اللاعنف والمقاومة

شباط 2014

February 2014

 

 

كان الوحي المسيحي تعليمًا عن المساواة بين البشر، عن أنَّ الله هو الآب، وأنَّ البشر إخوة. لقد انقضَّ على جذر الطغيان المريع الذي كان يخنق العالم المتحضِّر، وحطَّم سلسلة العبودية، وقضى على البُهتان العظيم الذي أعطى لحفنةٍ من الناس إمكانية الترف على حساب عمل الجماهير، وأبقى على الكادحين من الناس ضمن ما يسمَّى معاملة السوء. هاكُم لماذا لوحِقت المسيحية البِكر؛ هاكُم لماذا، عندما باتت استحالة القضاء عليها جليَّة للعيان، اعتنقتها الطبقات العليا وحرَّفتها. فكفَّت، من حيث هيبتها، عن أن تكون مسيحية القرون الأولى الحقَّ، وأصبحت، إلى درجةٍ كبيرةٍ جدًا، خادمة الطبقات العليا. (هنري جورج)

 

مقدمة

لم يحظ أسلوب اللاعنف بذلك الاعتراف الواسع عبر الإعلام بالرغم من وجود أدلة كثيرة على فعاليته (سومي: 2000، ص 4-5)، وذلك مع نجاح الحملات التي ارتبطت بقادة اللاعنف أو بعض المفاهيم المتعلقة بـ "سلطة الناس" التي تم تعريفها على نحو خاطئ، وبالطريقة ذاتها تتمثل الفنون في العديد من حملات اللاعنف، غير أنها لم تنل من الثقة سوى القليل بوصفها وسيلة لمبدأ اللاعنف، ولذا فإن ذكرها غالبًا ما يرد في الإعلام، فعلى سبيل المثال نقلت صحيفة غود ويك إند عام 1979 عن الحركة المناهضة لقطع الأشجار ضمن حركة تيرانا كريك بأن:

 

يُعرَّف العنف بشكل عام على أنه الاستخدام المقصود أو غير المقصود للقوة أو التهديد بها ضدَّ الآخرين مما يؤدي إلى الأذى الدائم أو المؤقت أو المميت. ولهذا الأذى اتجاهات متعددة قد تكون نفسية أو جسدية أو معنوية. كما أنه قد يتجه في الوقت ذاته باتجاه الأفراد أو المجموعات بشكل عام. كما تساهم أكثر من جهة في تبني منظومة العنف في حياة الإنسان ابتداءً من الأسرة وانتهاءً بالمجتمع على مختلف هيئاته وتنظيماته، وخير مثال واضح وجلي على ثقافة العنف في المجتمع، هو العنف والتمييز الممارس على المرأة اجتماعيًا وقانونيًا وتشريعيًا وسياسيًا.

 

عندما تُسَد القنوات الدستورية قد تلجأ بعض حركات اللاعنف إلى درجة من درجات العنف والتخريب لها طبيعة خاصة. فهي لا تتعلق بحرق المنشآت وتدمير الممتلكات العامة، كما لا ترتبط بعنف إزهاق الأرواح وإراقة الدماء؛ وإنما هو "تدخل خشن" يصحبه قدر عالٍ من التعقل والأخلاق النبيلة.

فالتدخل الخشن هدفه بناء المسار السلمي، وتزويده بأدوات تجعله محصنًا بحيث لا يخترقه العمل العنيف تحت ضغط الواقع، إنه شكل من أشكال التصعيد الذي يحاصر العنف ويقلص دائرته، ويطفيء ناره.

ومن أمثلة هذا النوع من التدخل الخشن ما تقوم به حركات السلام من إيقاف الجرافات التي ستقتلع الأشجار، من خلال وضع الرمل في مخزن وقود المركبة. أو إتلاف ملفات محددة على الحاسوب.

 

لم يتعمق رابندانات طاغور بأسباب وعواقب العنف والإرهاب تحت عنوان (الإرهاب)، بيد أنه في كتاباته حول القومية والعالمية قام بسبر أغوار السيناريو الثقافي المسبب للريبة، والاضطراب، والتسلح المفرط والحرب. كما وجه اتهامه للثقافة الغربية المادية التي تطلق العنان لممارسة العنف عن طريق قمع وإخضاع الأغيار (كل ماهو غير غربي)، وتمت مقارنة ذلك وتمييزه عن ثقافة الفيدا Vedic والأبانشادية Upanishadic التي يتبناها الهنود كحل لكافة أسباب العنف والإرهاب، من وجهة نظر طاغور. لكن ينبغي ملاحظة أن طاغور لم يحمل أية ضغينة شخصية ضد الغربيين. فقد كان اعتراضه على عاداتهم الثقافية التي تولد الحقد والعنف عن طريق رمي البشرية في مهب الريح. كما كان يكن كل الاحترام للجوانب الإيجابية للحضارة الغربية، وأطروحته عن العنف يمكن تطبيقها في أي سياق ثقافي للتحقق من العنف وعواقبه. وفي نقاشه حول الثقافة الغربية اتجه إلى تحديد أسباب العنف والإرهاب وعواقبهما، وقد قام باقتراح الحل من خلال إعادة تحديد سياق الفلسفة الأبانشادية Upanishadic philosophy لمفهوم الإخاء العالمي في ذلك العالم الحديث المسكون بالإرهاب.

 

للحديث عن القضية الفلسطينية شجون، ولأثرها في وعينا عمق ربما لا يضاهيه أي أثر آخر. تشكل القضية الفلسطينية برمزيتها ووقائعها تاريخًا يكاد يكون مسؤولاً عن صياغة الواقع العربي برمته، وقد ارتبطت أحداثها بشجاعة المقاومة والعزم المتواصل على تحرير الأرض، لكنها ارتبطت كذلك بالهزيمة والانقسام والتبعية. في الحديث عن تاريخ هذه القضية، ثمة مرحلة هامة لم تحظ بالقدر الذي تستحقه من الدراسة والبحث، وهي مرحلة الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي تبنى الفلسطينيون خلالها نضالاً من نوع مختلف حقق لهم خلال ثمانية عشر شهرًا فقط ما لم تحققه عقود طويلة من الكفاح المسلح.

 

 

 

>>>>>>>>>

<<<<<<<<<
\
 

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني