَرَضًا بطريقة تمييزية، ولدينا أيضًا سلسلة من حركات الذراعيْن واليَدَيْن التي أغنَت تعبيرَنا الذاتي من خلال الحَرَكَات. ونتيجة ثانية لهذا التطور رغم ذلك، هي مواجَهَةُ للعالَم على نحوٍ أكثر تعرضًا للانجراح فيما يتعلَّق بالجزء المرئي من جسمِه، أو بعبارة أخرى "بطنه". وبالتالي، فالصدر، والقلب، والبطن، والردفان هي الأكثر سهولةً لتعرُّضِها للَّمس، والأقل حمايةً من الهجَمَات. بإمكانِنا الإدراك بأن صفة الحنوّ تتعلَّق بهذه الطريقة بالذات بأن نكون في العالَم. وفي الدرجَة الثالِثَة، إن واقع كون رأس الإنسان قد تمَوْضَع فوق باقي جسمِه، فهو مسؤول جزئيًا على ما أعتقِد من خلال عملية واستهلال وترسيخ تراتبية قِيَم في عقلَنَتِه للأشياء.

كان فرويد يوعِز أصل الاشمئزاز لواقِع كون الرأس مرتفِعَة عن الأرض. ولدى الأغلبية العظمى للثدييات الأخرى، يكون الأنف على نفس مستوى المخارج الإفرازية والجنسية. كما تخلو هذه الحيوانات من شعورِها بالرفض أمام هذه الوظائف. وهذا الشعور بالرفض نموذجي عند الإنسان. لستُ مستعدًا لمناقشة وجهة نظر فرويد التي كان يعتقِد بها في إيعازِه بطريقة ما أن هذا الشعور يشكِّل الاستعداد الإنساني المُسبَق للعصاب. وبدون أدنى شك، فإننا نوعِز قِيَمًا أكثر علوًا لوظائف الطرَف الرأسي لجسمِنا من تلك التي للوظائف الشرجية. لا نستطيع القول على نحوٍ منطقي "نهاية خلفية" بما أن الردفين يتموضعان في الواقع في الطرف السفلي من الجسم. قبلتُ هذه المنظومَة من القِيَم التي أعتقِد بأن لديْها أسبابها، لأنني بشري، ومتمدِّن، كما أنها لا تعمَل على تحريضِنا ضد طبيعتِنا الحيوانية الأساسية، والمتطابِقة بشكل حميمي جدًا مع وظائف القسم السفلي من جسمِنا.

لكن، إذا أرَدْنَا فهمَ المشاكل التي يُمكنُها أن تنجُم عن الوقفة المنتصِبَة الخاضِعَة للتوتّر، فعلينا أخذ آليَّتها بعينِ الاعتبار. وفي هذه الدلالَة، تقوم الأرداف الهابِطَة بدورٍ هام. تشريحيًا، أتّفق مع روبرت أردري Robert Ardrey وفقًا لذلك التغيير الذي طرأ على نمو الردفين، ودوره في ترسيخ الوقفة المنتصِبَة. وهاتان الكتلتان العضليتان الكبيرتان، تعملان معًا مع الميَلان إلى وراء الحوض، فهما يضمنان الدعمَ البُنيَوي للجسم المنتصِب. السبَب الذي يجعلُني أتّفق مع أردري Ardrey هو ملاحَظَتي بأنه عندما تكون الأرداف منكمِشَةً، والحوض مائلاً إلى الأمام، فالجسم يدخل في حالَة سقوط جزئي. يتمثَّل هذا في بنية الطبع المازوخي الموصوفة سابقًا. إنه لواقع هام ما في هذه البنية، فالجسم يتخذ مظهَرًا يُذكِّر بالقرود جزئيًا بسبب الوقفة التي يبدو فيها انحطاطٌ ما، وفي جزء بسبب حالة انتفاش وبرها التي يمكن لها أيضًا أن تظهَر. إن بنية الطبع المازوخي محدَّد من خلال توتُّر لا متناهٍ – من أعلى، ومن أسفَل – لدرجة لا يستطيع الطفل تجنُّبَه، ولا مواجهتَه. وإذاك يكمُنُ البديل الوحيد في الخضوع. فلكي يستطيعَ تحمُّلُ التوتُّر المتواصِل، يتطوَّر الجِهاز العضلي للمازوخي بشكلٍ مفرط، الأمر الذي هو واحد من العلامات الجسمانية لهذه البنية.

المازوخي هو ثالث كيفية حيث يتخلَّى فيها الأشخاص عن مجابَهَة التوتُّر، عاجزين إلى حد كبير عن الإفلات منه، وذلك من خلال النأي بالنفس عن الموْقِف الباعِث على التوتُّر، وعندَ مُوَاجَهَتِه، والتحكُّم بالمَوْقِف الضاغِط، يخضع المازوخي وينحني إزاء الضغط. يتطوَّر نموذَج الشخصية هذا، في حالةٍ لا يتم فيها التوصُّل للإفلات ولا لمواجهة القوة المُهَيْمِنَة.

لسوء الحظ، يترسَّخ هذا النموذَج باكِرًا في الطفولة، عندما يحاوِل الطفل التعامُل مع الضغوطات المُمَارسَة من قِبَل الوالدين والسلطات المدرسية، محدِّدًا كيفية مواجَهَة التوَتُّر عندما يصبِح راشِدًا. رأينا أنه في بنية الطبع المازوخي، يكمن النمط بالخضوع إلى جانب نمو للجهاز العضلي بشكل مفرِط لكي يستطيع تحمُّل التوتر. ومع ذلك، فإذا مورِسَ الضغط في مقتبَل العمر، فمن المستحيل الخضوع خلال العام الأول لأن الطفل لا يستطيع مُراكَمَة نمو ضروري للجهاز العضلي الذي يتطوَّر في قدرتِه على التحمُّل. كما أن النأيَ بالجسم عن الوضع مستحيل أيضًا. ومن المنطقي أن تكون مواجهة التوتر في مقتبَل عمرِه هي خارج حيِّز التفكير. ومن جهة أخرى، يتحوَّل النأي بالنفس إلى اتفاق تعايش modus vivendi. فالطفل ينفصل عن الحالة والواقع. ويحيا في عالَم وهمي، ويحلَم بالطيَرَان – رافضًا توتُّر قوة الجاذبية – أو يهرب إلى مرض التوحُّد. يُستعَاد هذا النمَط مؤخَّرًا، عندما يُحَاط الشخص في أية حالة حيث يكون التوتر فيها مُفرِطًا زيادة عن اللزوم. وإذا كان الضغط المُمَارَس في مرحلةٍ لاحِقَة من الطفولة، كما يحصَل مع الفرد ذي الطبع الصلب، فإنه سوف يواجِه حالةَ التوتُّر، ولكن إذا بقِيَت على حالِها، يتحوَّل فعل المواجَهَة إلى وضع ذي طبع معيَّن، مُسبِّبًا صلابَةَ الجسم، والعقل. إن شخصًا ذا بنية صلبة للطبع يُوَاجِه كلَّ الضغوطات، حتى غير الضرورية، والخطيرة. وبما أن هذا الطبع أصبح منظومًا على هذا النحو، فسوف ينتهي خصوصًا في البحث عن حالات من التوتُّر لكي يثبِت كيف يكون بوسعِه تحمُّلها بشكلٍ جيد.

الآن، يجب أن يصبِحَ واضِحًا للقارئ بأن هذه الأنماط لردود الفعل إزاءَ التوتر تنتظِم في الجسم، وتكوِّن جزءًا من حالةٍ فردية ذات طبع معيَّن. إذاك، يكون الشخص فعليًا مقاوِمًا للتوتُّر، حتى عندما لا يتعرَّض لأي ضغط خارجي. وفي هذه الحال، نستطيع الحديث عن ضغوطات ذاتية المنشأ. فالأنا (أو ما يسميه فرويد بالأنا العليا) تمارس الضغط كشرط ضروري للحياة.

نتَّخِذ حالةَ شخصٍ بكتِفَيْن مرتفعَتَيْن، ومسطَّحَتيْن، مُعبِّرًا عن مشاعرِه على نحوٍ كمن يحمُلُ مسؤولياتِه على كتفَيْه، ويعتبِرُه أمرًا "ذكوريًا"، ربما ليس لهذا الفرد وعيًا لمشاعرِه أو لحالتِه، ولكنه يكون ما يفصِح عنه جسمُه. فإذا قبِلنا افتراضيًا بأن كمية التوتر العضلي فوقَ كتفَيْه معادِلةٌ لما هو متطلَّب لحمل مائتي كيلوغرامًا على الكتفين، فمن المنطقي الاستنتاج بأنه يخضعَ لضغط مكافئ. فعلى المستوى الجسماني يتحرَّك الشخص كما لو أنه يمتلك كل هذا الثِّقَل دافِعًا به إلى أسفَل. وسيكون من الأفضل بالنسبة له إذا حمل الوزن نفسَه لأنه من الممكن إذاك أن يكون واعيًا لحمولتِه، وعاجلاً أم آجِلاً سوف يضعُه جانبًا. وبالنحو الذي تجري عليه الأمور، فالفرد يعيش تحت توتر متواصِل، دون أن يدرك ما يجري له، وبالتالي، فهو عاجز عن ترك التوتر يسقط عنه.

إن كل توتر عضلي مزمِن هو توتُّر مستمر على الجسد. وهذا التفكير مرعِب. فالتوتر المستمر مثلما أشار إليه سابقًا هانز سيلي[1] Hana Selye لديه أثَرٌ ضار على الجسم. قلَّ ما يهم طبيعة التوتر، فالجسم يتفاعَل معه كتناذر (مجموعة الأعراض المتزامنة) عام للتكيُّف. وهذا التناذر (مجوعة الأعراض المتزامنة) يتألَّف من ثلاث مراحل. الأولى، وهي المسماة بردة الفعل الإنذارية، يقاوم فيها الجسم توترًا حادًا بإفرازِه هرمونات نخاعية أدرينالينية (إفرازات الغدَّة الكظرية)، فتعبِّئ طاقة الجسم لمواجهتِه. وعندما يشتمل التوتر على إهانة جسمانية للجسد فإن ردة الفعل المنبِّهة تتَّخِذ شكل عملية التهابية. وإذا كانَت ردة الفعل ناجحةً بشكل جيد في تجاوز فعل الأذية المفرِط، وفي إزالة التوتُّر، فالجسم يهدأ ويستعيد حالته الذاتية الضبط الطبيعية. ولكن، إذا ما استمرَّ التوتُّر، فإذاك تبتدئ المرحلة الثانية. وفيها يحاول الجسم التكيف مع التوتر الذي يحتوي على هرمونات كظرية (إفرازات الغدة الكظرية) الناجِمَة عن قشرة الكظَر، ذات فعل مضاد للالتهاب. ومع ذلك، تستهلِك عملية التكيف أيضًا طاقةً يجب تعبئتها انطلاقًا من الاحتياطات العضوية. فالمرحلَة الثانية هي أشبَه بحرب بارِدَة، حيث يحاول الجسم السيطرَة على العامِل المُسبِّب للتوتر، بما أنه لا يستطيع إلغاءه. وتستطيع هذه المرحلة الثانية أن تدوم على نحوٍ غير محدَّد، حتى يَقَع الجسمُ مريضًا. أما المرحلة الثالِثَة فتُدعَى بمرحلَة الاستنفاد. فليس لدى الجسم طاقة بعد لكي يسيطِر على التوتُّر، ويبدأ باختلال نظامِه.

إن هذا التقديم الموجَز لمفهوم سيلي Seley بخصوص رد فعل الجسم للتوتُّر، لا يعير أهمية في مساهمتِه بالنسبة لفهمِنا لعَمَل الجسم. ولما كان المجال واسِعًا لموضوعِنا فمن المستحيل أن نعطي عملَه الانتِباه الذي يستحقه. ومن جانِبٍ آخَر، ليس مُمكِنًا تجاهُل وجهة النظَر هذه في أي نقاش حول التوتر. وبالنسبة لنا، فإن للمرحلة الثالثَة معنى خاص، أي فترة الاستنفاد. فإذا ترجمناها بالتعب أو الإعياء المُزمِن، فسوف نعثر بشكلٍ مرجَّح على الشكوى الأكثَر شيوعًا لحضارتِنا هذه. وأترجمها كإشارة بأن أشخاصًا كثيرين هم على عَتَبَة الإنهاك، وبنتيجة توتُّرات مستمرة يخضعون لها من خلال توترات عضلية مزمِنَة.

إن وجود هذه التوترات الجسمانية يحدُّ من الطاقَة التي لم تكن لهذا الأمر، ومن الممكِن أن تتوفَّر لمواجهة ضغوطات الحياة اليومية. وعندما تتناقص التوترات العضلية لشخصٍ ما أثناءَ مدةِ علاجٍ حيوي طاقي، فهو يكتشِف قدرتَه على مواجهة توترات حالتِه الشخصية بشكل فعَّال أكثر بكثير. يكمن سر مواجهة التوترات ببساطَة في امتلاك طاقَة كافِيَة بالنسبة لهذا الصراع، ولكن هذا ممكن فقط إذا كان جسم الشخص قد تحرَّر من التوترات نسبيًا.

باختصار، من الممكن وصف حالة أغلبية الأشخاص على النحو التالي: فهم يعملون تحت وطأة توتُّر لا يُصدق، ومع ذلك، فهُم يشعرون بأنهم إذا لم يستطيعوا تحمُّله، فهذا يمكِن أن يدلَّ على القبول بضعفِهم، وفشلِهم، وعدم جدواهم ككائنات إنسانية. وفي يأس هذه الحالَة، يتصلَّب الفكَّان أكثر حتى الآن عند هؤلاء الناس، وتتوتَّر سيقانُهم، وتُحتبَس رُكَبُهم، ويصارعون بعناد يبدو متعذَّرًا تصديقه أحيانًا. وكما كان يقول جيم Jim وهو أحد مرضايَ: "ليس بمقدورِك أن تظلّ هَارِبًا". ففي معانٍ كثيرة، تكون إرادة الاستمرار ذات صفة تستحقُّ الإعجاب، ولكن أحيانًا لديها تأثير مفجع على الجسم.

الألَم في المنطقة السفلى للظهر

يكاد الألَم تحت الظهر أن يشلَّ صاحبَه، مما يدفع به أحيانًا إلى السرير لمدة من الزمَن. وغالبًا ما يكون التوتر هو النتيجة المباشَرَة والحالية لهذا الوضع. فعندما يرفع شخصٌ شيئًا ما ثقيلاً نَجِدُه فجأةً يحسُّ بألَمٍ حادٍّ في المنطقة القطنية، ويُدرِكُ بأنه لن يكونَ بمقدورِه بعد التوَصُّل لأن يستقيمَ ظهرُه. وإذَّاكَ يُقال بأن ظهرَه قد تشنَّج. وبشكلٍ عام، تدخل فعليًا عضلة أو عضلات أكثر في حالَة تشنُّج خطيرة، تجعَلُ أيةَ حَرَكَة للظهر مؤلِمَة على نحوٍ لا يُحتمَل. عرضيًا، وكنتيجة للتشنُّج، يتسبَّب ذلك بحصول فتق في إحدى الأقراص ما بين الفقرات، ضاغطًا على إحدى الجذور العَصَبية، الأمر الذي يُسبِّب ألَمًا يمتدُّ حتى الساقَيْن. وليس الفتق في القرص شائعًا، فالضغط على العَصَب يمكن نشوءَه من العَضَلَة المتشنِّجَة نفسِها.

على الرغم من كوني طبيب نفسي، فقد عالجتُ عدة أشخاص كانوا يعانون من هذه المشكلة. وكان بعضهم مرضى يقومون بعلاجٍ حيوي طاقي. كانوا يشكون ميلاً لآلام في المنطقة التحتية للظهر، وكانوا يعانون تشنُّجات. استشارَني آخَرون لأن العلاج الحيوي الطاقي يتناول مشكلة التوتر العضلي. فمنذ البداية، أحتاج للتوضيح بأنه ليس لدي أي شفاء عاجِل أو سهل بالنسبة لهذه المشكلة. فإذا كان شخص غير قابل للحركة بسبب الألم. فمن الضروري له أن يستريح في السرير حتى يستكين الوجع. تفيد الاستراحَة بإقصاء توتر قوة الجاذبية، وشيئًا فشيئًا، تبدأ العضَلَة بالاسترخاء. وفي هذه العضلة أُعِدُّ برنامجًا من التمارين الحيوية الطاقية الموجَّهَة للتعمُّق في حالة استرخاء العَضَلات المتوتِّرَة، ومنعِها من مُعَاوَدَة ظهورها في التشنُّج.

لكي نفهمَ هذه التمارين، يجب التساؤل، لماذا تحدث هذه التشنُّجات، وما هو نموذَج الوقفة الذي يجعَل الشخص عرضةً لعَطَب المشاكِل في الظهر. ومن الخطأ أن نفكِّر بأن الأشخاص سريعو التأثُّر إزاء مشاكل الجزء السفلي من الظهر بسبب وقفة خاطئة. ومن الخطأ التأكيد بأنه طبيعي أن يكون لدينا هذه المشكلة. إن هذه الحالَة منتشِرَة وشائعة جدًا في ثقافتِنا، ولكن هناك أيضًا المشاكل القلبية، وقِصَر النظَر. فهل علينا القول بأن الأشخاص سريعو التأثُّر إزاء المشاكل القلبية لأن لديهم قلب، أو أنهم سريعو التأثُّر لمشاكِل قِصَر في النظَر لأن لديهِم عيون؟ هناك ثقافات تجهَل مشاكل الجزء السفلي من الظهر، وحيث تكون مشكلة القلب، وقِصَر النظَر لا وجود لهما أيضًا. فالاختِلاف ليس في الأشخاص بما أن هؤلاء يسيرون على أقدامِهم أيضًا، ولديهم قلب وعينان. إنهم الأشخاص، وخضوعهم للنموذَج ولدرجَة التوتُّرات هي الضريبة التي يدفعُها ذلك المسمَّى بالرجل الغربي.

إنها لحقيقةٌ بأن التوتر هو المسؤول عن المشاكل في المنطِقَة السُّفلَى من الظهر؟ حتى ههنا فقد أشرتُ إلى الارتباط بين الشخص الذي يرفَع غرَضًا ثقيلاً، وبين الألَم. ولكن، أشخاصًا كثيرين قد طوَّروا تشنُّجات في الجزء السفلي من الظهر في حالات غير مؤذية ظاهريًا. ينحَني أحدُهم لاتِّخاذِ غرَضٍ صغير، ومع ذلك يتشنَّج ظهره. وهذا شائع. أعرِف حالةً حَصَلَ التشنُّج فيها بينما كان الشخص نائمًا. ومن الواضِح أنه ليس التوتُّر دائمًا هو سبَبُ التشنُّج، على الرغم من وجود توتُّر في كلٍّ من هذه الحالات.

حَصَلَ لفتى تشنُّج خطير في ظهرِه بينما كان يعدُّ أشياءَه لكي ينتقِل إلى شقة جديدة مع حبيبتِه. وخلال يومين، بينما كان مشغولاً بإعداد الحِزَم، وكاد يُنهي ذلك عندما انحنَى لكي يُمسِكَ كتابًا، فانتهى به الأمر إلى المشفى. القصة، وفقًا لما رواها لي عندما ذهبتُ لرؤيتِه، بدت لي وكأنه كان على صراعٍ في شأن انتقالِه. وعلاقتُه مع الفتاة كانت جيدة، ولكن نادرًا ما كانَت تخلو من مشاحنات، وغيرة، وشكوك. فقد كان لديه شكوك جدِّيَّة بخصوص انتقالِه. وأحسَّ بنفسِه مُجبَرًا على القِيام بهذا الانتقال لكي يُحافِظَ على علاقتِه مع الفتاة. وهنا تدخلَّت الطبيعة، ولم ينتقِل أبدًا. أحسَّ أنه لم يكن بمقدورِه "العودة إلى الوراء"، إلا أن ظهرَه هو الذي استسلمَ. أعتقِد أن هذا هو كل ما في الأمر. فقد ظل توتُّرُه لا يُحتمَل، وظهرُه لم يحتمِل ذلك.

كانت حالةٌ أخرى تتضمَّن فنانة كانت تشارك في عرض أرادَت الانسحابَ منه، منذ بعض الوقت. فهي لم تكن على توافق مع المشرِف، ومع بعض أعضاء الفرقة الفنية. وفضلاً عن هذا، فقد كانت موشِكة على الإنهاك بسبب التدريبات التي لا تُحصَى، والساعات الإضافية. أرادَت أن تخرج من الفرقة، لكنها لم تكن تجد لذلك سبيلاً. إذاك قامَت بذلك الذي يمكنُنا تسميتَه بـ"خطوة في الفراغ"، وسقطَت على الأرض بشكل مفاجئ. فخرجَت من العرض على حمَّالَة، لأن جسمَها كان قد أودَعَ ذاتَه ببساطَة بين أيدي الآخرين. وبوسعي القول بصدَد حالتِها أن توترها أيضًا لم يكن بوسعِها تحمُّله.

إن الشخص الذي تشنَّج ظهرُه أثناء نومِه كان يعاني ضغطًا هائلاً في تلك المناسَبَة. وفي اليوم السابِق، كان ظهره قد بدأ بإزعاجِه. كان قد جرى النهارَ كلَّه، من مهمَّةٍ إلى أخرى، لكنه لاحظ نفسَه بأنه كان يترنَّح، ولم يكن بوسعِه التوصُّل للبقاء واقفًا على قدميه بالشكل السليم. كان قد عانى هجمةً سابِقة أدَّت به للبقَاء في السرير لمدة أسبوع، وبالتالي، كان يدرِك الأعراض، لكنه مع ذلك فكَّرَ: "ما أن أنتهي، أذهَب إلى المنزِل لكي أستريح، فأتخلَّص من الوقوف على القدَميْن". أنجَزَ ما كان عليه أن يفعلَه، وذهَبَ إلى المنزل، واستراح قليلاً، ولكن لم يكُن هذا على ما يبدو كافيًا عندما أصابَه التشنّج، وظلَّ يشعر بالسوء لمدَّة أسبوع.

لماذا يحصَل التشنُّج بالضبط في المنطقة السفلى للظهر؟ لماذا تُظهِر هذه المنطِقَة بشكل خاص قابلية للعطَب إزاء التوتُّر؟ الإجابة هي أن الجزء التحتي للظهر هو المكان حيث تتلاقى قوتان متعاكستان لخلق التوتر: واحِدَة: هي قوة الجاذبية، إلى جانب كل الضغوطات التي تفعل في الشخص من أعلى إلى أسفَل (أوامر السلطات، والشعور بالذنب، والواجبات، والحمولات الجسمانية، والنفسية). الأخرى هي قوة باتجاه متصاعِد، يصعد من خلال الساقين، وتسند الشخص على قدميْه في وقفةٍ منتصِبَة، محافظًا عليها ثابتةً أمام المتطلَّبات، والإلزامات التي تُفرَض عليه. وتلتقي هاتان القوتان في المنطقَة القطنية.

يصير هذا المفهوم أكثر وضوحًا إذا درسنا قوة الجاذبية. وتصير هذه الأخيرة غيرَ قابلةٍ للتحمُّل إذا كان الشخص مُلزَمًا بالبقاء واقِفًا على قدمَيْه في الوضعية نفسِها خلال وقتٍ طويل. السؤال الذي يطرح نفسه هو التالي: "كم من الوقت تستطيع ساقا شخص أن تتحمَّلا وزنَه؟" وعاجِلاً أم آجِلاً فهما تستسلِمان، ولكن عندما يحصَل هذا، فإنهما تنقذان الظهر. ينبعِث الخطَر عندما لا تستسلِم الساقان، وههنا فالذي يعاني هو الظهر.

عليَّ أن ألمِّح إلى حالةٍ حيث يستطيع الشخص الإبقاءَ على نفسِه واقِفًا لمدَّةٍ من الوقت لا تُصدَّق، يوم، اثنان، أو حتى أكثر. إنه أمرٌ باعِثٌ على الفضول، ولكن في هذه الحالَة، لا الساقيْن، ولا الظهر يشعر بذلك، فالحالَة هي إغماء جامودي "كاتاتونيا"[2] (وهي ظاهِرة تتجلَّى في حالات الفصام)، وهو نوع شيزوفريني (انفصام بالشخصية). عندما نفكِّر في شأن الإغماء الجامودي، فإننا ندرك بأن الشخص قد خرج من المشهَد أو أنه قد اختفَى. وقد ألمحْتُ سابِقًا بأن الانفصام هو أحَدُ الأشكال التي على الأشخاص أن يتعاملوا فيه مع توتر غير قابلٍ للتحمُّل. إن الذي يُغمَى عليه بشكلٍ جامودي هو كائن منفصِم الشخصية. فالروح، والعقل، والجسم، ليسوا بعد متكاملين. فقد حوَّل الجسم ذاتَه إلى تمثال، والذين يُغمَى عليهِم بهذا الشكل الجامودي يظلُّون واقفين على أقدامِهم في وضعية التماثيل.

إن سيقانَنا منظومةٌ بشكل طبيعي لكي تواجِهَ التوتُّر ولا تُجاهِد ضدَّه، إنما، نعم، فهي تستجيب لقوَّتِه. وتكمن هذه القدرة في الركبة، إن فعل الركبة هو الذي يمنح الجسم مرونتَه. وهذه أيضًا هي نقطة امتصاص الصدَمَات التي يُعاني منها الجسم، وإذا كان الضغط الذي يأتي من أعلى قويًا جدًا، فالرُّكبتان تنثنيَان، وعندما يكون الضغط غير قابل للتحمُّل. فالركبة تنطوي، ويقَع الشخص أرضًا.

عندما يُظهِر الفرد قلقَ السقوط، فإن ركبتَه تفقُدُ وظيفتَها. ويبقى الشخص واقفًا على قدمَيْه، وركبتيْه مُحتبِسَتيْن وذلك لكي تتقوَّى أمام الضغط، وتجعلَ من عضَلات الساقَيْن متوتِّرتَيْن لكي تعملا كدعامتين صلبتين. يشعر الشخص بالخوف من المرونة، لأن هذه الأخيرة توقِع الشخص في إمكانية الاستسلام.

إذا كانت الساقان ليِّنَتيْن، ومرِنتيْن، فالضغط من أعلى يُنقَل من خلال الساقَيْن، ويجري تفريغُه في الأرض. ولكن، إذا احتَبَسَ الشخص الرُّكبتيْن، وجَعَلَ الساقَيْن متوتّرتيْن لكي يُقاوِمَ الضغط، فإن الصلابَة تمتدُّ نحوَ الأعلى متضمِّنةً العجز، والحوض. ويصير الضغط كله متموضِعًا في الوصلة العجز- قطنية، والتي تصير عرضةً للأذيات.

سوف أستخدِم في التالي، ثلاث صوَر مُبسَّطَةً للجسم الإنساني لتوضيح ما ذكرتُه أعلاه:

تُظهِر الصورة اليسارية وقفةً طبيعية بشكل معقول. فالركبتان مطويتان والحوض طليق، أو بعبارة أخرى، ليس محتبِسًا في وضعيةٍ ثابتة. وتسمَح وَقفَةُ الجسم هذه بانتقال الضغط للركبتيْن اللتين هما العنصران المسؤولان عن امتصاص الصدمة. وإذا كان الضغط مفرِطًا، فالركبتان تستسلِمان. ورغم ذلك، فهذا نادِرًا ما يحصَل. بما أن شخصًا في هذه الوقفة ليس لديه خوف من السقوط، وليس لديه خوف من "الهروب". فحينما يصير الضغط غير قابل للتحمُّل، يبتعِد الشخص عن الوضع، سامِحًا بانتهاء العِلاقة قبل أن يتداعى جسمُه ساقطًا.

تُظهِر الصورة الوسطى وضعيَّةَ شخصٍ واقِفٍ على قَدَمَيْه مع ركبتيْن محتبِسَتيْن. وفي هذه الحالة، يعمَلُ الجزء السفلي للجسم، الحوض خصوصًا، كقاعِدة غير متحرِّكَة. تدلُّنا هذه الوضعية على أن الشخص لا يشعر بالأمان بشكل كبير، إلى دَرَجَة احتياجِه لدعامةٍ صلبة لكي يستنِدَ عليها. يكمن تأثير هذه الوضعية في تمركز كل الضغط في المنطقة القطنية العجزية، مجبِرًا على هذا النحو، عَضَلات هذه المنطقَة بأن تصبِحَ متوتِّرة بشكل زائد. وبما أن الشخص يعاني ضغطًا مستمرًا، فإن أية زيادةٍ في التوتُّر ذات معنى في تلك المنطقة القطنية العجزية من الظهر، إذ بإمكانِها أن تؤدي إلى سقوط الجسم. وعاقِبَةٌ أخرى لحالَةِ انكماش العضلات القطنية العجزية هي الواقِع في التسبُّب بالإنهاك والتعَب غير الملائميْن للارتباطات، ولعظام المفاصِل ما بين الفقرات، مما يمكِن مع مرور الوقت أن تؤدي إلى معاناة التهاب المفاصِل.

تُظهِر الصورة اليُمنَى وَقفةً مختلِفةً. فالجزء في أعلى الظهر يبدو محدَوْدَبًا، كما لو أنه ناجِمٌ عن الحاجة المستمرَّة في حمل عبء ثقيل أو مسؤولية كبيرة. وتكون الركبتان مطويَّتيْن، ولكن مرونتهما ليسَت محدَّدَةً من خلال وضعية الحوض الممتدة أفقيًا إلى الأمام. ففي هذه الوقفَة يستسلِم الظهر ككل للتوتر، مما يصون بذلك المنطِقَة القطنية العجزية. هذه هي الوقفة النموذجية للفرد ذي الطبع المازوخي، الذي يخضَع للضغط على عكس القِيَام بمقاومتِه. الوقاية التي يمنحُها هذا السلوك للجزء السفلي للظهر، يتمُّ التوصُّل إليه على حساب الشخصية. ولن يكون هناك ثمة حاجة لهذه الحماية إذا ما قام الشخص بمجهود هائل لكي ينتصِبَ، ويُوَاجِهَ الوضع. وعندما يحصَل هذا كما على سبيل المثال، خلال مدة العلاج، يحس الشخص بأوجاع في الجزء السفلي للظهر. ويُنذِر هذا الإحساس دائمًا هؤلاء المرضى، بأنهم سيُعانون في هذه المرحلة. ورغم ذلك، لا تصير هذه المشكلة حادَّةً أبدًا لطالما أن المريض مستغرِق في ممارسَة التمارين الحيوية الطاقية الموجَّهَة لإطلاق حوضِه، وتقليص توتُّر المنطِقَة القطنية العجزية.

إنه لذو معنى واقع أن الغدتين الكظريتين مسؤولتان عن إفراز الهرمونات التي تعبئ طاقة الجسم لمواجهة حالات التوتر الواقِعَة في المنطِقَة القطنية (أسفَلَ الظهر)، والمتموضِعَتَيْن فوق الكليَتيْن مقابل الجِدار التابِع للجسم. وبالتالي، فالغدتان هما في وضعية تقييم لدرجة التوتر التي يخضَع لها الجسم. غير أن الطريقة التي تعملان وفقها هي سؤال لا أستطيع الإجابة عنه. لا أعتقِد مع ذلك أنه بإمكانِنا اعتبار موقعِهما مجرَّد أمرٍ عرضي.

إن معناه بالنسبة لي هو الدلالَة على أن الجسم منظَّمٌ وفقًا لمبادئ المنهَج الحيوي الوظيفي الطاقي: وهذا مؤكَّدٌ أيضًا من خلال تمَوْضع غدة صمَّاء أخرى هامَّة، وهي الغدة الدرقية.

تنظِّمُ الغدة الدرقية استقلابَ الجسم الحي أو إنها العملية التي يتأكسَد الطعامُ من خلالِها لإنتاج الطاقة. يمكنُنا القول بأن الغدَّة الدرقية تنظِّم إنتاج الطاقة من خلال إنتاج هرمون يُدعَى بالتيروكسين، الذي يجري في الدورة الدموية محرِّضًا على الأكسَدَة للاستقلابات في الخلايا. إن كميةً قليلة من التيروكسين، تجعلُنا نشعر أنفسنا بطيئين بسبب نقصانٍ في الطاقَة، يقود الإفراط بالتيروكسين إلى نشاطٍ عصَبي في أعلى مستوياتِه. الهرمون في ذاتِه لا يُنتِج طاقةً، فهذه الأخيرة محدَّدة بشكل مباشَر من خلال كمية ونوعية الطعام الذي نهضمُه، ومن خلال كمية الهواء الذي نتنفَّسُه، ومن خلال الطاقَة التي يحتاجُها الجسم. وهكذا، يُنسِّق الهرمون إنتاج الطاقَة مع طَلَبِ الجسم لها. تحيط الغدة الدرقية بقصَبَةِ الرئة من ثلاثة جوانب، مباشرةً في أسفَلِ الغضروف الدرَقي، وهذا يتمَوْضَع في مضيق الرقبة، وعلى النحوِ نفسِه الذي نرى فيه الغدَّتين الكظريتيْن متموضعتين في مضيق الخصر. فعلى مثيل هاتين الأخيرتين اللتين تتموضعان على نحوٍ تكونان فيه حسَّاسَتيْن للتوتُّر، والغدَّة الدرقية متموْضِعَة لكي تكون حساسة للتنفس. وتنمو بشكل حَوْصَلَةٍ كجَيْبٍ كبير يبرز من البلعوم مثل الرئتين. الأمر الذي يوحي مع هذا بأن إفراز التيروكسين يتعلَّق بشكل مباشَر بكمية الهواء المستنشَق. ويدرِك الطب منذ وقتٍ طويل هذه العلاقة باستخدامِه لاختبار معدَّل الاستقلاب الأساسي للشخص. إن قياس تنفس الشخص لفترة وحدات من الزمن في حالةٍ من الراحَة يُزوِّدُنا بإفادَة حول إفراز التيروكسين. ومع ذلك، لم يتخِذ إلا حالة غدة ليسَت مسؤولة عن هذه العلاقة. أعتقِد أن الأمر ليس عرضِيًا، وإنما يعود الأمر للوضعية وللأصل الجنيني، فالغدة تشكِّل جزءًا أو أنها تستجيب إلى تقلُّب انبساط–انقباض لقصَبَة الرئة اللذين يحدثان مع التنفُّس، وكونها على هذا النحو فهي قادِرةٌ على تنسيق النشاطات الاستقلابية مع استنشاق الأوكسجين.

نعود الآن إلى التوتر، وإلى المنطقة القطنية العجزية، وإلى الغدة الكظرية. من المعروف على المستوى الشعبي أن المرحوم جون كينيدي John F. Kenedy كان يعاني مشاكل جسدية في المنطقة السفلية للظهر. ولعلنا نتذكّر بأن كتِفَيْه كانا دائمًا منتصبين ومسطَّحَيْن، كما لو أنه يحمل مسؤوليات ضخمة. ومع ذلك، تطوَّرَت هذه الحالَة الجسمانية كثيرًا قبل دخولِه في حياة عامَّةِ الشعب. وبجب البحث عن أصول هذه الوضعية في تجارب طفولتِه. وهكذا ما أن تصبِح هذه الحالَة منظومةً في جسمِه، كان كينيدي قد أصبح مهيأ مسبقًا لقبول مسؤوليات كهذه، وهو لديه هذا النموذج من الشخصية، بمعزل عما كم كان يكلِّفُه ذلك في المصطلحات الشخصية. كان كينيدي Kenndy ضحيةً أيضًا لمرَض أديسون Addison، أو بعبارة أخرى، الفقدان الذي يكاد يكون كاملاً لأداء الوظيفَة الكظرية بسبب إنهاك الغدة. وفي رأيي، يمكن لهذا أن يحصلَ إذا كان الشخصُ عرضةً لتوتُّر مستمر الأمر الذي يؤدي منذ البداية إلى حالةٍ من النشاط للغدَّة في أعلى درجاتِه. وفي النهاية ينتهي إلى حالَةِ الإنهاك.

تعاني صحة الشخص الجسمانية والانفعالية تأثيرًا مضادًا للتوتر. وبما أننا نعيش في عصر باعِث على التوتر في أقصى درجاتِه، فعلينا أن نتعلَّم كيف نقوم بحماية أجسامِنا، وعقولِنا من التأثيرات الضارَّة لهذا التوتُّر. يتوجَّب علينا العمَل بشكل كامل – وإرخاء – الدفاعات الجسمانية والنفسية للفرد ضد "أن ندَعَ أنفسَنا تسقط"، والعَمَل على التقليل من قابليتِنا للعطَب أمام التوتُّر. وهذا ليس بالمهمة السهلة في مجتمعِنا الذي يعطي القيمة الأهم بشكل غير متناسب للنجاح والإنجازات والحصول على المناصب. ليسَت أنواتُنا قوية بالشكل الكافي لكي تتقبّل الفشَل. وعلى هذا النحو، نُكرِه أجسامَنا على مواجهة أوضاع مؤذية لصحَّتِنا. وفي النهاية، فإن نجاحَنا مؤقَّت، وفارغ لأن أجسامَنا تتحطَّم تحت ثِقَل توتُّر متواصِل. ولكن الخوف من الفشل كبير جدًا لدرجة حدوث انحلال للقوى في النهاية، فالأنا تُقاوِم الاستسلامَ للجسم. وفي مستوى أكثر عمقًا، يتطابَق هذا الفشَل مع الاستسلام. فعلى دفاعات الأنا أن يجري تحليلها بحذَر في كل حالةٍ على حدة، وذلك كجزء من العِلاج.

فضلاً عن هذا، فعلى العناصِر الجسمانية أو منظومات الجسم التي تحتبِس التوتُّرات في داخلِها أن تصير غَرَضًا لعملٍ ثابت. إننا نستخدم مجموعتين من التمارين في العلاج الحيوي الطاقي لكي نساعِد الشخص على الدخول في اتصال مع توتراتِه العضلية، وجعلِها تسترخي، ولكي تطلِقَ تفريغ الاستثارة والتوتُّر. فالمجموعة الأولى، تتضمَّن كل التمارين التي تكمن غايتها في إتاحة قاعِدَة للفرد "أرضية" Ground، مثبِّتًا ساقَيْه على الأرض، ومتجاوِزًا قلق السقوط أو الفشَل. قد وَصَفتُ سابقًا البعض من هذه التمارين، وسأقوم مجددًا بالتنويه إليها. أما المجموعة الثانية فلديها الغاية النوعية لإطلاق الحوض، وانفتاح الشخص على المشاعر ذات المصدر الجنسي. وسوف نقوم بوصف البعض منها في الفقرة التالية، وذلك حول التفريغ الجنسي. ويجب أن يصير واضحًا، اعتبارًا مما قلتُ بأنه إذا كان الحوض غير متحرِّك، وبقِيَ صلبًا في وضعية ثابتة، فلسوف ينتهي بمنع العبور إلى أسفل، فكل ضغط يأتي من الأعلى لا يبلغ الساقَيْن اللتين يمكن للتوتر أن يتمَّ تفريغُه من خلالِهما. فالتوتر إذن، سوف يظل متمركزًا في المنطِقَة القطنية العجزية، مع العَوَاقِب التي ناقشناها آنفًا.

إن ركبةً مَرِنةً هي المكان الأساسي لكل عملٍ فعَّال على الجزء السفلي للجسم. فعندما تكون الركبتان محتبِستَيْن، فإنهما تمنعان الاستثارة أو المشاعِر من انسيابِها عبرَ الساقَيْن حتى القَدَمَيْن. إحدى أولويات توصيات العلاج الحيوي الطاقي هو: "حافِظ على الركبتيْن مثنيَّتيْن في الوقت كله". فثمة فقط بعد متطلَّبات قليلة من هذه الطبيعة، كتلك التي تجعَل الكتِفَيْن طليقتَيْن، والبطن لا ينكمِش. تستطيع هذه الاقتراحات البسيطَة المساعدَة كثيرًا في تحسين التنفُّس، وفي انسيابٍ أعظم للمشاعِر، قادِرين على التوصيةِ بها إلى جميع الأشخاص المهتمّين بأن يكون لديهم جسم أكثر نشاطًا واستجابة. إن نصائحًا كهذه ضرورية لموازاة القول: "كتفان إلى الوراء، صدر إلى الخارِج، بطنٌ إلى الداخِل". تكمن الغايَة من هذا القول في مساعدة الشخص على أن يبقى منتصِبًا، ولكن في الحقيقة، تُجبِرُه على البقاء واقفًا على قدمَيْه بطريقةٍ متوَتِّرَة.

إنه معروف التحذير القائم على إبقاء الركبتيْن مثنيَّتيْن، كم هو هام لكي نقوم برفع غرض ثقيل. إن عدم القِيَام بذلك بوسعِه أن يُسَبِّبَ بتشنّج في المنطِقَة السفلى من الظهر. فقد سمِعْتُ مدرِّبًا رياضيًا يعطي النموذجَ نفسَه من التحذير خلال لعبة لكرة القدم للمحترفين، قائلاً بأن الركض والظهر منتصب بدون أن ينحني مع انعطاف الركبتيْن، يعني فقدان القوة، وأن الأذيَّة سوف تكون جدية. ولماذا هذا لا يحصَل معنا كلنا، عندما نقِف على أقدامِنا، والتي هي وضعية مُسبِّبَة للتوتر؟!

يروي المرضى الذين لا يبقون عادةً على هذا النحو انعدامَ التلقائية منذ البدء، متمكِّنين حتى من الوصول إلى الشعور باللاأمان. ومع ذلك فالركبتان المُحتبِسَتان فقط تخلقان وهمَ الأمان. وهذا هو الوهم الذي يتلاشى مع وضعية الركبة المثنية. ولكي ننمِّي عادةَ البقاء واقفين على أقدامِنا مع ركبِنا مثنية، فلسوف نحتاج في البداية إلى انتباهٍ واعٍ: نستطيع تنمية هذه العادَة بينما نحن نقوم بحلاقة ذقوننا، ونغسل أدوات المطبخ، أو ننتظر في زاوية الشارع الإشارة لكي تفتح الطريق أمامَنا. بعد بعضٍ من الوقت، نشعر بأنفسِنا تسترخي في هذه الوضعية الجديدة. وهنا تصبِح الوضعية القديمة مصطَنَعَة وغريبة - أي البقاء واقفين مع رُكَبٍ مُحتبَسَة. ونصبِح واعين أيضًا لسيقانِنا، ولطريقتِنا في الوقوف على أقدامِنا. نستطيع الشعور بأنفسِنا أيضًا أكثر تعَبًا، ولكن على عكس أن نصارِع ضد هذا الإحساس فإننا نستسلِم له ونأخذ استراحةً.

تكمن الخطوة التالية، في إحداث اهتزازات في الساقَيْن. وهذا يهدف إلى تقليص صلابتِهما. فالاهتزاز هو الطريق الطبيعي لتقليص التوتُّر العضلي. وعندما ينطلِق الشخص، فالجسم يهتزُّ كنابض طلق حرٍّ. إن سيقانَنا مثل نوابض، وعندما نبقي عليها متوترة لوقت طويل، فهي تتصلَّب، وتتقسَّى فاقدةً مرونتها.

ثمَّةَ طرقٍ عديدة لكي تجعلَ السيقان تمتلئ اهتزازًا. فالتمرين الذي نستخدِمُه باستمرار أكثَر في المنهج الحيوي الطاقي هو وضعية الانحناء إلى الأمام، مع اليّدَيْن، وهما تلمسان الأرض، والركبتين مثنيَّتين بخفَّة. وصفتُ هذا التمرين سابِقًا، وذلك في ارتباط مع عملية الاتصال بالأرض Grounding، ونستخدِم دائمًا كرسي التنفُّس الصغير لمساعدة الشخص على التنفُّس بعد اتخاذِه لوضعيةِ التقوُّس.

يتضمَّن العلاج الذي أقوم به لمشاكل الجزء التحتي للظهر بالتناوب بين وضعيات التقوس، والانحناء إلى الأمام، سامحين للمريض بالانحناء إلى الوراء، وإلى الأمام على قدر ما يستطيع، دون التسبُّب بألَمٍ زائد. يرخي هذا التناوب للانحناءات، الجهاز العضلي للظهر. ولكن يجب استخدامه تدريجيًا كما لو كان الشخص يستعيد نفسَه من مشهد مؤلِم للمشكلة القطنية. إذن، عندما يكون الظهر حرًا نسبيًا من الآلام، يوصَى بأن يستلقي الشخص على الأرض فوق غطاء مطوي، وموضوع في منطقة تقوُّس الظهر. ويمكن أن يكون هذا مؤلِمًا. فالشخص مُدَرَّب على الاستسلام للألَم، وليس على جعل العضلات تتوتَّر فيه. فإذا ما استطاع فعل ذلك، فإن عَضَلات الظهر تسترخي من تلقاء ذاتِها. ولكن لا يجِب علينا إجبارها، ولا إكراهَها على القِيَامِ بذلك، أو بأي تمرين آخَر. يَخلُقُ فعلُ الإكراه التوتر نفسَه الذي كنا نحاوِل تقليصَه. بعد أن يكون المريض قد حقَّقَ هذا التمرين بشيء من السهولة، يجب الاستلقاء على كرسي التنفس الصغير على نحوٍ يُطبَّق فيه الضغط على الجزء السفلي من الظهر. فعلى الكرسي الصغير أن يكون قريبًا من سرير بطريقة يستطيع فيها الرأس الاستناد عليه. ففي هذه الوضعية، يكون التعليم أيضًا في سبيل ترك الشخص نفسه يُحمَل من خلال الألَم، حتى يستطيع الاسترخاء. ونكتشِف بأنه مباشرةً فور استسلامِنا للألَم فهذا الأخير يزول من تلقاء نفسِه.

العَقَبة الأكثر جديةً لتجاوز الألَم في الجزء التحتي للظهر هو الخوف من الألَم. فعلينا أن نساعِد المريض على تجاوز هذا الخوف لكي يستطيع التخلُّص من الألَم بشكلٍ كامِلٍ. فالخوف يخلق توترًا، وهذا يسبِّب الألَم. ويصبِحُ المريضُ سجينًا في حلقة مفرغة حيث ليس ثمة وسيلةٍ مُمكِنَة للإفلات منها، إلا إذا ما تم القيام بعملية جراحية. من جهتي لا أنصح أبدًا بتدخل من هذا النوع، ذلك أنه لا يؤدي أيةَ خدمةٍ البته في شأن التوتر العضلي الذي هو أصل المشكلة. يستطيع شقٌّ في الظهر أن يزيل الألَم من خلال تقليل تحرُّكِيّة هذه المنطِقَة، ولكنني عرفتُ أشخاصًا قاموا بأكثر من عملية بدون جدوى. مع العلاج الحيوي الوظيفي الطاقي نستطيع القول إن هؤلاء الأشخاص عينهم قد تحسَّنوا بشكل ملموس.

عبرَ تعافي حركية الجزء السفلي للظهر ثمة شروط متوفِّرَة لإلغاء الألَم. بيد أنه لكي يحصَل هذا، من الضروري بمكان العمل على الإحساس بالخوف. فليس للأشخاص خوف من الألَم فقط، بل لديهم أيضًا خوف من ذلك الذي يتضمَّنُه الألَم، لأن الألَم إشارةٌ خطيرة. فثمة أشخاص لديهم خوف من أن تنكسِرَ ظهورُهم فعلاً. ويظهَر هذا الخوف عندما يستلقَوْن على الكرسي الصغير للتنفُّس على هذه المنطقة من الظهر. وإذا سألتُ هؤلاء عما لديهم من خوف عندما بدأوا يتألَّمون، فتكون إجابتُهم غير متبدِّلة، وهي التالي: "أخشى أن ينكسِر ظهري".

لم يتأذَّ أحدٌ في ظهرِه خلال تجربتي الطويلة في تنفيذهم لهذه التمارين بالشكل السليم. وذلك أثناءَ قِيامِهم بتمارين المنهَج الحيوي الطاقي. إن القِيام بالتمارين بالشكل السليم لا يعني القول بإيجاد حل درامي لمشكلة، بل يعني القيام باتصال مع المشكلة على المستوى الجسماني. لا يجِب علينا البته إكراه النفس على تنفيذ تمرين أبعد من نقطة الخطَر، أي حينما يصير المرء مذعورًا. عندما يحصَل هذا، فمن الضروري بمكان تحليل الخوف. ويمكننا طرحَ أسئلة، مثل: "كيف أمكنَكَ التفكير بأن ظهرَك سوف ينكسِر؟" و"ما الذي يجعل الظهر ينكسِر؟" يصير مُمكنًا للمريض عاجلاً أم آجلاً أن يجعل خوفه من الكسر يتَّصِل مع موقف في الطفولة. من الممكن، على سبيل المثال، تذكُّر تهديد ما من قِبَلِ أحَدِ الوالدين: "إذا أمسكتُ بك، فلسوف أكسر ظهرَك". وهذا من الممكن أن يُقال إلى طفل عاصٍ حيث تعني له حالة التهديد أن بإمكان والده كسر روح الطفل أو محوَر مقاوَمتِه. أمام هذا التهديد، سوف يستطيع الطفل أن يقاوِم من خلال تيبيس الظهر، كما لو أنه يقول: "أنت لن تكسرني". ولكن، ما أن يتوتَّر الظهر بطريقة مُزمِنَة، يَصير الخوف من الكسر منظومًا داخِلَ الجسم كجزء من دفاعِه.

لا يُعبِّر تهديد شفهي دائمًا بشكلٍ واضِح عن ضرورتِه لكي يؤدِّي إلى ظهر متوتِّر. إن الأكثر شيوعًا هو وجود صراع مفتوح بين رغبات متناقضة، وفي هذه الحال، يستطيع الطفل تيبيس الظهر على نحوٍ لاواعٍ لكي يحافِظَ على استقامتِه. في كل الحالات، يُظهِر توتر الظهر مقاوَمةً لاواعية، وكبتًا يقاوِم الانطلاق أو يقاوِم فعل الاستسلام. بالرغم أن لدى الكبت جانب إيجابي، أو بعبارة أخرى، المحافظة على الاستقامة. ويشير أيضًا إلى جانب سلبي من حيث التصدِّي للحاجات، وللرغبات، وللحب. فالصلابَة تمنع استسلامَه للبكاء، وفرصة الاستسلام للرغبات الجنسية. وعندما يبكي الأشخاص، نقول إنهم انفجروا بالدموع والنشيج. فالخوف من الانكسار هو بشكل أساسي خوف من التحطُّم إلى قِطَع، ومن الإذعان، ومن الاستسلام. فمن الأهمية بمكان بالنسبة للمريض القيام بربط الانفعالات مع بعضِها، الأمر الذي يمهِّد للمريض، ويجعله قادِرًا على فهم الأصل الذي يعود إليه خوفه.

فالشخص لا يمكنه التحطُّم ما لم يبقَ سجينًا كالأطفال الذين هم سجناء علاقاتِهم مع والديهِم. والمرضى ليسوا على مستوى هذه العلاقة. فكل مريض يعلم أنه حر بالنسبة لقيامِه أو عدم قيامه بالتمرين، وأنه حر بالنسبة لترك الوضع على حالِه كما يرغَب. ولكن المرضى، والأشخاص بشكل عام هم سجناء صلابتِهم، وتوتّراتِهم العضلية المزمِنة، ويقومون بإسقاط مشاعرِهم هذه على علاقاتِهم. ولا يجب على التمارين أبدًا أن تتمَّ بشكل قسري، لأن هذا يزيد من شعورهم بكونِهم سجناء. ولكن قد يكون ضروريًا للشخص القيام بهذه التمارين كوسيلةٍ للشعور بذلك الذي يحدث داخلَ أجسامِهم، ولماذا يحدث؟! إننا لا نسمَح لأنفسِنا بعبور الحياة دون أن نكون حذرين، ويراوِدنا الشعور بأنها سوف تقضي علينا، لأننا بعبارة أخرى، إن فعلَنا هذا فهو ليس أكثر من تصفيةٍ لنفوسِنا فعليًا.

أشرتُ إلى وجود عدة طرُق لجعل الساقَيْن تبدآن بالامتلاء اهتزازًا. ربما التمرين الأكثر بساطةً يكمن في تدريب المريض بالاستلقاء على ظهره في السرير، ورفع كلا الساقَيْن إلى أعلى. فإذا كان عقِبا القدَمَيْن مثنيّيْن، والكعبان مرفوعين إلى أعلى، فإن التوتر المتموضِع على العضَلات في الجزء الخلفي للساقَيْن سوف يسبِّب عمومًا حدوث الاهتزاز فيهما.

إن امتلاء الجسم بالاهتزاز له وظيفة أخرى هامة، فضلاً عن التحرُّر من التوتُّر: فهو يتيح للشخص الاختبار، والانتفاع من الحركات اللاإرادية للجسم، والتي هي تعبير لحياتِهم، وقوَّتِهِم الاهتزازية. فإذا شعر الشخص بالخوف من هذه الحركات، معتقدًا أنه يترتَّب عليه إبقاء هذه الحركَات نفسها تحت سيطرته في الوقت كلِّه، فهو يفقد العفوية، وينتهي ليصير كشخصٍ آلي الذاتية، ومكبوتٍ بصَلابَة.

سأضع الحالة في مصطلحات لا تزال قويةً أكثَر. فالحركات اللاإرادية للجسم هي أصل حياتِه، كخفقان القلب، والدورة التنفسية، والحركات التقلصية للأمعاء. فهذه كلها أفعال لاإرادية. لكن، ولو حتى على مستوى الجسم ككل، فهذه الحرَكات اللاإرادية هي الأكثر أهمية! كما أننا نختلِج عندما نضحك، أو نبكي من الألَم أو العذاب، وأيضًا نرتجِف غضبًا، ونقفز فرحًا، ونثِب من الإثارة، ونبتسم سرورًا. فبما أن هذه الأفعال عفوية، وليس مخطَّطًا لها، ولا إرادية، فهي تلامسُنا بشكلٍ عميق وذي معنى. إن الاستجابة الأكثَر إشباعًا، والأكثَر قدرةً على أن تكملَنا، والأكثَر معنى فيما بين كل الاستجابات اللاإرادية هي تلك التي لهزّة الجماع Orgasme حيث يتحرَّك الحوض بشكلٍ عفوي، ويدخل الجسم كله في رعشة كنشوَةِ التحرُّر.

الإطلاق الجنسي

بإمكان تفريغ جنسي مُشبِع أن يلغي زيادة الاستثارة في الجسم، مقلِّصًا إلى درجة عالية، المستوى العام للتوتر. والاستثارة الزائدة في الجنس تصبح متمركِزَة في الجهاز التناسلي، ويجري تفريغها في لحظة الذروة. ويتيح اختبار تفريغ جنسي مُشبِع للشخص بأن يشعر بالهدوء، والاسترخاء، وغالبًا بالنعاس. فالخبرة في حد ذاتِها ممتعة ومُرضِيَة إلى أقصى حد. فمن الممكن أن نفسِح مجالاً للفكر التالي: "آه! إذن هذا ما تتوقَّف عليه الحياة. وهو حَسَنٌ جدًا. وسليم جدًا!".

يتضمَّن هذا بأنه ثمة تجارب أو تفاعلات جنسية ليسَت مُشبِعَة، ولا تقود إلى هذه النتيجة. فمن الممكن اختبار اتصال جنسي غير مشبِع حيث يجري تراكُم الاستثارة، ولكن لا يبلغ الذروة، حيث يتوجَّب تفريغ الطاقة. وعندما يحصَل هذا، فغالبًا ما يكون الشخص سجينًا لحالة من الشعور بالعذاب، والقَلَق، والنزَق. ولكن الحرمان من الذروة لا يقود بالضرورة إلى العذاب. وعندما يكون مستوى الاستثارة الجنسي منخفضًا، فإن عَدَم القدرة على التوصُّل إلى الذروة لا يزعِج الجسم في الحقيقة. فهذا الحرمان من الذروة سيكون بإمكانِه خلق حالةٍ من الإزعاج النفسي فيما إذا اعتبَرْنا الفَشَل كإشارة لعجز جنسي. فمن الممكن تجنُّب الإزعاج النفسي من خلال الإقرار بأن الحرمان من الذروة يعود سببه إلى المستوى المنخفِض للاستثارة الجنسية، وفي هذه الحال، فإن الاتصال الجنسي المتبادَل بين رجل وامرأة يحترمان بعضَهما بعضًا من الممكن أن يكون مُمتِعًا أيضًا.

علاوةً على ذلك، ليسَت كل ذروة مُشبِعَة بشكلٍ كامل. فثمَّةَ تفريغات حمولَة جزئية، حيث يجري تفريغ جزءٍ فقط من الطاقَة المتراكِمَة. ومن الممكن اعتبار هذا إشباع جزئي، ولكن هذا عبارة عن تناقض في المصطلحات. فالإشباع تعبير عن الكلية، ومع ذلك، يمكن لتناقضٍ كهذا أن يوجَد (كما هو موجود في واقِع الأمر) على مستوى مشاعِر الأشخاص. ومن المُمكِن إشباعُه من خلال تفريغ طاقيٍّ بنسبة ثمانين بالمئة، إذا كانَت هذه هي أفضل ما يستطيع الشخص بلوغَه، لأن العوامِل النفسية تؤثِّر في المشاعِر وتغيُّرُها. إن امرأة لم تبلغ الذروة إطلاقًا خلال الفعل الجنسي، وذات يوم استطاعَت بلوغه، سوف تختبِر الحالَةَ كمكافأة وإنعام عليها، وذلك بمعزَل عن مستوى التفريغ الجنسي لنفس الشعور مع حالة سابِقَة. والمقارَنَة في حالةٍ كهذه، تكون مُفيدَة جدًا.

تجنّبنا استخدام مصطَلَح "هزَّة الجماع" orgasmo حتى هذه اللحظة، لأنه غالِبًا ما يُساءُ استخدامُه وفهمُه أيضًا. فأن نقول على النحو الذي يتفوّه به ألبِرت إليس Albert Ellis من أن "هزَّةَ الجماع" هي "هزَّة جماع". فهذا ليس أكثر من لعب بالكلمات. فهو يطابِق "هزَّة الجماع" بالذروة، وهذا أمر خاطئ، ولا يثبِّت تمييزًا بين دَرَجَات التفريغ والإشباع. كما يتوجَّب على الجميع أن يدركوا بأنه لا يوجد تفاعُلَيْن جنسيّيْن متماثِلَيْن في المصطلحات، والمشاعِر، والخُبُرَات. فما من عضوٍ مُساوٍ لآخَر. فالأشياء، والأحداث متشابِهَة فقط، وذلك عندما يكون هناك غياب للمشاعِر. وعندما تضمّ الخُبُرات هذه المشاعِر، فإذاك تكون كل خبرة فريدةً في حدِّ ذاتِها.

كان رايش يستخدِم مصطَلَح "هزَّة الجماع"، الـ Orgasmo، بمعنَى خاص جدًا، لكي يُشير إلى الطاقَة الكامِلَة للاستثارة الجنسية، مع المشاركة الكامِلَة للجسم في الحَرَكات ذات الطبيعَة التشنُّجية للتفريغ. فالـ Orgasmo، "هزَّة الجماع" وفقًا للوصف الرايشي، تحصَل أحيانًا، وهي اختبار للنشوة. ولكن، هذه أيضًا حقيقةٌ أخرى، مثلما كان رايش نفسُه يصَرِّح. إن استجابةً كليَّة لأي وضع هي غير شائعَة في مجتمعِنا، لأننا محاطون بحمولةٍ كبيرَة جدًا من الصراعات لاستسلامِنا بشكل كامِل لأي شعور كان.

قد يكون من الصوَاب استخدام كلمة "هزَّة جماع" Orgasmo لوصف تفريغ جنسي حيث يكون هناك ثمَّة حركات لاإرادية، وتلقائية تشنُّجية، ومُمتِعَة في الجسم، وفي الحوض، ويُحَسُّ بها كإشباع. وعندما يكون فقط الجهاز التناسلي متفاعِلاً مع الإحساس بتفريغ وإطلاق، فإننا نقول بأن الأمر يتعلَّق باستجابة محدودة جدًا لدرجة يصعُبُ فيها تسميتُها بـ"هزة جماع". يمكن بالحري وصفها كقذف عند الرجل، وذروة عند المرأة. ولكي تستحق الاستجابة بأن نسمِّيَها بـ"هزة جماع"، فعلى التفريغ أن يتوسَّع ليشمُل أجزاء أخرى من الجسم: الحوض، والساقين على الأقل، ومع وجوب حدوث بعض الحركات اللاإرادية للشعور باللذة من خلال الجسم. فعلى "هزة الجماع" أن تكون خبرة مؤثِّرَة في النفس، تتحرَّك عاطفتنا من خلالِها. فإذا كان جسمُنا كله متأثِّرًا بشكلٍ تلقائي، والقلب يستجيب، إذاك سوف نحصَل على "هزة جماع" كامِلَة. وهذا ما ننتظِر حصولَه من خلال نشاطِنا الجنسي.

إن هزَّة جماع سواء كانت كامِلَة أو جزئية في مصطلحات مشاركة الجسم، تُطلِق التوتُّر من تلك الأجزاء، والتي تستجيب بشكل نشيط. إلا أن الإطلاق لا يكون كاملاً، نَظَرًا إلى أننا نخضَع يوميًا للتوترات، وهذه بوسعِها التجمُّع من جديد. من الضروري أن تكون لدينا حياة جنسية مُشبَعَة، لكي تساعِدَنا على إنقاص مستوى التوتُّر في جسمِنا، وليس في تجربة وحيدة فقط.

ليس في نيَّتي خلق صوفيةٍ سرَّانيةٍ حول هزَّة الجماع، على الرغم من الاعتقاد بشكل خاص أن هذا العمل مستحيل. فهي ليسَت الوسيلة الوحيدة لإطلاق التوتُّر، ولن يتوجَّب استخدامها بشكلٍ واعٍ لأجل هذا الغَرَض. فنحن لا نبكي لإطلاق التوتر، وإنما لكونِنا حزانى، إلا أن البكاء هو طريقة أساسية لتفريغ التوتر. حتى ولو كانت هزةُ الجماع كامِلَةً حيث آليَّةُ التفريغ أكثر إشباعًا، وفعاليةً، فلن يكون بمقدورِنا القول بأن الجنس بدون هزة الجماع هذه، أو الاتحاد الجنسي بدون ذروة سوف يكون بلا معنى، ومجرَّدًا من اللذة. إننا نتفاعَل من أجل الشعور باللذة، وعلى هذه الأخيرة أن تكون المقياس الأساسي لطريقة سلوكنا الجنسي. إن ما أدافِع عنه هو أن "هزَّة الجماع" الكامِلَة هي الأكثر سرورًا، خاصةً، بقدر ما يُستطاع تكثيفُها حتى الوصول إلى الشعور بالانتشاء. ومع ذلك، فبما أن درجة الشعور باللذة يتعلَّق بكمية الاستثارة التمهيدية، أو بما هو أبعد من إرادتِنا، أو سيطرتِنا، فعليْنا أن نكون شاكرين على أي شعور باللذة يمكننا اختبارَه.

تكمن المشكلة التي يواجهُها أغلبية الأشخاص في أن توتُّرات أجسامِهم منظومةٌ بعمق كبير لدرجة أنه نادِر ما يحصَل الإطلاق الانتعاظي. وحركات اللذة التشنُّجية تهدِّد كثيرًا، والاستسلام لها أمرٌ مُرعِب بشكلٍ كبير. وبمعزَلٍ عمَّا قيل، فلدى أغلبية الناس العظمى خوف، وهم عاجزون على الاستسلام للمشاعِر الجنسية القوية. ومع ذلك، يؤكِّد الكثيرون من المَرضى في بداية علاجِهم بأن حياتَهم الجنسية مُشبَعَة، وأنهم لا يعانون أية مشاكل مصدرها الجنس. وفي بعض الحالات، لا يعرف هؤلاء الأفراد شيئًا أفضَل من اللذة الضحلَة التي يتمتَّعون بها، وهي ما يعتبِرونه على أنه نشاطٌ جنسي. وفي حالاتٍ أخرى، ينجح التضليل الذاتي، وبشكلٍ خاص، فأنا الإنسان سوف تُنصِب دفاعات ضد أية مشاعِرَ من عَدَم اللياقَة الجنسية. وبقدر ما يتقدَّم العِلاج فإن هذين النمطيْن من الأشخاص المذكورَيْن أعلاه، يبدأون بوعي عَدَم لياقة أدائهم. ويأتي هذا الإدراك إلى السطح عندما يختبِر أشخاصٌ كهؤلاء تفريغًا جنسيًا أكثر اكتمالاً، وإشباعًا.

يُظهِر جسمُ الشخص الحالَة الحقيقية لأدائه الجنسي في كل الحالات. فالشخص الذي يكون جسمه حرًا نسبيًا من توترات كبيرة، سوف يُظهِر الانعكاس لهزَّة الجماع بينما هو مستلقٍ على السرير وهو يتنفُّس. وَصَفتُ هذه الاستجابة الجسمانية في الفصل الأول، بينما كنت أناقش علاجي الشخصي مع رايش. من الأهمية بمكان أن نستعيد هنا هذا الوصف.

يكون الشخص مستلقيًا، وركبتيه مثنيَّتيْن على نحوٍ تكون فيه القدمان ملتصقتين بالسرير. والرأس يكون في وضعية نحوَ الخَلف. وتستريح الذراعان إلى جانِب الجسم. وحينما يكون التنفُّس سهلاً عميقًا، وبدون توترات عضلية فلن يكون ثمة احتباس للأمواج التنفسية الأمر الذي يُمهِّدُ لها بالتالي أن تعبُرَ الجسم، والحوض يتحرَّك بدورِه تلقائيًا مع كل تنفّس. وسيرتفِع الجسم مع الزفير وسيهبط مع الاستنشاق. أما الرأس فيتحرَّك هو الآخَر بالاتجاه المعاكِس، إلى أعلى مع الاستنشاق، وإلى أسفَل مع الزفير. بيد أن الحنجرة تتحرَّك إلى الأمام مع الزفير. وهذا مُوضَّح في الصوَر التالية بعد قليل.

كان رايش يصِف هذا الانعكاس كحركة يتقرَّب فيها طرفا الجسم. ومع ذلك، فالرأس لا يشكِّل جزءًا من حركة التقرُّب هذه، متدليًا إلى الوراء.

بالنظَر إلى الصورة، وتخيُّل الذراعيْن تمتدَّان أيضًا إلى أمام، وإلى أعلى، فبالإمكان وصف الحركة كفعل انغلاق في دائرة. ومن الجدير ذكره، هو فعل الأميبا التي تنساب حول جزيء من الغذاء لكي تقوم باحتوائِه. وهذه الحركة هي الأكثر بدائيةً بكثير، من تلك التي للامتصاص حيث يلعَب الرأس هنا بالدور الرئيسي. فهذا الامتصاص يتعلق بالشهيق. وعندما يحصل الاستنشاق، يتقدَّم الرأس إلى الأمام، في حين تتحرَّك الحنجرة والحوض إلى الوراء.

تُدعَى هذه الحركة بـ"الانعكاس لهزَّة الجماع" لأنها تحدث حينما تكون هزة الجماع مكتمِلَةً. ففي هزة جماع جزئية، تتحقَّق أيضًا بعض الحَرَكات اللاإرادية للحوض، ولكن الجسم ككل لا يستسلِم بشكل كامِل لهذه الحركات. ثمة أمر يجب أن يظل واضِحًا: إن "الانعكاس لهزَّة الجماع" ليس عبارة عن هزة جماع. فالانعكاس لهزَّة الجماع يحدث في مستوى منخفِض من الاستثارَة، وهو حَرَكَة صغيرة الانتِشار. يُختبَر "الانعكاس لهزَّة الجماع" كإحساس بالسرور مع حرية داخلية وخفَّة تشير إلى ضآلَة التوتُّر في الجسم.

إن تطوّر "الانعكاس لهزَّة الجماع" في الوضعية العلاجية ليس ضمانة بأنه سيكون لدى المريض هزة جماع كامِلَة أثناء النشاط الجنسي. فالحالتان مختلفتان جذريًا، ففي النشاط الجنسي، يكون مستوى الاستثارة عاليًا جدًا وهذا ما يجعل فعل الاستسلام صعبَ المنال. يجب تحقيق القدرة على تحمُّل هذا المستوى العالي من الاستثارَة دون أن يصير المرء متوترًا أو قلِقًا. يكمن اختلاف آخَر في أن الحالَة العلاجية محدَثَة لكي تزوِّد المريض بالدعم، ويكون هناك المعالِج تحت تصرُّفِه. ففي العلاقة الجنسية يكون الأمر مختلِفًا، لأن للشريك اهتمام شخصي في العِلاقة، ولديه متطلَّبات. ولكن يبقى أنه إذا لم يستطِع الشخص أن يستسلِم للانعكاس في جو من دعم الوضعية العلاجية، فسيكون الاحتمال ضئيلاً بأن يتوصَّل إليه في جو أكثر حمولةً بكثير، وذلك ضمن اللقاء الجنسي.

لا يُعير العلاج الحيوي الطاقي لهذا السبَب أهميةً كبيرة لـ"الانعكاس لهزَّة الجَمَاع"، مثلما كان رايش يفعَل. ليس لأنه بغير أهمية، أو أن العِلاج لا يسعَى لتطويره، وإنما لكي يضَع تأكيدًا معادِلاً في قدرة المريض على مواجهة التوتر على نحوِ ما يعمَل الانعكاس في الحالَة الجنسية. وهذا يمكن الوصول إليه بالعمل على انسياب الحمولة إلى الساقين، والقَدَميْن حيث تتَّخِذ حالة الانعكاس نوعيةً مختلِفة.

عندما تصعد الحمولة الطاقية من الأرض إلى الحوض، فإن عنصرًا عدائيًا يتشارك مع فعل حنان. وأقول على الفور بأن العدائي لا يُقصَد بالسادي، والوحشي، أو المؤلِم، وإنما على أنه عنيف وقوي. فالعدائية وفقًا للكيفية التي يُوَظَّف فيها هذا المصطَلَح في نظرية الشخصية، فهو يشير إلى القدرة في الحثِّ على البحث عن ذلك الذي يُرغَبُ فيه. إنه نقيض المستسلِم الذي يشير إلى انتظار أحدِهم لكي يُشبِع حاجتَه أو رغبتَه. ففي كتابي الأول، ادَّعيتُ لنفسي اكتشافَ غريزتين، واحدة للحنوّ، وأخرى للعدائية. فغريزة الحنوّ تكون مشترَكَة مع الحب والحنان. وتتميَّز من خلال حركة الاستثارة على طول الجزء الأمامي من الجسم، والتي يتمُّ إدراكها كحنوّ وإيروسية. أما العدائية فتنجم عن تيار من الاستثارَة نحوَ الجهاز العضلي، خصوصًا إلى العضلات الكبيرة، للظهر، والساقَيْن، والذراعًيْن. ويُعوَّل على هذه العضلات في الوقفة المنتصِبَة، وفي التنقُّل. والمعنى الأصلي لكلِمَة "عدائية" هو "التحرُّك في اتجاه". فالفعل يتعلَّق بحركات هذه العضَلات.

العدائية هي عامِلٌ ضروري للفعل الجنسي سواءً بالنسبَة للرجل أو بالنسبَة للمرأة. وفي غياب هذا العامِل، فالجنس يتضاءل إلى شهوانية، ويكون التحريض الإيروسي بدون ذروة أو هزَّة جماع. إذ ليس ثمة عدائية إلا إذا وُجِدَ غرَضٌ حيث يتوجَّه نحوَه الشخص، غَرَض حب في الجنس أو غرَض تخيُّل في الاستمناء.

يتوجَّب التأكيد مجددًا على أن العِدائية ليسَ لديها بالضرورة نيَّةٌ عدوانية. فالنية بالحركة يمكن أن تكون ودِّيَّة أو عدوانية: فالحركَة، هي التي تكوّن العدائية بشكلٍ فطري.

لا تزال العدائية هي القوة التي تجعلُنا قادرين على مواجَهَة، وتحمُّل، ومُعالَجَة التوتُّر. فإذا كانت البنى المتنوِّعَة للطبع مترتِّبَة وفقًا لسياق العدائية المتوفِّرَة، والدرجة التي تشغلُها هذه العدائية يمكنُها أن تُشدِّد على ذلك العرض سابقًا، كتراتبية لأنماط الطبع. قد يتوجَّب علينا الفَهم بأن عدائية الفرد ذي طبع المعتلِّ نفسيًا، هي عدوانية زائفة. فالعدائية تتوجَّه ليس إلى ما يرغبُه، وإنما إلى مُمارَسَة السيطرة. فبعدما يتوصَّل فرد كهذا إلى بلوغ السيطرة فإنه يصبِحُ مسالِمًا. ومن جهة أخرى، المازوخي ليس مسالِمًا جدًا على قدر ما يبدو. ذلك إن عدائيَّتَه تظلُّ مخفية، وتأتي إلى السطح بصورة شكاوى وتأسُّفات. والفرد ذو الطبع الفمَوي يكون مسالِمًا بالجزء الأعظَم منه بسبَب جهازه العضلي متخلِّف النموِّ. أما الفرد ذو الطبع الصلب، فهو عدائي بشكلٍ مفرِط، وذلك لكي يُعَوِّض عن شعورِه الداخلي بالعذاب.

بما أننا نملكُ الآن قاعِدَةً عقلانية يقوم عليها حضور العدائية في الجنس، فعلى العِلاج أن يُساعِدَ الشخص في تنمية عدائيتِه الجنسية، وبعبارة أخرى، دافع الحوض سواءً عند الرجل أو عند المرأة. لاحِظ استخدام كلمة "دافِع" thrust خلافًا لـ"حَرَكَة الذهاب في البَحث" reaching التي اُستُخدِمَت فيما قبل لوصف الانعكاس.

يمكن القِيام بحركة الحوض إلى الأمام بثلاث طرق: يمكن دفعه إلى الأمام من خلال انكماش عضلات البطن. ورغم ذلك، فلدى هذا الانكماش، التأثير على توتر الجزء الأمامي من الجسم، وقطع تيار المشاعِر رقيقةَ القلب والإيروسية في البطن. ففي لغة الجسم تمثِّل هذه الحركة الذهاب في البحث عن غرَض بدون الإحساس بأي شيء. أما الطريقة الثانية فتكمن في انكماش عَضَلات الأرداف. وهذا الفعل يجعَل السطح الحوضي متوترًا. ويحدُّ من تفريغ الجهاز التناسلي. فهذه هي الكيفيات الأكثَر شيوعًا لتحريك الأشخاص للحوض أثناء الفعل الجنسي. ويقوم الأشخاص بنفس الحرَكات في العِلاج، عندما يُطلَب منهم تحريك الحوض إلى الأمام.

تكمن الطريقة الثالِثَة لتحريك الحوض إلى الأمام في دفع الأرض بالقدَمَين. ينقل هذا الفعل الحوض إلى الأمام إذا ما بقِيَت الركبتان مثنيَّتيْن. وعندما يكون الضغط على الأرض قد جرى إطلاقَه بالتالي، فالحَوْض يرجع إلى الوراء. ومع ذلك، يتعلَّق هذا الفعل بقدرة الشخص على توجيه طاقتِه إلى القَدَمَين. ففي هذا النمَط من حَرَكَة الحوض، يتموضَع كل التوتُّر في الساقَيْن. ويكون الحوض مجردًا من التوتُّر، ويتأرجَح على عكس أن يكون مدفوعًا أو مجذوبًا.

إننا نعرض الدينامية الطاقية لهذه الحركة من خلال الصور التالية المرسومة بثلاث حركات أساسية للجسد الإنساني في علاقتِه مع الأرض: المشي، والنهوض، والدفع الحَوْضي. المبدأ الكائن وراء هذه الأفعال هو نفسه الذي وَصَفتُه قبل رد الفعل. فإذا دَفَعنا بالأرض إلى أسفَل بالقَدَمَيْن، فإن الأرض تُرجِع هذا الضغط، ويتحقَّق ذلك بانتقال الشخص. يَحكُمُ المبدأ نفسُه انطلاقَ الصاروخ إلى الفضاء. إن التفريغ الطاقي لمُذَيِّلَةِ الصاروخ يرفعُه إلى أعلى. وبالتالي، فالكيفية التي يعمَل فيها هذا المبدأ وفق ثلاثة أفعال مذكورة أعلاه.

المشي: يتَّخِذ وضعية حيث تكون القدمان مبتَعِدَتَيْن حوالي خمسة عشرة سنتيمترًا، والركبتان مثنيَّتان، والجسم مرتكِز عموديًا. ينتقِل ثِقَلُ الجسم إلى الجزء الدائري للكعبَيْن. يدفَع الأرض إلى أسفَل مع القَدَم اليمنى، ويرفَع اليُسرى، ويتركُها تميل إلى الأمام. وعندما يرفع الكعب اليُمنَى، فسيكون قد قامَ بخطوةٍ إلى الأمام على القَدَم اليُسرَى، إن التكرار لهذه العملية مع كل قَدَم بشكل متناوِب هو المشي.

النهوض: تُتَّخَذ الوضعيةُ نفسُها، ولكن تُطوَى الركبتان أكثر. ويُنقَل الوزن إلى الجزء الدائري لسطح القَدَمَيْن، وتُدفَع الأرض إلى أسفل. ولكن، بهذا العمل، لا يرفع القدم اليُسرَى، ولا يسحَب الكَعبين من الأرض. فإذا بقِيَا ثابتين على الأرض، فلن يستطيع التوصُّل للتحرُّك إلى الأمام. وبما أن القوة الناجِمَة عن فعل دفع الأرض إلى أسفَل، فيتوجَّب أن يكون هناك ثمة تأثير، فسيُكتشَف بأن الركبتيْن تستقيمان، ويبقى الشخص واقفًا على قَدَمَيْه في وضعية منتصِبَة كامِلَة.

دفع الحوض: تُتَّخَذ الوضعية نفسُها التي للنهوض، فيقوم بطريقة العمَل نفسِها للتمرين الثاني، ولكن لا يترك ركبتيْه تستقيمان. فهو لن ينهَض فيما إذا استمرَّت الركبتان مطويَّتيْن، ولن يسير إلى الأمام إذا ما أبقَى على الكعبين ثابتين على الأرض. والحركة الوحيدة المتوفِّرَة بالنسبة للقوة الناجِمَة هي تحريك الحَوْض إلى الأمام. وإذا ما بقيَ مع الحَوْض مُحتَبِسًا، فسيكون في وضعية دفع على نفس المستوى حيث تعمَل القوة على الجهاز العَضَلي، ولكنها لا تسمَح لجَرَيِان أية حركة. فالحَرَكَة لا تجري إذا ما منع توتر الساقَيْن التيار الصاعِد للقوة الناجِمَة، ولا إذا ما احتبسَت توترات الحوض التيار، ومنَعَتْه التوتُّرات من أية حركة حرَّة.

تُحرَّر توترات منطقة الحوض بواسطة عدة تمارين، كالتدليكات، واسترخاء العَضَلات المتوتِّرَة. يمكن لمس عَضَلةٍ متوتِّرَة على قدر ما هي كعقدة، فكذلك هي أيضًا كحبل مشدود. آمل تقديم تمارين كثيرة، نقوم باستخدامِها في المنهج الحيوي الطاقي في حالةٍ منفصِلة موجَّهَة لكي تكون عرضًا لتمارين المنهَج الحيوي الطاقي. وهذا الكتاب له هَدَف عرض مقاربَة أكثر اتساعًا للعلاقة الحميمة بين الشخصية والجسم.

أحد نماذج التمارين التي أستخدمها أيضًا لإطلاق الحوض هي فعل السقوط. وصفتُه ههنا لكي يستطيع القارئ اختباره:

ابقَ أمام مقعد صغير طولاني أو كرسي في وضعية تفيد كمِسنَد فقط من أجل التوازن. وتكون القدَمان مُبعَدَتَيْن الواحِدَة عن الأخرى، حوالي خمسة عشرة سنتيمترًا، وتكاد تكون الركبتان مثنيَّتين إلى أقصى حد. وعلى الجسم أن ينحني إلى الأمام حتى يصبح الكعبان خارج الأرضية بقليل. كما على وزن الجسم أن يظلَّ مستندًا على الجزء الدائري من كعبَيْ القَدَمَيْن، وليس على المفصَلَيْن. وأيضًا على الجسم أن يكون منحنيًا إلى الوراء، والحوض مُلقَى إلى الأمام، وبدون توتُّر، لكي يكوِّن قوسًا متَّصِلاً. ومن الأهمية بمكان في هذا التمرين أن يقومَ الشخص بالضغط على الأرض بكلا الكعبيْن، ولكن بدون تخلِّيهِما عن لمس الأرض. ومن الممكن منع حصول هذا بانحناء الجسم إلى الأمام، وإبقاء الركبتين مثنيَّتيْن. وبالتالي، يمنعُ الضغط على الكعبيْن من المشي إلى الأمام، والركبتين مطويَّتيْن، ولا تسمحان للشخص بالنهوض.

يجب على الشخص هنا، أن يُبقِيَ نفسَه في الوضعية على قدر ما يستطيع، ولكن، بدون جعل ذلك يتحوَّل إلى اختبار في السيطرة على الذات، أو اختبار طاقتِه على التحمُّل. يتوجَّب على التنفُّس أن يكون مع البطن، وطليقًا. فعلى البطن أن يكون طليقًا، والحوض غير متقلِّص. وعندما لا يتحمَّل الشخص الوضعية أكثر من ذلك، فإنه يسقط أمامًا على ركبتيه، فوق الغطاء.

ليس ضروريًا في هذا التمرين استخدام أي ضغط واعٍ، نظرًا إلى أن ثِقَلَ الجاذبية يعمل كضغط باتجاه نازل. وهذا يكون قويًا جدًا، وإذا كانت عضلات الفخذين متوتِّرة، فسيشعر الشخص بألَم قابل للتحمُّل في هذه المنطقة. ولكن عندما يصبِح الألَم لا يُحتمَل فالشخص يسقط أرضًا. وبشكل عام، سوف تأخذ الساقان بالامتلاء اهتزازًا، وذلك قبل أن يسقط الشخص. وإذا ما كان التنفُّس أيضًا مسترخيًا، وعميقًا، فالشخص يبقى مطمئنًا، وتتسع دائرة الاهتزاز لتشمل الحوض، وهذا الأخير يأخذ بالتحرك إلى الأمام، وإلى الوراء بشكل لاإرادي. أعمل على جعل مرضايَ يقومون بهذا التمرين مرة أو ثلاث مرات، على قدر ما تصير الحركات الاهتزازية في كل مرة أكثر قوة. وقد روى لي هؤلاء المرضى بأن هذا التمرين يقدِّم مساعَدَةً كبيرة للمتزلِّجين.

إن هذه التمارين من الأهمية بمكان، كونِها تمنح الشخص إحساسًا مختلِفًا في الجسم، مساعِدةً إياه أيضًا على احتياز الوعي للانحصارات، والتوترات، على نحوٍ يحملُه على فهم مخاوفِه، وقلقِه. يكمن الخوف الأكثر عمومًا، والذي يعبِّر عنه المرضى في أن يُستعمَلوا جنسيًا، وأن يستسلموا لمشاعرِهم الجنسية. وهذا الخوف يعود عهدُه إلى إحدى أو كلا الصورتين للوالِدَيْن. وبشكل عام، غالِبًا ما يكون تجاه الوالِد من الجنس الآخَر. أما "أن يُستعمَل" فهذا يغطِّي عدَّةَ معاصٍ، وذلك منذ الشعور بالعلاقة الجنسية بين الوالِدَة والابن، والعكس بالعكس، حتى التسلية أو السخرية من جنسانية الطفل. فعلى الخوف الجنسي، أن يُكشَف عنه، وهذا بالإمكان إجراؤه تحليليًا، أو بطرق أخرى. وفي بعض الحالات يأتي به إلى السطح استخدام تمرين السقوط.

كانت فتاة واقفة على قدم مسنودة على ساق واحدة فقط، مطوية، وهي تنظر إلى الغطاء، وعندما فكَّرَت بالسقوط، رأت صورة قضيب. إذاك، ساوَت بين خوفِها من السقوط، وخوفِها من الاستسلام الجنسي، ومن الاستسلام لمشاعرِها الخاصة. وجعلَتها صورة القضيب تتذكَّر والدها. فقد كان ساديًا حسب ما ذكرت عنه. "كان يضربني بشدَّة، ويقوم بإذلالي. وكان يسير عاريًا في البيت بدون أدنى اعتبار لمشاعري". وما كان يشوِّشُها أكثر، قالَت، بما معناه نظراتُه إليها: "لقد كان يعرِّيني بنَظَرَاتِه".

كان نموُّها غيرَ ضروري بالنسبة لها. وكان بمقدوري فهم مشكلتِها، فتعاطفتُ معها. لقد كان دفاعُها الوحيد يكمن في إلغاء مشاعرها الجنسية. والطريقة الوحيدة التي كانت في متناولها لكي تستطيع التوصُّل إلى إلغاء مشاعرها الجنسية، هي إيقاف اتصالها مع النصف الأسفل من جسمِها. وشَمَلَت هذه العملية توتُّر الحجاب الحاجز، وتيبُّس البطن والحوض. وكنتيجة لهذا، فقد طوَّرَت عندها قلقَ السقوط.

لم يكن قلق السقوط مع ذلك، النتيجة الوحيدة لهذا العمل الدفاعي. فعندما يعاني شخصٌ إهانةً ما أو جرحًا داخليًا، فإن استجابتَه الطبيعية هي الغضَب. وفقط عندما يكون الغضَب محتَبَسًا أو ممنوعًا التعبير عنه بسبب الخوف، فإن الشخص يأخذ في الدفاع عن نفسِه. والغضب الممنوع ظهوره يتحول إلى عدائية وسلبية. وإذاك يشعر الشخص بالذنب، وتنتقِل وقفته الدفاعية لتصير ضد عدائيته نفسها ومشاعره السلبية، وكذلك أيضًا ضد أية إهانة أو جرح داخلي في المستقبَل. وبالتالي، لن يكون كافيًا بالنسبة للشخص إدراك وقبول واقع أنه ليس بعد عرضة للانجراح بالنسبة لنموذج الإهانة أو الجرح الداخلي الذي تمَّ اختبارُه أثناء طفولتِه. لا يؤثِّر هذا الإدراك في الطريقة الوصفية للوقفة الدفاعية بمقدار ما لدى الدفاع من وظيفة أخرى، أي بعبارة أخرى، تلك التي يخفي فيها العدائية.

أشرتُ في الفصل الثالِث بأن الطبقتين الأكثَر سطحيّةً في الشخصية هي – دفاعات الأنا، والدرع العضلي – اللذان يعملان كمُنذِرَيْن، ويُسَيْطِران على الطبقة الانفعالية أو الهو[3] داخل الشخصية. وكل شخص عصابي أو ذهاني لديه خوف من شدَّة مشاعرِه، وبشكلٍ خاص من مشاعرِه السلبية. وشرحتُ أنه يجب غربَلَةَ هذه المشاعِر، أو التعبير عنها قبل أن يتمكَّن شعور المركز، أي الحب أن ينساب بحرية، وبشكل كامِل تجاهَ العالَم. وهذا ما يجب حصوله في الوظيفة العِلاجية، وذلك لكي يتم تجنُّب أي تأثير لتلك المشاعر على الأشخاص البريئين. إنها ممارسةٌ مألوفة في العِلاج الحيوي الوظيفي الطاقي أن يتمَّ التشجيع على التعبير عن هذه المشاعِر السلبية في كل مرة يكون فيها ملائمًا لوظيفة العِلاج المُباشَرَة. وبشكل مؤكَّد فهذا من المُمْكِن أن يكون حقيقيًا بالنسبة لتلك المريضَة التي وصفَتْ تجربتَها مع والدِها كشخص سادي يعمل على إذلالِها. وقبل أن نستطيع التوقُّع بأن تستسلِم لمشاعِرِها الجنسية على نحوٍ إيجابي، فعلينا أن نسمح لها بأن تستسلِم لجانبها السلبي.

علينا الاعتراف بأن هذه المريضَة مثل أية امرأة أخرى قد عانَت صدمةً مُشابِهَة، ولديها مشاعِر مزدوَجة المعايير بخصوص الرجال. وذلك في الكيفية التي تحب البنت والمرأة فيها الرجال، حيث يتضمَّن هؤلاء صورةَ والدِها! فبينما هي طفلة، تعرَّضَت للإذلال، وجُرِحَ شعورُها من قِبَلِ رجُل. ولذلك فهي تبغض كل الرجال. وفي جزء من شخصيتها كان بودِّها أن تفعل بهم ما فعلوه بها من جرح لشعورِها، وإذلال لها. وطالما أنها طفلة فهي لم تجازف في التعبير عن مشاعر كهذه، والآن وهي راشِدَة، تستمر بعدَم المجازفَة على فعل ذلك. وهي تعلم أيضًا أن مشاعر كهذه هدَّامَةٌ جدًا بالنسبة لأية علاقة كما كانَت بالنسبة لها. وهذا ما يضعُها في وضعٍ حَرِج، حيث تكمن مهمَّة العلاج في مساعدتِها على الخروج منه. وتكمنُ الطريقة الوحيدة للتوصُّل إلى هذا المقصَد في تزويدِها بقناة لخروج مشاعرِها السلبية.

ثمة عدة تمارين ملائمَة، حيث يُعطَى في أحدها للمريض مِنشَفَة يمكن عصرها بكلتا يديه. وعلى هذا النحو، يمكن للمنشفة أن تمثِّل أي شخص. ومن الممكن في هذه الحال أن يكون هذا الشخص والِد المريضَة، أو حبيبها الحالي، أو حتى أي عنصر آخَر يمثِّل الجنس الذكوري المبغوض. وبينما هي تعصر المِنشَفة، فبإمكان الشخص أن يقول كلَّ ما يريد أو ما بودِّه أن يُقال للوالِد أو أيِّ رجُلٍ آخَر: "أنت ابن زنا. أبغضُكَ لأنك أذلَلْتَني، وأنا أحتقِرُكَ. بإمكاني أن ألوي رأسَك، حتى أسحبَها من رقبتِك، حتى هنا، مازلتَ تنظُر إليَّ بتلك العينين الشهوانيَّتيْن". من الواضِح أنه يمكن للمنشفة أن تمثِّلَ أيضًا قضيب الرجل. فعند فتلِها للمنشفة، فهي تحرر كمية كبيرة من العنف المكبوت تجاه هذا العضو.

لا يتمُّ هذا التمرين بشكلٍ روتيني. فله قيمة فقط عندما يليه إظهار المريض تجربة خاصة مرَّ بها من خلال صدمةٍ نفسية. وليس من الضروري أن تكون هذه التجارب ذات علامَة جنسية. يمكن للتمرين أن يُستعمَل من خلال تفريغ مشاعِر الغَضَب أو العدوانية الآتيَة من إهانَة أو شتيمةٍ ما.

إن تمرينًا جنسيًا بشكل نوعي، يمكن أن يكون أكثرُ ملاءَمةً لمضمون هذا الكلام هو التمرين التالي: يصعَد المريض على فراش وهو يستنِد على رُكْبَتَيْه، ومِرْفَقَيْه، غارِسًا مفاصِلَه في الفِراش. بشكلٍ عام، هذه هي وضعية الذكَر أثناء الفعل الجنسي. إذاك فالمريض (أيًا كان جنسه) يدفع بحوضِه في مقابل السرير، وهو يقوم بحركة عنيفة من الدفع يرافِقُها أو لا يرافقُها إصدار بعض الأصوات. فإذا أراد الشخص استخدام كلمات، فعلى هذه أن تكون بالضرورة دنيئة، وسادية، ومؤلِمَة، وسوقية[4].

عندما يستسلِم المريض للمضيِّ قُدُمًا في هذا التمرين، فإنه يختبِر إحساسًا بانفراج عظيم. ويتوصَّل أخيرًا إلى جعل ما كان مكبوتًا يخرج إلى السطح، بطريقة ليسَت هدَّامةً لا بالنسبة له، ولا بالنسبة للآخَرين. تكون السوقية ملائمة لأن الشخص ينزَع إلى تحقير الآخَر، ولكنه يشعر بنفسِه وقد أصبح نظيفًا كما لو تم غسل كل الوسَخ العالِق بيدَيْه. ما يتبَع الشعور بالنظافة هو الغَضَب، غَضَب بحت من الشخص الذي تسبَّبَ بالإهانة التي عانى منها. ويمكن لهذا الغَضَب أن يتمَّ التعبير عنه من خلال الضرب على السرير بمِضرَبِ التنِس. ليس الضرب على هذا النحو مُذِلاً ولا عقابيًا، وإنما يؤكِّد ثانيةً حقَّ المريض باحترام نفسِه، وأن يكون مُحتَرَمًا كفرد. لا يستطيع أحدٌ احترامَك إذا لم تستطِع أن تصيرَ غاضبًا عندما تُهَان شخصيًا أو تُجرَح مشاعرُكَ.

يتقلَّص قلق السقوط من خلال كل تفريغ للمشاعر السلبية أو العدائية. ينطبِق الأمر نفسُه على أيِّ تعبير عن الغضَب. ولكن يُلغَى قلق السقوط فقط من خلال هذه الطرق الموصوفة أعلاه، لأن قلقًا كهذا له قانونه الخاص، كخوف يجب أن يُجابَه أو يُواجَه. ويتعلم المرء الاستسلام بدون خوف، ليس من خلال الكلام، وإنما من خلال الفعل. تعلموا الدفاع عن احترام شخصِكم الخاص، واحترام جنسانيتِكم الخاصة أمام جميع الأشخاص بما فيهم المُعالِج.

عليَّ إضافَة أن كل تمرين لا يُحرِّر المشاعِر المكبوتة فحَسب، بل يساعِد المرء في تخلُّصِه من التوتُّرات العضلية. فالسقوط يعفي الساقَيْن من المجهود المفرِط بأنه يتوجَّبُ عليه البقاء واقِفًا على قَدَمَيْه بسبَب الخوف. والحركة الدائرية للحوض (نقوم بها إلى الوراء، لكي نطلِقَ التوترات العضلية المتعلِّقَة بالمرحلة السادية الشرجية[5] التي أُلغِيَت) تُقلِّل من التوترات العضلية للفخذين، وللخصر الحوضي. إن فتل المنشفة وضرب السرير لها آثار متشابهة على الأجزاء الأخرى من الجسم.

إن هذه التمارين نموذجية بالنسبة للتعبيرية – الذاتية (سلوك شخص يسعى إلى أن يكون معبِّرًا). وليسَت هذه التمارين هي الوحيدة التي نستخدِمُها في المنهج الحيوي الطاقي. ولا تقتصِر هذه التمارين على المشاعر السلبية، والعدوانية، والغاضِبَة. فالتمدُّد إلى الأمام في مسعَى للاتصال، أو اللمس بحب والمعانَقَة، كلها حركات تهدف لإظهار المودَّة والرغبة. سأناقِش في الفصل القادِم طبيعة التعبيرية – الذاتية، وسأصِف بعضًا من الطرُقِ التي لديْنا لمعالَجَة مشاكِل التعبيرية – الذاتية. وهي ضرورية، ولكن، لديَّ تعليقان إضافيين لكي أنهي هذا الفصل.

يستند التأكيد على كشف المشاعر السلبية في التحليل السريري للشخص الذي لا يستطيع أن يقول كلا، ولا يستطيع أن يقول نعم. وبالتالي، فمن الأهمية بمكان أن يكون قادرًا على إظهار شعور عدواني أو شعور بالغضَب عندما يكون ملائمًا القيام به. لقد فحصت الملابسات الفلسفية لهذا المنظور في كتابي: "لذة، مقاربة خلاَّقَة للحياة" Pleasure: A Creative Approach to life. وممكن أيضًا أن يكون غير حقيقي تصور الشخصية الإنسانية كما لو أنها إيجابية فقط من خلال قوة الطبيعة. فالحياة إيجابية، ولكن المضاد للحياة سلبي. وبعض الأشخاص يختلِط الأمر عليهم. ومع ذلك، فإن اتخاذ جانب عوضًا عن الآخَر يكون أمرًا خاطئًا. فكلا النموذجين من القوتين هما حاضِران في العالَم، وإنها لسذاجة أن نفكِّر عكس ذلك. فإذ استطعنا التمييز بين الاثنين، فالسلبية سوف تبلغ مكانها الخاص في داخل السلوك الإنساني.

التأكيد الزائد على لغة الجسد سوف يكون بمقدوره جعل القارئ يعتقد بأن الكلمات مجرَّدَة من الأهمية بالنسبة للعلاج الحيوي الطاقي. وهذا بالتأكيد لا ينطبِق على العمَل الذي أقوم به بنفسي، وفي الفصل الأخير سوف أتطرَّق إلى دور الكلمات. لا أعتقِد أننا أوليْنا انتباهًا زائدًا للتعبير الجسماني. فهو يتلقى اعتبارًا في هذا العلاج، لأن العلاجات الأخرى تتجاهله في معظمِها. والكلِمات ليس لديها الشروط لتحُلَّ محل حركة الجسم، ولكن بالشكل نفسِه، فإن حركات الجسم ليسَت مكافئة للُّغَة. فكل واحدة منهما لديها مكانها الخاص في السيناريو العلاجي، كما هو الأمر في الحياة اليومية. كثيرون من مرضايَ لديهم صعوبة ما في التعبير بشكل مرضٍ من خلال اللغة. وأنا أعمَل مثل كثير من المعالجين الآخَرين على هذه المشكلة معهم. إلا أن معظم مرضايَ لديهم مشاكل في التعبير عن أنفسِهم بشكل كلي على المستوى الجسماني، وإنه على هذه المشكلة بالذات يتموْضَع المنهَج الحيوي الطاقي. واكتشفت أيضًا بأن المشكلة الجسمانية تأتي قبل المشكلة الشفهية، مع أن الأخيرة متطابقة مع المشكلة الجسمانية. وبدون أدنى شك فالحديث بطلاقَة عن الجنس هو أكثر سهولة من التحرك بانسياب جنسيًا.

ترجمة: نبيل سلامة

*** *** ***


 

horizontal rule

* الفصل الثامن من كتاب المنهج الحيوي الطاقي، ألكسندر لوون، ترجمة نبيل سلامة، معابر للنشر، 2013.

[1] Hana Selye, the stres of life (New York McGraw-hill, 1956)

[2] من أجل فهم مرض الكاتاتونيا، يُنصَحُ بالرجوع إلى المعجم الموسوعي في علم النفس، تأليف: نوربير سيلامي، وترجمة: وجيه أسعد، وزارة الثقافة، دمشق 2001. كما يُنصَح أيضًا بالعودة إلى كتاب الأمراض الذهنية عند الراشد. ترجمة: محمد حسن إبراهيم ص 95 منشورات وزارة الثقافة دمشق 2000. (المترجم)

[3]  قَسَّم فرويد الشخصية الإنسانية إلى ثلاثة أقسام تتبادل التفاعلات الانفعالية فيما بينها، وهي الأنا أي القسم المعروف والظاهر من الشخصية وهي عبارة عن آلية دفاع ذاتية لحماية الفرد نفسه من جهة، وآلية إظهار نفسه أمام المجتمع من جهة أخرى لكي يتم القبول به كعضو في هذا المجتمع وهي ترادف الشخصية التي أتت من اليونانية Persona أي القناع، والهو ويسمى أحيانًا بالهذا وهو اللاشعور الشخصي أي مستودع الطاقات الغريزية ويشبِّهه فرويد بحصان جامح يمتطيه الأنا وفق مساومة بين الاثنين فيما يسميه مبدأ الواقع ومبدأ اللذة، أما الهي فهي الأنا العليا وهو الجزء من الشخصية الذي يمتصُّ نواهي الوالدين، والمثل العليا وتحتوي على صورة الأنا المثالية، ويشكل رقيبًا على أفعال الشخصية بما يتوافق مع المعايير التي تكوَّن عليها، وهي مصدر الشعور بالذنب، والرغبة في العقاب الذاتي الذي يمثل عقاب الوالدين فيما مضى والسلطات المدنية والدينية مؤخرًا إذا ما أتى فعلاً يخالف هذه النواهي وحسب فرويد تلعب هذه الأنا دورًا كبيرًا عند الذين يعانون مرض البارانويا... الخ. (المترجم)

[4]  بالإمكان مراجعة مدرسة التأمل الديناميكي لأوشو، والتي تقوم إحدى مراحله على ما يُسمَّى بالبربرة، أي إصدار أصوات عاليًا أي أصوات قد يكون لها معنى أو لا، أي مجرد صراخ، وهي طريقة لتفريغ الطاقة، وإخراج ما في اللاشعور من مكبوتات حيث يتصرف المرء بما يحلو له جسده، أي يترك جسده يملي عليه ما هو بحاجة إليه، أن يقفز أو يثب، أو يرقص، أو يتدحرج أرضًا... الخ. (المترجم)

[5]  أصبحَت مشهورة نظرية تطور الليبيدو عند فرويد التي تبدأ بالمرحلة الفموية، والشرجية، فالقضيبية، وأخيرًا التناسلية. في شأن المرحلة القضيبية، تُعرَف باسم التنظيمات القبتناسلية، وهي تنظيمات الحياة الجنسية التي لا تضطلع فيها المناطق التناسلية بعد بدور الزعامة. وقد عرف فرويد تنظيمين ينمان من هذه التنظيمات القبتناسلية كالسادية الفموية، والسادية الشرجية، ثم المرحلة القضيبية التي يكتشف فيها الطفل ذكرَه كمصدر للذة من خلال الاستمناء، بعدها يدخل مرحلة الكمون الجنسي والتي يسميها البعض بمرحلة الحب الخضراء. إذن نلتقي في الطور القبتناسلي من نمو الحياة الجنسية بالقطبية الجنسية، ولكن ما نفتقده بالمقابل فهو تنظيم الغرائز الجنسية وخضوعها لوظيفة الإنجاب. (راجع ثلاث مباحث في الحياة الجنسية وكتاب الحياة الجنسية. تأليف فرويد). (المترجم)

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني