الصفحة التالية                  الصفحة السابقة

إرشادٌ بالنسبة للتاسوعية

 

هيلين بالمر

السبَّاقون للمنهج، ومدخل لمفهوم النمط

التاسوعية تعليم صوفي قديم، يصف تسعة أنماط مختلِفَة للشخصية، وعلاقاتها المتبادَلَة فيما بينها. وبوسع هذا التعليم مساعَدَتِنا في التعرُّف على نمطِنا الخاص، ومعالجة مشاكلِنا، وفهم زملائنا في العمل، وفهم الأشخاص المحبوبين سواء من العائلة أو من الأصدقاء، وتقدير الاستعداد المُسبَق لكل نمط يتمتَّع بإمكانيات إنسانية عليا، مثل التعاطف، وكليةُ الوعي، والحب. كما يُمكِنُ لهذا الكتاب أن يُوسِّع معرفة المرء لذاتِه، وأن يُساعِدَه في الاشتغالِ على علاقاتِه مع الآخَرين، والتعرُّف بنفسِه على المقدرات العليا والنوعية الخاصّة بنمطِه العقلي.

تُعتبَرُ التاسوعية جزءًا من عقيدةٍ موروثَة تنظُرُ لقلَقِ الشخصية كمُعَلِّمٍ أو كمُرشِدٍ للقدرات الكامنة عندَ الشخص، والتي تتفتَّح أثناء نموِّ وعيِه الأسمى. وليسَت الرسوم التخطيطية المقدَّمَة في هذا الكتاب سوى رؤيةٍ جزئية لأنموذَجٍ أكثر كَمَالاً مما تصفُه المستويات الممكِنَة لتطوُّر الإنسانية، انطلاقًا من الشخصية، وعبورًا نحو كل سلسلة القدرات الإنسانية غير المعهودة، مثل التعاطف، وكلية الوعي، والحب. ومن الأهمية بمكان ألا يؤخَذ هذا النص العظيم بتركيز انتباهِنا فقط على أنماط الطبع التسعة، لأن التاسوعية الكامِلَة هي أحَدُ المناهِج القليلة للوعي الذي يعود إلى العلاقة بين الشخصية والمستويات الأخرى للطاقة الإنسانية. وتكمن قدرةُ هذا المنهَج في واقع كونِه ينزَعُ إلى استبعادِ القواعد العامة للشخصية التي تقول بأن عادات القلب والعقل الخاصة بها، ليسَت سِوَى مجرَّد مظاهِر عُصَابية، وبالتالي ينظُرُ هذا المنهَج إلى هذه العَادات، على أنها ليسَت سوى قُدُراتٍ في حالة كمون يُمكِنُها أن تكون مدخَلاً قويًّا إلى حالاتٍ عليا من الوعي، وبالتالي فرؤية هذا المنهَح تختلِفُ تمامًا عن تلك المذكورة آنِفًا، حيث تعتبِرُها مظاهِر عُصابية.

نستطيع التعرّفَ بسهولَةٍ على القيمَة الباطنية في التاسوعيات التي تصِف الشخصية لأننا نقوم من خِلالِ هذه الأخيرَة بتركيز الجزء الأعظم من انتباهِنا في أفكارِنا ومشاعرِنا التي نتماهَى معها وندركُها على أنها "أنيَّتُنا"[1]. ومع ذلك، فإذا كانت شخصيتُنا الخاصَّة فريدةً أو ذلك الشيء الذي يعتبرُه كلٌّ منا "أنيَّتَه"، فهو بالواقع مَظهَرٌ فقط للتطور الإنساني المتَوَاصِل، وبالتالي، فعلى أفكارنا ومشاعرنا الخاصة أن تكوِّن بشكلٍ أو بآخَر أرضيةً نُدرِكُ من خلالِها المرحلةَ التاليةَ لتفتُّحِنا. ويمكِنُنا الرؤية من خلالِ هذا المنظور النفساني المتَّسِع إلى ميولِنا العصابية كمعلِّمين وأصدقاء طيِّبين يقودوننا بشكل ملائم إلى الأمام، وإلى المرحلةِ التالية من تطوُّرِنا. وإذا كانت شخصيتُنا كما توحي التاسوعية هي درجةٌ نحوَ وعيٍ أوسع، إذن فثمَّةَ هَدَف ثنائي في الوصولِ إلى إدراكٍ للكيفية التي يعمل وفقَها قلقُنا: الأول، يجعلُنا أكثرَ مصداقيةً، وأكثر سعادةً كأشخاص، والثاني يعلِّمُنا كيف نقومُ بتنحيَةِ الشخصية جانبًا لكي نسمحَ لسياق التفتح أن يتم في المرحلة التالية للوعي.

الموروث الشفهي

تشكِّل تاسوعيةُ الأنماط جزءًا من موروثِ تعليمٍ شفهي، وهي الأداة التي لا تزال حتى الآن الأكثر انتقالاً من خلال الرؤية والاستماع إلى مجموعاتٍ من الأشخاص يتكلَّمون عن حيواتِهم وهم ينتمون إلى النمط نفسِه. فلاشك أن الرؤية والاستماع إلى مجموعةٍ من الأشخاص المتشارِكين والمهيَّئين للتعبير عن وجهات نظر متماثلة، ينقلان بشكلٍ أفضل قدرَةَ المنهَج، على خلافِ نقلِه كمجرَّدِ تسجيلٍ مدوَّنٍ من كلمات. فما يبدو في بادئ الأمر هو مجموعةٌ من الأشخاص بهيئاتٍ جسمانية مختلِفة جدًا، سرعان ما يظهرون بعد حوالي الساعة كأشخاصٍ متساوين. وبوسع المشاهِد أن يدركَ التشابهات في مستويات الاحتباس الجسماني، وطبقة الصوت الانفعالية، وأماكن التوتر في الوجه، وفي السِّمَات المميَّزَة للنشأة الشخصية التي تتلاءم مع الإشارات الأكثَر دقَّةً وتمييزًا للنمط. وتمتلئ قاعة الاستماع بحضور معيَّن بقدر ما يتجلَّى فيها الطبع، حيث لكل نمط من الأنماط شعور فريد، وخاصية متميِّزة، وحضور خاص ضمن الوسَط المحيط به.

قد يبدو في البداية أنه ليس ثمة ما هو مشترَك بين مجموعة أشخاص من النمط نفسه، لأن المشاهِد يوجِّه انتباهَه في بادئ الأمر إلى الاختلافات في الجنس، والعمر، والعرق، والمهنة، والأسلوب الشخصي. وبالرغم من ذلك، فخلال ساعة، يبدأ الأشخاص بالظهور على أنهم متساوون: حكاياتُهم، وخياراتُهم، وأفضليَّاتُهم، وغاياتُهم، وكذلك أيضًا الأشياء التي يتجنَّبونها، وما يحلمون به... إلخ، حتى تبدو هذه كلها مطابقة لما لدى الآخرين. لا بل أنهم يبدأون في الظهور بالمظهَر نفسه، حالما يتم تحييدُ مسار انتباه المشاهِد من السِّمات المميِّزَة السطحية لمجموعة ثياب الشخص، والابتسامة التي يقدِّمُها. فما أن يتم تحييدُ مسار انتباهِه عن هذه الدلائل السطحية، حتى يكون بمقدورِه التعرُّف على النمط من خلال معرفةِ الطموحات، والصعوبات التي يشترك بها أعضاء هذا النمط.

يبدو العالَم مختلِفًا جدًا بالنسبةِ لكل نمط من هذه الأنماط التسعة. وعند التكيُّف مع الطريقة التي يشعر بها الآخَرون في دواخلِهم، فإنه يصبح بإمكانِ المُشاهِد أن يتحرَّر من منظورِه الخاص لصالِح إدراكٍ حقيقي لما هم عليه الأشخاص الموجودين في حياتِه، مغَيِّرًا من معتقداتِه التي أدَّت إليها أفكارُه بخصوصِ هؤلاء الأشخاص. وعندما يضع المشاهِد نفسَه في مكان هؤلاء الآخرين، فإنه يخلق شعورًا من التعاضد تجاه وضع الغير. وعندما ينظر للآخرين من وجهة نظرِهم، فإنه يعي للحال بأن كل نمطٍ محدودٌ بنزعَةٍ خاصةٍ به.

لا تزال تأخذ بمجامِعِ قلبي قدرة هذا التعليم، خصوصًا عندما أتعرَّف على الأنماط الأساسية لحياتي الخاصَّة من خلال حكايات مجموعة أفراد من أمثالي. إنها حكايات معاصِرة تحدث في مكاتب للدعاية، وفي المتاجر الكبرى، وفي قاعات دروس الجامعات، وفي مراكز التأمل. ويرويها أشخاصٌ لديهم أنماطي الفكرية نفسها، ويعيشون حكاياتهم كما أعيشها أنا. مع العلم أن بوسعي روايتها لهم لكي أحصل على معلومات، ونصائح، وإظهار ما قد اكتشفوه بخصوصِ ذواتِهم.

تكمن روعةُ سردِ حكايةٍ شخصية، في إظهارِ غَرَضٍ حميم بالعُمق كان قد حدَثَ يومًا ما مع النية في تنحِيَتِه جانبًا. وتكمن النية الخفية من وراء سرد الحكاية الخاصة بالمرء الحصول بشكل طبيعي على تفهُّمٍ حول الأنماط التي تحكُمُ حياتَه. لكن الغاية، والحال هذه، من فهم نفسِه بنفسِه تكمن في تعلُّمِ رصْدِ هذه الأنماط داخليًا، من خلال تحييدِ مسارِ انتباهه عنها، ليتوصَّل في النهاية إلى تنحيَةِ الشخصية جانبًا. وتفرض هذه الـ"تنحِيَة جانبًا" منهَجًا يشمُلُ عدَّةَ حالاتٍ للوعي، ويعني ببساطَة أكثر العمل على مشكلةٍ بشكلٍ مضنٍ حتى يتم إلغاء المعاناة. فما هو بحاجةٍ إليه فعلاً هو تنحيةُ الشخصية جانبًا، أي أن يكون المرء قادِرًا على تحييدِ مسار انتباهِه عن أفكاره ومشاعره بشكلٍ يسمح فيه لإدراكاتٍ أخرى أن تتفتَّحَ في وعيِِه.

أُخِذَت الشهاداتُ الموضوعة في هذا الكتاب من تسجيلاتٍ لأشخاصٍ تكلَّموا في حلَقاتٍ مُشتَرَكَة كممثلين عن نمطِهم الخاص. فهم قد تهيأوا للبروز ولإظهار ذواتِهم لكي يتمكَّنَ الحضور من تعلم كيفية التعرُّف على النمط بشكل فعلي. وعندما كنتُ أقوم بمقابلاتٍ في حلقات كهذه، كانَت بؤرة الانتباه تتركَّزُ دائمًا فيما يميِّز نمطًا عن الأنماط الأخرى، على نحوِ أن مسار المساءلَة الذي طوَّرتُه كان يصغي إلى ما هو فريد بالنسبة لكل نمط من الأنماط التسعة، وليس بالنسبة للأسلوب الذي يتشابهون به.

إنه لمن الأهمية بمكان التأكيد على الاختلافات بين الأشخاص لأن جزءًا كبيرًا من المعاناة التي نشعر بها في علاقاتِنا مع الآخرين إنما سببها العمى الذي ألمَّ بنا تِجَاهَ وجهات نظر الغير. فنحن لا ندرك حقيقة أن الأشخاص القريبين منا يعيشون حياتهم هم أيضًا على نحوٍ ليس بالضرورة أن يكون مماثلاً لنمط حياتنا.

على سبيل المثال، لا بد من الكثير من الجهد بالنسبة لزوج مستغرق رومانسيًا أن يفهم الواحد منهما المقدمات المنطقية لشريكِه الآخَر فيما يتعلَّق بالحب. فإذا كان أحدهما "تسعة" (الوسيط)[2]، والآخَر "ثمانية" (صاحِب عمل)، فكيف سوف يعلم "التسعة" بأن الطريق إلى الحب وإلى الثقة سوف يمر من خلال سلسلةٍ من المجابهات وجهًا لوجه؟ وكيف سوف يعلم "التسعة" بأن شريكَه "الثمانية" سوف يتجاهَل الأوامِر المباشَرَة، رافِضًا بعناد أن يتحرَّك تحت الضغط، ولكن من الممكن بسهولة جعله طيِّعًا إذا ما عرضنا حاجات الآخر إليه؟

القيود في تصنيف الأشخاص

تكمن إحدى معضلات التاسوعية في أنَّ التاسوعية صالِحَةٌ جدًا. فهي أحد المناهِج القليلة التي تهتمُّ بالسلوك الطبيعي. وشكلها العملي أكثر رقيًا عما هي الحال، كما في علم الأمراض، كما أنها تُجمِّع كميةً كبيرةً من الحكمة النفسانية في قالَبٍ مُحكَمٍ سهلِ الفهم نسبيًا. فإذا كنتَ قادِرًا على تحديدِ نمطِك الخاص ونمط الأشخاص الهامِّين في حياتِك، ففي الحال يُصبِحُ في متناولِكَ معلومات كثيرة، على الأرجَح تحمِلُ إليك معرِفةً ما حول كيف لعلاقتِك يُمكِنُها أن تكون مع شخصٍ آخَر. إذن، ثمة في داخلِنا نزعة طبيعية لإرادتِنا في أن نضعَ أنفسَنا في مكان الآخَر على نحو نكون فيه في كل مرة في إحدى الخانات التسعة، بحيث يستطيع كلٌّ منا أن يتخيَّلَ ما يجول في فكر الآخَر، وأن يتوقَّع الطرق التي يمكن له أن يتصرَّف وفقَها. فنبتغي أن نكون بشكلٍ تبادُليِّ مع الآخَر ضمن إحدى الخانات في كل مرة، لأننا نقلِّل بذلك من توتُّر العيش مع لغز المجهول الذي يُشكِّلُه الآخَر بالنسبةِ لنا، ولأن لدينا خصوصًا نحن في الغرب عادة جعل المعلومات في فئات ثابتة من أجل محاولة القيام بتوقُّعات على أساس سبب – و- ونتيجة.

لكن التاسوعية ليسَت منهجًا ثابتًا. فهي قالَبٌ يتكوَّن من خطوطٍ مترابطَةٍ فيما بينَها، وتشير إلى حركةٍ ديناميكية حيث أننا فضلاً عن تماهينا مع مسائل نمطِنا الأكثَر شدَّةً، فإننا نملكُ قدرات الأنماط التسعة كلها. إن بنية النجمة ذات النقاط التسع، وخطوط الارتباط، تشير إلى أن كل نمط يملك خاصيةَ التغيُّر بالتحرُّك بين النقاط. فالنقاط التسع تتقاطع جيدًا مع علم الأنماط النفسية الحالية[3]، وتشير خطوط الاتصال إلى العلاقات النوعية بين الأنماط المتعدِّدَة التي بدأوا مؤخرًا بدراستِها في أدبيات علم النفس الحالي.

كذلك تعلِن خطوطُ الارتباط مسبقًا عن وسائل كل نقطة أو نمط سوف يعدِّل فيها سلوكَه المتَّبَع عندما يوضَع تحت حالةٍ من التوتر أو في وضعِ حياةٍ آمِنَة، وذلك على نحوٍ تكون فيه كل نقطة في الحقيقة عبارة عن توافق بين ثلاثة جوانب أساسية: جانبٌ مهيمِنٌ يتماهى مع رؤية النمَط للعالَم، وجانبان مكمِّلان يضعان السلوك وفقًا لحالة الشعور بالأمان أو التوتر.

وفضلاً عن أننا نعدِّل أنفسَنا على نحوٍ جذري عندما نرزح تحت وقع التوتر، أو عندما نشعُرُ بأنفسِنا آمنين، وبتنوع درجة التماهي مع المسائل التي تحدِّد النمطَ بالنسبة لكل واحِدٍ منا، فثمَّةَ أيام نستغرِق فيها طويلاً بقلقِنا الخفي الذي يتعلّق بـ"خانتِنا" النوعية، والتي لسنا قادرين على تركيز أنفسِنا في غيرِها إطلاقًا. وعندما يتثبَّت الانتباهُ في مجموعةٍ محدَّدَةٍ من همومٍ تحدِّد نمطَنا، فإننا نجد أنفسَنا، وبشكل محدَّد، في خانَتِنا هذه. وبالتالي نفقدُ حرِّيَّتَنا على التحرك بين الخانات التسع. وعندما لا يكون بوسعِنا تحييد مسار انتباهِنا عن قلقِ متواصِل، وعندما نفقد القدرة على رصد تصرُّفِنا الخاص بشكلٍ محايِد، فإننا نصبِح بالتالي تحتَ سيطرةِ عاداتِنا الخاصة بنا، ونفقدُ حريةَ الاختيار.

ومع ذلك، فإننا لا نرزح دومًا تحت سيطرة شخصيَّتِنا. وغالِبًا، ما نكون قادِرين على تحييدِ مسار انتباهِنا إلى رؤية الوضع من زاوية مختلِفَة. وفي مصطلحات الأنموذج التاسوعي، فنحن في ارتقاءٍ ضِمْنَ الطيف التطوري، ولكن فقط عندما نتوصَّل إلى امتلاك القدرة على تحرير أنفسِنا من العادات التي تحدُّ من رؤيتِنا وتحدُّ من اتساع وعيِنا إلى ما هو أبعَد من قلقِنا التي يُحدِّد نمطَنا الخاص.

يجعلُنا فعلُ التصنيف قادِرين على تعيين النمط الشقي بواسطة النبوءة التي تتأكَّد. وبوسعِنا أن نتعلَّمَ تحديدَ نمط الأشخاص، فنبدأ إذاك التعامل مع الآخَرين كتوافقات كاريكاتورية للائحَة من السِّمَات المميِّزَة للنمط، والتي تُشكِّلُ إكراهًا (قهريًا) للنمط على نحوٍ مؤثِّرٍ جدًا. فنحن كلنا مُقَوْلَبون بالطريقة التي نُعامَلُ بها، ونميل إلى الاعتقاد في قراءة الآخَرين لأسلوبِنا في الحياة. بل والأكثر من ذلك، فإننا نبدأ بالنظَر إلى أنفسِنا بالطريقة التي ينظر الآخَرون من خلالِها إلينا، ونتَّخِذُ بالتالي سمات ذاك الذي درَّبونا على أن نكونَ إيَّاه.

لذلك فأنا أقول بأن معضلة التاسوعية تكمن في كونِها صالِحةٌ جدًا. لاشك أن تحديد النمط أمرٌ سهلٌ نسبيًا، وذلك ما أن يدركَ المرء ما الذي يسعى إليه، وما إذا كان قادِرًا على التآلُف مع منظورِ نمطٍ آخَر. فالمنهَج صالِحٌ جدًا، لدرجة أنني قد شاهدتُ أشخاصًا يوحون بإدراكِهم أنهم وسطاء روحيون، لأنهم قادِرون فقط على تحديد النمَط بسرعة ودقة، ولأنهم يستطيعون بعد ذلك إظهار كمية هائلة من المعلومات التفصيلية حولَ أحدٍ تعرَّفوا عليه لتوِّهم. ولكن مع منهج صالِح، وموقف خاطئ بخصوص التصنيف من الممكن أن ننسى بأن موضوع معرفة نمط الشخصية يكمن في تعلم كيفية تنحيتِها جانِبًا، لكي نتابِعَ العمَلَ الفعَّال في تجسيد وعيٍ أسمى. وإن مقاربةً بائسة للتصنيف يُنقِصُ من القيمة الداخلية، وتُشيرُ الغاية من المنهَج فقط إلى أن النمط درجة نحوَ إمكانياتٍ إنسانيةٍ أكثرَ رقيًّا.

الخَبَرُ السَّارُّ هو أن تحديد النمط لا ينجح في التطبيق. لا ينجح ببساطة لأنه بالنسبة لصاحب عملٍ على سبيل المثال يقومُ بإعدادِ قائمة حول مع من "يتعاقَد" ومع من "لا يتعاقَد" في شأن أعمال خاصَة بفئة معينة، فإنه يتعاقَد مع "أربعة" (الرومانسي التراجيدي)[4] من أجل العمل في صالَة عرض للوحات فنية. ببساطة، فإن هذا الإجراء لا معنى له على الإطلاق، لأنه هو أو هي قد لا يفهم في اللوحات الفنية، على الرغم من أنهما يملكان مزاجًا فنيًا في العمق. أما أن "لا يتعاقَد مع خمسة" (الراصد)[5] من أجل وظيفة تحتاج لكثير من العرض فلسوف يرتكِبُ خطًا جسيمًا، لأنه من المُمْكِنِ جدًا أن يكون "خمسة" قد طوَّرَ لديه بعضَ السمات الانبساطية (المتوجِّهة نحوَ الخارِج)، وذهَبَ بعيدًا في استعمالِ مواردِه كلِّها لكي يقومَ بهذا العمل على أفضَلِ وجهٍ مُمكنٍ. وأيضًا، لن يفيدَ التصنيف عند وسيط الزواج الذي لديه الرغبة في صيغة معيَّنة تقول مثلاً بأن "السبعة" (الأبيقوري) هو الشريك المثالي للـ"ثلاثة" (المتمرِّس)[6]، أو بأن "الاثنين" (المانِح)[7]، و"الأربعة" (الرومانسي التراجيدي) هما عاشقان على طرفَيْ نقيض، ولكنهما يستطيعان أن يكونا صديقين جيِّدَيْن. ولكن، "الاثنين" (المانِح)، و"الأربعة" (الرومانسي التراجيدي) من الممكن جدًا أن يكونا قد طوَّرا كيميائية ذكية الرائحة، لا تتطابَق مع الصيغة المحدَّدَة بالرقم، وهذا أمر أبعد منهما، وبالتالي فعلى وسيط الزواج الانتظار لكي يفهَم ذلك. وكذلك الأمر، لا يفيدُ التصنيف على أساس التاسوعية في تكوين "فريق عمل مثالي"، على قاعدة واقع أن أصحاب الرقم "خمسة" (الراصِد) يقدِّمون استراتيجيات جيِّدَة. وأصحاب الرقم "ثلاثة" (المتمرِّس) هم بائعون خارقون، وأصحاب الرقم "ثمانية" (صاحِب عمل) هم رائعون في تخصُّصِهم لعقد الصفقات. إن تصنيف وتحديد نوعية التصرف لا تنفع، لأن الأشخاص هم أكثر تغيُّرًا وتعقيدًا بكثير من أي شيء آخَر بوسعِه ربما أن يكون موصوفًا من خلال لائحة الطبع.

لماذا إذن لدينا هذا الاهتمام كله بالنمط؟ وإذا لم تلغِ مجموعةٌ لا غنى عنها من التصنيفات كلَّ المجازفات المتعلِّقَة بالتعاقد مع موظَّفين، أو في اختيار شريك العمر، فلماذا إذن نهتمُّ كلَّ هذا الاهتمام في اكتشاف النمط؟ يكمنُ السبب في اكتشاف نمطِك الخاص في قدرتِك على تكوينِ علاقةِ اشتغالٍ على ذاتِك نفسِها. وسوف يكون بمقدورِك أن تأخذ بالحسبان خبرةَ أمثالِك لتوجيهِك، وسوف يكون بمقدورِك اكتشاف الظروف التي تساعدُك في تطورِك، عوضًا عن الاستمرار في تَكرارِ الميولِ العُصابية نفسها. وليس السببُ الأكثرُ أهميةً لدراسة الأنماط في أنها تجعلُكَ قادِرًا على العثور على علامات طبع الأشخاص الآخَرين، وإنما في قدرتِك على تقليصِ حجمِ معاناتِك الخاصَّة بك ككائنٍ إنساني.

يكمن السبب الثاني في دراسة الأنماط في فَهْمَ الأشخاص الآخَرين كما هم عليه بالنسبة لأنفسِهم، وليس مثلما تنظر إليهم أنت من خلال منظورِكَ الخاص. فبإمكان فهم الأشخاص الآخرين أن يساعدَ فرقاء عمل لكي يكونوا فعَّالين، ويمكنه أيضًا إضفاء سحر خاصٍّ على العلاقة العاطفية (الرومانسية)، وبوسعِه المساعدة في المصالحَة بين أفراد العائلة. وبالرغم من أننا لا نستطيع توجيهَ بعضِ الأنماط إلى بعض فئات العمَل، ولا الانتظارَ منهم أن يعملوا وفقًا لنماذج مقَوْلَبَة، لكن يمكن على سبيل المثال أن نتعلَّم الاستفادة من منظور زميل في العمل بخصوص مشروعٍ ما.

وعلى النحو نفسِه، لا نستطيع أيضًا اختيار شركاء العمر انطلاقًا من علاقة علامات الطبع المرغوبة. ولا الانتظار منهم بألا يُظهِروا السمات غير المرغوبة للنمط. ولا نستطيع على الأقل أن نزعم بأن أحدًا أو شريكًا آخَر لن يتفاعَل على نحوٍ تناقضي على عكس حميمية الزوج وفقًا للنمط الخاص به، فينتهي الزوج إلى أن يصيرَ مُتوتِّرًا ومشوّشًا. إن ما نستطيع زعمه هو أن نولي انتباهَنا للطرق في كيفية انفتاح كل نمط نحوَ الحب، وبوسعِنا أن نفهَمَ وجهةَ النظر هذه أو تلك، وأن نغيِّرَ موقفَنا بالشكل اللائق.

تاريخيًا

يعودُ أصلُ كلمةِ تاسوعية Eneagrama إلى الكلمتين اليونانيتين ennea والتي تعني "تسعة"، وgrammos وتعني "خطوط". وهي عبارة عن رسم تخطيطي على شكل نجمةٍ ذات تسع نقاطٍ، ومن الممكن استخدَامها لإجراء مسحٍ لسياقِ أيِّ حَدَثٍ جرى منذ إدراكِه، وخلالَ كلِّ مراحلِ تطوُّرِه في عالمِنا المادي. والأنموذَجُ التاسوعي جَوْهَريٌّ في روحانية (سرَّانيَّة) الصوفي، حيثُ يُطبَّقُ لإجراءِ مسحٍ للسياقات الكونية، ولتفتُّحِ الوعي الإنساني. وفي كلاَّنيَّتِه، يكوِّنُ المنهَجُ تعليمًا مِفصَليًّا (مترابِطًا بإحكام) عاليَ المستوى، ويتطابَقُ مع شجرة الحياة في القبالة[8]، ويتداخَلُ بالحقيقة - أي منهَج التاسوعية - مع الشجرة بعِدَّةِ أشكالٍ[9]. وهذا التوازي هام لأن التاسوعية، تصِفُ أرضية التعليم القبالي القديم نفسها، ورغمَ ذلك، فلا يبدو أن هناك أي تاريخ مكتوبٌ بهذا الخصوص. وليس لدَيْنا أيُّ تعقيبٍ مُتَرجَمٍ في هذا السياق للتصوف (السرَّاني) الإسلامي، إلا أن المنهَج يظلُّ أنموذجًا لمقدِّمَةٍ صوفيَّةٍ (سرَّانية) تقول بأن الإنسانية هي في سياقٍ تطوُّري نحوَ أشكالٍ أكثرَ رقيًّا للوعي[10].

إن ما يعرفُه الغرب عن التاسوعية Eneagrama يعود إلى جورج إيفانوفيتش غوردجييف، وهو معلِّمٌ روحي ذو جاذبية شخصية جبَّارَة، وكان يشيرُ إلى التاسوعية Eneagrama على أنها أنموذج تعليمٍ صوفي شَفَهي، وكان يلجأ إليه ليتحقَّقَ من كفاءةِ تلاميذِه وفقَ أنماطٍ مُحَدَّدَة للتدرُّبِ على الحياةِ النفسية. كما توجدُ أدبيَّات غزيرَة حولَ عمل غوردجييف، تتضَمَّنُ مَرَاجِعَ كثيرةً للمنهَج، ولكن بدون تحديدِ الكيفية التي كان يستخدِمُ فيها غوردجييف الرسمَ التخطيطي لاكتشافِ قُدُرات الأشخاص، أو نوعِ المعلومَة التي كانَت التاسوعية تُقدِّمُها له.

كان تلاميذُ غوردجييف يشتَغِلون على الخصائص الرياضياتية للتاسوعية، ولكنَّ الجزءَ الأعظَمَ الذي كانوا يتعلَّمونَه تمَّ نقلُه من خلالِ تمارين حَرَكِيّة غيرِ شفهية، مُوَجَّهَة لمنحِ إدراكٍ محسوسٍ للمراحِلِ التي تتجاوزُها سياقاتٌ مختلِفةٌ عندَ الابتداء على قدر ما تتجسَّد في العالَم المادي. أمَّا التمارينُ الحركيَّة فتتكوَّنُ من مجموعَةٍ من الرَّقَصَاتِ التي تؤثِّرُ في النفس، والتي تُقامُ عادةً ضِمنَ مجموعاتٍ كبيرةٍ، كما أنَّها مُوجَّهَةٌ لكشفِ بعض السِّمَاتِ المُمَيَّزَة غير الواضِحَة للسِّيَاقات، وللمعرِفَة، فيُمكِنُ لإيقاعِ سِياقٍ أن يُصبِحَ محسوسًا من خلال الجسم الفيزيقي، كما من الممكن إدراك اللحظات التي تتطلَّب حاجةً لـ"صَدَماتٍ" حاذِقَة، أو لتجديدِ الطاقة التي اُستُهلِكَت، أو إعادةِ تغذيةِ النفس بهذه الطاقة لإبقاء السياقِ حيًا وفعَّالاً.

حاوَلَ غوردجييف تلقينَ تلاميذِه إدراكًا محسوسًا للتاسوعية كأنموذَجٍ حركيٍّ مستمر. وهكذا قامَ برسمِ نجمةٍ ذاتِ تسع نقاط على أرضيَّةِ قاعة معهَد "التنمية التناغميَّة للإنسان". وكان التلاميذ يتمَوْضَعون على نقاط الدائرة المرسومَة من واحدٍ إلى تسعة، وكانوا ينفِّذون أنماطًا حركية مهيَّأةً لهم، وكانوا يُظهِرون العلاقات المتنوِّعَة بين النقاط على امتداد الخطوطِ الداخلية: واحد – أربعة – اثنان – ثمانية – خمسة – سبعة. ثمَّة شهاداتٌ لتلاميذٍ تكشُفُ إدراكَ التاسوعية المحسوسة من خِلالِ الإيقاعات الداخلية، والحرَكات الطبيعية للوقفة ولإعادةِ اتساق القوى، والعلاقات الناجِمَة من خلالِ فعلِ الرقص بين النقاط والخطوط. وعلى هذا النحو، فقد وصفوا إدراكًا جسمانيًا كان يتطوَّرَ عندما يتم تحييد الانتباه عن مسارِه الفكري ويبقى الشخصُ مستغرِقًا كليًا في الحَرَكات الجسمانية للرقصة.

لم يكُن ثمَّة شيء مكتوب حولَ تاسوعيات الشخصية أثناء وجودِ غوردجييف، والمدارس التي توَلَّت متابعةَ تعاليمِه كانَت تميلُ إلى رؤيَةِ قلقِ الشخصية، على أنه شيء ينبغي تنحِيَتُه جانِبًا في حركة نحوَ تحقيق وعيٍ أسمى، وليس كمصدَرٍ قيِّمٍ للمعلومات حولَ كيفيَّةِ بلوغِ هذه المستوَيَات العقلية. وبالامتثال لفكرة شخصيَّتِنا على أنها فريدةٌ فهذا يمثِّل مظهَرًا قليلَ التطوُّر نسبيًّا لكلِّ طيفِ الإمكانيةِ الإنسانية، ولم تُركَّزْ هذه المدارس على تمارين شفهية، بل حركية، وعلى ممارساتٍ للانتباه طوَّرَها غوردجييف (سمَّاها رصد الذات، وتذكُّرُ الذات)، معتبِرًا إيَّاها مُقارَبَة سليمة للحياة الداخلية[11]. وعلى الأرجَح فقد أكَّدَت هذه المدارس فِكرةً كهذه في إصرارِها من خلال بعض المعلِّمين الأوَائل على أن المنهَج الصوفي للشَّخصية يمكِنُ تطبيقه بنجاحٍ فقط من خلال "رجلٍ عارِفٍ".

جرى التكتم زمنًا طويلاً على معرفة التاسوعية، وإذا استطَعنا القول بأنها وُضِعَت الآن في خِدمَةِ الجميع، فإنّما هذا فقط في هيئةٍ غير مكتمِلَة، وعلى نحوٍ نَظَري، بحيث أنه ما من أحدٍ بإمكانِه القِيام بأيِّ استخدامٍ عَمَليٍّ لها بدونِ إشرافِ "رجُلٍ عارِفٍ"[12].

بشكلٍ طبيعي من المُحتمَل أنه لم يكن عند هذه المدارس اتجاه صحيح لأنماط الشخصية التسعة في الرسم التخطيطي للتاسوعية، أو أن وضع فنِّ التشخيص النفساني في العصر الحيدث لم يكن متوافقًا بعد مع ما كانت تلك الرسوم توحي إليه. ورُغمَ ذلِكَ، فالنماذِج التي كانَ غوردجييف يَذكُرُها في المنهَج، وأسئلته وأجوِبته المُباشَرَة عن علاقةِ التاسوعية مع نَمَطِ الطبع تشيرُ إلى أنه كان يحتفِظُ بالمعلومات لنفسِه لاعتقادِه ببساطَة أن تلاميذَه لم يكونوا مهيَّئين بعد لفهمِها.

إذن، كان غوردجييف متيقنًا ظاهريًّا بأن معاصريه لم يكونوا مهيَّئين للتعرُّف بالشكل السليم على نماذجِه الباطنية الخاصة. بالرغم أن تلاميذَه قد اشتغلوا بالتجربة على رصدِ ذواتِهِم. كما لم تلقَ نظريَّةُ فرويد إبَّانَ ذلك العصر حول اللاوعي ذلك النجاح المرتقَب في أوروبا، ولم يكن للتلاميذ آنذاك تلك الإشكالية النفسانية، التي نعتَرِفُ اليوم بوجودِها بشكلٍ مؤكَّدَ. وعلى نحو عام، يعتبِرُ تصوُّرُ غوردجييف أننا "نِيَامٌ" بالنسبة لبواعِثِنا الخاصّة، وأن إدراكاتِنا مشوَّهةٌ لمرورِ سياقاتِها من خلال دفاعاتٍ نفسيةٍ، ولاشك أن هذا كلَّه كان بارِقةَ بصيرةٍ هائلة بالنسبة للتلاميذ. وفضلاً عن اشتغالِهم باهتمامٍ في المُمَارسات، فقد كانوا يُؤدّونها بإيمانٍ أعمى في أن بمقدور معلِّمِهم مُسَارَرَتِهم في أمرٍ ما، لكونِهم يملكون قليلاً من الإدراكِ النفسانيِّ الخاص.

الرَّاصِدُ الداخِلي[13]

إن رَصْدَ الذاتِ هو مُمَارَسَةٌ أساسية في الحياة الباطنية، وله حضورُه في عدَّةِ مدارِس تقليدية. وتشتمِلُ المُمَارَسَةُ على تركيزِ الانتِباه على نحوٍ باطِنيٍّ، وتعلُّمِ إدراك الأفكار و"مواضيع انتباهٍ" أخرى[14] تنبثقُ من الداخلِ. فثمَّةَ طُرُقٍ عديدةٍ للشروعِ في هذه المُمَارَسَة، ولكن الخبْرةَ الأوّليّة تكمنُ دائمًا في التعرُّف على الأنماط الآلِيَّة الخاصّة بك، وعلى عاداتك، والتعرُّف على تمسُّكِكَ ببعضِ الهمومِ والقلَقِ الذين يستَحْوِذون على عقلِك، إن واقِعَ قدرتِك على رَصْدِ عاداتِكَ الخاصة في التفكير والشّعور، والتمكُّن من الكلامِ عنها من منظورٍ مُحايِد وخارجي بالنسبة لك، يساعدك في جَعْلِ هذه العادات أقلَّ قهريةً، وأقلَّ آليةً (ذاتيّة الحَرَكَة). وبادئ ذي بدء تبدأ الأفكارُ بالظهور على أنها "مُنْفَصِلَةٌ عن أنيَّتِكَ" عِوَضًا عن أن تكونَ "تلك التي هي فعلاً أنيَّتي".

إذا كانَت مُمَارَسَةُ رَصْدِ الأفكار والمشاعِر مُتَوَاصِلةً، فإن القلقَ الخاصَّ بكَ يبدأ بالظهورِ على أنَّه خارِجِيٌّ، وأقلُّ إزعاجًا. وعندما ينزاحُ الانتباهُ إلى وضعيَّةِ الراصِدِ الدَّاخِلِي، فإنَّ الأفكارَ تبدأ بالظهورِ على أنها "تلك التي أُفكِّرُ فيها" عِوَضًا عن إدراكِكَ لها على أنها "أنيَّتي الحقيقية"، لأنه إن لم يكُن الأمرُ كذلك فثمَّة خَلَلٍ في وعيِكَ الخاص. وهذا الأخير إذا ما استمرَّ مُبتَعِدًا آخِذًا مسافةً كافِيَةً لكي يُشَاهِدَ عبورَ تيَّارِ الأفكار، فحينئذٍ ينتظِمُ الانتِباهُ في أنا راصِدٍ على حدة، وبالتالي، سوف تتَوفَّرُ لْكَ الظُّروفُ الملائمةُ لكي تكونَ أكثرَ موضوعيةً فيما يتعلَّقُ بمن تكون أنتَ بالحقيقة، ومع المُمَارَسَة، فالرَّاصِدُ هو أكثَرُ من أيَّةِ أفكارٍ أو أحاسيسٍ نَوْعيَّةٍ يُمْكِنُها أن تكونَ لَدَيْكَ، وهكذا تبدأ بالظهور شيئًا فشيئًا إنيَّتَكَ الحقيقية. وما أن يَعُودَ الانتباهُ بشكلِه الطبيعي إلى الفكر مجددًا، فالإحساسُ بوعيٍ مُجرَّدٍ (مُنفَصِلٍ عن مَوْضوعاتِه)، ومُحَايِد يتلاشَى، ومن المُرَجَّحِ أن تفقُدَ كُلَّ المَوْضوعِيَّة، وتعودُ إلى الأوتوماتيكية (ذاتيةِ الحَرَكَةِ).

يتعلَّقُ كلُّ علاجٍ نفسيٍّ ناجِحٍ جدًا، بشكلٍ أو بآخَر بإمكانيَّةِ تحييدِ الانتِباهِ عنَ العاداتِ، والتأمُّلِ فيها من منظورِ عُنْصُرٍ خارِجيٍّ مُحَايِدٍ. إن رَصْدَ الذات الدقيق أساسيٌّ في التعرُّفِ على عاداتِكَ الانفِعَاليَّة والعقليةِ الخاصَّةِ بكَ، حتى تتعرَّفَ على ذاتِكَ من خِلالِ حكاياتِ أمثالِكَ.

وبما أن غوردجييف لم يكن على اعتقاد بأن تلاميذَه كانوا قادِرين على فَهْمِ مَعنَى النَّمَطِ الخاصِّ في التاسوعيَّة، فقد فَعَلَ الكثيرَ لكي يستحْضِرَ تشخيص الطَّبْعِ. وكانَت الطريقتان التي يلجأ إليهما أكثر، تَتَرَكَّزان فيما يُسمَّى "أن تدوسَ الأثفانَ[15] المُرَجَّحَة عندَ الأشخاص"، والأخرى تقومُ على "تقديمِ المشروب (النَّخَب) للبلهاء". كانَ رَقَمُ غوردجييف في التاسوعية "ثمانية"، أي نقطة "صاحِبُ العَمَل"، وهو وفيٌّ لنَمَطِه، فقد كانَت طريقتُه في التَّعليم تكمُنُ في جَعْلِ المناطِق الأكثَر حسَاسِيَّةً لطَبْعِ تلميذٍ ما متناغِمةً فيما بينَها، والقِيَام بالضغط عليه لكي يحصل على استجابةٍ دفاعيّةٍ من قِبَلِ التلميذ.

بالنسبَةِ لي، فإن طريقةَ الضغطِ على الثفَنِ الأكثَر حساسيةً قد انتهَى ليتحوَّلَ إلى إنجازٍ إعجازي. وقد أثَّرَ ذلك كثيرًا في كلِّ شخصٍ كنتُ ألتقي به، وهو نفسه، وبدون أي جهدٍ من قِبَلي، وبرضى كبير، واستعدادٍ كليّ، أنتزِعُ القِناعَ[16] الذي كان يُقَدِّمُ نفسَه من خلالِه بمهَابَةٍ كُبرى أمامَ البابا والماما، وبفَضلِ ذلك، فللحال اكتسَبتُ إمكانيَةً طبيعيةً بدون تهيؤاتٍ سابقة تطيبُ للعينين، وبدون عَجَلَةٍ، وبطُمَأنينَةٍ مع كلِّ ما كان في العالَمِ الداخلي لهذا الشخص[17].

أما شرب النخب فقد كان شكلاً آخَر لتقديمِ مفهوم النمَط للتلاميذ. فأولئك الذين كانوا يتناوَلون طعامَ العشاء مع غوردجييف، كان يُطلَبُ منهم أن يشربوا كميةً لابأس بها من الكحول، وذلك ضِمْنَ تشكيلَةٍ من الأنخاب تُناسِبُ تصنيفات الأشخاص المتعدِّدَة[18]. فكان يُطلَبُ من كلِّ مرشَّح هو أو هي أن يختارَ الفِئةَ التي يبدو أنه ينتمي إليها أكثَر، وإذّاكَ كانَ يتلقَّى مشروبًا (نَخَبًا) كنَمَطِ الأبلَهِ هذا.

إنه يستخدِم هذه الكلِمَة (أبله)، ولكن في معناها الطريف، وليس في معناها المُكتسَب. في الحقيقة، إنه مُصطَلَحٌ آخَر بالنِّسْبَةِ للنَّمَط. فثمَّة عدد من المشروبات (الأنخاب) كان يتمُّ تحضيرها أثناءَ وجبةٍ واحِدَة، والقاعِدَةُ الطبيعية هي كأسٌ من الكونياك أو الفودكا لكل ثلاثة أنواعٍ من المشروبات (الأنخاب). وبوسع النساء أن يُحَضِّرْنَ ستَّةَ أنواعٍ من المشروبات (الأنخاب) للكأس الواحدة، ومن المُمكِن أن يوجدَ حتى خمسةٍ وعشرين نوعًا في مشروب واحِد (نَخَب) في الليلة"

والحال هذه، فهو روسيٌّ، ويشرَبُ الروسيُّ الفودكا دائمًا وبكثرة. ولكن ثمَّة سببًا آخَر أكثرَ أهميةً من أن يُجْبَرَ مدعوُّو غوردجييف على الشرب... فبما أن أشخاصًا كثيرين كانوا يلتمِسونَه، وهو مُجبَرٌ على رؤيتِهِم بأقصَى سُرعَةٍ مُمكِنةٍ. وكما بات معروفًا الآن فإن الكحول يساعِدُ في انفتاحِ الإنسان بشكلٍ كامِلٍ على نحوٍ يُظهِر فيه ما ظلَّ حتى ذلِكَ الوقت مُبقِيًا عليه في خفايا نفسِه. إنه ما يريد العَرَبُ قولَه في المأثور: "الكحول يجعَلُ الإنسانَ إنسانًا أكثَر"[19].

وخلالَ المشروبات (الأنخاب)، غالِبًا ما كان غوردجييف يُشيرُ إلى سماتٍ للأمزِجَة التي يُعانيها كلُّ واحِدٍ مِنَ البُلَهَاء. وأحيانًا، كانَ يسمِّي هذه السِّمَة، وأحيانًا أخرَى كان يقومُ بإظهارِها علانيَةً.

أنتَ ديكٌ رومي – قالَ لأحَدٍ في الليلَةِ الأولى. "ديكٌ رومي، يتخفَّى في هيئَةِ طاووسٍ". وبعضٌ مِنَ الحَرَكَات المُتْقَنَة برأس غوردجييف، وصوتٌ أو صوتان يصدُران مِنَ الحلْقِ، وهنا كان يظهَرُ أمامَ الطاوِلَة ديكٌ رومي مغرورٌ يقومُ باستعراضِ نفسِه أمام أنثى. قليلاً فيما بعد، كان يتجسَّدُ أمامَ عيونِنا حَيَوَانٌ أكبَر بكَثير. فسألَ شخصٌ آخَر على هذا النحو: "لماذا تنظُرُ إليَّ كما لو أنني ثور، لماذا لا تنظر إلى ثورٍ آخَر؟". ومع قليلٍ من التغيير في تعبيرِ العَيْنَيْن، وفي حَرَكَةِ الرأس، وفي انعطافةِ الفم، كان يُقدِّمُ أمامَ أعيننا ثَوْرًا مُستفِزًّا[20].

على الرغم من هذا الإيحاء كلِّه، وصَخَبِ الكَثيرِ مِنَ الشَّتائم، فقد كانَ تعريفُ نَمَطِ الطَّبْعِ يظَلُّ غامِضًا. أفلعَلَّ غوردجييف لم يكُنْ يملُكُ المَهَارةَ النَّفسانيّة للعَمَلِ بشكلٍ مُرضٍ على مسائلِ الشخصية؟ أم أنه مثل الكثير من معلِّمي الحياة الداخلية المُعَاصِرين لنا، لم يكُن لديه صبرٌ للبَحْثِ في السيرَةِ الشخصية مفضِّلاً عِوَضًا عن ذلك، العبور إلى مُهمَّةِ تنحِيَةِ الشخصية جانِبًا.

مُخَمِّدَات (مَصَدَّات) الصدَمَات النَّفسية

تكمُنُ العقبةُ الرئيسية في التعرُّف على النمَط الخاصّ، وجودَ ذلك الذي كان غوردجييف يُسمِّيه بـ"مخمِّدات (مصَدَّات) الصَّدَمَات". فقد كان يعتقِد بأنَّنَا نُخفي عن أنفسِنا ذاتِها السِّمَات السلبيّة لطبعِنا، وذلك يحصَل من خلالِ منظومَةٍ مهيّأة من "مخمِّدات (مصدَّات) للصدَمَات" داخِليّة أو آلِيَّات دفاعٍ نفسانية، والتي تجعلُنا عميانًا عن رؤيةِ القِوَى التي تفعل في داخِلِ شخصيَّتِنا الخاصّة. وبنجاح سيغموند فرويد في إمَاطَة اللِثام عن مفهوم آليّات الدفاع اللاواعِيَة، تقريبًا، وفي نفس العَهد الذي كان فيه تلاميذُ غوردجييف يتعلَّمون طُرُقَ رَصْدِ الذَّات، ومُحَاوَلَةَ تعليمِ الأشخاص على رصدِ "مُخمِّداتِهم (مصدّاتِهم) لصَدَمَاتِهم النفسية"، عِوَضًا عن تقصِّي اللاوَعي بمُسَاعَدَةِ مُحَلِّلٍ نفساني، ومما لاشكَّ فيه أنها كانت مقاربةٌ راديكالية للحياة الداخلية. وفي أيَّامِنا هذه، لدينا وعيٌ أوسَع لواقِعِ أنَّنا مرتَهَنون بالدِّفاعات النفسية لكي نُبقيَ على حسِّنا بالأنا[21]. تتعلَّقُ مبادئُ آلِيَّات الدِّفاع بأنماط التاسوعية Eneagrama، من "واحِد" إلى "تسعة"، وهي على التوِالي: تكوينٌ تفاعُلي (ردود فعل الشخصية)، وكبت، وتماهي، واندماجية (اجتياف)[22]، وعزل[23]، وإسقاط[24]، وعقلنة، وإنكار، وتخدير.

كانَ تلاميذُ غوردجييف ساذَجين على مستوى علم النفس، ولم يكونوا متآلِفين مع المصطلحات المذكورة أعلاه، ومع ذلك، كان يُلتمَسُ منهم أن يبحثُوا داخليًا عن منظوماتِهم اللاواعية الخاصة بالدِّفاع النفسي الذاتي[25].

إننا نعلم بأن مُخمِّدات "مصدَّات" [الصدمات] بين عَرَبات القِطارات هي عِبارة عن أجهِزَةٍ تُقَلِّصُ مِن حِدَّةِ الصَّدْمَة، وذلك عندما تتصادَمُ العَرَبات أو المقطورات فيما بينَها. وإذا لم يكن هناك ثمة مخمِّدات (مصدَّات) للصدَمات، فإن صدمةَ عربةٍ ضدَّ أُخرى سوف يكون مزعِجًا للغاية، لا بل حتى خطيرًا. وبالتالي، فإن مخمِّدات (مصدَّات) الصدمات تخفِّف من حدَّةِ آثارِ هذه الصدمات، فتجعلها طفيفةً. ومن المُمكِن أن نعثُرَ بالضبط على نموذجِ هذه الأجهِزةِ نفسِها لدى الإنسان. والحق أن هذه النماذِج لم توجَدْ من خِلالِ الطبيعَة، وإنما من خِلالِ الإنسان نفسِه رُغمَ أنها لاإرادية. ويعودُ سَبَبُ ظهورِها إلى وجودِ تناقُضاتٍ كثيرة في نفس الإنسان: تناقضاتٌ في الآراء، والمشاعِر، والميول، والكلِمات، والأفعال.

إذا كانَ على الإنسان أن يشعُرَ بكلِّ هذه التناقُضات الموجودَة في داخِلِه، فلسوف يشعُر بندمٍ مستمر، وقلَقٍ متواصِل. وإذا كان عليه أن يشعُرَ بكلِّ هذه التناقُضات فقد يجد نفسَه في النهاية مجنونًا. إن الإنسان لايمكنُه تدميرَ هذه التناقضات، ولكن، إذا ما  وُجِدَت فيه "مُخمِّدات (مصدَّات) للصدَمَات" فلن يشعُرَ بتصادُمِ الصِّراع بين منظورياتٍ مُتعارِضَة، وانفعالاتٍ، مُتناَفِرَة، وكلمات متناقِضَة.

يُردِفُ غوردجييف قائلاً بأنه على رغمِ أن مُخَمِّدَات (مصدَّات) الصدَمَات تُسهِّلُ الحياة، فإنها تُقّلِّلُ من حِدَّةِ النَّدَمِ في داخِلِ منظومةِ الشخص. ولكنَّ نَدَمًا كهذا بوسعِه أن يُسرِّعَ من عَمَلِيَّةِ النُّمُوِّ الداخِلي للأشخاص. لكِننَا، وبمساعدةِ مُخمِّداتٍ (مصدَّات) للصدَمَات فنحنُ مُهَدْهَدون في صُنْفٍ من النوم ننزَعُ فيه إلى التصرُّفِ على نحوٍ آليٍّ. فمُخَمِّدات (مصدَّات) صَدَمَات، ومُنَوَّمون، هكذا نكون عاجزين عن رصدِ من نحن فعلاً، وهكذا تكون إدراكاتُنا للعالَم الحقيقيِّ مشوَّهةً اعتِبارًا من منظورِ نمطِنا الخاص.

اوسپنسكي مؤلِّفٌ غزيرُ الإنتاج حولَ موضوعِ النموِّ الداخِلي من منظورِ غوردجييف. كان اوسپنسكي يُشيرُ أيضًا إلى مُخمِّدات (مصدَّات) للصدَمات كطريقةٍ للتقليل من المُصَادَمَة بينَ التوقُّفاتِ الطارئة والمُتناقِضَة للأنا. كما كان يُوعِزُ لتلاميذِه بأن يظلُّوا راصِدين لـ"مخمِّدَات (مصدَّات) الصَّدَمَات" التي من المُمْكِنِ التعرُّفُ عليها، إذا ما ركَّزوا انتِباهَهم على مسائلِ حياتِهم التي تجعلُهم يشعرون بأنفسِهم في حالةٍ دفاعيَّةٍ.

إن إنسانًا يتمتَّعُ بمُخَمِّدات (مصدَّات) للصدمات، قوية جدًا، لا يَرَى حاجةً لتعديلِ نفسِه، لأنه لا يكاد يملكُ وعيًا للتناقضات في داخِلِ نفسِه، فيقبَلُ نفسَه بشكلٍ كاملٍ، راضِيًا على ما هو عليه.

ولكننا، عندما نشرَعُ في العَمَلِ على ذواتِنا، نبدأُ إذَّاكَ بإظهار البعض من تناقضاتِنا، وندرِكُ وقتذاكَ بأن "مُخمِّدًا للصدمات" وقد وُضِعَ فيما بَينَها، وبرصدِنا لأنفُسِنا شيئًا فشيئا،ً فإنَّنا نحتازُ وعيًا لذلك الذي يكمُنُ في كلا جانِبَيْ "مخمِّد للصدمات". ولذلك كن في حالَةِ ترصُّدٍ للتناقضات الداخلية، وهي سوف تقودُكَ إلى اكتشاف "مخمِّدات الصدمات". أعِرْ انتِباهَكَ خاصةً لأيَّ موضوعِ يُثير حساسيَّتَكَ. ربما تكون قد مُنِحْتَ سمةً ما جيِّدة، وهذه الأخيرة سوف تكون واحِدَةً من الأفكار إلى جانِبِ "مخمِّد للصدَمَات"، ولكن حتى الآن فإنك لم تنجَحْ في الرؤيةِ بوضوحٍ ذلك التناقُض الكائن في الجانِبِ الآخَر منه. ورُغمَ كلِّ شيء، فإنكَ تشعُرُ بالأريَحيَّة مع هذه السِّمَةِ الجيِّدَة، ومن المُمْكِنِ لهذا أن يشيرَ إلى أنك قريبٌ من "مخمِّد للصدَمَات"[26].

الفِكرة التي تقول إننا عُميانٌ بالنِّسبَة لأشياء كثيرة في طبعِنا الأساسي، مقبولةٌ بشكلٍ شائع في أيامِنا هذه. وبالنسبة لإماطَةِ الِّلثام عن المواقِفِ العمياء، وآلِيّات الدِّفاع، وعَدَمِ التناغُمِ الإدراكي في داخل بنيَةِ طبعِنا الخاص، فهذا كلُّه يُشكِّلُ مسألَةً أساسيةً بالنسبةِ لأيِّ واحِدٍ قرَّرَ اتِّخاذَ نمَط حياة ناضِجَة نفسيًا. وإنها مُهمَّةٌ أساسيةٌ مُزدَوَجةٌ بالنِّسبَةِ لِمَن يَسعَى ليصيرَ ذلك الذي كان غوردجييف يسمِّيه بالكائنِ الإنساني الحقيقي. والسبَبُ الذي يجعَلُ جميعَ الذين يبحثون عن ذواتِهم يمتلكون حذرًا خاصًّا إزاءَ "مخمِّدات للصدَمَات" هو أنَّ آلِيّات الدِّفاع اللاواعية إنْ هيَ إلا تغييرات سطحية جدًا لمسارات الانتِباه التي تجعلُنا نرى الحقيقةَ بطريقةٍ مشوَّهةٍ.

ثمَّة سببٌ آخَر، وهو رَصْدُ الشَّخصية، وجعلها فيما بعد تصير أقلَّ كبرياء، وأقلَّ فعَاليَة. فمن خلال المرايا المشوَّهَة لشخصيِّتِنا، ننظُرُ دائمًا للأشياء كلها، ليس على ما هي عليه، وإنما كما تبدو لنا. لا شيءَ يُنظَرُ إليه بوضوحٍ ومَوضوعيةٍ، ولكن دائمًا من خلال ضبابٍ يتداخَل بينَ أذواقٍ، وكراهيَّات، وميول، وأفكار مُسبَّقَة، ووساوِس، وأمزجة. فكيف نستطيع الانتظار إلى يوم نرى فيه الأشياء والأشخاص كما هم، وعلى ما هم عليه، ونُحرِّرَ فيه أنفسَنا من هذا الحِساب للخطأ الشخصي؟ وعمليًا، كيفَ بِوِسعِنا اِكتِساب معرفة ما أكثرَ، وخصوصًا أن هذا النمَط من المعرفة المتلقَّاة من خلالِ الحَدس أو الإدراك المباشَر، وبدونِ تدخُّلِ الفِكر، إلا إذا أُمكِنَ لنا إزاحة الشخصية من الطريق؟ فحدسُ إنسانٍ تُسَيْطِرُ عليه شخصيَّتُه ليسَ غير تَمَظهُرٍ لأفكارِه المُسبَقَة، وميولِه، ولا شيءَ أكثرَ من ذلك[27].

الشخصية المُكتسَبَة

تكافئ كلِمَةُ شخصية، "الأنا" في استخدامِها اليومي. وفي المصطلحات الروحية، تُدعَى الشخصيةُ بـ"الأنا" أيضًا، أو أحيانًا بالشخصية الزائفَة، وببساطَة علينا أن نميِّزَ بينَ ما كان يدعوه غوردجييف بالطبيعة الجوهرية، وبين الشخصية المكتسَبَة على مدار حياتِنا[28].

الفِكرة التي تحمُلُ في طيَّاتِها بأن لدى كلَّ واحِدٍ منا طبيعةٌ جوهرية مميَّزةٌ بشكلٍ نَوْعيٍّ عن شخصيَّتِه المُكتسَبَة، هي أساسية بالنسبة لعِلم النفس القُدسيِّ. وقد وُصِفَ الجَوْهَرُ على أنه ماهيَّةُ الإنسان، وبعبارة أخرى هو "الشخص نفسُه"، والقدرات، هيَ تلك التي نولَدُ ونحن موهوبون بها، وليسَت تلك التي نكتسِبُها من خلالِ تنشئتِنا، كالأفكار، والمُعتَقَدات. ففي جَوْهَرِنا، إنما نحن كأطفالٍ صغار: وعندما نعودُ فنصير كالأطفال، ندرك أنه ليس هناك أي صراع بين أفكارنا، وانفعالاتِنا أو غرائزنا. ونكون أصدقاء بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، ونُبقي بدون تردُّد على الحسِّ بالحضورِ المنسجِم الذي ينجمُ بدورِه عن ثِقةٍ غيرِ دِفاعيَّةٍ لا أمام الآخَرين ولا وسَطَ الجوِّ المحيط بنا. وكراشِدين، فإننا واعون بأنه لدينا نوع ما من الطاقَةِ الشفائية اللاواعية، لأنه من زَمَنٍ إلى زَمَنٍ، نعي حالَةَ المُصالَحَة مع البيئة حيث تتشكَّل المعرِفة من خلالِ الحَدس، ونكون أصدقاء على درجةٍ عاليَة من الفعالية. ونُدرِكُ في لحظاتٍ كهذه بأننا نعرف دون أن نعلم كيف نعرِف، وجسَدُنا يَعمَلُ قبلَ أن ندريَ ما الذي ننوي فعلَه، ونسمَعُ أنفسَنا تتفوَّه بحقيقةٍ غيرِ مُتوقَّعَةٍ، وذلك قبلَ أن نعلمَ ما الذي سوف نتفوَّه به.

الافتراض بأن مَلَكَةَ إقامة علاقاتِنا حدسيًا مع العالَم، ينجم عن طبيعةٍ جوهرية تولَدُ معنا، يظلُّ باطنيًا، وغيرَ قابلٍ للإثبات. إلا أن الموروثات التي تَرَكَت لنا منهجيَّات لكي نحصَلَ على الطاقات الإنسانية العليا، تميلُ إلى الموافقة على أن الأمر ينحو على هذا الشكل، وهي تعارض بشكل عام بين الشخصية والجوهر في طيف التطور الإنساني[29].

يشير ما تَرَكَته لنا هذه المناهِج إلى الوسائل النوعية التي تجعَلُ الطاقة الجسمانية، والانتباه الداخلي يترسَّخان، فكلُّ واحِدٍ منهما يستطيع أن يقودَنا إلى الشعور بمظهَرٍ من الارتِباط بوجودِنا، ومع الوَسَطِ المُحيط بنا، ومع الآخَرين. فذاك الذي نشعُرُ به، ونُدرِكُه من خلالِ الجوهر إنَّما هو أمرٌ كلاَّني، بمعنى أنه يحُلُّ الوعي مكانَ ما هو "أنيَّتي". ولن يكون هناك ثمة وعيٍ لـ"أفكاري الشخصية" ولا "مشاعري الشخصية". فأثناء خبرةٍ مع الجوهر على نحوٍ نتركُ في هذا الاتجاه خلفَنا الشخصية الراشِدَة، فإننا نعاوِد الدخول في الحالَة العقلية للطفل. تلك الحالَة التي كنَّا عليها قبلَ أن نكتسِبَ ما يُسمَّى بالشخصية.

تشيرُ النجمة التاسوعية ذات التسع النقاط إلى وجود تسعةِ مظاهِر رئيسية للكينونة الجوهرية، والتي يُمكِنُنا التطرُّق إلى كلِّ مظهرٍ منها بطريقةٍ مُختلِفةٍ قليلاً. فالبحث عن مظهَرٍ نوعي للجوهر له مبرِّرُه لكونِك تُعاني بسبب حُرمانِك منه. على سبيل المثال، إذا كُنتَ شخصًا ذا خَوْفٍ مُزمن، فسوف تعاني بالتالي فقدانًا جوهريًا لثقة الطفل الذي كُنتَ إيّاه، في وَسَطِه المحيطِ به، وفي الآخَرين. وبالتالي، فمسعاكَ للشجاعة سوف يكون حافِزًا في حيَاتِكَ.

إننا نُدرِكُ بأن أمرًا جوْهَريًا حُرِمَت منه طبيعتُنا، ففي فُرَصٍ كهذه حيث نشتكي من أنفسِنا، وبأننا "في وضعِ الآليّة (ذاتيّة الحَرَكَة)" حيث أن الحياة صارَت آليّةً لدرجة أننا قد اغتَرَبْنا عن أنفسِنا. "إنني مُتْخَمٌ بعاداتي". "أريدُ أن أبدأ حياةً جديدة"، فهذه كلها تصريحاتٌ تشيرُ إلى أن سلوكَنا الخاص الآلي (الميكانيكي) يُبعِدُنا باقتدار عن ذلك الذي نحن إياه بالحقيقة.

إن الإدراك بأننا نتحرَّك من خلال قوة العادة، يشير أيضًا إلى حضور راصِدٍ داخِليٍّ. اِعتبِر الاختِلافَ بين تأكيداتٍ مثل "الحياة بغيضة"، "إنني نكِدٌ مع ذاتي نفسِها". إن الاختلافَ نفسَه في تمَوْضِعِ الانتباه يُشارُ إليه في تصريحاتٍ مثل "كنتُ في غَضَبِ شديد، لدرجة أنني نسيتُ نفسي عمَّا كنتُ أقومُ به"، وتصريح آخَر مثل "وجدتُني وقد أصبحتُ ساخِطًا عليها". ففي التصريح الأوَّل، يشير الأمر إلى أن مشاعِر الغضَب قد حلَّت محلَّ القُدرة على رصْدِ الذات، في حين أن التصريحَ الثاني، يُشير إلى وجود وعيٍ، وقد ظلَّ منفصِلاً عن مشاعِر الغضَب ومُراقِبًا لها.

غالِبًا ما يكون الاغتِرابُ "الذي أشعُرُ به في نفسي" مصحوبًا برغبةٍ في "أن ألتقيَ بنفسي"، وأكتشِف أخيرًا "أنيَّتي الحقيقية"، الأمر الذي يعني رغبتي في اليَقَظَة أو تفعيل الاتصال مع ذلك الذي هو شخصي الحقيقي. إن السِّمَةَ المُمَيَّزَة لهذا المسعَى مختلفة عن الرغبة بالعودة إلى شعور الأمان بالطفولة، أو حتى مختلِفة أيضًا عن الرغبة بملاطَفَةِ شريك العمر على سبيل المثال. إنما يحثُّ هذا المسعَى الشعور بالجوع لأمرٍ ما هو أبعد من الحياة الاعتيادية، وغالِبًا ما يُعبَّرُ عنه في تسميَتِه ببعض المظاهِر الخاصة للجوْهَر الإنساني. "أريد أن أتعلَّمَ محبَّةَ الآخَرين"، أو "أريد الإقلالَ من تعلُّقاتي"، أو أيضًا "أريد العثور على شجاعةٍ كافية لكي أتصرّف". إنه كتحديدٍ لمظهَرٍ من أنفسِنا وقد تأذَّى في بدايَةِ حياتِنا، وبالتالي، تساعِدُنا هذه الأذية على تركيز مسعانا في بؤرَةٍ واحِدةٍ. لاشك أننا غالِبًا ما نشعُرُ بأنفسِنا على أننا عصابيون، وإذاك نذهَبُ لكي نقومَ بعِلاجٍ. إننا نعاني، وإذاك نتعلَّم التأمُّل.

تتطَوَّر الشخصية لأنه يتوَجَّبُ علينا أن نكافِحَ للبقاء على قيد الحياة في هذا العالَم الفيزيقي. لاشك أن تناقضًا ينشأ بين الثِّقَة الجَوْهَريَّة للطفل ووسطِه المحيط به، والأمرُ نفسُه ينطبِق على ثِقَةِ الطفل الجوهرية بالحقيقة العائلية التي يتعيَّنُ عليه أن يكون مُطيعًا لها. ومن منظور علم النفس الذي يتضمَّن مفهوم الجَوْهَر، فإن الشخصية تنمو من خلال العزم على حِمَايَةِ الجوهَر، والدِّفاعِ عنه من الأذيَّات والإهانات في عالمِنا المادي. الأمر الذي يعني بأن مظهَرًا نوْعيًا من الصِّلَةِ غيرِ المُحصَّنَة للطفل في الوَسَطِ المحيط به تكون مُهَدَّدَةً، وهكذا، يترتَّبُ على الطفل حمايَةَ نفسِه من أيةِ أذيَّةٍ[30] في المُستقبَل. فيُشكِّل دفاعات لحمايَةِ مظهَرٍ من الجَوْهَر الإنساني المهدَّد بالأذيّة، ومن الممكن تسمية هذا السياق بفقدان الاتصال الجوهري أو السقوط من حالَةِ النِّعمَة التي كان عليها.

يُمكِنُ وصف هذه الصِّلة الجوهرية، من منظور علم النفس الوِراثي أو التنموي، على أنها مرحلةٌ من الحياة حيث الطفل الصغير يتعلّق بأمِّه، وبالوسَطِ المُحيطِ به، بطريقةٍ من الحسِّيّة على درجةٍ عاليَة، ولكنه ليس مُباليًا. فالأطفال الصغار لا يعرِفون التمييزَ بين أنفسِهم، وبين الآخَرين، وليس لديهم حدود دفاعيةٍ خاصة. وبقدر ما ينمو الأطفال، يترتَّبُ عليهِم أن ينمُّوا "أنيَّةً منفصِلةً"، متوافِقةً مع توتُّرِ بِدايَةِ الحياة في الوَسَطِ العائلي. ومع ذلك فإن علمَ النفس الغربي لا يوعِز بأي مظهَرٍ خاص لوعيِ هذا الارتباط الأوَّلي واللاتمييزي، ولا يؤكِّد على أهميَّةِ أن نلقى ثانيَةً في ذواتِنا هذه الإدراكات الأصلية.

وأيًا كان المنظور، فنحن ننضُج مع مزيجٍ فريد من المواهب، والاهتمامات، والدفاعات التي تصير فريدةً عندَ كُلِّ واحِدٍ منا. وفي النهاية تقتصِرُ حركيَّةُ انتباهِنا على قَلَقِنا الذي نكتسِبُه، ومع هذا الانزياح للانتباه، يتمُّ نسيان اتصال جوهرِنا مع الوسَطِ المُحيط به، ومع الآخَرين، ويُبْعَد جوهَرُنا، ويغوص في غَوْر الحياة اللاواعية (اللاشعور).

إن البديل عن الاتصَال مع الجوهَر هو ذلك الذي يسمِّيه الموروث الروحي بالشخصية الزائفة، وهي مجموعةٌ من الأفكار والمعتقدات التي حصَلنا عليها من خِلالِ محاكاةِ أبوَيْنا، وبقبول خسائرِنا، وتعلُّمِنا التصنُّع. ومع ذلك، فنحن كراشدين لا زلنا نحتفِظُ بشيءٍ من الاتصَال بتذكُّر جوهرِنا. وهذا الاتصال الذي نعيدُ إيقاظَه، يُعبِّر عن نفسِه بعبارات مثل "عندما كنتُ سعيدًا"، و"عندما لم يكن لديَّ خوفٌ من أيِّ شيءٍ"، و"عندما كان لدي قلبٌ مُنفَتِحٌ للحبِّ". وفضلاً عن ذلك، فنحن نعلَمُ بأن إدراكات جوهرِنا لا تزال موجودة في اللاوعي، لأننا كراشِدين نعِي هذه الإدراكات عرَضيًّا، في لحَظَات نشعر فيها بـ"أننا خارِج ذواتِنا المحدودَة" أو في اللحظات من الحاجة القصوى إليه.

بعد تغيُّرِ مسار الانتِباه عن اتِّصالِه الداخلي مع الجَوْهَر، نكون قد فقدنا ما كان خاصَّتُنا، ونصير إن صحَّ القول منَوَّمين، ننظر للعالَم المادي، حيث السرور يذهَب ويعود، وحيث نادِرًا ما نشعر كليًا بالأمان والسلام. إن كفاحَنا للبقاء على قيد الحياة يتعلَّق بإيجادِ مجموعةٍ فعَّالة من الحدود والدفاعات، الأمر الذي هو مُتعارِضٌ بشكلٍ طبيعي في أن نعيش الحياةَ بانسجام أعزَل، وحسِّي على مستوى عالٍ مع الوسط المحيط بنا ومع الأشخاص الآخَرين.

ومع ذلك، فإذا أخَذَت مخاوِفُ ورَغَباتُ شخصيَّتِنا المُكتسبَة تَضعَفُ، وتظهَرُ على أنها "ذلك الذي أشعُرُ به" أكثر من "ذلك الذي هو أنا، أي أنني خائف أو أنني أرغب... الخ"، فإذاك، يستيقِظُ شَوْقي لـ"لقاء أنيَّتي الحقيقية"، كما لو كان نداءً للرجوع إلى البيت. إن تعلُّمَنا إقامَةِ ارتباطاتِنا الطبيعية من جديد مع الوَسَطِ المُحيطِ بنا، ومع أشخاص آخَرين، مُمْكِنٌ اِعتباره كطريق العَوْدَة إلى البيت، ويقتضي هذا الطريق دمجَ شخصيةٍ ناضِجَةٍ، بإمكانيَّةِ إحياء مَظَاهِر الجَوْهَر المُختلِفَة بعَزْمٍ. ويَكمُنُ الأمَلُ في أنه بوسعِ مَوَاهِب ومَلَكات الراشِد الناضِج أن تصيرَ العَرَبَة التي تُستخدَمُ من خِلالِها طاقاتُ الجَوْهَر للخير العامِّ.

ثمَّة مأثور صوفي ينطبِقُ على العِلاقَةِ بينَ الشخصية والجَوْهَر، يقول: "أن تتحوَّل إلى ذلك الذي كنتَ إياه قبل أن توجَد، مع تذكر وإدراك ذلك الذي أتيتَ لكي تكونَه"[31].

السِّمَةُ الرئيسية

يمكِنُ لاكتشافِ نمَطِنا الخاص أن يشكِّلَ لنا صدمةً كبيرةً، لأنه بالتزامُن مع الاكتشاف يأتي وعيُنا على نحوٍ نُدرِكُ فيه كم يُضيِّق النمَط على حدودِ خيَاراتِنا، ويُقيِّدُنا في منظورٍ محدودٍ. وقد يكون مرعبًا إدراكُنا للحقيقة ضمن زاوية محدودة جدًا من أصل 360 درجة، وإدراكنا أن الجزءَ الأعظَم من قراراتِنا واهتماماتِنا تقومُ على عاداتٍ إشكاليةٍ بالأساس، وبقدر كبير مما هو قائم بالأساس على حرية اختيار حقيقية. وكانَ غوردجييف يقول بأن النمَطَ ينتظِمُ حولَ سِمَةٍ رئيسية للطبع.

من يكون بالقُربِ من هذا الرجُل، فإنه يرى السِّمَةَ الرئيسية، حتى لو كانَت خَفيَّةً على قدر المستطاع. وإنه لمن المنطِقي بألا نعرِف دائمًا أن نُحَدِّدَها. ومع ذلك، فأحيانًا تكون تحديداتُها جيدة جدًا، وقريبة منها جدًا. على سبيل المثال: فُلانٌ (أسماه غوردجييف من مجموعتِنا)، إن سِمَتَه هي أنه ليسَ في البيت البته.

وقال لآخَر من مجموعتِنا فيما يتعلَّق بسِمَتِه هي أنه لم يكن موجودًا على الإطلاق. قال غوردجييف "عليك أن تفهم، فأنا لا أراكَ". وهذا لا يعني القول بأنكَ على هذا النحوِ دائمًا. وإنما حينما تكون مثلما أنتَ عليه الآن، فأنتَ لا توجَدُ بأيِّ حالٍ من الأحوال.

قالَ لآخَر: تكمنُ سِمتُه الرئيسية في أنه يحاوِل دومًا الجدالَ مع الجميع، وبخصوص كل شيءٍ. فأجابه الشخصُ المعنيُّ لتوِّه: ولكنني لا أجادِلُ أحدًا البته، وقالَ ذلِكَ بِحِدَّةٍ، فلم يستطِع أحدٌ أن يُمسِكَ بضِحكِتَهُ[32].

كان النقاب يُنزع شيئًا فشيئًا عن مسألة النمط في المَدارِس الإيزوتيرية (الباطنية). وكانت الفكرة تقدِّمُ المفهوم على أننا أحرارٌ، بالطريقة البنَّاءة الأكثَر إمكانًا، وعلى ضوء واقِعِ أن قلقَ النمط ليس سوى حليفٍ ذي اقتِدارٍ في جهودِنا لاسترجاعِ جَوْهَرِنا. فعلى سبيل المثال، إذا لاحظتَ بأن واحِدَةً من سِماتِكَ المُمَيَّزَة، تكمُنُ في إثقالِ النفسِ بأمورٍ للقِيَامِ بها، ومن أجل ذلك لا تستطيع التوصّل إلى منحِ بداية للمهمةِ الأكثَرِ جَوْهَريَّةً في حيَاتِكَ (النقطة تسعة – الكسَل)، وبالتالي فإن توجيهَ الانتِباه إلى أولويَّاتِكَ، وإلى نداء الفعل السليم سوف يشكلان معًا حليفيك الطبيعيَّين. فبالنسبة للمُنتمين إلى الرقم "تسعة"، سوف يكون الكسل صديقًا جيدًا لحمايتِهم من ألم اتِّخاذِ موقفٍ شخصي، لأن المنتمين إلى الرقَم "تسعة" مقتنعون بأن موقِفَهم لن يكونَ له أي اعتبارٍ بحالٍ من الأحوال.

إذا كان رقمُك "تسعة"، فهذا مؤشِّرٌ إلى أن مشاريعَ ثانوية تُسَيْطِرُ علَيْكَ بشكلٍ كامِلٍ، في حينِ واقِعِ أنَّكَ تعاني صعوبةً كبرى في أن تقولَ "كلا" سوف يكون تذكيرًا ثابِتًا ووفيًّا بأنك تنسى توجيهَ انتباهِكَ لحاجاتِكَ الأساسية. وإذا كُنتَ قادِرًا على إدراكِ اللحظة حيثُ تبدأ عاداتُكَ بتولِّي السيطرة، فإنَّكَ سوف تعرِفُ إذَّاكَ وبالضبط اللحظة التي يبدأ فيها الانتِباهُ بتغييرِ مسارِه إلى انشِغالٍ ثانوي، فتبدأ بالعمل على إعادتِه إلى أولويَّاتِكَ الخاصة.

وإذا كان رقمُك في التاسوعية "سبعة"، فعلى النحوِ نفسِه، تُدرِكُ بأن حياتَكَ محكومةٌ من خِلالِ الرغبة في الإبقاء على خَيَاراتٍ مفتوحَةٍ، ومتعدِّدَةٍ لكي لا تفقُد أية مغامرة تكمنُ فيها الإثارة (النقطة سبعة – شراهَة)، وإذَّاكَ، فإن قدرةَ السَّيْطَرَةِ على أمرٍ واحِدٍ في كلِّ مرَّةٍ، يمكن أن تقود إلى اِنفِراجٍ كبيرٍ. إذا كنتَ "سبعة" فإنكَ تُعامِلُ الحياة كما لو كانَت عبارة عن خياراتٍ متعدِّدَة، وستقودُكَ للاعتِقاد في أنكَ لستَ محدودًا، وبأنّكَ تُمارِسُ يوميًا حرية الاختيار. وسوف يستمرُّ هذا الوهم حتى اليوم الذي تحاوِل فيه عقدَ التزامٍ دائمٍ، أو تحاوِل التأمُّلَ مركِّزًا اِنتِباهَكَ على نقطةٍ وحِيدَةٍ. إذَّاكَ، سوف يأتي حُلفاؤكَ إليك. ويجري سيلٌ كامِلٌ من المشاريع اللامِعَة. وبقدرِ ما تضبط انتباهَكَ، بقدر ما سوف تغويكَ أفكارُك ومشاريعُكَ أيضًا. وسوف يكون مفهوم الوعي الأسمى خَيَارًا جذَّابًا بالنسبة إليك حتى تكتشِفَ بأنه ليس بمقدورِكَ التوصُّل للسيطرة على عقلِكَ الخاص. ومع ذلك، فإذا كنتَ "سبعة"، فإن عقلَ السعدان سوف يكون معلِّمَك الداخلي والشخصي. فعلى قدرِ ما يقفِزُ الانتِباهُ من رُكْنٍ إلى آخَرٍ، فإنّكَ سوف تتذكّر بشكلٍ لطيف إعادته إلى الركن الأساسي، وبعبارة أخرى تعمل على ضبطِه في نقطة وحيدة.

لدَيْنا في الغرب صعوباتٌ كبيرة في قبول الفكرة التي تقول إن الشخصية تُحِدُّ من حرِّيَّاتِنا. ففي الغرب، نحن أحرارٌ بأن نُسافِر حيث نشاء، وأحرارٌ لكي نتعلَّمَ ما نريد، وأحرارٌ لارتقاء سُلَّمِ النَّجاح. ورُغمَ ذلِكَ، فاعتبارًا من بدايتِنا في أن ننتبِه بأننا مسَيَّرون من خِلالِ مسائل نمطِنا، نُدرِكُ إذَّاكَ بأن اختيارَ العمَل الذي نقومُ به، وأسلوبَ ارتداءِ الثيابِ التي نظهَرُ بها... الخ، ولكن انتباهَنا مأخوذٌ في ذلك كلِّه من خلالِ مسائل تغذّي منظورًا ضيِّقًا.

من الأهمية بمكان، وحتى دَرَجَةٍ ما عالِيةٍ من دراسة الذات نفسِها، حيث يعثر الشخصُ على سِمَتِه الرئيسية، مما يعني نقطةَ ضُعفِه الرئيسية، كمِحوَرٍ حيث يدورُ كلُّ شيءٍ حولَه. ويُمكِنُ لهذه السِّمَة أن تُظهَرَ، ولكن الشخص سوف يقول: أيَّةُ سخافةٍ، كل شيءٍ إلاّ هذا، وأحيانًا فالسِّمَةُ تكون واضِحةً لدَرَجة أنه من المستحيل إنكارها، ولكن بمساعدة "مخمِّدات (مصدَّات) الصدمات" يستطيع الشخص نسيانها من جديد. تعرَّفتُ على أشخاصٍ أعطَوْا اسمًا لنمطِهم الرئيسي عدَّةَ مرَّاتٍ، متذكِّرين إيَّاه لبعضٍ من الوقت. فيما بعد التقيتُ بهم ثانيَةً، ولكنني وجدتُهم وقد نسَوْا سِمَتَهُم الرئيسية. أو عندما كانوا يتذكَّرون، فإنكَ تلاحِظ وجوهَهم على حقيقتِها، وعندما ينسَوْن سِمَتَهُم فإنكَ تُلاحِظ وجوهَهم وقد أصبحَت وجوهًا أخرى، وكانوا يبدأون في التكلُّمِ كما لو لم يُقَلْ لهم شيءٌ في هذا الخصوص. مِن الأهمية بمكان أن تقترِبَ منهم. وعندما تشعر بالشيء نفسِه الذي يشعرون به، فإنك إذاك سوف تعرِف. أمَّا إذا قالوا لك ذلك فقط، فمن المُمكِن أن تنساه دائمًا[33].

لدينا جميعنا صعوبة في رصد فروقات شخصيَّتِنا في تحرُّكِها. ومن السهولة بمكان أن يرى أصدِقاءٌ سماتِنا لمزاج أنفسِنا ذاتِها. كما أن الألقاب في كثيرٍ من الأحيان، ليسَت أكثرُ من إشارةٍ إلى السِّمَة، إنها نوعٌ ما من شيفرة يتضمّنُها اسمٌ يفيد كمفتاحٍ لحياة الشخص الداخلية.

إنه دائمًا السبَبُ نفسُه الذي يُحرِّكُ السِّمَةَ الرئيسية. فهي التي تأخذُ وزنًا. إنها كحركة منعطِفَةٍ في (البوليش) "لعبة الكرة والأوتاد"، والتي تمنع الكرة من الذهاب في خط مستقيم. إنها السِّمَة الرئيسية دائمًا هي التي تجعلُنا ننحرِف عن المسار الذي اختيرَ لنا. وغالبًا ما ينجم ذلك عن واحدةٍ أو أكثر من المعاصي السبعة الرئيسية، ولكن علاوة على هذه كلها فهناك الأنانية والغرور. ويمكن لشخصٍ بأن يكتشِفَها إذا ما أصبحَ اكثرَ وعيًا، ويتسبَّبُ اكتشافُه هذا في توسُّع وعيِه[34].

الأهواء

تُعَرِّفُ التاسوعية تسعَ سماتٍ رئيسية للحياة الانفعالية. وتُشكِّلُ توازيًا مع المعاصي السبعة الرئيسية في الدين المسيحي، مع إضافَةِ الخِدَاع والخوف في النقاط ثلاثة وستة. فهذه العادات الانفعالية تنمو أثناء السقوط من حالَةِ النِّعمَة إلى داخِلِ العالَم المادي. ويُمكِن تسميتُها أيضًا بأهواء الظل الانفعالي[35]، التي تنجُمُ عن الحاجة إلى التعامل مع الوَسَطِ العائلي أثناء البداية الصعبة لحياة الطفل.

إذا ما نما الطِّفلُ جيِّدًا، فالأهواء تكون إذَّاكَ مستَهلَكَةً قليلاً، فتظهَرُ كما لو أنها مجرَّدُ ميولٍ. ولكن إذا ما كان الوَضعُ النفسي قاسِيًا، فحينذاك تصبح مسائل الظل الانفعالي قَلقًا وسواسِيًّا، وتُصبِحُ إمكانيَّةُ رصدِ الذات هشَّةً وضعيفة، ولن نستطيع التوَصُّلَ إلى تحييدِ مسارِ انتباهِنا إلى أمورٍ أُخرى.

يكمُنُ الأمَلُ في أن نُعطيَ اسمًا لِسِمَتِنا الرئيسية، فنستطيع التعلُّمَ على رَصْدِ عدَدٍ لا يُحْصَى من الأشكال التي اِكتسَبَت فيها هذه العادة القدرةَ في السيطرةِ على حياتِنا. وإذَّاكَ، يمكن أن نقوم بتعبئة تحييد مسار انتباهنا العصابي كحليف لنا ذي حضورٍ يجعلُنا نتألَّمُ، ونتذكَّرُ ذلك الذي فقدْناه. فالسِّمَةُ الرئيسية إنْ هي إلا عادةٌ عُصابِيَّة تنمو أثناءَ الطفولة. وهي أيضًا معلِّمٌ شخصي، وعامِلٌ للتذكُّرِ، ولها حضورٌ مُستمِرٌّ في خصوصِيَّةِ حياتِنا الدَّاخِليَّة.

ترجمة: نبيل سلامة

*** *** ***


 

horizontal rule

[1]إننا نعتبِر أنفسَنا تركيبًا متماسِكًا يتكوَّن من أفكارنا ومشاعرنا، وذاكراتنا الجسمانية، وتماهيات أخرى كانت قد ترسَّخَت في السنوات الأولى من حياتِنا. وبالمجموع، تشكِّل هذه التماهيات المفهوم الذي نكوِّنُه عن أنفسِنا ذاِتِها. وهو ما يُسمَّى في التعاليم الروحية أحيانًا بالشخصية الزائفة. وفي تواتر أكثر بـ"الأنا". وذات يوم يصير "الأنا" ذلك الذي نعتبره بـ"الأنا" (الذات) لأننا لا نملك مدخلاً لحالات أخرى من الوعي متحرِّرَة من الأنا.
يقوم معلم صوفي معاصر يُدعَى
A.H.Almaas بالتمييز بين المفهوم الفرويدي للأنا ومفهوم الأنا في الموروث الروحي:
لدى "الأنا الفرويدي وظائف كالإدراك، والحركية، واختبار الواقع، وهكذا دواليك. وهذه الوظائف ليسَت متضمَّنةً في مصطلح الأنا وفقًا لاستخدامه في الأدبيات الروحية، وفي أدبيات العمل على الذات (غوردجييف). وهذا "الأنا" الأخير يعبِّر فوق كل شيء عن تماهي الفرد مع ما يمنحه إياه حس الأنا أو هويته.
صاغَ علم نفس الأنا التحليلي، وبشكل نوعي نظريته للعلاقات الموضوعية بطريقة دقيقة للغاية الطريقة التي ينمو فيها هذا الحس للأنا أو هوية الأنا. وبشكل أساسي ذلك الذي يُدعَى بالتمثيل الذاتي (تقديم الذات)، وينمو من خلال التنظيمات الأولى للفرد، أي من وحدات صغرى إلى أخرى أعظم، وأكثر شمولاً. وهذا يجري على نحوٍ مشترَك لتطوُّر تمثُّل الشيء". (جوهر المقاربة الألماسية للإدراك الداخلي)
A.H.Almaas, Essence, The Diamond to Realization. (York Beach, ME: Samuel, 1986), 43.

[2]في نص فرنسي عن التاسوعية اُستعمِل تعبير temporisatuer أي "المؤجِّل" أو "المؤخِّر"... أما هنا في الترجمة البرازيلية فقد اُستعمِل هذا المصطلح mediador بمعنى الوسيط الذي سوف تتم دراسته بتفصيل وعمق فيما بعد كما هي الحال بالنسبة لبقية الأنماط، وعلينا أن نتذكر أن هذا النمط رقمه "تسعة". (المترجم)

[3](الوجيز التشخيصي والإحصائي – الطبعة الثالثة – مدققة) Diagnostic and Statistical Manual (Third Edition – Revised) (Washington, DC: American Psychiatric  Association, 1987) هذا الترتيب المفصّل لاضطرابات الوظيفة العقلية دلالة النموذج بالنسبة لمهنيّ الصحة. وتُستخدَم في النطاق المحلي ضمن الولايات المتحدة لأغراض التأمين – صحة.

[4] إن النمط الرومانسي التراجيدي هو نفسه في إطلاق لقب "الفرداني" وفقًا لإحدى النصوص الفرنسية التي تتناول مبحث التاسوعية للدكتور باسكال إيد، أي يطلق عليه بالفرنسية اسم l'individualiste. وسوف نرى مع تقدم المبحث والدراسة كيف يلتقي كل من الاسمين ويصبان في نفس الخانة، أي العدد "أربعة" وفقًا للتاسوعية. (المترجم)

[5] بالنسبة للقب الراصد، فإن النص الفرنسي يطلق عليه اسم "العقلي" le cérébral، وكذلك الأمر سوف نرى أنهما يلتقيان أو يحتويان المعنى نفسه وينضويان في الخانة نفسها "خمسة". (المترجم)

[6] للكلمة البرازيلية التي تصف هذا النمط عدة معانٍ منها "الذي يلعب دورًا"... الخ. وجدتُ أفضل ترجمةً تلائم السياق هي "المتمرِّس" والتي تتفق مع التسمية الفرنسية بـ"الوصولي" l'Arriviste، وكما سبق ونوهنا أن هذا كله سوف يمر معنا بالتفصيل معنى النمط وأسباب إطلاق تسمية كذا أو كتلك وكلا التسميتين نجدهما في النهاية يصبَّان في الخانة نفسها وهنا هي "ثلاثة". (المترجم)

[7] هنا أيضًا "المانِح" يقابلها في النص الفرنسي للدكتور باسكال إيد مرادفة l'indispensable أي الشخص الذي يفعل كل ما بوسعه لكي يلبي طلبات الآخرين، وبعبارة أخرى لإرضاء حاجته اللاشعورية في أنه لا غنى عنه، والحديث يطول حول هذا النمط كما سوف نرى في تطور سياق المبحث. (المترجم)

 [8] القبالة هي صوفية إسرائيلية نجد فيها الغنوصية أو حكمة جماعَةُ يوحنا المعمدان في قمران التي هي السرانية العرفانية الممتدة بجذورها وأصولِها إلى سرانية أو صوفية كل من الحكمة المصرية والكلدانية المعدَّلَة والأفلاطونية المُحدَثَة، كما تجلَّت علاقة موضوعنا أي "التاسوعية" بشكل مباشر أو غير مباشر في تاسوعات أفلوطين، ونعود إلى امتدادها بجذورها أيضًا إلى الأهم ألا وهو الشريعة اليهودية – الصهيونية. وهي تؤول الكتب المقدسة اليهودية وخصوصًا التوراة والشريعة والشعائر الدينية بحيثيَّاتِها وتفسِّرها تفسيرًا ميتافيزيقيًا وفقًا لرموز روحانية في غاية السرانية، وتستبطن معانٍ للأحداث التوراتية وفقًا مع ما يتناسب مع العلوم الإيزوتيرية (الباطنية)، كما تلجأ القبالة أيضًا ليس إلى تأويل النصوص المقدسة بدءًا من أسطورة الخلق، بل تتعامل أيضًا مع الحروف العبرية، فلكل حرف عدد، وبالتالي تقوم القبالة أيضًا من خلال الأعداد باستبطان حقائق مختلفة منها العلوية ومنها الدنيوية ومنها النبوئية، وكما ورد في كتاب جمار المسيح من تأليف سفى رخلافسكي "أن أهم كتب القبالة هي تلك التي جلبَها معهم خصوصًا، يهود اليمن إلى إسرائيل ويُدعَى هزوهر أي السطوع والإشراق، ويُنسَبُ هذا الكتاب إلى الرابي شمعون باريوحاي ويُعتبَر المرجِع الأساسي للقبالة كما أن تصنيف الهزوهر يأتي في المكان الثاني بعد التوراة بصفتِه الكتاب اليهودي الأكثر تأثيرًا حتى قبل التلمود والأنبياء كما يعتبِر الرابي كوك على لسان القبالة بأن كل الشعوب متساوون مع إسرائيل وأنه لا يوجد شعب وحيد مقدس... أما شجرة الحياة القبالية وفقًا لسفى رخلافسكي إذا أسقطناها على جسد الإنسان فهي تتكون بالترتيب على النحو التالي: العدد العلوي هو الجمجمة، والحكمة وهي الدماغ الأيمن، والفهم وهو الدماغ الأيسر، واليد اليُمنى هي عدَد اللطف، واليد اليُسرى هي نصُّ الشريعة، والجسد ككل هو عدد الـ"تفئيرات – الجمال والفتنة" والقدم اليُمنى هي الأزل، والقَدَم اليُسرَى هي الجلالَة والفخامة. والأساس في هذا كله، "العدد الذي سُمِّيَ "صادوق" – الرجل الصالِح – وهو أساس العالَم، ويكمن في الخِتان في العضو التناسلي للرجل اليهودي. ومن الجدير ذكره هنا أن مرتبة الصدِّيق (الوَلي) هي المرتبة التاسعة أي المرتبة التي يجسدها في الجسد اليهودي ختان العضو الذكري. ويُمثِّلُه يوسف الصدِّيق أحد الأسباط الاثني عشر من أبناء يعقوب. بينما الملكوت، المرتبة الدنيا والسفلى فهي قلفة عضو الذكورة". إذًا تقوم القبالة على منظومة من الرموز تعالِج من خلالِها سر العالَم، ووفقًا لما يذكرُه الأستاذ ندره اليازجي في أعمالِه الكامِلَة، المجلد الثالث في الصفحة رقم: 241-242 "فحسب القبالة هناكSephirot  "سفيروت" عشرة للوجود وهي عدد فيوضات التجلي الإلهي العشرة، ويؤلف مجموعها آدم كادمون أو آدم الأول: وآدم هذا هو الإنسان السماوي الإلهي الذي لم يعرف الانقسام الذي شهده الإنسان إلى ذكر وأنثى فيما بعد، والمجموع كما نعلم هو 1+2+3+4=10. وبالتالي فإن الإنسان السماوي الأول يحمل في ذاته صورة الكمال. ولذلك فهو بالنسبة للقبالة "مهندِس الكون الأصغر" أما الإكليل، أو التاج المدعو Kether فيشير إلى صدور مزدوَج أو ثنائي هو روح الحكمة Chokmah والفهم Binah. وهكذا فقد اعتبرَت القبالة الحكمة ذكرًا، واعتبرت الفهم أنثى. وبالتالي فإن آدم كادمون ثنائي الجنس". وتهيئ القبالة المريد للدخول عبرَ أسرارِها إلى عوالم روحية صوفية سامية عُرِفَت بشجرة الحياة وهي الشجرة السيفورية نسبة إلى الـ"سفيروت" ولما كانت الفيوضات ثلاثية في كل "سفيروت" والفيض الأخير أي "السفيروت" الأخير هو العالَم المادي فإن القبالة تتجاهله، وتكتفي بالـ"سفيروت" التسعة، ومن هنا فإن شجرة الحياة أي السفيروت تُعتبَرُ تاسوعية أيضًا، كما أنه في كل فيض ثمة  ثلاثة فيوضات، وبالتالي فهي 3X3=9 ومن هنا أيضًا يأتي ارتبااطها السراني بمنهج التاسوعية. ومن الجدير ذكره أن الإكليل أو التاج المذكور أعلاه والمدعو بـ Kether هو المهيمِن على الشجرة السيفورية أي شجرة الحياة في القبالة، ورمزية الشجرة السيفورية القائمة تلتقي مع هذا السياق في مبحثنا عن التاسوعية، وإذا أحبَّ القارئ التعمُّق في العلاقة بين شجرة الحياة في القبالة والتاسوعية فما عليه إلا مراجعة الهامش الذي يلي هذا الهامش وهو يذكر مرجعًا بالإنكليزية يتناوَل هذا الموضوع بتفصيل أكبر وبإيضاح مُسهَب. (المترجم)

[9] إن العلاقات بين التاسوعية وشجرة الحياة في القبالا مُوَثَّقَةٌ عند جيمس ويب James Webb "Sources of the system" (مصَادِرُ المنهَج) The Harmonious Circle (الدائرة التناغمية) (New York: G.P.Putnam's, 1980).

[10] Webster (قاموس) يعرف قاموس وبستر الوعي Consciousness على أنه إدرك awareness لشيء كان، أو شيء يحدث، أو شيء يوجَد. ويتضمّن منهَجُ التاسوعية وجودَ درَجاتٍ مختلِفةٍ من الوعي التي يمكن المرءُ من خلالِها إدراك أحداثٍ لا تاريخية ولا راهِنَة. فالمؤلَّف الكلاسيكي (التقليدي) حول تعريف حالات الوعي يعود إلى Charles Tart, Status of  Consciousness (El Cerrito, CA Psychological Processes 1983)، ُنشِرَت نسختُه الأصلية في عام 1975. ومن المُمكن العثور على مؤلَّف آخَر عولجت فيه جيّدًا مستويات الوعي اعتبارًا من وجهة نَظَر غوردجييف للمؤلِّف نفسِه أيضًا: Charles Tart في كتابِه Waking Up (متيقّظًا) (Boston: Shambhala, 1986).

[11] إن ممارسات رصد الذات، وتذكّرِها كتِبَت في كتاب Waking Up (مُتَيقّظًا)، لمؤلِّفَه Charles Tart (Boston: Shambala, 1982).

[12] P.D.Ouspensky, In Search of the Miraculous (Nova Iorque Harcourt, Brace&World, Inc, 1949), 249 توجد ترجمةٌ له في البرتغالية بعنوان: Fragmentos de um Ensinamento Desconhecido em busca do milagroso – pensamento, coleção Ganesha (Nota do revisor).

[13] يقول الفيلسوف الحكيم كريشنامورتي بما معناه: لا يجب أن يكون الراصد الأنا بل الوعي هو الراصد، وأيضًا لا يَقصُدُ بالوعي، الأنا الواعية لأنه حينئذ فالراصد هو المرصود نفسه أي الأنا الواعية، وبالتالي فالراصِد هو الوعي المجرد عن موضوعاتِه في حين الأنا هي ذلك المتماهي مع موضوعاتِه، ويقول إن هناك طريقة لرصد الفكر من دون أية سيطرة، ومن دون إضفاء استمرار عليه، لكن بالرصد حتى ينتهي. وإذا كان من الصعوبة بمكان الوصول إلى الوعي، فمن المستحسَن استعمال مرادفة كريشنامورتي "الذهن"، ويعتبِر العديد من الروحانيين أن الذهن هو الجوهر، ويقولون: "الذهن، بخلاف العقل لا يعمل على أساس صياغة المفاهيم المجردة"، والدخول في جدل وصولاً إلى نتيجة من خلال الاستدلالات المنطقية، بل يفهم الذهن الحقيقة الإلهية بواسطة الخبرة المباشرة والحدس الذي سوف نتكلم كثيرًا عنه لاحقًا في هذا الكتاب، إذن نعود إلى كريشنامورتي الذي يوضِّح لنا بأن هذا الذهن، وليس العقل، هو الذي يجب أن يرصد، ويجب أن يعي وعيًا من دون اختيار، أي من دون إدانة أو تصنيف... الخ، فالذهن من هذا المنطلق لا يحيا مع الفكر كما يقول كريشنامورتي لأن الأخير هو استجابة الماضي. أما وفقًا لأوشو فقد اعتبر أن التأمل وفقًا لبوذا يقوم على ثلاث مراحل: الأولى رصد الجسد، حركاته، طريقة إمساكه بالقلم مثلاً، وإلى ما هنالك..، المرحلة الثانية، وهي رصد الأفكار وقد أوضحناها في سياق حديث كريشنامورتي، والمرحلة الثالثة، وهي رصد المشاعر والأحاسيس والمزاج، وأيضًا كما أوضحنا آنفًا أن الذهن يجب أن يعي وعيًا بدون اختيار، فهذا يعني عدم إصدار الأحكام وإدانة هذا وذاك لأن هذا كله من خصائص العقل وليس الذهن الواعي، الذي يجب أن يكون كالسماء الفسيحة يترك فيه عبور الغيوم السوداء المحملة بالعواصف، مثلها مثل الغيوم البيضاء اللطيفة التي تحمل الخير والمطر، بدون أن يمنع هذه أو تلك، وبدون إصدار أحكام على هذه أو تلك لأنه إذا انحاز إلى أحد الطرفين فلسوف يكون أحد طَرَفَيْ النِّزَاع ويبقى أسيرًا في حلقة مفرغة، وبالتالي عليه أن يظل محايِدًا كما هو ثابت في رصده، إذاك يشع نور الوعي، نور الجوهر، نور الذهن كالشمس المضيئة التي تهِبُ نورَها للأخيار والأشرار على حد سواء وبدون تمييز. ومما قاله البوذا في هذا الصدد لتلميذه أناندا على أثر اختبارٍ وَضَعَه فيه لكي يفعِّل الوعي أو الراصد الداخلي فيه: "إذن ما عليك يا أناندا، إلا أن تتعلم كيف تكون راصدًا حياديًا، حتى ولو كان الذي جرى في النهر (الوحل...)، كان يجري في عقلك. فعليك اعتبار هذا لا يعنيك، حتى لو كانت الأفكار تشوش عقلك، تقلق ذهنك. فأنت لستَ أكثر من راصد، وإلا سوف تكون جزءًا من الصراع". (المترجم)

[14] مواضيع الانتباه الطبيعية في الوعي الاعتيادي هي الأحاسيس الجسمانية والانفعالات، والأفكار، والذاكرات، ومشاريع خيالية (تُدعَى أيضًا بخيالاتٍ مُوَجَّهَة أو تخيُّلات).

[15] الأثفان نقولُ عنها بالعامية "المسامير" التي تظهر في أسفل القدم أو باطنِها، خصوصًا على الأصابِع، ولاشك أنها هنا مجازية وتعبِّر عن مشكلة الفرد الخاصة، وبالتالي فالدوس عليها، أو احتكاكها في الحذاء أو بالأرض الذي هو مجازي أيضًا مما يعني تماسّ مشكلة الفرد الخاصة مع العالَم الخارجي ِما يسبِّبُ ألمًا للشخص المصاب بها، وهذ ما نسمِّيه بالمعاناة، وهكذا تتلخَّصُ طريقة غوردجييف الأولى في مواجهة المشكلة مباشرة والتعامل معها، فمثلاً إذا كان لدى أحَدٍ خوفٌ من ركوب الخيل، فما عليه إلا ركوب الخيل، وبهذه الطريقة فهو يدوس أثفانَه الخاصة به، وذلِكَ وفقًا لغوردجييف، وقد لحِقَت بأسلوبِه هذا على نحوٍ أكثَر تنميقًا بعضَ الروحانيات ومدارس العلاج النفسي الحديثة. (المترجم)

[16] إن مصطلَح الظل سوف يمر معنا مرارًا مثلاً من خلال تعبير السمات السلبية لطبعِنا، أو حرفيًا "الظل" أو "الظل الانفعالي"... الخ. أو مصطلح "القناع" كما ورد أعلاه على لسان غوردجييف. والحق فقد ضمَّن كلَّ هذه التعابير عالم النفس الكبير كارل غوستاف يونغ بمصطلَحٍ واحِدٍ يضمُّ كل هذه المصطلحات وأسماه "الظل" ووفقًا ليونغ لا يشكِّلُ "الظل" كامِل شخصية الإنسان اللاشعورية، وإنما يُمثِّل صفات وخصائص الأنا المجهولة أو التي يرفض المرء الاعتراف بها أو بوجودِها في ذاتِه، وبعبارةٍ أخرى فهو الجانبُ الآخَر غير المرئي من شخصيّتِه. كما أن أهم ميزةٍ للظل من حيث آليات الدفاع النفسانية (سوف تمر معنا بعد قليل وسنعمل على تعريف وشرح كل آلية دفاع نفسانية على حدة)، وهي ما أسميناها بالإسقاط أما الثانية فهي الإنكار أي كل ما يرفض المرءُ بالاعتراف بوجودِه في شخصيتِه. أما إيلي هومبيرت في كتابه عن يونغ فيشير أيضًا إلى "تحديد معالِم الظل من خِلال وجوه لها جنس الفرد تظهَر في أحلامِه كما أن هذه الشخوص تجسِّد الدوافِع المكبوتة، وهو بالنسبة إلى كل فرد ما كان ممكنًا أن يعيشَه ولم يعِشْه". وبالتالي فالظل هو عِبارَة عن مستودَع هائل من القوى إذا ما استطاع المرء اكتشافه ودمجه بالأنا الواعية فإنه يُرفِد نفسَه بمنبع هائل من القوة الحيوية. وبالإضافة للظل يعطي يونغ أيضًا مرادفة أو آلية أخرى لاشعورية تنجم عنه، ويسمِّيها بالقناع وهو أيضًا تماهي المرء مع عملِه كقاضٍ مثلاً فيعامل أولادَه كقاضٍ وليس كأب، هذا من جهة ومن جهة أخرى غالِبًا ما ينجح القناع في إخفاء خبايا نفسِه أي الظل نفسه، والقناع بالدرجة الأولى ينجم عن تماهي المرء مع اسمه أو هويتِه، أو الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها وهكذا دواليك... وبالتالي فاللاشعور الشخصي عند يونغ يتضمَّن الظل من جهة والقناع من جهة أخرى. وهذا ما سوف نراه في عمل غوردجييف مع  تلاميذه حيث يعمل إلى انتزاع القناع عن التلميذ، وهذا الأخير يتماهى معه ظنًا منه أنه يشكِّلُ حقيقةَ نفسِه، وهو في الحقيقة لا يشكِّل حقيقته إطلاقًا. (المترجِم)

[17] G.I.Gurdjieff, Life is real Only Then, When "I am" (Nova iorque: E.P.Dutton,1975),51. "الحياة فقط تكون حقيقيةً عندما أكون نفسي".

[18] من الجَديرِ بالذِّكر أن ابن سينا نفسه كان يلجأُ لهذه الطريقة في علاج الاضطرابات عند بعض الأشخاص فكان يصِفُ لكُل واحِدٍ نوعًا من الكحول يُساعِدُه في شفائه من اضطرابِه. (المترجم)

[19] Kenneth Walker, Venture with ideas: Meetings with Gurdjieff and Ouspensky (لقاءات مع غوردجييف واوسبنسكي) (Nova Iorque: Pellegrini & Cudahy, 1952), 183

[20] Kenneth Walker, Venture with Ideas: Meetings with Gurdjieff and Ouspensky (لقاءات مع غوردجييف واوسبنسكي) (Nova Iorque: Pellegrini & Cudahy, 1952) 183.

[21] أرجو ألاّ يضيعَ القارئ بين مصطَلَحِ "الأنا" ومصطَلَحِ "الأنيَّة" فكِلاهما يؤدِّيَان المعنى نفسَه، ولكنني أختار أحد المصطلَحين وفقًا لسياق الترجمة. (المترجم)

[22] الاندماجية هي عملية تقمُّص تُفضي إلى تقليد المرء لاشعوريًا لعَدَدٍ من تصرُّفات الغير، وإلى اندماجِه فيها، وتأتي أيضًا بمعنى اجتياف أي (إدخال الشيء في الجوف). (المرجم)

[23] العزل، ويقوم على عزل صورةٍ أو فكرةٍ أو وحدةٍ انفعالية عن سياقِها الزماني أو المكاني أو الانفعالي. (كتاب الأمراض الذهنية عند الراشد، تأليف: ميشيل غودفريد، ترجمة: محمد حسن إبراهيم. إصدار وزارة الثقافة. دمشق 2000، ص10).

[24] الإسقاط ويقوم على أن يستبعِدَ المرءُ جُمْلَةَ عواطِفٍ وصفاتٍ ورغَبَاتٍ يرفضُها المرءُ على اعتبارِ أنّها ليسَت منه، ويجِدُ لها موقِعًا عندَ إنسانٍ آخَر أو شيء آخَر. (نفس المرجع السابق والصفحة نفسها).

[25] في مصطَلَحَات التحليل النفسي تتضمَّن هذه المنظومات أيضًا مصطلح "المقاومة" التي يُبديها المريض أثناءَ تحليلِه نفسيًا ضدَّ المحلِّل نفسِه. (المترجم)

[26] Kenneth  Walker, Gurdjieff, A Study of his Teaching (غوردجييف، دراسة في تعليمِه" (Londres: Unwin Paperbacks, 1979),96

[27] Walker, Venture with ideas,114

[28] انظُر الحاشية الأولى في الفصل الأول. وعلينا أن نضيف بأن إضافةَ ممارسات تنمية تذكٌّر السِّمَات الجوهرية التي تستطيع أن يكونَ لَدَيْها القُدرة على تفكيكِ الشخصية (التحرُّر منها). فلذلك من الأهمية بمكان أن يتمتَّعَ المرءُ بالفطنة اللازِمة لكي تستمر الشخصية متَّسِقةً مع الجوهر المنبعِث. ووظيفة الدمج هذه هي الأكثر تطرُّقًا إليها في عِلاجٍ لائق.

[29] A.H.Almaas يرسُمُ تمييزات جيِّدَة بين طُرُقِ ترسيخ العِلاقَة بينَ الشخصية والجوهر. Em Essence, The Diamond Approach to Inner Realization (York Beach, ME: Samuel Weiser, Inc, 1986),78 وهو يؤكِّد ما يلي:

تتأسَّسُ بعضُ هذه المناهِج على طريقتك في التضاد بين الجوهر والشخصية، ويكمنُ العملُ إذاك على تحرير الجوهر ككل من الشخصية ككل. في حين لا تعير بعض المناهِج أيَّ انتباهٍ على الإطلاق للجوهَر، وبالتالي فهي تنظر للشخصية، وترى فيها عائقًا أمام الحرية وسبب للمعاناة، وتعمَل على إيجاد الحل في ضيق مجالِها. وتتأسَّس بعضُ المناهِج على جانبٍ واحِدٍ فقط من الجوهَر، الأمر الذي هو مؤكَّدٌ، ويُنظَر إليه كالحقيقة الموضوعية، والحقيقة الوحيدة، متجاهِلَةً الجوانِبَ الأخرى.

[30] يُعبِّرُ الدكتور باسكال إيد في كتابِه الأبواب التسعة للنفس L'Eneagramme بأن النمط عمليًا هو عبارة عن انغلاق عن سائر الأنماط الأخرى التي قد تُسبِّبُ له أذيّةٌ ما، فالنمط يتشكَّل في حالَةِ اِنغِلاقٍ تعبِّرُ عن محاولة الطِّفل حماية نفسِه من خلال نماذج للسلوك تُحَدِّدُها التاسوعية. وبتأذّيه ووفقًا لردود فعلِه إزاء سلوكيات هذه النماذِج يتشكّل نمطُه الخاص به، وشيئًا فشيئًا يكتسب شخصيته التي هي أشبه بغطاء لنمطِه هذا، ومن هنا أتى مصدر كلمة شخصية في اليونانية persona أي القناع، وهذه الشخصية تحتوي على توترات مزمنة هي الدفاعات التي تقوم بها لحماية الجوهر، ويتشكّل ما يسميه رايش بالدرع العضلي الذي يحتوي في داخله هذه التوترات المزمنة، وهكذا مع اكتسابه للشخصية، ودفاعاته الخاصة ينغلِقُ قلبُه. الأمر الذي يواكِب تشكّل الأنا الخاص به والذي يميز شخصيته، أو ما يسميه غوردجييف بالشخصية الزائفة. ففي حالة الخوف على سبيل المثال، تعمل آليات الدفاع على تحييدِه فتنشأ حالَةٌ عصابية وفقًا لاستعدادات الطفل، الأمر الذي يجعله في المستقبَل يتجنّبُ أمرًا ما  قد يفجِّر ذلك البركان الهامِد منذ الطفولة الأولى. أما الفيلسوف الحكيم كريشنامورتي فيتطرّق لمفهوم البراءة على أنها "تعني ذهنًا غير قابلِ للإيذاء إطلاقًا. ويُردِفُ كريشنامورتي قائلاً إن كلمة "براءة" مشتقّة في اللاتينية من كلمة تعني "غير قابل للتأذّي". ولكن ما يحصَل أننا نتأذّى بسبب الذاكرات التي راكمناها حول تلك الأذيّات كالندم والعزلة والمخاوف فهذه كلها تشكل جزءًا من هذا الإحساس بالتأذّي. ومن هذا المُنطلَق فنحن نتأذّى منذ الطفولة الأولى عن وعي منا أو عن غير وعي. وعلى الذهن فيما بعد لكي يعود إلى حالة النعمة التي كان عليها أن يكون حرًا من الكلمة والصورة والماضي" وفقًا لكريشنامورتي. (المترجم)

[31] Jan Cox, Dialogues of Gurdjieff (حِوَاراتٌ مع غوردجييف): المجموعة الأولى (Stone Mountain, Ga: Chan Shal (mi Society Press, 1976)169

[32] Ouspensky, In Search of the Miraculous, 267

[33] P.D.Ouspensky. A Further record Extrocts from Meetings. 1923-1945 (شهادَةٌ أخرى: مقتطفات من لقاءات) (Londres: Arkana Paperbacks, 1986)248

[34] C.S.Nott, Journey through this World. The Second Journal of pupil (مسيرة عبر هذا  العالَم: اليوميات الثانية لمريد) (Nova Iorque: Samuel Weiser, Inc, 1969),87

[35] راجِعِ الهامش رقم 17 (المترجم)

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني