english arabic

 

عندما يصبح الدين شريرًا

 

ج. ريتشارد ويتكروفت

  

يصرِّح المؤلِّف [تشارلز كِمبول] أن "الدين هو – جَدَلاً – القوة الأقدر والأكثر تخلُّلاً للمجتمع البشري" وأن الأديان، على اختلافها بعضها عن بعض، إنما "تتلاقى على تعليمِها أمرين هما: التوجُّه نحو الله أو العَلِيِّ، والعلاقات الرحيمة والبنَّاءة مع الآخرين في الدنيا".

غير أن الدين يمكن أيضًا أن يصير شريرًا، عندما يُستعمَل للحضِّ على سلوك بشري مؤذٍ ومدمِّر وعنيف ولتبريره. وما مِن واحد من أديان العالم الكبرى في وسعه أن ينجو من تهمة أنه استُعمِل، ومازال يُستعمَل، لتسويغ أنماط شريرة من العمل.

وهذا الكتاب، من خلال تركيزه على اليهودية والمسيحية والإسلام، مكرَّس لتقديم خمس علامات إنذار تشير إلى إساءة استعمال الدين ولاقتراح كيف يمكن للناس أن يبقوا أوفياء للـ"مصادر الصحيحة" لدينهم، فيكونوا "قوة للتغيير الإيجابي".

والمؤلِّف جيد التأهيل للاضطلاع بهذه المهمة: فهو أستاذ مادة الدين ورئيس قسم الدين في جامعة ويك فورِسْت. وهو كذلك قسٌّ معمداني مكرَّس. وبصفته متخصِّصًا في الدراسات الإسلامية فقد ألَّف ثلاثة كتب حول الدين في الشرق الأوسط. وقد شغل منصِبَيْ مدير برامج الحوار بين الأديان في "أخوية المصالحة" ومدير مكتب الشرق الأوسط في "مجلس الكنائس الوطني".

كتب كِمبول أن العلامة الأولى التي يجب البحث عنها هي "ادِّعاء امتلاك الحقيقة المطلقة": "عندما يرفع الأتباعُ الغيورون الأتقياء تعاليمَ منقولهم ومعتقداته إلى مرتبة الحقيقة المطلقة فإنهم يفتحون بابًا لإمكان أن يصير دينُهم شريرًا." وهذه علامة يمكن تلمُّسها بوضوح فيما يسميه "سوء استعمال النصوص المقدَّسة". وتتم الإساءة إلى هذه النصوص عندما تُقرَأ قراءةً انتقائية وتفسِّرها وجوهٌ مرجعية كحقائق حرفية، وبالتالي، مطلقة. هذا ويمكن تلمُّس العلامة الأولى أيضًا في الأديان التبشيرية، إذ تشارِك الآخرين في "بشارتها" – وهو أمر يمكن أن يتم السعي إليه سعيًا بنَّاءً غير قسري. لكنْ عندما يكون الدافع الذي يقود النشاط التبشيري "ادِّعاءً بامتلاك الحقيقة المطلقة" فإنه يصير مدمِّرًا، وحتى عنيفًا، إزاء القوم المستهدَفين لهدايتهم.

العلامة الثانية هي "الطاعة العمياء". ويقول كِمبول إن الطاعة العمياء يمكن أن تتخذ ثلاثة أشكال: ينخرط أحد الأشكال في دين "يبغي الحدَّ من الحرية الفكرية والحرية الشخصية لأتباعه"؛ ويمكن للمرء أيضًا أن "يستعفي من مسئوليته الشخصية وينصاع لسلطة زعيم كراماتيٍّ"؛ كما يمكن للمرء أن "يصير مستعبَدًا لأفكار أو تعاليم معينة". فعندما يتحقق واحد أو أكثر من أشكال "الطاعة العمياء" هذه، يصير الدين شريرًا.

العلامة الثالثة هي "التأسيس للزمن الأمثل". كلُّ دين يتأسَّس على افتراض مسبَّق بأن شيئًا ما فاسد في الشرط البشري وبأن الدخول مستقبَلاً في زمن أمثل يصير ممكنًا عندما يتم تصحيح ذاك الفساد. إن رؤيا زمن أمثل، سواء في الدنيا أو في الآخرة، أمر سويٌّ وجيد؛ فمثل هذه الرؤيا يمكن أن تكون تحديًا ودافعًا للناس كي يجاهدوا للتأسيس لذلك الزمن الأمثل في الدنيا أو للثبات على الإيمان وهم ينتظرون رجاءً أخرويًّا. غير أن التأسيس للزمن الأمثل يمكن أن يصير مصدرًا للشر. فبحسب كِمبول: "عندما يرتبط المثال المأمول بنظرة دينية معينة إلى العالم، ويصير أولئك الراغبون في تنفيذ رؤياهم على يقين بأنهم يعرفون ما يريده الله لأجلهم وما يريد لأجل الآخرين جميعًا، عندئذٍ تصير الكارثة محتومة."

العلامة الرابعة هي "الغاية تبرِّر الوسيلة". وهذا يحصل عندما يتبوأ واحدٌ من الأركان الهامة لدين ما – التوراة مثلاً – "منزلة حقيقة مطلقة، ويصير المؤمنون الغيورون عميانًا مستميتين في دفاعهم الأحادي النظرة عنه". فدفاعًا عن الركن الواحد – وهو الغاية – يمكن استعمال أية وسيلة وتبريره، مع تجاهُل الأركان الأخرى. وعندما يحصل هذا في أيِّ دين يصير هذا الدين شريرًا.

العلامة الخامسة هي "إعلان الحرب المقدسة". ويستكشف كِمبول ثلاث مقاربات للحرب والسلم في المنقول المسيحي، وهي: المُسالَمة وعقيدة الحرب العادلة والحملات الصليبية؛ كما يستكشف مقاربة الإسلام للحرب وللسلم ومختلف معاني الجهاد. وهو يقرُّ بوجود أسُس مشروعة لاستعمال القوة العسكرية. لكن الحرب، عندما يبرِّرها دين ما وتُسمَّى فيه "مقدسة"، فإن هذا الدين يصير شريرًا.

أخيرًا، بعد أن يبيِّن كيفية صيرورة الأديان شريرةً، يقدِّم كِمبول إطارًا لـ"فهم واضح لكيفية بقاء الدين على إخلاصه لمصادره الصحيحة ليكون قوة للتغيير الإيجابي". فهو يعتقد أن من الممكن، مثلاً، أن يعتنق امرؤ مسيحي مبدأ التعددية الدينية، ويبقى مع ذلك وفيًّا للمنقول المسيحي، بتبنِّيه موقفًا شموليًّا "يصرُّ، في آنٍ معًا، على حضور الله وتدبيره الخلاصي في المنقولات الدينية كافة، وعلى التجلِّي التام والنهائي لله في شخص يسوع المسيح". والخلاصة–التحدِّي الذي يتوصَّل إليه هو أن "إيمانًا شموليًّا متجذِّرًا في المنقول" هو الطريق الأوحد للمضيِّ قُدُمًا إلى المستقبل ولتجنُّبٍ فعَّال للانحرافات الخمسة في الدين.

هذا الكتاب دليل موثوق يساعدنا على التمييز بين دين "يبقى وفيًّا لمصادره الصحيحة" ودين أُفسِدَ وأضحى مصدرًا للشر.

*** *** ***

ترجمة: أكرم أنطاكي

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال يوسف وديمة عبّود