سليم بن روفائيل بن جرجس عنحوري
(1856 – 1933)

 

سمير عنحوري

 

أديب وشاعر وصحفي سوري. ولد في دمشق – حي باب توما، وكان يقع منزل أهله عند زقاق المسْك رقم 1 المؤدي من أحد طرفيه إلى دير ومدرسة الرهبان اللعازيبين. كان ينتمي إلى أسرة قديمة في دمشق ربما كان أول من قطن فيها جرجي بن العنحوري - ورد اسمه على السواعي المخطوط في دير صيدنايا سنة 1665. وقد نشر الأديب المؤرخ عيسى اسكندر المعلوف في كتابه الأخبار المروِّية في تاريخ الأسر الشرقية أن أصل الأسرة بأنهم كانوا من سكان قرية عين حور في إقليم الزبداني وهي مزرعة صغيرة في حضيض جبل بلودان الغربي.

وممن اشتهر من هذه الأسرة حنا بن جبرائيل، وهو كما يروي الشيوخ أول من لبس المسد الأصفر ولفَّ عمامة الشال من النصارى في الشام، وكان تاجرًا مشهورًا.

ومن أولاده جبرائيل الذي بقي في دمشق، وثلاثة آخرون هاجروا إلى مصر في أواخر القرن الثامن عشر فسكنوا في دمياط واتجروا فيها وهم ميخائيل وروفائيل وبطرس، وكان هذا الأخير درس على يد العلماء الفرنسيين الذين بقوا في خدمة محمد علي حاكم مصر بعد عودة نابليون بونابرت وحملته إلى فرنسا، فتعلَّم الفلك وتقويم الكسوفات وسائر العلوم الرياضية والطبيعية. ومنهم آل العنحوري في القاهرة وهم أسرة كبيرة فيها أطباء ومترجمون ساهموا في ترجمة كتب الطب الأفرنسية والإيطالية عند تأسيس جامعة عين شمس وكليَّتها الطبية هناك.

أما سليم وهو بن روفائيل بن جرجس بن جبرائيل وما أن بلغ الرابعة من عمره حتى حدثت فتنة 1860. فلجأت أسرته إلى شاكر بك (نسيب الصدر الأعظم الأسبق محمود باشا نديم)، أما هو فخطفه أحد الرعاع ومكث عنده شهرًا إلى أن عثر عليه أهله فأخذوه إلى بيروت ليدرس في مكتب ابتدائي، ثم عادوا به بعد عام إلى دمشق ليدرس فيها حتى أصبح نابغة في الأدب والكتابة والشعر، فنصِّب رئيسًا لقلم الجنايات في مجلس عكا التمييزي سنة 1873، وكان صديقًا للعلَّامتين بطرس البستاني وولده سليم. وأكثر من الدرس والمطالعة حتى أتقن التركية والحساب والتاريخ والآداب العربية وألمَّ بالفرنسية.

نظم الشعر فأجاد في جميع فنونه، ونزع فيه إلى الأسلوب العصري الذي اشتهر به إذ هناك شاعران شهيران هم: خليل خوري في بيروت وفرنسيس فتح الله مراّش الحلبي، فكان ثالثهما في النظم على نمط جديد من الحكم والأخلاق، وتميَّزت دواوينه بعناوينها المختصرة وشروحاتها المسهبة التي تتناول اختراعات العصر واكتشافاته، كما دأب على مجالسة الأدباء ومراسلة العلماء في كل بلد.

حين ترك عكا وعاد إلى دمشق اشتغل بوضع كتاب كنز الناظم ثم عيِّن كاتبًا لمحاسبة لواء حوران ثم حوِّلت وظيفته إلى اللاذقية سنة 1876، وحرَّر في جريدة "سورية". وفي عام 1878 رحل إلى الاسكندرية ثم القاهرة، واتصل بآل تقلا أصحاب "الأهرام" وبجمال الدين الأفغاني ومحمد عبدو ورياض باشا وعلي باشا مبارك، وقدَّم كتابه "كنز الناظم" إلى الخديوي اسماعيل، فمنحه ثلاثة امتيازات لمطبعة "الاتحاد" ومجلة "الشمس" العلمية الأدبية وجريدة "مرآة الشرق"، وخصَّه براتب شهري قدره خمسون جنيهًا. فجلب من بيروت مطبعة وعمَّالاً وأصدر جريدة مرآة الشرق السياسية الأدبية نصف الأسبوعية في القاهرة في 24/2/1879.

عاد العنحوري إلى دمشق لما عيِّن مدحت باشا واليًا على سورية، وصار محررًا لمقاولات الولاية. وبحكم تمرُّسه بقوانين الدولة وأنظمة العدلية أصبح كاتبًا للمدَّعي العام، ثم انتُدب لإنشاء القسم العربي من جريدة "دمشق" وبعدئذ نُقل إلى العدلية في اللاذقية. لم تمضِ سنة واحدة على ذلك حتى استدعاه أحمد عزت باشا العابد كاتب السلطان، وكان قد تولَّى وظيفة مفتش العدلية ليكون كاتم أسراره ومرافقه في جولاته في سورية وبيروت.

ترك مدحت باشا ولاية سورية عام 1880 وخلفه أحمد حمدي باشا الذي كان يكره خطَّة سلفه الإصلاحية. فأودع سليم عنحوري السجن بسبب ما كان ينشر من مقالات نقدية لبعض المأمورين الفاسدين، وقصائد ومقطَّعات بعنوان "الشعر العصري" في مجلة "الجنان" استلهم فيها مبادئ الأخلاق وأُسُس التربية الحديثة القائم على الحرية والإصلاح التي بثَّها مدحت باشا في المجتمع، لكن المحكمة أعلنت براءته. وحين قدم ناشد باشا واليًا جديدًا على سورية منحه امتيازًا بتأسيس مطبعة باسم "الاتحاد" ورخَّص لمجلته "مرآة الأخلاق". لكنه لم يُصدر إلا عددًا واحدًا بسبب شدة التضييق والمراقبة على المطبوعات حينذاك. ومع ذلك فإن "مرآة الأخلاق" بعددها الوحيد تعتبر في تاريخ الصحافة الأدبية في سورية مَعْلمًا مهمًا. كنجم سطع في دنيا الصحافة ثم سرعان ما انطفأ.

قصد سليم بيروت في عام 1886 وفيها نظم ديوانه "بدائع ماروت، أو شهر في بيروت" وحلَّ هناك بعض القضايا القانونية التي اشتهر بحِّلها، وانقطع إلى المحاماة وحصل على بعض الأوسمة والرتب. وما عاد إلى دمشق حتى عاود نشاطه الأدبي والصحفي، وانصرف إلى النظم والرسائل والخطب، ونشر مقالات في معظم المجلات والجرائد العربية. وقد ذكر الأب لويس شيخو في كتابه "تاريخ الآداب العربية" (1800 – 1925):

ومن دواوين شعراء دمشق وحلب وسورية ديوان سليم بك عنحوري "بدائع ماروت أو شهر في بيروت"، طُبع سنة 1886 وله "الجوهر الفرد أو الشعر العصري" طبع بالحدث (لبنان) سنة 1904. ونشر بعدهما منظومات عديدة.

وقد ساهم سليم في المسرح. فكتب رواية "آشيل" التي مثِّلت لأول مرة في دمشق سنة 1898 واشترك مع ابن عمه حنا العنحوري (1873 – 1890) في ترجمة وتعريب الروايات المسرحية الفرنسية الأدبية ، كرواية "انجلينا"، الهوى شرك الهوان، ورواية "شقاء المحبين" ورواية "الأسرة المفتونة".

أمَّ سليم عنحوري مصر فأنشأ فيها مجلة "الشتاء" عام 1906، وعاد إلى سورية فأصدر في دمشق عام 1912 جريدة "المشكاة" التي توقفت في مطلع الحرب العالمية الأولى كغيرها من الصحف وقد نُفي سليم إلى الأناضول بسبب موقفه منها، وهناك نظم ثلاثة دواوين وعاد من منفاه بنهاية الحرب وتقلَّب في وظائف مهمة في بيروت ودمشق، وأصبح عضوًا مؤسسًا في "مجمع اللغة العربية" بدمشق، حيث ألقى قصيدة في حفلة أقيمت في المجمع العلمي إكرامًا لوفد نادي الشبيبة المصرية في 4 آب سنة 1927 ومطلعها:

بين الشآم ِ ومصْرَ قامت وحدةٌ            أبطالها طولون والإخشيدُ

ثم جاء فيها:

ما بين جلّقَ والكنانة عهدةٌ               للحب تبقى والزمان يبيدُ
فدعوا السياسة أنها ألعوبةٌ               والله يفعل مايرى ويريدُ

توفي سليم عنحوري عام 1933 ودفن في مقبرة الروم الكاثوليك في باب شرقي – دمشق.

ونظم في رثاء ابن عمه حنا (يوحنا) عنحوري المتوفي في باريس سنة 1890:

إن كنت مُتَّ بعيدًا عن نواظرنا             فأنت حيٌّ مقيمٌ بين أضلعنا
ما انصفَتك عيونٌ لم تَفُض حزنًا           أرواحنا مثلما فاضت بأدمعنا.

ونظم في الحكمة "الرداء" ومنها:

من يصحب السلطانَ غير محاذرٍ                    وثباتهُ هيهات يرجع سالمًا
إنَّ الملوكَ إذا اصطفوا لودادهم           أحدًا وأفرطَ جرَّعوهُ علاقما

وقال في "مجون": ارتجلها في ليلة طرب لرجل اسمه مسعود:

صديقٌ حيثما وُجدت              بواطي الراح موجودٌ
زمان الصحو منحوسٌ            وحالُ السكرِ مسعودُ

ونظم في المديح قصيدة وجهها إلى البطريرك كيرلس التاسع لمَّا تمَّ بناء كنيسة كيرلس في القصاع عام 1930، فشكره عليها البطريرك بكتاب بتاريخ 18 آب 1930 جاء فيها: "وقد اخترنا الثلاثة الأولى منها وأمرنا بنقشها ليبقى ذكركم مخلدًا فيها"، وقد نقشت (خمسة أبيات وليس ثلاث) على الرخام الذي يعلو الباب الرئيسي للكنيسة ويمكن مشاهدتها حتى الآن:

هي بيعة شُيِّدت على أسس الهدى        من فضل خير مشيِّد ومؤسس
كيرلس راعي الرعاة المجتبي              مهدي نقائه وهادي الأنفس
كثرت مآثره وهذي بعضها                 مما تحلَّى بالطراز الأنفس
عنوانها المزدان باسم تميُّز               فيه القبول لدى المقام الأقدس
فليجعل البركات في تاريخها               ربّي بظلِّ شفيعها كيرلس

ونظم في الغزل قائلاً:

زرتُ الحبيبة في نهار بارد                 فوجدتها من بردها تتألمُ
قالت أما من جمرةٍ تدفا بها                رجليَّ قلت بلى فؤادي المُضْرمُ

وبمناسبة حفلة قبول الدكتورة الأدبية لبانة مشَوّح عضوًا جديدًا في مجمع اللغة العربية في دمشق في مطلع القرن الحالي أشارت الدكتورة في كلمتها: "أن الأقدار وحدها اختارت الحديث عن سلف مجمعي وهو (سليم بن روفائيل بن جرجس عنحوري الملقب بالدمشقي). وبعد أن لخَّصت حياة هذا المجمعي الجليل وقدَّمت نبذة عن حياته قالت: "بدا لي العنحوري من خلال مؤلفاته رجلاً فُطِر على حبِّ اللغة الفصحى. وكان فصيح العبارة، شجِّي القول، كما كان وطنيًا متمسكًا بعروبته. كان رائدًا من رواد النهضة، أمَنَ بالعقل ركيزة أساسية للحرية والتقدم، وبالأخلاق أساس العدل والمساواة...".

       

       

صورة تذكارية لأعضاء المجمع العلمي في دمشق في المدرسة العادلية ، التُقطت على الأرجح في العشرينات من القرن الماضي (الصورة من كتاب أوراق فارس الخوري )

*** *** ***

المراجع:

-       بدائع ماروت أو شهر في بيروت، لناظمه سليم أفندي عنحوري الدمشقي. طبع في بيروت سنة 1886.

-       الحركة الأدبية في دمشق (1800 – 1918)، الدكتور اسكندر لوقا.

-       تاريخ الأدب العربي (1800 – 1925)، الأب لويس شيخو.

-       منتخبات من الجواب على اقتراح الأخبار، الدكتور ميخائل مشاقة.

-       تاريخ الصحافة العربية، الفيكونت فيليب دي طرازي.

-       موسوعة الأسر الدمشقية، الدكتور محمد شريف عدنان الصوَّاف.

-       أسرة العنحوري الدمشقية ريادة في الصحافة والأدب، د. سهيل الملاذي.

-       الأخبار المروِّية في تاريخ الأسر الشرقية، الأديب والمؤرخ اسكندر معلوف.

-       مجلة "المسَّرة"، بيروت، السنة 11، الجزء 6 (حزيران 1925).

-       أوراق فارس الخوري، تنسيق وتحقيق وتعليق الأديبة كوليت الخوري.

-       أعلام الأدب والفن، الجزء الأول، تأليف أدهم آل جندي.

-       معجم الجرائد السورية (1865-1965)، د. مهيار عدنان الملوحي.

-Essays on Islamic Civilisation : E. J. Brill – Publisher – Leiden. Institute of Islamic studies , McGill Universaity Montreal

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني