علينا وضع التراث على كنبة التحليل النفسي

حوار مع يوسف الصدِّيق

 

نشأته في توزر غرب تونس، ستضعه على تماس مع أناس يخاطبون الله مباشرة، يعاتبونه، ويسألونه دون وسيط. ثقافة شعبية، سيطوِّرها يوسف الصدِّيق لاحقًا إلى منهج وتخصص في أنثروبولوجيا الإسلام. نكسة 1967 سيكون لها دورٌ كبير في قراره هذا. فعلى إثرها، سيسائل التراث الذي يقف خلف العقل السياسي العربي. فيعكف بعد نيله الماجيستير على نقل نهج البلاغة وأقوال الرسول وغيرها من الكتب الإسلامية إلى الفرنسية. وعلى إثر تعريب نظام بورقيبه للفلسفة، سيتفرغ في السبعينيات للعمل في الصحافة، فيصبح مراسلاً حربيًا في بيروت وإريتريا وجنوب السودان، قبل أن ينتقل إلى "اليوم السابع" في باريس. سيباشر نقده للتراث، بُعَيد نيله الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية، فيكتب القرآن بصيغة مسلسل كرتوني في ثلاثة ألبومات. لكن المسلسل سيحظر عرضه عربيًا. في مؤلفاته كـ من هم الهمّج؟ مسيرة مفكر في الإسلام، وسوء الفهم الكبير، الغرب أمام القرآن، يفكك الصدِّيق التراث. وفي كتابه الأشهر لم نقرأ القرآن أبدًا، يرى الصدِّيق أن القرآن يحمل مصادر يونانية، وأن القرآن لم ينزل كما هو، ولكن تلاه الرسول باللهجة القريشية الدارجة لا العربية الفصحى. بعد «ثورة الياسمين»، ستضعه الجماعات المتشددة تحت مجهرها، فيدعو بعض الأئمة في المساجد إلى قتله أو حرفيًا «لعب الكرة به». الفضل الأكبر في تشكيل حاسة يوسف الصديق النقدية يعود إلى والده الذي عبره سيكون قد تعرَّف في طفولته إلى القرآن وأبعاده اللغوية والمجازية. مكتبة والده ستمثل مرحلةً أكثر تطورًا في علاقته بالأدب. علاقة سيبرزها إلى العلن عبر ترجمته أعمالاً لحسن داوود، ورشا الأمير وسحر خليفة إلى الفرنسية.

مازن معروف

***

مازن معروف: توزر، المكان الأول، ماذا يعني بالنسبة إليك؟ توزر تتصل بإرث عراقي في البناء وزراعة النخيل من أيام الآشوريين والبابليين. أحد الباحثين أصدقائي، قال لي إن توزر هي مدينة أوزيريس، كما أبوصير في مصر. هي لا تشبه باقي تونس في شيء. هناك أسطورة عن توزر يتداولها التوانسة، تتعلق بتعالي التوزريين وتساميهم وانصهارهم في ما هو إلهي، وبالتالي قربهم من الألوهية.

يوسف الصدِّيق: ما يطلق علينا عمومًا، مصطلح «الكفرجية». «أنتَ من توزر؟»، «أجل»، «إذن، أنت كفرجي». حين يمرض الإنسان في توزر، يرفع عينيه إلى السماء ويقول «يا ربي، ألستُ أنا أخاك؟». لكن الإيمان بالله طبعًا عميق وكبير. وحين تبلغ درجة حرارة الهواء خمسين درجة مئوية خلال شهر رمضان، يرفع الأهالي علمًا أبيض على المآذن ويكسرون صيامهم. أن تكون في توزر يعني أنك في بيئة اجتماعية نازعة إلى النقد. جميع الناس في توزر، حتى الأطفال منهم، يفكرون في السؤال الذي طرحه سبينوزا يومًا. لماذا تحدث الأمور السيئة أحيانًا؟ سأقول لك أمرًا. توزر مشهورة بالنخيل، والناس يعتمدون عليها كمصدر أساسي للرزق. والنخلة تستغرق عامًا لكي تثمر. لكن أحيانًا، وبعد عام من الانتظار، يهطل مطر خفيف، فيذهب المحصول هباءً. فيخرج التوزري ليكلم ربه قائلاً «لماذا تفعل هكذا؟ لماذا؟»، أو تراه يخرج لله مدخراته من الذهب ويقول «عندي هذا. أفسدْه. حاول أن تفسده». بسبب هذا السلوك، يشعر سكان تونس، من شمالها إلى جنوبها، بالريبة إزاء توزر. يتساءلون في كل مكان «كيف يجرؤ سكان توزر على التكلم مع الله بهذه الطريقة؟».

م. م.: كنتَ في الرابعة عشرة عندما أعلن بورقيبة تونس جمهورية. هل تذكر ذلك اليوم؟ ماذا فعلت؟

ي. ص.: أجل. كان يوم 25 جويليه 1957. أجمل أيام حياتي في تلك الفترة. علمتُ أن بورقيبه سيلقي خطابًا مهمًا أمام مبنى باردو حيث المتحف الآن ومبنى البرلمان. فخرجتُ حافيًا من بيتي، وقطعت حوالى عشرة كيلومترات للوصول إلى المكان. ثم أطلَّ بورقيبه من خلف طاولة صغيرة، وقال «أعلن الإطاحة بالملكية وإعلان الجمهورية». غمرتني الفرحة حينذاك. رغم أني لم أكن أعرف ماذا تعني كلمة جمهورية، لكني كنت أعرف أن الملك أيًا كان، في أي مدينة أو أية بلاد، لا ينبغي أن يحكم. تأثرت وذرفت الدموع. وعندما عدت إلى بيتنا أعلنت لأمي أننا أصبحنا جمهورية، وهي بدورها لم تفهم أي شيء.

م. م.: كيف تقرأ عهد بورقيبه؟

ي. ص.: كنت أشعر أن بورقيبه بعيد عن الشعب. وبقيت حذرًا منه. لذلك لم أنتمِ يومًا إلى حزبه. في عام 1982، ومع بروز ظاهرة الإسلام السياسي، أدركت أن البلاد قادمة على مرحلة غير حميدة، وأن الفكر لم يعد له مكان. صار هناك تصحُّر في الفكر والثقافة، وحتى العلاقة بين المثقف والمثقف اهتزت. فهاجرتُ إلى باريس حيث عملت في مجلة «اليوم السابع». الخطأ الأكبر الذي ارتكبه نظام بورقيبه كان عام 1976، حين قام بتعريب الفلسفة. لم يأت القرار وفق مشروع أو رؤية. المكتبة العربية كانت تفتقر إلى مراجع بالعربية في هذا المجال. كنت ستجد أي كتاب لفلسفة ديكارت متوافرًا في شارع بورقيبه. حتى عند باعة الجرائد. لكنك لو عثرتَ في تونس كلها على عشر نسخ للمدينة الفاضلة للفارابي، فإن ذلك سيعتبر معجزة. في هذه البيئة الفقيرة بالمراجع الفلسفية العربية، لم يكن تدريس الفلسفة بالعربية بالأمر السهل، فأخذتُ القرار بالانقطاع عن هذه المهمة، وعملت في الصحافة.

قلت آنذاك لأرباب النظام: "إذا كان مرادكم من ذلك التعريب إغلاق الباب على الماركسية أو اليسار، فليكن، لكن لا تُدخلوا الشعوذة الدينية إلى تونس".

م. م.: من برأيك سدَّد أول ضربة للإسلام كفكر؟

ي. ص.: تمت خيانة الإسلام منذ بدايته. بُعَيد وفاة الرسول، حدث أمر تاريخي لم ننتبه له حتى الآن. أنا لا أتحدث هنا في الدين وتأويل النصوص، بل في التاريخ. خلال تسعين عامًا بعد حرب الفتنة الكبرى، عهد بني أمية، حدث انقلاب كبير وخفي. فعشيرة بني أمية ثأرت من مفهوم الإسلام الأساسي في نقطتين. أولاً، نزعت مفهوم الشورى. فأصبح الحكم وراثيًا. نُزِعتْ هذه الشورى من قبل معاوية عندما جاء إلى الحكم، فأورث الحكم لابنه. النقطة الثانية، هي حصر المصحف بين دفتي كتاب، كي يُتلى ولا يُقرأ، لأنه لو قرئ يعني أن هناك كلامًا كثيرًا سوف يقال، وسيفتح ذلك باب الجدال، وسينفذ الفكر إلى المشهد الديني. أصبح المصحف موضوع تلاوة لا موضوع قراءة. علينا أن نسترجع هذا المصحف، وأن نعرف كيف كان. كتاب الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، أكثر الكتب اعتمادًا في الإسلام، يتضمن فصلاً بعنوان "ما نزل من القرآن على لسان عمر". مثلاً، يحكي عمرُ للنبي محمد فيقول: "عندما جُرِحتَ في معركة أُحُد، رأيتُ امرأةً تبكي وتقول «مات محمد، مات محمد»، فضربتُها وقلتُ لها «ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قُتِلَ» فيردُّ النبي محمد عليه قائلاً «والله يا عمر إنها نزلت كذلك» ويثبتها في القرآن". هذا ما يرد في كتاب السيوطي وليس على لساني.

م. م.: ما رأي الإسلام، باعتقادك، في الديانات الأخرى؟ هل يعقل أن يكون الله خلق البشر على اختلاف معتقداتهم وإيمانهم، كي يودعهم جهنم، بينما يذهب المسلمون حصرًا إلى الجنة؟

ي. ص.: سألخص هذه المسألة في قصة. كنت أحيانًا أجالس مجموعة من الشباب في باردو خلال شهر رمضان، وكان من بينهم عقيد في الشرطة، يجلس دومًا بثيابه المدنية. رجل خلوق، لا يمت بصلة إلى ذلك النمط من رجال الشرطة المعروف بقسوته وجوره. جاء في يوم وقال لي "حدثت مصيبة في الحي. آخر يهودي عندنا توفي. لكن الرجل كان رائعًا وسخيًّا. كان يوزع كل سنة لفقراء الحي ثلاثين كبشًا. وكان يملك دكانًا، وأورثه لشخص كان يعمل لديه. كان هذا الرجل اليهودي دائم الابتسام للناس". ثم تابع "يا يوسف، هل من المعقول أن يذهب رجل كهذا إلى جهنم؟"، فأجبته بأنني لا أعرف. فقال "أنت ملمّ بالقرآن والحديث والسنَّة والتاريخ والفلسفة. جدْ لي حلاً. قصة هذا الرجل تعذبني". فقلت له "باعتقادي، سيذهب إلى الجنة". فسألني "هل أنت معتمد في كلامك هذا على شيء؟"، فقلت "أنا أعتمد هنا على الآية 62 من سورة البقرة والتي تقول «إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين ومن عمل صالحًا لهم أجرهم عند ربهم يوم القيامة ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون". فكتب الرجل الآية على ورقة وأبلغني أنه سيكلم إمام المسجد في الموضوع يوم الجمعة. يوم السبت التقيتُ به، فسألته عن رأي الإمام في تفسير الآية، فقال "قال لي الإمام، حاذرْ أن تكلِّم يوسف الصدِّيق".

م. م.: هل هناك نقاط في الإسلام لم تدرس بشكل واف حتى الآن؟

ي. ص.: نقطة واحدة لم تُدرس في الإسلام حتى الآن. أحاول دراستها وآمل أن أفلح في ذلك. عندما أغلق الرسول زمن الرسالة والنبوة وهو بعد على قيد الحياة، وهذا ما تشير إليه آية في سورة الأحزاب "مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا"، قد فعل ذلك بعد أن بَشَّرَ بالإسلام، فأصبح لسان حال الدين يقول إنكم يا ناس أصبحتم الآن من النضج إلى درجة أن كل فرد في عمله المعين والمحصور يستطيع أن يكون نبيًا.

وبذلك يكون قد حرر الناس من الدين. فلم يعد الدين سجنًا للناس. مسألة ختم النبوة لم تدرس. وإلا لماذا أوجد الله ختم النبوة؟ هل تَدَخَّلَ الله في ثمود وتدخَّل في عاد وتدخَّل في سدوم وعمورة ولم يعد يتدخل بنا؟ هذه الأطروحة غير معقولة. أن يكون الله في يوم من الأيام قد تخلى عنا. هو قال إن كل إنسان، في عمل معين، يستطيع أن يستنير بالعقل كما استنار الرسول بطريقة إيحائية.

م. م.: هل هذا ما دفعك إلى كتابة كتاب لم نقرأ القرآن أبدًا؟

ي. ص.: بعد نكسة عام 1967، انكببت على ترجمة كتب عدة إلى الفرنسية، كـ الموطأ لابن مالك، ونهج البلاغة للإمام علي، وتفسير الأحلام لابن سيرين، إضافة إلى أحاديث الرسول. مدَّني ذلك بمعرفة أوسع بالتراث الإسلامي، فقررت أن أجعل من نص القرآن موضوعًا فلسفيًا. استغرقتني كتابته اثنتي عشرة سنة. ذهبتُ إلى أثينا وتأكدت من أن هناك ثمانمئة كلمة في القرآن تحمل أصولاً يونانية. وفي بعض الأحيان، لم يكن ذلك مطابقًا للرسم العربي. «سيما» كما في الآية (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ) هي باليونانية sêma وتعني علامة. وقد أعطت sémantique. الأمر نفسه بالنسبة إلى كلمة «زخرف» وغيرها. هي كلمات غير موجودة في الشعر الجاهلي. الوحشيات والصعاليك والمعلقات وأطراف النثر الخطابي قبل الاسلام، كلها خالية من هذه الكلمات ذات الأصل اليوناني. ثمة مغالطة في التفسير. عندما تذهب إلى حكاية أوديب الملك. في أوائل الأبيات، تيريزياس الكاهن يقول لأوديب الذي دخل المدينة «الآن يا أوديب أعطتك الآلة الكاتارسيس، صلِّ لربك وانحر». كذلك فإن هناك حديثًا في البخاري، مفاده أن الرسول عندما هاجر إلى المدينة (يثرب) قال «لقد بلغنا مشارف طيبة، ولن يدخلها الطاعون أبدًا». لماذا لم يقل الجدري أو الملاريا مثلاً؟ «الطاعون» لأن طيبة من «ثيبة» التي يرد ذكرها في قصة أوديب. كانت آنذاك عادة في إطلاق التسميات على أماكن تيمنًا بمدن أخرى. وتجد هذا إلى الآن موجود في الولايات المتحدة، حيث تحمل أماكن أسماء عواصم أوروبية كأمستردام وباريس. يثرب سميت في وقت من الأوقات ثيبة. والتراث يكذب علينا ويقول «غار حراء»! إنها «هيرا» زوجة زيوس. و«هيرا» تعني المرأة بتعريفها الجنسي. لغويًا وتاريخيًا وتحليليًا بالمعنى الفرويدي، علينا أن نضع هذا التراث على كنبة التحليل النفسي. لماذا كذبت علينا أيها التراث؟ وعلام راهنتَ؟ ومن ثم تستمر هذه الكذبة قرونًا. ما أنجزتُه لا يتعدى في حجمه ذرة ممَّا يتحتَّم علينا فعله.

م. م.: الإسلام إذن لم يبدأ من الصفر؟

ي. ص.: عندما تدرس الحديث النبوي بطريقة نقدية، ستجد أن نصفه كلامٌ قيل من قبله. أمثال كانت موجودة من قبل، بعضها موجود في إنجيل متى وإنجيل لوقا مثلاً. «إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت»، عبارة موجودة في إنجيل حنا حرفيًا. ثم يأتي أحدهم ويقول لك «هذا وحي»! محمد تبنَّى مقولات قيلت من قبله. ماذا يعني أن نعتبر أن محمدًا بدأ من الصفر؟ وماذا عن حضارة سبأ؟ وديدان وسيل العرم وغيرها؟

م. م.: هل ترك تغييب أثر الفلاسفة العرب أو منع أعمالهم أثرًا برأيك في تطور ثقافتنا؟

ي. ص.: بالطبع. العقل العربي بات الآن مسلوبًا. نحن لم نصل حتى إلى مرحلة ديكارت في الفكر. لم نطأ بعد عتبة قول ديكارت "أنا أفكر إذن أنا موجود". عندما كُتِبَ «فصل المقال» لابن رشد، لم يتكلم عنه أحد لسبعة قرون. لم يأت أحد على ذكره إلا عندما عثر على المخطوط مستشرق ألماني في القرن التاسع عشر ونشره. ابن رشد كان له الفضل الأكبر في النهضة الأوروبية. لأن كتابه كان يوزع سرًا في كل الجامعات الكبرى. أما البابا، فقد أصدر قرارًا بمنع ذكر اسم ابن رشد. وبعد مدة، عندما أراد الفيلسوف توما الأكويني أن يردَّ عليه بكتاب صريح، اسمه ضد ابن رشد، طلب أن يسمح له البابا بذكر اسم ابن رشد في العنوان، فأعطاه البابا الإذن. والكتاب موجود حتى الآن. لقد دفنَّا ابن رشد لسبعة قرون، بينما استثمرت أوروبا قوته الفكرية. فعلنا ذلك لأن ابن رشد قال: "لم يعد لدينا أنبياء، وبالتالي لو حدث لنا أمر جديد يتناقض فيه ما هو معقول وما هو نبوي، علينا أن نختار المعقول، ذلك أننا لسنا أنبياء".

م. م.: هل الأدوات المعرفية واللغوية التي نملكها اليوم، قادرة على تمكين المفكرين من إعادة النظر في تفسير القرآن؟

ي. ص.: أنا أتصور أن هذا ممكن وضروري أيضًا. من أجل تقويض مفهوم السلفية. ومفهوم السلفية لا يمكن إلا أن يكون عبيطًا بالمنطق. لماذا؟ لأن السلف الأسمى والأكثر نموذجية يتمثل في شخص أبي بكر. أبو بكر صاحب النبي. وهذا السلف، عندما طلب منه أن يفسر كلمة «أبًّا» في (وفاكهة وأبّا) قال «أيُّ سماء تُظِلُّني وأيُّ أرض تُقِلُّني إن أنا كذبتُ على كتاب الله، والله لا أعرفها». الآن نعرف أن «أبّا» مصدرها آرامي وتعني المرعى. وعندما يقول الله "فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ" فمن الذي يستطيع فهم الآية أكثر، نيوتن أم أبو بكر؟ ومن الذي يرتعش لها إجلالاً وحبًّا بالله وحبًا بالخلق، عثمان أم أينشتاين؟ أينشاتين طبعًا. لأنه يعرف ماذا تعني مواقع النجوم عبر العلم. السلف يكتفي بأن يقبل. لكنه لا يفكر.

م. م.: هل قلتَ يومًا إن العرب لم يخترعوا رواية؟

ي. ص.: محمد حسين هيكل، في روايته زينب، حاول تقليد النمط الأوروبي والبلزاكي تحديدًا. وأعمال نجيب محفوظ تشبه في أسلوبها السردي أنماط القرن التاسع عشر. آخرون كحسن داوود والياس خوري والبساطي وصنع الله ابراهيم التصقوا بالنمط الروائي الغربي الحديث. أصبح عندنا رواية منذ خمسين سنة تقريبًا. لكن ليس هناك خصوصية للرواية العربية. جويس صنع منعطفًا في الرواية العالمية. وبورخيس فعل فعله في القصة القصيرة. القصة القصيرة دشَّنت بنجاح مع يوسف إدريس وزكريا تامر. أما بعدهما، فلم يحدث شيء. نحن أسرى أنماط كتابية أوروبية. هذا له علاقة بالتراث. فتراثنا لا يحتمل الإبداع أو الانطلاق من الصفر. أنت ككاتب مطالب دومًا بأن تنطلق من أرضية تراثية متفق عليها كي يشعر الناس بالرضى. حضارتنا لا تقبل الإبداع. وهذا كله نتيجة ما كنت أحدثك به، وهو الخوف من البدء. لذلك أنا حلمي هو أن أعمل مدرسة اسمها "مبتدأ" (معهد البحوث لتجديد الدراسات الإسلامية)، أي أن نتمَّ فيها دراسة القرون الأربعة عشر. مؤخرًا، أجد نفسي شغوفًا بأعمال ساراماغو. يقول ساراماغو «الكوني هو المحلي إلا الجدران». مقولته هذه تحيلني على توزر والكون في الوقت نفسه.

*** *** ***

الأخبار

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني