الرِّسَالَةُ الثَّامِنَة
			
			
			إلى لِيسُود
			
			 
			
			
			
			غياث المرزوق
			
			
			قَالَتْ لَهُ:
			«وَهَا، أَشْبَاهُهُنَّ لَمْ يَزَلْنَ يُوقِنَّ،
			وَهَا، أَشْبَاهُهُمْ لَمْ يَزَالُوا يُوقِنُونَ،
			بِأنَّ الغَايَةَ، لا مَحَالَ، تُبَرِّرُ الوَسِيلَةَ. 
			
			
			وَهُنَّ لا يَرْتِمْنَ بِبِنْتِ شَفَةٍ،
			وَبِبِنْتِ شَفَةٍ، هُمْ لا يَرْتِمُونَ». 
			
			
			قَالَ لَهَا:
			«تِلْكِ أَخْلاقُهُنَّ وَأَخْلاقُهُمْ،
			وَهٰذِهِ أَخْلاقُنَا تَحْتَاقُهُمْ: 
			الغَايَةُ قَدْ تُبَرِّرُ الوَسِيلَةَ، فِعْلاً، 
			مَا دَامَ ثَمَّةَ غَايَةٌ، أَصْلاً وَفَصْلاً، 
			وَمَا دَامَ ثَمَّةَ شَيْءٌ، في النِّهَايَة، 
			شَيْءٌ آخَرُ كَيْمَا يُبَرِّرَ هٰذِهِ الغَايَة».
			
			بالتَّنَاصِّ مَعَ
			
			
			روزا لوكسمبورغ وليون تروتسكي
			
			
			 
			
			/... تَقُولَانِ في السِّرِّ شَيْئًا
			وَتَنْتَظِرَانِ الهَجِيرَةَ في الجَهْرِ فَيْئًا
			وَتَرْتَكِبَانِ الخَطِيئَةَ دُونَ احْتِرَافٍ وَعِلْمٍ كَتِيمٍ
			تَبَدَّى
			وَتَسْتَبْدِيَانِ الكلَامَ اللَّئِيمَ، الأَلِيمَ
			عَلى أَنَّهُ بَيِّنَاتٌ لِأَصْدَاءِ قَوْلٍ حَكِيمٍ، قَدِيمٍ
			وَلٰكِنَّ أَنَّى تَجُودَانِ جَوْدًا
			بِصَوْتِ الأُنُوثَةِ فِيهِ
			تَرُودَانِ جُلَّ حَيَاءِ «الحَدَاثَةِ»، ذَاكَ «الرَّفِيهِ»
			تَرُودَانِهِ يَسْتَبِيحُ «القَدَامَةَ» خِلاًّ وَغِلاًّ وَظِلاًّ
			وَسَادِلُهُ مُسْتَقِيمٌ، وَسَادِنُهُ مِنْ عَلى جَبَلٍ مُسْتَدِيمٍ
			تَردَّى
			فَتَجْدُو العَوَاصِفُ مَا بَيْنَ قَلْبَيْهِمَا 
			دُمَّلَاتٍ وَقَيْئًا
			عَلى شَاعِرٍ يَسْتَمِدُّ الشَّوَارِدَ مِنْ قَاعِ فِعْلِ لُزُومٍ
			تَعَدَّى
			
			
			***
			
			بَلَغَنِي أَيَّتُهَا القَارِئَةُ الرَّهِيفَهْ
			/... ذَاتُ الآرَاءِ الحَصِيفَهْ
			
			بَلَغَنِي أَنَّ، ثَمَّةَ، رَبْعًا مِنْ رُبُوعٍ في بِلادِ 
			الرَّافِدَيْنْ
			رَبْعًا لَهُ تَهَانُفَاتٌ وَتَهَافُتَاتٌ
			وَلَهُ «تَبَارِيحٌ» وَ«تَمَاسِيحٌ»
			وَلَهُ تَخَرُّصَاتٌ وَتَفَرُّصَاتٌ
			مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ، أَوْ حَتَّى سُلْطَانَيْنْ
			وَلَهُ، كَذٰلِكَ، نَامُوسٌ مَمْسُوسٌ
			أَوْ نَامُوسٌ فِيهِ مَسٌّ مَدْرُوسٌ
			مَأْرَبُهُ لا إِنْسَانِيٌّ وَلا حَيَوَانِيٌّ
			/... وَلٰكِنْ،
			حَسْبَمَا يَبْتَنِيهِ مَا يُعَانِيهِ مِنْ عَاهَةٍ غَرِيبَةٍ 
			عَجِيبَةٍ،
			تَخَالِينَهُ يَتَقَرَّى مُشْتَهَى البَرِيَّةِ في مُنْتَهَى 
			الحَمِيَّةِ،
			وَمَا أَجْمَلَ هٰذَا الخَيَلانَ «المُخَالَ»، مَا أَجْمَلَهُ،
			/... حِينَمَا
			يَتَقَرَّاهَا مُتَسَكِّعًا في مَنْزِلَةٍ مُتَنَزِّلَةٍ بَيْنَ 
			المَنْزِلَتَيْنْ
			
			***
			
			بَلَغَنِي أَنَّ، ثَمَّةَ، «سِعْلاءَ» شَهْلاءَ، شَهْبَاءَ
			تَرْتَدِي شَكْلَ اِمْرَأَةٍ حَسْنَاءَ، غَيْدَاءَ، صَهْبَاءَ
			في أَطْرَافِ النَّهَارِ، لا آنَاءِ اللَّيْلِ
			وَلَئِنْ لَمْ يَئِنْ لَهَا أَنْ تُغَيِّرَ جِلْدَهَا،
			أَوْ حَتَّى لَوْنَهَا،...
			/... فَلا خَوْفَ، إِذَنْ،
			مِنْ أَنْ تَشْتَفِّي أَوْ تَسْتَشِفِّي قَلْبَ اِمْرَأَةٍ رَعْنَاءَ،
			حَسْرَاءَ، رَسْحَاءَ
			/... قَلْبَ اِمْرَأَةٍ
			سَافِلَةِ الوَطْءِ، نَافِلَةِ البِطْءِ، جَافِلَةِ الشَّطْءِ
			وَحَاشَا لِلنِّسَاءِ الأَصِيلاتِ الفَصِيلاتِ، طُرًّا،
			حَاشَا لَهُنَّ، في السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ،
			أَنْ يَكُنَّ كَوْنَهَا،...
			
			***
			
			كَانَتِ الخَيْلُ قَدْ أَجْفَأتْ لِلْمَدَى، فَجْأَةً،
			نَوْمَهَا،...
			كَانَتِ الأَرْضُ تَبْكِي دَمًا وَدُمًى مُتَمَدِّيَةً
			يَوْمَهَا،...
			كَانَ يَوْمَ صَلَتْ جَذْوَةٌ، في قَتَادِ المَكَانِ
			قِبَابًا وَحَشْدًا وَآلِهَةً مُتَعَدِّدَةً، في الزَّمَانِ
			وَفي فُسْحَةٍ هَابَّةٍ
			مُتَغَوِّلَةٍ دَانِيهْ
			وَصَلَتْ دَابَّتَانِ مُدَبَّبَتَانِ بِخُفَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ 
			وَمُؤْتَلِفَيْنِ،
			عَلى الفَوْرِ، وَارْتَقَتَا
			مِنْ أَخَادِيدَ شَعْوَاءَ آسِنَةٍ خَانِيَهْ
			
			
			/... وَصَلَتْ
			عَقْرَبَاءُ ذَلُولٌ وَضِفْدَعَةٌ مُتَذَلِّلَةٌ تَقْعِيَانِ مَعًا 
			ضِفَّةَ النِّيلِ في الحُلْمِ
			لٰكِنَّ أُولَاهُمَا لَمْ تُرِدْ أَنْ تُفَرِّطَ في سُمِّهَا 
			المُتَرَاكِمِ مِنْ شَهْقَةِ الحِلْمِ
			حِينَ تَوَخَّتْ مُلَامَسَةَ الضِّفَّةِ الثَّانِيَهْ
			
			***
			
			شَرِبَتْ جُرْعَةً مِنْ خِضَابٍ مُهَجًّى، وقَالَتْ:
			«أَنَا مِنْ بِلَادِ السُّوَيْدِ، أُسَمِّي النِّعَاجَ
			العِجَافَ بِأَسْمَائِهَا مِنْ بَعِيدٍ
			وَأَثْنِي عَلى عِصْمَتِي مِنْ وَرَاءِ الكَوَالِيسِ، بَكْمَاءَ، 
			قُدَّامَ ظِلٍّ جَدِيدٍ
			سَأَمْنَحُ مَنْ حَمَلَتْنِي عَلى ظَهْرِهَا المُتَقَوِّسِ عِشْرِينَ 
			عَامًا
			وَأَجْعَلُهَا "تَشْرَئِبُّ" مَعَاشًا لِزَامًا، وَأَكْثَرَ،
			كَيْمَا تُقَبِّلَ، في الآمِرِيَّةِ، إِسْتِي المُذَكَّرَ،
			/... أَقْصِدُ،
			كَيْمَا تُقَبِّلَهُ،... ثُمَّ تَلْعَقَهُ،...
			بَعْدَ عَصْرَيْنِ مُؤْتَصِرَيْنِ وَمُنْتَصِرَيْنِ
			- فَبَيْنِي وَبَيْنِي إِصَارُ انْتِصَارٍ
			- وَبَيْنِي وَبَيْنَكِ "أَيْسٌ" وَ"لَيْسٌ"
			فَلَيْسَكِ إِيَّايَ، يَا نَجْدُ، لَيْسَكِ إِيَّايَ، بَيْنِي وبَيْنَ 
			المَوَاتِ
			سَأَلْسَعُ خِشْفًا بَدِيلاً يَنُوءُ 
			بِكَلْكَلِهِ اللَّيْلُ نَوْءًا عَلَيْهِ لِمَامًا»
			
			/... وَلٰكِنْ،
			وَلٰكِنَّهُ مُفْعَمٌ في الصَّمِيمِ الحَمِيمِ بِشَتَّى فَحَاوِي 
			الحَيَاةِ
			يُخَبِّئُ أَحْزَانَهُ تَحْتَ سَقْفٍ وَسَعْفٍ بِصَومَعَةٍ مِنْ 
			حَدِيدٍ
			وَيَبْسِمُ مِلْءَ المَبَاسِمِ، رَغْمَ إِسَارِ العَدَاوَةِ،
			مِنْهُنَّ صَوْبَ عَبِيدٍ
			وَلا يَتَحَلَّى بَتَاتًا، بِرَغْمِ انْتِشارِ الغَباوَةِ، إِلاَّ 
			بِقَوْلٍ سَدِيدٍ
			وَيَأبَى، كَذَاكَ، قُرَابَةَ شَهْرَيْنِ مُنْتَهَرَيْنِ
			وَمُعْتَهَرَينِ
			«فَلَا وَقْتَ لِلْبَحْرِ كَيْمَا يُقِيمَ حِوَرًا مَعَ الرَّمْلِ، 
			قَطُّ»
			/... خُصُوصًا، هُنَا الآنَ،
			وَقْتَ اخْتِمارِ الكَلامِ الأَبِيِّ الصَّبِيِّ بِدَنِّ الأُبَاةِ
			وَوَقْتَ انْفِجَارِ النَّجِيعِ الفَجِيعِ بِعَصْفِ الشَّتَاتِ
			
			***
			
			وأمَّا المَطِيَّةُ 
			
			أُخْرَاهُمَا 
			في ضَبَابٍ
			مُسَجًّى، فَقَالَتْ:
			«أَنَا مِنْ بِلَادِ العِرَاقِ، أُدَشِّنُ مَا قَالَهُ الثَّقَفِيُّ 
			ابْنُ يُوسُفَ فِيَّ سُجُوعًا أَمَامَ الصَّقِيعِ
			أَنَا مِنْ بِلَادِ الشِّقَاقِ، النِّفَاقِ، أُنافِقُ لِلْأَجْنَبِيِّ 
			كَغَانِيَةٍ مِنْ غَوَانِي المَجُوسِ القَصِيعِ
			/... وَهَا أَنَذَا،
			في المَانَوِيَّةِ، إِنْ كُنْتُ بُومًا،...
			فَتَطابُقٌ بَيْنَ نَسْرٍ سَائِرٍ نَحْوَ الضِّيَاءِ وَنَسْرٍ سَاهِرٍ 
			وَسَطَ الظَّلام
			/... وَهَا أَنَذَا،
			في البَرْبَرِيَّةِ، إِنْ كُنْتُ غَاقًا،...
			فَتَطابُقٌ بَيْنَ طَيْرٍ لَاحِمٍ لَحْمَ "الأَنِيِسِ" وَطَيْرٍ 
			لَاحِمٍ لَحْمَ الفَطِيِس
			وَلَئِنْ أَسْبَغْتِ عَلَيَّ بِلَيْسِكِ، يَا لَيْسُ، عَمْدًا،
			/... فَبَيْنِي وبَيْنَ الجَلِيسِ "الشَّكُوسِ" كِتَابٌ
			سَأَكْتُبُ فِيهِ التَّقَارِيرَ حَتَّى أُبَيِّضَ صَفْحَةَ وَجْهِي 
			بِنَعْلِيْكِ،
			إِنْ شِئْتِ،
			أَوْ بِنِعَالِ رَبِيبَةِ كُلِّ دَمِيمٍ عَلى هٰذِهِ الأَرْضِ،
			في اللَّامِ وَالوَاوِ وَالرَّاءِ وَاليَاءِ،...
			أَمَّا البَقِيَّةُ، يَا لَيْسُ، بَعْدَ فِصَالِ الجَلِيسِ 
			"المُشَّاكِسِ"، ذَاكَ،
			فَنَبْذٌ وَنَبْذٌ وَنَبْذٌ، إِلى أَبَدِ الآبِدِينَ، تَبَابٌ
			لِيَخلُو لَنَا الأَمْرُ وَالنَّهْيُ، وَالنَّهْرُ وَالعُهْرُ
			في رِحْلَةِ الصَّيْفِ أَوْ مِثْلِهَا في الشِّتَاءِ»
			
			/... وَلٰكِنْ،
			وَلٰكِنَّهُ، في الحَقِيقهْ،
			/... مَثَلُهُ كَمَثَلِ طِفْلٍ لَمْ يَشُبَّ عَنِ الطَّوْقِ، بَعْدُ،
			وَكَانَتِ امْرَأَتَانِ قَنُوطَانِ قَدِ ادَّعَتا أُمُومَتَهُ، 
			ادِّعَاءً،
			حِينَمَا ثَكِلَتْ إِحْدَاهُمَا طِفْلَهَا السَّلِيلَ في التِّيهِ، 
			مِنْ قَبْلُ،
			فَارْتَأتِ الأُخْرَى أَنْ تَتَحَاكَمَا إِلى الحَكِيمِ سُلَيْمَانَ، 
			فَقَالَ:
			«ﭐئْتُونِي بِالمِدْيَةِ أَقْطَعْ مَدَى حَيَاتِهِ قَطْعَيْنِ بَيْنَ 
			قَلْبَيْنِ 
			يَفْـتَرِقَانِ وَيَحْـتَرِقَانِ، مَعًا: أَحَدُهُمَا نَارًا، والآخَرُ 
			مَاءً»
			
			فَمَا الذي تَرَيْنَهُ، إِذَنْ، يَا أَيَّتُهَا القَارِئَةُ 
			الرَّهِيفَهْ؟
			/... مَا الذي تَرَيْنَهُ، يَا ذَاتَ الآرَاءِ الحَصِيفَهْ؟
			
			***
			
			
			حِينَمَا زُرْتُهَا بَيْنَ نَارِنْجَتَيْنِ مُشَذَّبَتَيْنِ
			
			
			وَعُصْفُورَةٍ شَاهِدَهْ
			/...
			في الهَزِيعِ الأَخِيرِ مِنَ اللَّيْلِ أَرْفَعُ قَلْبِي
			«إِلى أَيْنَ، يَا ابْنِي؟»
			«إِلى نَبْضَةٍ لَمْ يَصِلْهَا تَدَاعِيَّ، في الأَمْسِ»
			«هَا أَنْتَ،...
			مَا زِلْتَ في هَذْرِكَ المُتَطَايِرِ هَيْمَانَ،
			مَا زِلْتَ تَحْلُمُ بِالمَاوَرَاءِ وَبِالمُسْتَحِيلِ،
			وَتَطْفُو
			كَطَفْوِ الصَّبِيِّ المُسَيَّبِ في المَهْدِ نَحْوِي
			عَلى مَهَلٍ فَوْقَ كَفِّ الفُرَاتِ الكَرُوبْ»
			/...
			«حِينَمَا أَنْظُرُ الآنَ في مُقْلَتَيْكِ مَلِيًّا، كَمَا 
			المُتَأَمِّلُ،
			أَغْفُو
			فَأَصْحُو عَلى أَنَوَيْنِ اثْنَتَيْنِ تَحُومَانِ في وَاحِدٍ آبِدٍ،
			
			
			لابِدٍ يَتَأمَّلُ مَعْنَى الشُّرُوقِ وَمَعْنَى الغُرُوبْ»
			
			
			***
			
			
			أَفَقْتُ
			وَإِذْ بِي أَمَامَ مُسَافِرَتَيْنِ مُحَارِبَتَيْنِ
			وَبَارُودَةٍ وَاحِدَهْ
			
			*** *** ***
			
			
			دبلن، فبراير (شباط) 2004