الرحيل
مسرحية من مشهد واحد

 

الفاهم محمد

 

تفتح الستارة على مشهد رجل وزوجته يجلسان فوق كرسي طويل في محطة قطار. الرجل يرتدي معطفًا طويلاً ويضع قبعة فوق رأسه، يجلس فوق كرسي طويل، في الطرف المقابل للكرسي جلست امرأة في وضع حزين. بجانب الرجل حقيبة السفر الخاصة به.

موسيقى حزينة [ضوء القمر لبتهوفن].

الطرفان يديران ظهرهما لبعضهما البعض.

الموسيقى تتصاعد وتنتهي بصفير حاد للقطار.

تبادر المرأة الرجل قائلة:

-       حلت ساعة الوداع إذن. هذه هي النهاية.

يرد عليها دون أن يستدير قائلاً:

-       هذا ليس من شأنك، أنت لا تملكين حتى حق الوداع، الوداع هو للأحبة.

ترد عليه بأسى وحزن وهي تتنهد:

-       على الأقل كنت حبيبتك فيما مضى.

-       ها قد قلت ذلك بعظمة لسانك - فيما مضى.

-       الإنسان لا يمكن أن يعيش دون ذكريات، لا يمكنك أن تتخلص من الماضي، أنا أسكن ماضيك.

-       كلامك يبعث على الجنون.

يقول هذا ويخبط برجله على الأرض. ترد المرأة عليه بتحد:

-       الجنون هو ما أنت مقدم عليه.

-       وعلى ماذا أنا مقدم؟

-       هذا واضح أنت مسافر وستهجرني.

-       ومن قال لك أنني مسافر، أنا فقط أنتظر.

-       وماذا يمكن أن ننتظر في المحطة غير القطار.

-       لا يهم ما يمكن أن ننتظره في المحطة، المهم أنني مرتاح هاهنا.

-       إذن أنت تجد الراحة في المحطات، هذا شيء غريب، أنت فعلاً رجل غريب.

يرد الرجل باشمئزاز وهو يعود للخبط برجله:

-       الحياة كلها غريبة وأغرب منها فهمنا لها.

-       اهدأ اهدأ لنكن أصدقاء على الأقل مرة واحدة في حياتنا.

-       الصداقة وهم والحب جنون.

-       وماذا يتبقى إذا ضاعت الصداقة والحب.

الرجل وهو يتنهد عميقًا:

-       الرحيل.

-       ولكن إلى أين تريد أن تهرب؟

-       إلى لا مكان.

تسود لحظة صمت ثم يستخرج الرجل من سترته جريدة، يفتحها ويبدأ في قراءتها. تسأله المرأة:

-       ماذا تقرأ؟

يجيبها بانزعاج:

-       ألا ترين أقرأ الجريدة، القراءة هي ما يمكنني من مقاومة ثقل الانتظار.

ترد المرأة وكأنها تصحح كلامه:

-       أنا أقرأ من أجل أغراض أخرى.

-       أعرف أغراضك.

-       أنت لا تعرف شيئًا.

-       أنت تقرئين صفحات الديكور وأخبار الفنانين.

-       ولماذا تقلل من شأنها، هل تريدني أن أقرأ صفحات السياسة، إنها غم تنقص عمر الإنسان. لا أطيق أن أسمع هذه الكلمة "سياسة".

-       وماذا تحبين أن تسمعي؟

-       كان عليك أن تعرف ذلك منذ زمان. أنا أحب أن أسمع كلمات أخرى مثل أحبك، أعشقك، أنت جميلة، لا أتذكر أنني سمعتها منك يومًا ما.

يرد الرجل باستخفاف:

-       آخر مرة سمعتها كان ذلك البارحة فقط.

-       آه  أتذكر ذلك ولكنها لم تكن كلمات منبعثة من قلبك.

-       وكيف عرفت ذلك؟

-       أنا أعرف كل شيء عنك.

-       هذا هو أكبر وهم، أنت لا تعرفين أي شيء عني، أي شيء.

-       بلا أعرف أشياء كثيرة، مثلاً أنك تحب العصافير.

-       أنا أيضًا أعرف أنك تحبين القطط.

-       أنت تحب الانتظار.

-       أنت تحبين الظهور.

-       ذلك أنني أنا نجمة، أحب النجوم.

-       أنا من الأرض، أحب الأرض، أحب الأرض.

-       أنا أحب المداعبة.

-       أنا أحب الإغراء.

-       أنت تحبين الثرثرة.

المرأة بحدة ونرفزة:

-       أنت تحب الصمت وأنا لا أطيق الصمت، لا أطيقه.

صمت طويل تسوده موسيقى حزينة تنتهي بصفير القطار.

تنهض المرأة تمر في خط مستقيم من أمام الرجل ثم تقول:

-       هاهو القطار قادم اصعد إذا كنت تريد الرحيل.

ينهض الرجل بدوره ثم يرد بعصبية دون أن ينظر إليها:

-       قلت لك أنني لا أنتظر القطار لأصعد فيه.

المرأة مستغربة:

-       ولماذا تنتظره إذن؟

الرجل وهو يصرخ:

-       هذا ليس من شأنك، ليس من شأنك.

-       أنت فقط تراوغ في الكلام، أنظر إلى حقيبة السفر، لا أحد يصطحب معه حقيبة السفر إلا إذا كان ينوي السفر فعلاً.

يفتح الرجل الحقيبة التي تبدو فارغة، يستخرج منها دبدبًا لطيفًا يرمي به جانبًا ثم يقول:

-       حسنًا هذا هو كل ما في الحقيبة، هل ارتحت الآن؟

تنظر المرأة إلى الدبدب بحزن وتقول:

-       أعرف هذا الدبدب، نعم أتذكره، لقد أهديتني إياه في عيد الحب، أذكر ذلك جيدًا. كنت مشبوب العاطفة آنذاك.

يرد الرجل بعصبية:

-       لا أريد أن أسمع هذه الكلمة، إنها تثير اشمئزازي.

تقول المرأة بثقة وتأكيد:

-       الحب هو الحياة، هو ما يربط السماء بالأرض.

يرد الرجل ساخطًا بعد أن ينهض من الكرسي ويستدير خلفه:

-       الحب ليس إلا دبدبًا ملقى على الرصيف. ليس من السهل تحقيق الحب على الأرض.

ترد المرأة بتحد:

-       الحب هو السعادة.

يرد الرجل وهو يضرب بيده على الكرسي الطويل:

-       الحب هو المقبرة التي نواري فيها خرابنا العاطفي.

تتنهد المرأة وتقول:

-       نعم قد يكون قولك صحيحًا ليس من السهل تحقيق الحب، ولكن لنحاول على الأقل، ينبغي أن لا نستسلم.

يرد الرجل وهو ينفر من كلامها:

-       لدي الآن مشاريع أخرى.

-       أعرف مشاريعك ستستقل القطار وتبتعد عني.

يصرخ الرجل بعصبية وهو يضرب بقبعته أرضًا ويدوسها بقدمه:

-       للمرة الألف أقول لك أنني لا أنتظر القطار من أجل السفر.

ترفع المرأة رأسها، تحدق بعينين مفتوحتين في الفراغ وتقول:

-       إياك أن تقول لي أنك تنتظر القطار من أجل...

الرجل وهو يرد بحدة صارخًا:

-       اصمتي، اصمتي، اصمتي...

تتصاعد موسيقى ضربة القدر لبيتهوفن وتنتهي بصفير القطار وتسدل الستارة.

*** *** ***

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني