سُكْنى الأمان

 

دارين أحمد

 

عندي بيت وأرض صغيرة فأنا الآن يسكنني الأمان
الأخوين رحباني

 

ما هو الفقر؟! كيف تمت صياغته ليلائم احتياجات نظام السوق المالي والاقتصادي الحالي؟ كيف تم ويتم خلقه بشكل مستمر عبر تدمير المنظومات البيئية والثقافية والاجتماعية تحت مسمى التنمية التي تهدف، نظريًا، إلى القضاء عليه، وتحت مسمى العولمة وتمييع حقوق الإنسان واختزالها في نمط حياة استهلاكي على كل الصعد، نمطٍ يُعزل فيه الفرد عن الفعل ويسجن في نطاقٍ واسعٍ من ردات الفعل، يُطلق عليه اسم "الحرية" من مثل حرية اختيار السلعةِ - التي كانت كمالية وتحولت إلى ضرورة حياتية لا غنى عنها - المناسبةِ للدخل المناسبِ لكمية العمل ونوعيته... والكثير الكثير من التفاصيل التي يصد عنها العقل ويتجه إلى الاقتناع السهل بحريةٍ كهذه إن توفرت له قدرة الشراء، أو الاستدانة للشراء، أو إلى التألم من جراء افتقاد تلك القدرة. هذا النوع من الحرية ينسحب أيضًا على مجالات الحياة الأخرى من مثل الثقافة التي يتحكم فيها الإعلام الذي يتحكم فيه رأس المال ذاته المتحكم بالسلع.. وهكذا؟!

بشكل عام يمكن القول إنه يتم القضاء تدريجيًا على أية فرصة أخرى في نوعية حياة مختلفة أقل استهلاكًا وأقل فقرًا. وكما تم اختزال خيارات المستقبل السياسي في عالمنا العربي (الشرق أوسطي) مثلاً بخيارات متماثلة في الجوهر ولكن بقشور مختلفة، تم اختزال خيارات العالم كله - وأقصد هنا العالم الآمن الذي لا يعاني الحرب ومجاعاتها وصنَّاعها المباشرين – وتسطيحها من مثل مناقشة مسائل الغذاء المعدل وراثيًا باعتبارها أحد حلول الجوع وتجاهل أنها أحد وسائل خلق الجوع والتحكم فيه؛ ومناقشة مسألة وجود الأسلحة النووية باعتبارها مسألة شعوب متحضرة وشعوب متخلفة – هذا طبعًا إذا تغاضينا عن أن موضوع شركات الأسلحة التقليدية ونشاطها هو موضوع مخفي إعلاميًا ولا يتم الحديث بشأنه إلا لأغراض استثمار سياسي محددة ومؤقتة -؛ يضاف إلى ذلك مسألة العصر أي مسألة الإرهاب والتعامل معها على أنها مسألة دينية معزولة عن الاستثمار السياسي... وسواها من المسائل المشابهة الكثيرة التي يكفي المرء أن يتأملها ويتابع الأخبار المتعلقة بها حتى يشعر أنه منفي ومعزول عن إمكانية إحداث أثر فعلي يعدل مجرى الأمور، وأنه مستهلك عاجز لما يقدمه النظام العالمي ومنظماته الفاسدة من هراء.

الفقر والحرب

يتعلق الكلام السابق بالدول التي لم تُستخدم الحرب فيها في صناعة الفقر مباشرةً سواء كنتيجة للتدمير الذي تحدثه هذه الحرب أو كرافد فكري لأيديولوجياتها [أي الحرب] ورافد بشري لجيوشها. لا يمكن فك التلازم بين الحرب والفقر، وهنا نقصد الفقر الحقيقي، عدم إمكانية تأمين مستلزمات العيش الضرورية حقًا كالمسكن والغذاء والماء والدواء. تُحدث الحرب فقرًا حقيقيًا بطريقة فجة وقاسية وسريعة ورغم أنه الفقر الحقيقي ذاته الذي تُحدثه مشروعات التنمية في الدول الفقيرة الأخرى التي لا تَحدث الحرب حاليًا على أراضيها إنما المهيأةُ دائمًا للحروب ما إن يتم تقرير ذلك في مراكز القرار الكبرى؛ إلا أن صدمات الحرب الأخرى تخفف من وقع سرعة حدوث هذا الفقر، كأن تقول "إنها عائلة جائعة ولكن لا ميت فيها"، أو "إنه جائع إلا أن جسده لم ينقصه شيء بعد"،...

يظهر الفقر كاملاً فيسمى "المجاعة" وقد انتشت سادية البشري السلطوية في هذا الزمن الكاميراتي ورأينا الكثير من ابتسامات العطاء أمام أعين الجوعى الذي يفضِّلهم الإعلام أطفالاً ليذكر ببرائتهم وجرم طرف العدو من وجهة نظر جهة الإعلام التي تمول وتنشر هذا الإعلان الإنساني أو ذاك.

هناك ندرة في السعي إلى فضح الحرب ومرتزقتها من كل الأطراف، إلى دعم الجهود الفردية أو الجماعية الساعية إلى ايقاف الحرب، دون مسخها إلى منظمات فاسدة، ودون تحويلها إلى شبيه ما يُطلَق عليه اسم "مشاركة المرأة الفعالة في الحرب" من نحو عمل الممرضة – وليس الطبيبة – في رعاية المقاتل حتى يتعافى ويعود إلى الحرب من جديد.

أَكلُّنا فقراء!

بعيدًا عن سحب مفردة الفقر إلى مجالات الفكر والنفس وسواها، ومع البقاء في مجال الماديات المألوفة فإن أغلب سكان العالم فقراء نظريًا، وأقصد مُتحكم فيهم تمامًا في مجال الغذاء والماء والمسكن، أغلب سكان الأرض – باستثناء من بقي يأكل من زرعه ولم تتلوث مياه شربه أو تجف – أسرى شركات الأغذية والمياه المعلبة من جهة وأسرى الحاجة المصطنعة الدائمة إلى المزيد. هي ثقافة "الجشع والندم" جشع الطعام والندم على الرشاقة والصحة.. ولا يغيب عن ذلك شعورٌ بالتعاطف من حين إلى حين مع الفقراء الفعليين في بقية العالم ومع الحيوانات التي تملأ لحومها رفوف محلات السوبر ماركت!

تقول فاندانا شيفا في إحدى مقالاتها: "يعد الناس فقراء عندما يأكلون الجاورس (الذي تزرعه النساء) وليس الأغذية المنتجة والموزعة والمعالجة بغرض المتاجرة والتي تباع بواسطة التبادل التجاري العالمي". وفي الواقع ليس لدى سكان المدن المتكاثرين حرية اختيار هذا الأمر إذ ليس بإمكانهم زراعة الجاورس أو القمح أو غيره وليس لديهم الوقت ولا الكفاءة اللازمة لذلك! وإلى أن يرى سكان المدن هذا الأمر وإلى أي حدٍّ هم سجناء نمط حياة مبهرج من الخارج وخاوٍ من الداخل، وإلى أي حدٍّ هم مدينون إلى الأرض وإلى من بقيت جذورهم فيها ويشعرون بها وبحاجاتها ككائن حيٍّ مثلهم تمامًا؛ لا يمكن أن يحدث أي تغيُّر فعلي.

*** *** ***

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني