ســـــــــرد

 

دارين ناظم

 

اليومَ
لا صداعَ
لكن الألم في أضلعي على أشدِّهِ
وكنتُ قد وقعتُ في القاموس
على أن كلمة "زِّرٌّ" تعني بين ما تعنيهِ
عُظِيْمٌ،
تصغيرُ عظمْ،
يقع تحت القلب ويسندهُ.
أحللتَ زِّرِّي؟
أحبس أنفاسي لحظةً
يختفي الوجعُ
هذه ليست بلاغةً أبدًا
يؤلم أن تتنفسَ
لا شِعرْ
ألمٌ
هنا، حيث أشعرُ أني ثقيلةٌ
وأني أطيرْ!

دارين
تعالي قبِّلي جدكِ
قُبلَةً أخيرةً
وجدي
جيبهُ مليئةٌ دومًا بالسكاكرِ
ينفحني بعضها
وهو ينطق اسمي العصري بشكلٍ خاطئٍ
وقلتُ لخالي بكل غباءٍ على الهاتفِ
وهو يحتضرُ
تعال عندنا
ولما ارتبكنا جميعًا
سألتُ نفسي
هل منحوا رداء جدي الشتوي
- الذي كان يرتديهِ صيفًا
وهو يرددُ:
يدفَعُ الحرَّ
ما يُدفَعُ به البردُ -
لأحدٍ؟
إن كان مازال لديهم
في صندوقٍ خشبي قديمٍ
مُخبأً
في القبوِ
حيث كنا نتسللُ لنلعبَ
أريد أن أذهبَ
وأستلقي قربهُ
في الصندوقْ.

*

لكنهُ ألمحَ
ولم يكن كلامهُ لي
بل بالعمومِ
قالَ:
"إذا أردتَ أن تكون متصالحًا مع نفسكَ،
أولُ ما عليكَ يكونُ، أن تجدَ وضعيةً مريحةً للجلوسِ،
لا تستطيعُ أن تعيشَ وأنتَ متشنجْ".
ثم قالَ:
"قوِّي جسدكَ.
هذا الضعيفُ لن يخدمكَ طويلاً،
إنه كالعلقةِ على روحكَ".
وكانَ كلامهُ مباشرًا لي، حين قال:
"خفتُ إذ رأيتكِ من بعيدٍ،
وأنا أقتربُ من واجهةِ المقهى الزجاجيةِ،
فكرتُ أنهُ يا ليتكِ لم تصلي قبلي.
أحزنني أن أراكِ تجلسينَ
بوضعيتكِ غير المريحةِ
ترتدينَ البنِّي
كم يليقُ بكِ!
وتذبلين فيهِ
كم تليقين بالحياةِ!
لا تخونيها".
طلبتُ قهوةً
وهو يعرفُ أنني لستُ من هواتها
رشفتُ منها
كأنني أحبها.
ابتسمتُ،
قدر ما أمكنني
وهو كان يبحثُ عن حلٍّ.
"الشتاءُ"، قلتُ:
"يقتلني"
قال:
"لا تعطي أمراضكِ اسمًا،
حتى لا تتكرَّسَ".
فأجبتُ:
"ذكرتني بقصة الفرسانِ الثلاثةِ،
والزوجة التي إن ذُكِرَ اسمها ينزلُ محارٌ من الموقدِ.
أنا أحدُ أصنامي،
لا تقلقْ".
"لستُ قلقًا،
لأني نرجسي".
"لكنكَ هنا،
من أجلي".
"ربما،
أنا هنا من أجلي".
ثم ذكرَ الزرنيخَ:
"ما قتلَ كثيرهُ
فقليلهُ حرامْ".
"ولكن ماذا عن الضرورةِ؟"
"أتريدين الموتَ؟"
لم يسألْ
لكنني أعرفُ
ما دارَ في خلدهْ
"لا،
ليس من سببٍ قوي.
بعضُ صديقٍ أسماهُ ترفًا.
ربما أصابَ
وهو يجرحني،
لم أغضبْ!
قالَ إنهُ علي أن أجربَ الجوعَ،
وليسَ فقدانَ الشهيةِ!
نعم!
فنجانُ القهوةِ هذا باهظٌ
لا يمكنني التذمرُ!"
فعقبَ:
"ألم يرَ أنكِ اختبرتِ الجوع؟
يا لهُ من أعمى".
"شكرًا،
لبصيرتكَ".
تلمستُ يدي بامتنانٍ كأنها يدهُ،
قال لي "عليكِ أن تَلمِسي".
فلمستُ يدي من جديدْ
"أنا أحبُ هذا المكانْ،
إنهُ دافئٌ،
وزجاجي
كأنهُ هذه الصداقةَ
التي لن تستمرَ
لكن من خلالها أرى كل شيءٍ
ستخونُ صداقتنا".
فأجابَ:
"أنا لستُ صديقكِ،
أنا عابرٌ
وعدوٌ.
ربما ذلك النمطُ منهم
الذي لا يؤذي،
ذلك الذي يأنفُ الصداقة فحسبُ
فيتكنى بعكسها.
لنذهبْ
أنتِ تقطنين في البعيدِ
حيث لم يذهب الموتُ بعدُ
والطرقاتُ مزدحمةٌ
ومبتلةْ".
"أعرف،
لا تنهي كل ما بدأتهُ
قبل أن يكتملَ".
"وأنتِ،
لا تبدأي أبدًا.
غدًا
سينتهي مطرُ هذا اليومْ".

*

القليل من الزوال في زجاجةٍ
والقليل من مسحِ كفِكَ
على أجفان الموتى لتغلقها
كيف أُعرِّفُ الدرب الطويلَ؟
لا أَعرِفُ
لكن أطول دربٍ قطعتها
تلك وأيديهم تضغط على رأسي
لأنحني مقبِّلاً جدي الميتَ
ولم أكن أريدْ
"وكيف كان طعمهُ؟"
"أحقًا تسأل!
باردًا"
"إذًا ككل الموتى؟"
"لا
أظنه كان في ثلاجة
وأنا أحبُ صوت مكعبات الثلج
حين تتكسر في الخمرِ"
"الخمرُ!"
"نعم
هو ما تذكرته في رحلتي تلكَ"
"وهل ثملتي؟"
"البتة
أنا لا أثملُ
أخاف من نفسي لو أفعلُ
فقط يداعبني الضحكُ
وأنا مخمورةٌ
أضحكُ
فإن ضحكتُ
لا أستزيدْ"

*

لم تكن أصواتهم
من خلال القطع البلاستيكيةِ الضاغطة على الأذنِ
تستدعي أي شعورٍ
كان عليك فقط أن تسمعَ
أمرٌ في غاية البساطة والميكانيكيةِ
ويخطر في البالِ لحظةً
"كيف أبدو؟"
"هل لي أن أغفو كما لو في القداسِ؟"
جالسةً تنامُ في زاوية الكنيسةِ
المرأة الخمسينيةُ
كالطفلةِ
عليكَ ألا توقظها
أيها الوكيل القاسي
الذي يعدُ المالَ في الطبقِ
وإلهٌ مازالَ على رأسِ مائدتهِ
وقد سكبَ لكل مدعوٍ حصةً تكفيهِ
ويكفيني
كم أشفقتُ عليهم
قدر ما أشفقتُ على نفسي
خائفين
مبرودين
ومبررين مثل كل ضعفٍ إنساني
يخرج اللاإنسانْ
ثم جلسَ قبالتي مبتسمًا
كان يمتحنني
وأنا معلقةٌ بتلكَ البسمةِ الودودةِ
التي أنطقتني
مرتعدةً كمن أتى من مكانٍ رهيبٍ
وسيعودُ إليهِ
وبعد أن انتهينا
كان لا بد أن يسألْ
عرفتُ من ابتسامتهِ أنه سيفعلْ
"أتعودين؟"
"نعم

بلهفةٍ
كم كنتُ ممتنةً"
"لهُ؟"
"طبعًا
ولكن، أكثر للطريقةِ التي تماسكتُ بها
ليس بالمطلقِ
لكن لا بأسَ
لا بأسْ"
وبالعودةِ إلى الرجلِ

الحارسِ

الخائفِ
غيرِ المذكورٍ في الأعلى
إلا تلميحًا
وكلما ذُكِرَ خوفٌ
يكون معنيًا
قبلهُ في الساحةِ بالذاتِ
تلكَ
التي أعطوني اسمها
كما تعطى أسماء نجوم السماءْ
كأن عليَّ أن أحفظهُ
ولقد حفظتُ هذه النجمةَ
كان رجل شابٌ يجلسُ القرفصاءْ
يصورُ الحمام صورةً غبيةْ
فلما طارَ
وصارَ جميلاً أن يصوِّرَ
ارتبكَ
فابتسمتُ لهُ
فخاطبني بلغةٍ أجنبيةْ
سألتهُ "من أين تأتي؟"
قال: "أنا من هنا".
فقلتُ: "ولما اللغة الغريبةُ؟"
أجاب: "الغريبُ لكِ أيتها الغريبةْ"
فقلتُ: "ما أدراكَ"
ونَطَقتُ لسانهُ فاستغربَ
ثم استدرتُ
حول الدائرةِ
تركتهُ خلفي
وكنتُ أنظرُ إلى كل شيءٍ
وهو ينظرُ إليَّ من خلال عدسةٍ
فاختبأتُ
أشحتُ بوجهي قائلة: "لا تفعل،
لو سألتَ
ربما كنتُ سأقبلْ
لكن هكذا
لا أريدْ.
وفي الطريقِ مازحني وحشٌ
وحدثني عن أمهِ
تذكرتُ قولكَ
كيف أنهُ علي أن أبتسم في وجهِ
من يشهِرُ سلاحهُ في وجهي
ابتسمتُ لهذا
من أجلكَ
فأعطاني قطعة حلوى
ومن أجلك أيضًا أكلتها
كانت زنخةً
وأنا كنتُ لم آكل شيئًا منذ الأمسْ
ثم تذكرتُ
هذهِ المعجزةَ
أني واقفةٌ على قدمي
لا بد أني ميتةٌ
لا بد أني حيةْ
ورفيقة السفرِ
التي تمتلكُ بطاقةً سحريةْ
سألتني عن اسمي
فنطقتهُ
ويا ليتك أيضًا فعلتَ.

*

ويبقى عليكَ
أن تواجه عينيها كهوتينِ
لأن الأرض تحتك
ثابتة أكثرْ
وتذكرْ
أمك تحفظ أيَّ أغانٍ
رقصتَ عليها
أولها
هي اختارتها
ولكن أنت اخترتها أيضًا
حين استجبتَ
ولو لم تكن تحبكَ
ما لذي يرجعها دوما إليكَ؟
تسألُ
ويتبدلُ كل شيءٍ
عينان معلقتان بشفةٍ سفلى
وإغماءٌ باطني
فيه الروح تهوي
لا قرارْ
واستدعيها
ما النفعُ!
أصفعها
ما النفعُ!
أسكب ماء عليها
أُنعشها بنَفَسِي
فتمرضُ أكثرَ
لأن النفسين لذاتِ الشخصِ.
من يؤنبُ نفسهُ
لأنه نظرَ؟
العينُ!
ربها المستديرُ
كالقرصِ
الذي يرمى في الألعابِ
فإن أصابَ
أصابَ البعدَ والمسافةْ
وأتعافى
من الخائنِ
جسدي
هو لي وحدي
كيف تصيرني؟
أنفها رمزٌ
وكل ما يبرزُ منها
له كبرياءٌ
وغضبٌ
وحطبٌ جافٌ
النارُ
تعزيهِ بأن تنهيَهُ
حتى يتبدلَ
فيُحْمَلَ
أنا أجملُ من سُخريتهِ
وأجمل من أن أحقدِ عليهِ
فإليهِ
خذني

حتى أبتعد عنهُ
كما ينبغي
حتى أحُجَ
إلى قِبْلَةٍ هي معي!

*

ستهتم بتبديل أضواء الشوارعِ
لأن مربعكَ الصغيرَ
الموت فيه دائري
وأنت باقٍ ومهملٌ
لأي مساحةٍ أكبرْ
وللزمن الطويلِ
والطفل الذي أعجبهُ
رجلٌ في صندوقٍ
عند نهاية قصبةْ
رفع طرفًا من ستر نافذةٍ وأخذ يتلصصُ
وكلما كان شررٌ
صرخ شررْ
وبدونه صَمَتَ حتى نسينا وجودهُ
لكننا

لم ننسى أفخاذنا
قال: "إن كنتَ ستشاهدُ النورَ
من خلال زجاجٍ عارٍ،
فلتطفئ النورَ".
جسدٌ شبهُ عارٍ
العيون على الضفتينِ
وأنا حزينْ
أفكر في اقتلاع أطرافهم
وأتقيأُ؟
بعمليةٍ داخليةْ
ويستدعيني انبهارهُ
وسؤالهُ
من أين يأتون بالمصابيح
ِ
دومًا يبدلونَ
ما أفسدتهُ الشظايا؟
فأقتربُ مجيبةً:
لديهم الكثيرُ منها
وتذكرتُ ذراع أحدهم
في يدهم
فغار قلبي
حتى ارتدَّ كل ما فيَّ إلى الخلفِ
حيث السريرُ
يحتضن الدوارَ
وأقمارٌ
لا تستكينُ.
مسكينٌ الشاهدُ الأمينُ
كالشاهد في مسرحيةْ
أضحكتني كثيرًا
اليوم.

ليتها تبكيني
وليتني مثله لم أرَ شيئًا.
الغُلْبُ
والبساطةُ
يشهدان على الجريمةِ
وفي هذا جريمةٌ
أ تفسدون أرواحنا؟
أ لديكم الكثير منها؟
أ تنتهرون إن نهرتكم؟
أ لدي صوت لأنهرْ
وقلبي
قطعةُ سكرْ؟
ولا أتذمرُ
بالأمس قصصت شَعري
- الجزء الميت مني
الحي في ذاكرتكم -
قلتُ:
"فليذهب مع الموتى"
ولم يذهب
لم يذهبوا
وفي وجود الموت، حضرت حرمتهُ كهمٍّ
أعجبكَ
أنهم يغطونهم
قلتَ: كل هذا الشر لم يمنع!

*** *** ***

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني