english arabic

إعادة التوازن بين المذكر والمؤنث

 

آن بارينغ*

 

عندما يتوازن المذكَّرُ والمؤنث تكون هناك سيولةٌ، علاقة، دفقٌ من الطاقة، وحدةٌ، كلِّية. ولعلَّ خير ما يوضِّح هذه السيولة والتوازن هي الصورة الطاوية للعلاقة وللتكاملية التي لا ينفصم عراها بين الـيِنْ والـيَنْغ. وبعبارات أوسع، المؤنث هو النموذج الحاوي للطاقة: قابلاً، رابطًا، لاحمًا الأشياء بعضها إلى بعض؛ والمذكَّر هو النموذج الناشر للطاقة: ساعيًا إلى التمدُّد والتوسع نحو ما هو أبعد. وعلى نحو أخصٍّ، يعكسُ المؤنثُ الحِواءَ الغريزيَّ وقيمَ العاطفة (القلب) خاصةَ الوعي؛ بينما يعكسُ المذكَّرُ خصائصَ السعي، وتعيين الأهداف، والتنظيم، والتمييز خاصةَ الوعي، المرتبطة عمومًا بالذهن أو بالعقل. ولقد عاشت النسوة آلاف السنين أقرب إلى النموذج الأول؛ والرجال عاشوا أقرب إلى الثاني. أما الآن فثمة دافعٌ عميق إلى الموازنة بينهما في أنفسنا وفي ثقافتنا. ثمة حاجة ماسَّة إلى تلطيف الإفراط الحالي في التشديد على القيمة المذكَّرة بجهد واعٍ لاستدماج القيمة المؤنثة.

كان المبدأ المؤنث في العالم القديم، في صورة الإلهة، يقوم مقام العلاقة – الصلةَ الخفية للأشياء بعضها إلى بعض. ويقوم، ثانيًا، مقام العدالة والحكمة والتراحُم. كما موهِيَ، ثالثًا – وهذا هو الأهم – بينه وبين البُعد غير المرئي فيما يتعدَّى العالم المعلوم – وهو بُعدٌ بالإمكان تصوُّره كحِواء [= رَحِم] يصل الروح غير المرئي بالطبيعة المرئية. والكلمة التي كانت مستعمَلة آنذاك لتسمية ذلك الحِواء كانت "إلهة"؛ ثم صارت "النَّفْس". بذا أفصح المبدأ المؤنث عن صورة وحدة الحياة كلِّها وقدسيَّتها وحُرْمَتها؛ فكان العالم الظواهري (الطبيعة، المادة، الجسم) يُعتبَر مقدَّسًا لأنه ظهور أو تجلٍّ للروح غير المرئي.

الخلل الأكبر في الحضارة الأبوية كان الإفراط في التشديد على النمط البدئي المذكَّر (المُماهى مع الروح) والحطِّ من قَدْرِ النمط البدئي المؤنث (المُماهى مع الطبيعة). وقد انعكس ذلك في كون الألوهة عديمة البُعد المؤنث، في الإهمال الملازم لقيم العاطفة، وفي بُغض المرأة المسؤول عن قمع النساء وشقائهن. لقد صيغت السنون الأربعة آلاف الأخيرة من التاريخ على أيدي الرجال، وتحدَّد مسارُها بمنظورات ذكورية، ووُجِّهت نحو أهداف من تحديد الرجال – وبالأخص هدفا الغزو والسيطرة. (لا أقصد من قول ذلك نقدًا؛ ففي سياق منظومة المعتقدات السائدة والمستوى العام للوعي، ما كان للأشياء أن تكون على غير ذلك.)

غير أن الدين والعلم – أفكارنا الثقافية ونماذج سلوكنا كلَّها – قد نشأا عن هذا الأساس غير المتوازن. فإبان ذلك الطور جرى الحطُّ من قَدْرِ كلِّ ما يشار إليه كـ"مؤنث" (الطبيعة، الجسم، المرأة) وقَمْعُه، بما فيه التنوع الغني للميراث الوثني للعالم القديم. ففي مجال الدين قُضِيَ على الزنادقة؛ وبذلك ضاعت طرقٌ شتى في الاتصال المباشر مع المتعالي. وبطبيعة الحال، أوْجَدَ هذا خللاً عميقًا في التوازن في الثقافة وفي النفس البشرية، أفضى، بدوره، أخيرًا إلى طواغيت القرن العشرين، حيث تمَّت التضحية بحياة حوالى 200 مليون إنسان على مذبح الأنظمة التوتاليتارية. وفي وسعنا أن نرى الميراث الهمجي لهذا الخلل في التوازن في أفغانستان، والبوسنة، وروسيا، وكوسوفو [وفي العراق الآن!]. لكننا نستطيع أن نراه أيضًا في الخليقة السائدة على الثقافة الغربية. المستبدُّ العصري هو الانعكاس الأقصى لداء عميق الجذور مشتقٍّ من خلل ثقافي في التوازن طويل العهد بين النمطين البدئيين المذكَّر والمؤنث، وعلى المستوى البشري، بين الرجال والنساء. وبودِّي أن أقرأ لكم هذا المقطع من مقال حديث:

عالمُنا عالمٌ وحشيُّ الاستبداد. في كلِّ مكان هناك حكومات، عن قصد أو عن إهمال، تجوِّع الناس، تدمِّر معاشهم، تحطِّم عائلاتهم. في كلِّ مكان هناك قَمْعٌ للنساء، للأقوام الأخرى، لطرق حياة عزيزة على الناس. ملكيتهم تُصادَر، قُراهم تُحرَق، المرض وسوء التغذية يُتركان للفتك بهم بلا حسيب. وما يشترك فيه هؤلاء الضحايا، وتعدادهم عشرات الملايين – ما يُبرِزُ شقاءهم في مقدمة استنكاري – هو التالي: لم يطلبوا هذا؛ لا حيلة لهم في تجنبه؛ ليس في مقدورهم فعل أيِّ شيء لتغييره؛ لا خيار لهم فيه. (ماثيو بارِّس، ذِهْ تايمز، لندن، 6/9/98)

حيثما تنعدم العلاقة والتوازن بين المبدأين المذكَّر والمؤنث يغدو المبدأ المذكَّر مغالًى فيه غلوًّا ومنتفخًا انتفاخًا مَرَضيين؛ والمبدأ المؤنث يصير مَرَضيَّ الانحسار والعجز عن الإفصاح وعدم الفاعلية. وأعراضُ مذكَّرٍ مَرَضي هي الجمود، والتصلُّب العقائدي، وكلِّية القدرة، والهَوَس بالسلطة والسيطرة والإدمان عليهما. يصير هناك تعريف واضح للأهداف، لكن بدون تقبُّلٍ للأفكار والقيم التي تتناقض مع هذه الأهداف. وأفق المخيِّلة البشرية يتقيد برقابة صريحة أو حاذقة. ويمكننا أن نرى هذا الداء منعكسًا اليوم في القيم القاسية التي تحكم وسائل الإعلام، والسياسة، والنزوع التكنولوجي للعالم الحديث. يمكننا أن نبصر الدافع المفترس للحصول على أراضٍ جديدة أو لغزوها في النزوع إلى السيطرة الشاملة على الأسواق العالمية، في إيديولوجيا النموِّ، في التكنولوجيات الجديدة، مثل التعديل الجيني للطعام. نبصر الشطط في التنافسية – النزوع إلى المضيِّ قُدُمًا، والنموِّ الأسرع، وإنجاز المزيد، وتملُّك المزيد، مرفوعةً إلى منزلة العبادة. هناك احتقار لقيم العاطفة، الراسخة في خبرة العلاقة مع الآخرين ومع البيئة. هناك جنسانية افتراسية وقسرية في كلا الرجال والنساء الذين يفقدون المزيد من قدرتهم على بناء العلاقات. هناك توسع مستمر بالمعنى الخطِّي، لكن بدون توسع عمقيٍّ في البصيرة. وضغط الأشياء التي لا بدَّ من فعلها في تسارُع دائم.

ما هي النتيجة؟ الإنهاك، الجزع، الاكتئاب، المرض، يُبتلى بها المزيدُ من الناس. ليس ثمة وقت أو مكان للعلاقات الإنسانية. وفوق ذلك كلِّه، ليس ثمة وقت لعلاقة مع البُعْد الروحي. ماء الحياة لم يعد يجري. الرجال والنساء، بعامة، والأطفال، بخاصة، يصيرون ضحايا هذه الخليقة الفظة، التنافسية، اللامبالية: والنسوة، في ضلالهنَّ، ومن جراء غياب أيِّ تعريف أو اعتراف واضحين بالقيمة المؤنثة في ثقافتنا، مدفوعات إلى استنساخ الصورة المَرَضية للمذكَّر التي تتضمن هي نفسها الخوف من المؤنث.

ولأن هذا الوضع برمَّته ينشأ، إلى حدٍّ كبير، نشوءًا غير واعٍ، لا يمكن تدارُكه بشيء يُذكَر حتى وقوع كارثة. وأنا أتفكَّر في هذا، تذكَّرتُ القصة التالية:**

ذات مرة، منذ وقت ليس ببعيد، حصل قحط عظيم في إحدى مقاطعات الصين. كان الوضع كارثيًّا. سار الكاثوليك في مواكب، وأقام البروتستانت صلوات، وأحرق الصينيون أعواد بخور وأطلقوا عيارات نارية لطرد شياطين القحط – لكن بدون جدوى. أخيرًا قال القوم: "سوف نرسل في طلب صانع المطر." وهكذا ظهر رجلٌ طاعن في السنِّ من مقاطعة أخرى. الأمر الوحيد الذي طلبه كان بيتًا صغيرًا هادئًا في مكان ما، اختلى فيه مدة ثلاثة أيام. وفي اليوم الرابع تكاثفت الغيوم وانعقدتْ في عاصفة ثلجية عظيمة، في وقت من السنة لا يُتوقَّع فيه هطولُ الثلج – بكمية غير عادية – فَسَرَتْ في البلدة إشاعاتٌ حول صانع المطر العجيب. وعندما سُئل عمَّا كان يفعل طوال الأيام الثلاثة، فجعل الثلج يهطل في اليوم الرابع، قال: "أنا قادم من بلد آخر، الأشياءُ فيه تسير على النظام. أما هنا فالأشياء خارجة على النظام؛ إنها ليست على ما ينبغي أن تكون بحسب مشيئة السماء. لذا فإن البلد بأسره ليس في الطاو؛ وأنا كذلك لست في النظام الطبيعي للأشياء لأتي في بلد لا يسير على النظام. لذا كان عليَّ أن أنتظر ثلاثة أيام حتى أعود إلى الطاو. إذ ذاك، بصورة طبيعية، انهمر المطر."

صانع المطر لم يفعل شيئًا. فقط لبث منتظرًا حتى عاد إليه توازنُه. ثم صحَّحتْ خاصيةُ كيانه حالةَ خلل التوازن من حوله. فلعلنا نحتاج أن نصبح صانعي مطر...

أشعر أننا نحيا في زمن كيروس – زمن الاختيار الأسطوري – زمن اكتشافات علمية هائلة، توسِّع من منظورنا إلى الكون، وتحطِّم وعاء مفاهيمنا القديمة عن طبيعة الواقع. ومع ذلك فإن متعضِّية الحياة الرقيقة على كوكبنا وبقاء جنسنا مهدَّدان، أكثر من أيِّ وقت مضى، بتكنولوجيات مدفوعة بخليقة غزوِ الطبيعة والسيطرة عليها، تكنولوجيات تُطبَّق باستهانة تامة بمخاطر تدخُّلنا في شبكة العلاقات المعقدة التي تتوقف عليها حياةُ كوكبنا. والخيار بين التشبث بخليقة بالية وغير متوازنة وبين النضج فيما يتعداها باتجاه قدرة أكثر مسؤوليةً وحساسيةً على العلاقة. فإذا كنَّا عاجزين عن تنمية هذه القدرة التعاطفية على التواصل فلا مفرَّ من تدمير أنفسنا والبيئة التي تُمِدُّنا بأسباب الحياة.

كيف يمكننا، إذن، أن نساعد على تصحيح التوازن بين المذكَّر والمؤنث في أنفسنا وفي ثقافتنا؟ قبل كلِّ شيء، أين نحن، كأفراد مُختلِّي التوازن؟ إلى أين نحن منقادون، تقودنا الخليقةُ الثقافية المختلةُ التوازن للفوز بالسلطة وبالسيطرة، متجاهلين مشاعر الاكتئاب، والجزع، أو أعراض كَرَب الجسم، التي تجتاحنا؟ هل نسمح لأنفسنا بما يكفي من الوقت للتفكُّر، للعلاقات، للاتصال ببُعْد للواقع أعمق؟ الأولوية، كما أراها، هي جعل واقع هذا الداء مسألةً مطروحة للنقاش العام، ونَقْلُ التشديد من الفوز بالسلطة إلى تحقيق التوازن. ثانيًا، هاك بعض المقترحات لتعزيز المبدأ المؤنث في مجتمعاتنا:

1.    تحرير المخيِّلة من طوق الأقلية المسيطِرة التي تستبعد غير العقلاني وتَحُولُ دوننا وضمِّه إلى فهمنا للحياة.

2.    صياغة صورة جديدة للروح، بوصفها كلِّية جميع ما هو موجود – المرئي منه وغير المرئي. استرجاع المظاهر المؤنثة للروح، الضائعة والمبخوسة القيمة: إعادة الطبيعة والمادة والجسد (بما فيه الجنس) إلى عالم المقدس.

3.    تخيُّل النَّفْس كإنترنت كوني. فنحن ننتمي إلى حقلٍ أو حِواءٍ شاسع للعلاقات. ففي وسعنا أن نتخيل النَّفْس بهذه الطريقة الجديدة كشيء ننتمي إليه ويمكننا أن نقيم علاقة معه.

4.    الدين: التخلِّي عن الصياغات العقائدية للماضي: توحيد الإله بوصفه مؤَسْطَرًا (رافي رافِنْدرا). تشخيص الآثار السلبية للمعتقدات العميقة الجذور – كالاعتقاد بالخطيئة الأصلية – على تأويلنا للحياة ومعناها. الترحيب بفكرة الاختبار الفردي المباشر للمقدَّس والخشوعي.

5.    العلم: استدماج مبدأ العلاقة المتعاطفة مع ما يُدرَس في التعليم والممارسة العلميين. وفي التربية تلقين الأطفال فهمًا تعاطفيًّا لأجسامهم وللطبيعة بدلاً من صورة الجسم والكون بوصفهما آلتين. مساعدتهم على أن يصبحوا واعين لبيئتهم بوصفها سلسلة عظيمة من العلاقات التي تقوم عليها حياتُهم. تغذية شعورهم بالدهشة.

6.    النَّفْس: تنمية تبصُّر أنْفَذ في النماذج الافتراسية والمَرَضية النفسية للسلوك. تعلُّم تشخيص نماذج اختلال التوازن وتحويلها. رأب الصَّدع بين الذهن والنَّفْس. الاعتراف بالعاطفة كيفيةً صالحة لإدراك الواقع وضرورة مُكامَلتها مع التفكير. فالمشكلة الرئيسية في مجتمعنا هي الفجاجة العاطفية.

7.    السياسة: إنشاء منبر حوار فيما يتعدى السياسات القومية والدولية، يمكن من خلاله التعبير عن مشكلات الكوكب الحقيقية والتصدِّي لها. تشخيص الاستعلاء، وتوحيد المقاييس، والنزوع إلى السيطرة، واستشراء البيروقراطية، بوصفها أعراضًا لداء مبدأٍ مذكَّر منتفخ وغير متواصل.

8.    الطب: مُكامَلة المناهج الشفائية البديلة (المكمِّلة) مع المناهج الاتباعية، كسياسة مقصودة. التركيز على الطبِّ الوقائي. فالطبيب العام العصري لا وقت لديه لعلاقة تعاطفية مع مريضه أو مريضته؛ إذ إن ضغط الأرقام بلغ ببساطة حدًّا مفرطًا. غير أن بعض العيادات الجراحية والمستشفيات يقوم بمُكامَلة الممارسات البديلة مع الممارسات الاتباعية. وهذا التكامُل قابل للتوسيع.

9.    الزراعة: التركيز على زيادة إنتاج الطعام العضوي. إزالة المبيدات الحشرية والمضادات الحيوية والسُّموم من طعامنا ومائنا.

10.                       العناية بالأطفال: مستوى أعلى بكثير من العناية بالمولود. بالمقارنة مع بقية البلاد الأوروبية نحو متخلفون جدًّا (السويد هي البلد الأكثر تقدُّمًا). الانتباه إلى نوعية حِمْيَة الأطفال وإلى تغذية المخيِّلة بمقدار تغذية العقل.

11.                       تربية النساء على وعي قيمتهن الخاصة وأهمية مساهمتهنَّ في الثقافة. الإفصاح عن قيم العاطفة بلا خوف أو خجل. إيلاء أهمية حيوية لاختيار الشريكين بعناية أكبر. الإعلاء من قيمة الأمومة والاستعداد لتحمُّل مسؤولياتها.

12.                       تربية المراهقين على وعي مسؤوليات العلاقات وعلى وعي مسؤولية الوالد نحو الطفل. تعليمهم نفسانيةَ الطفل، اتِّكاليتَه، حساسيتَه، قدرتَه الكامنة على النموِّ العاطفي. تعليمهم تعقيدات العلوم العصبية، بحيث يفهمون كيف تؤثر انفعالاتُهم في أجسامهم، وبالعكس. سؤالهم ابتكارَ وسائل للعناية بالبيئة.

13.                       السيطرة على العنف عبر سياسة مقرَّرة مقصودة لجعل المدرسة حَرَمًا. وفي وسع الأطفال أن يساعدوا في جعل مدارسهم حُرُمًا. إن لتعليم التأمل في المدارس منذ البداية تأثيراتٍ إيجابيةً على تنمية المقدرة على التعلُّم والتوازن العاطفي.

14.                       تعليم المناهج: مُكامَلة وعي نصف الكرة [المخية] الأيمن مع وعي نصف الكرة الأيسر – الانفتاح على القدرة الخلاقة للتصور – الشعر، الفن، المسرح، الموسيقى (بدون إجراء امتحانات لها). التوازن في المقرَّرات بين تنمية القدرة على التفكير المنطقي وبين التخيُّل الخلاق والمشاركة. وهذه القصيدة التي كتبها تلميذ مدرسة في سامثامبتون في الثانية عشرة من عمره تبيِّن كيف يمكن للمدرِّس أن يوفِّر البيئة التي يستطيع فيها الطفل أن يجرؤ على التعبير عن مشاعره الحقيقية:

أسمع صوتي الداخلي يكلِّمني،

مفسِّرًا، مشجِّعًا،

يفتح ذلك الجزء منِّي الذي ظننتُه مفقودًا.

في عالم القسوة والخوف هذا، هناك أضواءٌ صغيرة تتقد.

لكلٍّ منَّا شعلةٌ في قلبه،

لو أنه فقط تحلَّى بالشجاعة على العثور عليها.

يمكن للنور أن يتسرب عبر ثقب في ذهنك،

وعندما يصير الداخل خارجًا

فإنك تتحوَّل وتتجلَّى.

لا داعي للخوف،

لكنْ تحلَّ بالفضول

لأنك، ربما، لن تعلم أبدًا

من أين تأتيك القوة.

~ دانييل وبستر

لقد كتب جوناثان شِلْ الكلمات التالية في كتابه مصير الأرض: "بما أن كلَّ ما نفعل وكلَّ ما نحن معرَّضان للتهلكة فإن كلَّ شخص هو الشخص الأنسب للعمل وكلَّ لحظة هي اللحظة الأنسب للبدء." كلٌّ منَّا مدعوٌّ إلى التركيز على إعادة التوازن بين المذكَّر والمؤنث – في أنفسنا وفي ثقافتنا. ومن شأن هذا أن يُفعِّلَ كيمياءً عميقة في حياتنا. في وسع كلا النساء والرجال أن يشاركوا في سيرورة تحوُّل من شأنها أن تولِّد محورًا ثقافيًّا جديدًا لا يعود التشديد فيه على السلطة والسيطرة، بل على العلاقة والتوازن والتواصلية. يمكن أن يُستبدَل بعبارة "غزو الطبيعة" وعيُ أن البشرية والطبيعة تتشاركان في واقع أعمق، ما يزال مجهولاً، يضمُّهما جميعًا.

في خاتمة كتابه الذات غير المكتشَفة يتساءل يونغ: "هل يعلم الفرد أنه أو أنها فَضْلَةُ الوزن التي ترجِّح كفة الميزان بذلك القدر المتناهي في الصغر الذي تتوقف عليه نجاةُ عالم؟" ملايين الناس لا خيار لهم. لذا فإن أولئك بيننا الذين لديهم صاعٌ واحد من الخيار يستطيعون أن يرتقوا إلى التحدِّي الهائل المتمثِّل في تحديد دور جديد ومسؤول في علاقة كلٍّ منًّا بالآخرين وبمسكننا الكوكبي – وبالنهوض لهذا الدور.

*** *** ***

ترجمة: ديمتري أفييرينوس


* آن بارينغ محلِّلة يونغية، مقيمة في هامشاير، إنكلترا. شاركت في تأليف أسطورة الإلهة، المشاهدة الصوفية، والمؤنَّث الإلهي، كما ألَّفت الطيور التي حلَّقت فيما وراء الزمن.

** يروي كارل يونغ هذه القصة الواقعية، نقلاً عن صديقه عالِم الصينيات الكبير ريتشارد فِلهِلْم، في كتاب الإنسان يبحث عن نفسه، بترجمة سامي علام وديمتري أفييرينوس، دار الغربال، دمشق، 1993، ص 259-60. (المحرِّر)

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود