الأناجيل السورية السرية - نصوص نادرة وغير معروفة

 

اختارها ونقلها إلى العربية: فايز مقدسي

 

في منتصف القرن الماضي تم العثور صدفة على مكتبة كاملة تحتوي على العديد من المخطوطات القديمة والمدونة بالسريانية واليونانية والقبطية. وقد تم هذا الاكتشاف في مصر في منطقة تدعى نجع حمادي. وبعد استخراج الوثائق ودرسها تبيَّن أنها مجموعة أناجيل مسيحية تعود إلى القرنين الأول والثاني بعد الميلاد وأن أكثرها قد دوِّن في سوريا بالسريانية، ثم تم نقله إلى اليونانية كما بيَّنت دراسة النصوص وكذلك النسخة القبطية. وقد تمت ترجمة هذه النصوص إلى أكثر لغات العالم الحية باستثناء العربية على حد علمي. واكتشف المختصون بعد القراءة أن أكثر تلك النصوص والكتب قد ذكرها بعض من نسميهم اليوم آباء الكنيسة القدماء واعتبروها كتابات غير صادقة واتهموها بأنها كتابات الغنوصيين السوريين. والغنوصية، والكلمة يونانية الأصل وتعني "المعرفة"، هي أفكار مجموعة من السوريين ثم المسيحيين الأوائل في سوريا الذين ناهضوا حركة تهويد المسيحية وربطها بالكتب التوراتية واعتبروا إله اليهود إلهًا شريرًا غير كامل وأن شريعة موسى كانت عقابًا من إله اليهود للبشر، وأن حكاية خلق العالم في التوراة حكاية مزيفة وموضوعة، وأن فكرة أن اليهود شعب الله المختار ليست سوى ذريعة للسيطرة على العالم من قبل اليهود، وأن الكتب التوراتية لا علاقة لها بالمسيحية، وأن المسيحية عقيدة سورية فيها كل أصول وطقوس الروحانية السورية التي كانت معروفة من الألف الثالث قبل الميلاد في كل أنحاء الهلال الخصيب أو سوريا الكبرى. وكان على رأس هؤلاء الغنوصيين المحاربين لليهودية "مارقيان" السوري الذي لم يقبل من الأناجيل الكنسية سوى إنجيل لوقا لقلة الدلالات اليهودية فيه وبعض رسائل بولس الرسول الذي رفض اليهودية واعتبرها ماتت بمجيء المسيحية ونقلها إلى العالم كدين سوري من دمشق، ورفض كل النصوص المسيحية الكنسية لما فيها من محاولات لربط المسيحية باليهودية ولجعل المسيح يهوديًا وهو الذي كان بالنسبة إلى الغنوصيين السوريين (سوري) لا ريب فيه. وقد شنت الكنيسة الأولى حربًا شعواء على الغنوصيين السوريين ورفضت تبني أفكارهم وحاربتهم في كل مكان وأحرقت الكثير مما كتبوه، ولعل هذا هو الأمر الذي جعل بعض الغنوصيين يدفنون كتبهم وأناجيلهم تحت الأرض وفي مكان بعيد هو مصر خوفًا عليها من أن تختفي وتحرق ويتم إتلافها من قبل الكنيسة. ولكن وكما سبق فقد ذكر بعض الآباء المؤسسين الأوائل للكنيسة مقتطفات من بعض تلك الكتب للتنديد بها والتعليق عليها حتى لا يصدقها أحد. وهكذا نرى واحدًا من الآباء الأوائل، والذي كان يحمل اسم ابيفون، قد كتب رسائلَ كثيرة يسرد في بعضها مقاطعَ من الكتابات الغنوصية السورية ويفند ما جاء فيها. ونراه يسخر أن يكون هناك إنجيل يحمل اسم انجيل حواء وهي عاشت قبل مجيء المسيح بآلاف السنين وماتت قبل دعوة أو بشارة المسيح فكيف يمكن أن تكون قد كتبت إنجيلاً حول المسيح وأقواله. كما أنه - ابيفون - ينتقد فكرة تعظيم حواء وفكرة أن الغنوصيين السوريين اعتبروا أنها هي التي منحت البشر المعرفة لأنها أكلت من شجرة المعرفة في الجنة فهي بذلك أول غنوصية (كما نظرت إليها جماعة المعرفة السورية) في التاريخ. ويعلق ابيفون على ذلك بعد أن يسرد تلك العبارات القليلة من إنجيل حواء قائلاً: "وهكذا نرى أن البعض (الغنوصيين) لا يخجل من ذكر انجيل باسم حواء وأنها أعطت للبشر المعرفة الإلهية الخفية عن طريق السر الذي علمتها إياه الحية". وطبعا يهزأ ابيفون بمثل هذا الكلام.

لقد تبقى من إنجيل حواء صفحة واحدة فقط، وهي التي أوردها ابيفون في رسالته والتي لولاها لما كنا عرفنا شيئًا عن ذلك الإنجيل السوري الغنوصي القديم. وإلى من يقرأ المقطع المتبقي إلى اليوم من الإنجيل المذكور:

تقول حواء
بينما كنت واقفة على قمة جبل شاهق
أبصرت شخصًا طويل القامة
ورأيت شخصًا آخرَ قصير القامة
ثم تناهى إلى سمعي صوت كأنه قصف الرعود
فاقتربت من الشخصين لأسمع كلامهما
فسمعت الأول يقول لي:
أنا أنت وأنت أنا

أينما كنت فإنك تكونين
أنا الموجود في كل شيء
وأنت على صورتي ومثالي كيفما شئت
وعلى أيِّ وجه رغبت
أنت شبهيتي وأنت توأمي
وفي كونك على صورتي ومثالي
فأنت أنا وأنا أنت.

هذا كل ما تبقى من إنجيل حواء الذي كان دونما شك معروفًا من قبل الكثيرين في سوريا، وإلا فكيف تمكن ابيفون من قراءته. ولا شك أيضًا أن الكنيسة أتلفت هذا الإنجيل الخطير والذي وكما يبدو من المقطع المتبقي منه أنه كان كتابًا عالي الأهمية في موضوع التماثل الإلهي-البشري، كما أنه يمنح للمرأة، وللمرة الأولى في تاريخ الأديان، المكان الأول في تلقي الوحي الإلهي وكشف أسرار المعرفة الباطنة، بل إن حواء رمز المرأة هنا تكون بذلك أول نبية في التاريخ، أما فيما بعد فسوف تصير النبوة حكرًا على الرجل.

***

مقطع من كتاب يدعى كتاب زهور الفردوس، والفردوس حسب هذا الكتاب الغنوصي السوري يقع في السماء السابعة، وفيه أيضًا فكرة الاتحاد الإلهي البشري. ونرى من خلال نصوصه القصيرة الغامضة المسيح بعد موته وصعوده إلى السماء يخاطب من لا نعرف من هو قائلاً له:

أينما بشرت باسمي أكون معك
أنا ومعي أبي السماوي
وسوف لن تدخل مدينة أو قرية
دون أن تراني أدخل معك
أنا ومعي أبي وبرفقتي الروح القدس
لأنه ها هو دمي الإلهي قد اتحد بأجسادكم
فصرتم سماويين إلهيين
وهأنذا أكون معكم حتى النهاية.

***

مقاطع من كتاب درب التبانة الغنوصي السوري:

مختارات من أناشيد الملائكة:

عندما وضع الأب التاج على رأس ابنه الحبيب
قال له: سوف تأتي الملائكة لتنشد وتتغنى بمجدك
السلام عليك
لأنك أنت الملك
ملك السلام
الذي أكمل إرادتي
ثم قال الله للملائكة
ترنموا وتغنوا بما طاب من أناشيد الفرح
ترنموا وغنوا ليوم الأبدية
يوم البهجة
يوم الحرية
ويوم السلام
اليوم الذي أغفر فيه للبشر
إنه يوم ابني
سيد الكل
لأنه فدى العالم بدمه.

تعال يا ابني واجلس إلى يميني
وسوف أعطيك البركة
ولن أجعل في السماء والأرض إلهًا غيرك
أنت الذي لم يرعبك الصليب
قد صرت ملكًا إلى الأبد.

أنت الصامد وأنت الصمود
أنت التوأم وأنت القرين
أنت الأب وأنت الابن
وأنت المعزي.

ثم تقترب أجواق الملائكة وتبدأ تنشد مجد المسيح:

النشيد الأول:

المجد لك
أنت يا من تقدست أنفاسه
أنت البركة الكونية
وأنت راعي الخراف
وأنت نبع الحياة
أنت الذي افتدى العالم بدمه
أنت الحياة
أنت سيد المغفرة
أنت الحي القيوم
أنت ملك السلام
أنت ملك المجد
أنت رأس العالم
أنت الكامل
أنت كنز المجد
أنت النور الحق
أنت سلام العالم
أنت الحق وأنت الحقيقة
أنت ألف العالم بين الحروف
أنت حياة العالم
أنت الذي تحمل الاسم اللطيف
أنت البداية وأنت النهاية.

النشيد الثاني

المجد لك يا يسوع
المجد لك أيها الراعي
أنت النور وأنت المستنير
أنت الحي
أنت من لا رداء عليه
ويرمي الغطاء على العراة
أنت خبز الجائعين
أنت القرين الحق
أنت الحرية أساس السلام
أنت فرح السماوات.

النشيد الرابع

ونرى من خلاله أن الله يقرر أن يغفر لآدم (رمز البشر) وأن يعيده إلى أصله الإلهي وذلك من خلال مصالحة إلهية بشرية نادرة المثيل:

وقال الأب للملائكة
ابتهجوا وغنوا
فقام ميكائيل وقال:
ما أكبر فرحنا بعودة آدم /البشر/ إلى أصله الإلهي
ثم قام الملائكة الآخرون وصاحوا:
يا كل الملائكة
تعالوا وشاركونا الفرحة
بملكنا يسوع الذي قام من الموت
فغفر سقطة آدم وكل ابنائه
هللو وترنموا.

النشيد الخامس

بعد تلك المصالحة البشرية الإلهية حيث يعود الإنسان (آدم) إلى أصله الإلهي بعد أن غفر الله له بفضل موت المسيح على الصليب وافتداءه البشر بدمه وجسده في محبة لا نهاية لها. ينشد الملائكة قائلين:

تبارك الأب وتبارك الابن
أيها النفس المقدس تعال وباركنا
فلتكن الجنة لنا وإلى الأبد
لكل البشر
لكل الملائكة.

ربنا
تذكرنا ولا تتركنا في هاوية النسيان
أنت مجدنا وبك نفتخر
أنت الحياة لنا
فعليك السلام.

النشيد السادس

عندما رجع آدم إلى الجنة وأبصر هذا الاحتفال، وسمع كل ما قيل فيه وفي ابنائه (الجنس البشري) وأن ابن الله افتداهم جميعًا وغفر لهم جميعًا رفع آدم صوته وأنشد قائلاً:

فليتبارك اسم الرب لأنه تذكرني
تعالوا أيتها الملائكة وشاركوني الفرحة
لأن ابن الله قد حررني واعتقني
أنا وحواء وأبنائي
تعالوا وابتهجوا معي
فقد عتقني المسيح من ذنوبي
هاهي ساعة الفرح قد دقت
أنا الذي خلقني الله على صورته ومثاله
قد تحررت
فتعالوا وشاركوني فرحي.

باريس 2014

*** *** ***

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني