قصائد مثيرة للجدل

 

جوان سوز*

 

(إلى لا أحد)

 

أحرقت ثيابي التي أشم منها رائحتكِ في المدفأة بدلاً من الحطب
استمعت إلى الأغاني التي كنَّا نستمع إليها معًا وحذفتها الواحدة تلو الأخرى من هاتفي
حذفت كلَّ صوركِ في حاسوبي بعدما نظرت إلى كلِّ واحدة منها
حذفت اسمكِ من الإهداء على مجموعتي الشعرية الأولى
غيَّرت اسمكِ في روايتي غير المعلنة...
حذفت صداقة ابن عمك على "الفيسبوك"
وكانت أمي تقول لجارتنا: "لقد تركها يا مَلَك، تركها فعلاً..
هذا الصبي الأرعن!".

***

أضعُ سكِّيني في جيبي
وأجلسُ في انتظار مفاجآتكِ غير السارَّة
كي يقول لي أحدهم
إنَّ شخصًا آخر في غيابي
قد تسلَّلَ إلى حياتكِ،
أضعُ سكِّيني في جيبي
وأنا أنتظرُ منه أن يتحدَّث لي عنكِ
وكيف أنَّكِ تقابلينَ حبيبك الجديد في المقهى
وكيف أنَّكِ تسيرينَ بصحبتهِ في الحديقة
وكيف أنَّ قلبكِ الأسودَ برفقتي
صار أبيضَ برفقتهِ.
أضعُ سكيني في جيبي
لأسمعَ أخباركِ الجديدة هذهِ
وأنا أتخيَّل الدم
الدم الذي سيسيلُ من جسدي
حين ينتهي هذا الكلام،
وأعرف أنَّ يدًا أخرى
كانت أسفل قميصكِ الأزرق
تحاربُ عنوستكِ البارحة!

***

الرجل الذي
ماتَ البارحة في حيِّنا
تركَ كلَّ كتبهِ على الطاولة
ولم يعرف إلى ظهيرة هذا اليوم
أنَّه هو الميِّت..
ولم يحاول أبدًا
أن يبكي على نفسهِ
إلى الآن!

***

الليلة
سأكون معك في الطائرة
أجلس بجانبك وأبتسم
حتى نهبط معًا
في مطار القامشلي.

***

أمكِ التي تحفر الباذنجان في الصالون
أختكِ العائدة من مكتب الطيران
صديقتكِ التي تعمل في التلفزيون
والدكِ الذي سافر إلى "القامشلي"
وشقيقتكِ التي في "أزمير" الآن
هؤلاء جميعًا
ماذا فعلوا البارحة؟
عندما اعترفتُ لشقيقكِ الأرعن
أنَّني
أحبُّكِ.

***

تحت زخات المطر
في حي "الأشرفية"
الذي يطلُّ على وسطِ البلد
لم أعد أتذكَّر من حبُّكِ شيئًا
سوى أنَّ صاحب البيت
طلبَ مني 50 دينارًا
عندما رآكِ تدخلينَ إلى غرفتي
في منتصف الليل.

***

تركت يداكِ على مائدة الطعام
وكذلك شعركِ الذي كنتِ تصبغينه
تركت شفاهكِ التي حملت كل الألوان
تركت عيناكِ التي كانت تنظر إلى كأس الشاي
تركت أصابعكِ التي كانت من حديد
تركت هذا كله على مائدة الطعام
وتعلمتُ كيف أصنع فطائر الجبنة
بدلاً من الحب...

***

تستطيعين إقناع صديقتك
أنك تحبينني عندما تقرأ قصيدة لكِ
لكنني لن أقتنع بهذا
وإن كتبتِ عني مجموعة شعرية!

***

حبُّكِ
لا يشبّه الولادة،
فحين دخلتي إلى حياتي
كنت أضحك ولم أكن أصرخ
لكنه يشبه الموت كثيرًا،
وعندما خرجتي من حياتي
كنتُ أرتدي قميصي الأبيض.

***

حتى الله
يبكي في غيابك
لدرجة أنني لم أعد أميز بين دموعه
وبين المطر الذي يهطل الآن.

***

رأيتك ماذا تفعلين في السر
رأيتك ماذا تفعلين في العلن
لقد كنت عارية أمامي
ولم أسمح لنفسي...
أن أفكر بالاقتراب منك!

***

صديقي "دوشير" الذي تركته نائمًا في البيت
سيامند حاجّو الذي كان ينتظرني في المقهى
صديقكِ الذي كرهته منذ أول لقاءٍ بيننا
الكرسي البني اللون
- والشاهدُ على قبلتي الأولى -
قطعة التفاح التي كانت في كأسِ الماء
قهوتكِ التي كان فيها القليل من السكر
أختكِ التي كانت ستأتي بعد حين
أمي التي اتصلتْ بكِ في اليوم ذاته
عندما كنَّا نجلسُ في الـ "آدا كافيه"
بعدما تركتُ صديقي "خبات"
وكذلك الصحافي "الهولندي" أمام باب المول
حين رفضتْ ابنة خالي "إيمان" أن ترافقني إلى المقهى
وعندما كنت اقرأ لـ "جوان نبي" مجموعته الشعرية الجديدة
عندما حصلتْ هذه الأشياء...
لا أدري كيف نسيتُ نفسي في أربيل
ومضيت نحو السليمانية!

***

عندما عدتُ من المكتبة إلى البيت
لم أكن أرتجفُ من برودة الطقس،
هذا المساء
فقط كنت أرتجفُ
من برودة مشاعركِ.

***

فستانكِ الأزرق دائمًا
نهدكِ الذي كان يرقص فرحًا
الكرسي الأحمر الذي كنتِ تجلسين عليه في كلِّ مرة
محاضراتكِ التي لم تكن تنتهي
عيونكِ التي كانت لا تتوقف عن الكلام
كاميرات المراقبة التي كانت تعلو فوق رؤوسنا
أمكِ التي كانت تتصل بكِ كلَّ ثانية ونحن معًا
شقيقكِ الذي كنتِ تخشين رؤية أصدقائهِ
والدكِ الذي أشتمه كثيرًا الآن
المقهى الذي لم يعد يحبُّكِ..
علبة سجائركِ الـ
Esse السوداء
أبطال الفيلم الذين لم أنتبه لوجودهم معنا في السينما
حديثكِ عن صديقي الصحافي
كلامي عن صديقتكِ الشاعرة
الفندق الذي كان على زاوية بيتكِ
صديقكِ الذي كان يعمل في الحزب
الحديقة الكبيرة جدًا
وأغاني "جوان حاجو"
وحدها هذه الأشياء تعرف...
كم كنتُ أحبُّكِ البارحة
وكم أنّني أكرهُكِ اليوم؟

***

في بيتِ صديقتكِ
كنَّا جسدًا واحدًا
وقلبًا واحدًا أيضًا
لا أدري إلى الآن
كيف صرنا اثنين
عندما خرجتُ من الباب
ووجدتُ إحداهنَّ تسير معي
في آخر المساء.

***

في عيادة الطبِّ النفسي
وفي مكتبِ صديقتي "جيهان سعيد"
أمام طاولةٍ كبيرة،
وعلى كرسيٍّ قديم
خلف شاشة الحاسوب
كذلك في صيدلية "لُقمان"
لو تعرفين
كم مرةً هربتُ من وجهكِ
هذا الصباح؟!

***

كل شيء
يسير نحو الأسوأ

حتى أنني تركت قلبي
في دبكةٍ شعبية
بين أصابعٍ لن تتشابك أبدًا
ونسيت أن أقول للحبِّ
وداعًا.

***

كلُّ شيء...
يبدو جميلاً طوال النهار
وحين أتذكَّركِ في الليلِ،
أرى كم هو بشعٌ هذا العالم؟!

***

كلُّ فجر
أقبِّلُ وجهَ أمي
لأصلِّي معها،
وأقول لله الذي يسمع كلامي أبدًا
"شكرًا" لأنَّكَ لم تجعلها من نصيبي.

***

كلامكِ الجميل
الذي نسيته تمامًا
وشتائمي التي لن تصل إليكِ الآن
صديقتكِ التي دخلنا إلى بيتها سرًّا وعلانية
المخبز الذي قرب بيتها
الشارع الضيِّق مثل قلبكِ
الدرج المتسَّخ مثلكِ
زوجها المخدوع مثلي
كلُّ هذه الأشياء
رأتْ بعينها...
كيف فقدتُ طهارتي معكِ
ولم تخبرني شيئًا!

***

لديَّ صورة
صورة واحدة
قديمة جدًا
كلَّما نهضتُ في الصباح
ومررتُ يدي عليها
تساقطَ شعري.

***

لو أنَّكِ تدخلين إلى غرفتي
لو أنَّكِ تستمعين معي إلى الموسيقى
لو أنَّك تعدين السجائر التي في منفضتي
لو أنَّكِ تشربين من قهوتي الباردة منذ البارحة
لو أنَّكِ تشاهدين زجاجات النبيذ الفارغة أمامي
لو أنَّكِ تسمعين كلام أبي
- كلَّما رآني ثملاً -
لو أنَّكِ تقرأين من كتبي
لو أنَّكِ تجلسين إلى جانبي في الباص
لو أنَّكِ ترافقينني إلى المكتبة
لو أنَّكِ فعلتِ هذا مرة واحدة
كنتُ طويتُ صفحتكِ الممزقة الآن.

***

لو تعرفين كم أنني اشتقت إليك!
وكم مرة خرجت إلى المقهى لرؤيتك!
وكم أنني استدنت النقود من أصدقائي!
لأمضي معك وقتًا طويلاً
لو تعرفين كم مرة فعلت هذا!
وعدت وحيدًا إلى البيت!

***

مرَّ يومُ السبت
مرَّ يوم الأحد
ثم جاءَ الاثنين
وتعرفتُ على فتاة جديدة
مرَّ يوم السبت
ثم مرَّ أسبوعٌ آخر
ولم أنتبه لغيابك!

***

وكيف لي بعد الآن
أن أقولَ لصاحبِ دار النشر
إنَّ حبَّنا انتهى
ولم تعد مجموعتكِ الشعرية الأولى
 تعني لي شيئًا؟
وكيف لي أيضًا
أن أقولَ لمدير الراديو
أنَّني لن أحررَ أخباركِ
بعد الآن؟
كيف لقلبي الصغير هذا
أن يحتملَ هذه الحقيقة المرَّة:
أنَّكِ لن تعودي مرةً أخرى!

***

وكيف هكذا...
جاءت على مهلٍ
ومضتْ على عجل؟

***

ولأنك لا تميزين بين السياسة وبين الحب
ولأنك لا تعرفين كيف يتوقف قلبي عند فراقك
وكيف تقفين كجثة هامدة أمام أصنامك التي تعبدين
لأنك لا تعرفين كل هذا
تمزقين أوراقي البيضاء
وأنت تحتفظين بأقلامك
أقلامك التي كتبتي بها رسائلك
إلى سيادة الرئيس..
في معركته الخاسرة.

***

يا لهذا القلب
كيف تحوَّل هكذا إلى مشفىٍ ميداني
وكيف أنَّك تموتين فيه على دفعات؟!

***

يدكِ التي كانت خلف ظهري
حنجرتكِ التي كانت تصرخ البارحة
قميصكِ البني الذي كانَ قرب السرير
حقيبتكِ المليئة بالمحارم المعطَّرة دائمًا
كلُّ هذه الأشياء التي كانت أمام المرآة
والفيضانات التي كانت تجري في غرفة النوم
كيف حصل كلُّ هذا
ولم انتبه لوجودكِ؟!

*** *** ***


 

horizontal rule

* شاعر وكاتب وصحافي كُردي سوري

 

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني