French arabic

 عوليس وكاليپسو

أو رفض الخلود

جـان پيير فِـرنـان[1]

 

منذ أولى أبيات ملحمة الأوذيسة[2]، تظهر الحوريةُ كاليپسو وتحتل صدارة الأحداث؛ فالشاعر إنما يبدأ روايتَه بها[3]: فعندما يُستهَل النشيدُ الأول من القصيد، نجد عوليس، المعتقَل منذ سبع سنوات في الجزيرة التي تحتجزه الإلهةُ فيها أسيرًا، قانطًا من العودة إلى دياره، بينما على جبل أولمپوس، تندِّد بها أثينا أمام الآلهة المجتمعين، بوصفها المسؤولة عن مصائب حَمِيِّها. وإليها سوف يبعث كبيرُ الآلهة زِفْس هرمِسَ رسولاً، ليوعز إليها أمرَه بترك البطل يبحر من جديد عائدًا إلى موطنه. إن شخصية كاليپسو وحبَّ الإلهة لبشريٍّ فانٍ والأسْر الطويل الذي تفرضه على عوليس في كنفها[4]، – هذه الحادثة كلها، من حيث موقعُها في مستهل السرد ومن حيث إيرادُها تكرارًا في سياق النص[5]، تضفي على ترحال ملك إيثاكي مغزاه الحقيقي، بكشفها عن رهان المغامرة الأوذيسية كلها: عودة البطل، عبر وطنه، إلى عالم البشر أو عدم عودته إليه[6]:

لقد عاد إلى الديار جميعُ الأبطال الآخرين الذين نجوا برؤوسهم من الموت [...]، ولم يبقَ إلاه راغبًا مازال في الإياب وفي زوجه، إذ إن حوريةً جليلةً احتجزتْه قسرًا، على انفراد، في غياهب كهوفها – كاليپسو، الكلِّية الألوهية، المتحرِّقة إلى اتخاذه بعلاً.[7]

هدرية (جرة ماء) إغريقية (390-380 ق م) تُظهِر عوليس جالسًا على "صخرته" وكاليپسو تقدم له صندوقًا ذا شرائط.

إن اسم كاليپسو، المشتق من فعل kaluptein، بمعنى "حَجَبَ"، يشي في شفافيته بسرِّ القدرات التي تجسِّدها الإلهة: فهي في غياهب كهوفها ليست "المحتجِبة" وحسب، بل هي، أيضًا وبخاصة، "الحاجبة". فلكي "تحجب" عوليس كما يفعل ثاناتوس وإيروس، "الموت" و"الحب"[8]، لم تضطر كاليپسو إلى خطفه أو انتزاعه: هي في ذلك تختلف عن الآلهة الذين تجيء على ذكر أمرهم، في حضرة هرمس، لتبرير حالتها والذين، إشباعًا لهواهم الذي خصُّوا به بشريًّا، حملوه معهم إلى الآخرة، مُخفينه فجأةً من على وجه الأرض وهو ما يزال حيًّا[9]. من ذلك أن إيوس "خطفتْ" تيثون وهيميرا "خطفتْ" أوريون[10]. إن عوليس الغريق، هذه المرة، هو الذي قُيِّض له بنفسه، في أقاصي الغرب، في آخر الدنيا، أن يجنح عند كاليپسو، على عرينها الصخري، "سُرَّة البحار" هذا[11]، المزدان بغيضة وبينابيع فاتنة وبمروج رخوة تذكِّر بـ"المرج المزهِر"، العشقي والمميت، حيث تغنِّي جنياتُ البحر ليسحرن البحارة الذين يصغون إليهن ويضيِّعنهم[12].

إن الجزيرة التي يتساكن فيها الرجلُ والحورية، منقطعَين عن كلِّ شيء وعن الجميع في وحدة تواجُههما العشقي، في اعتزالهما مثنى –، هذه الجزيرة تقع في نوع من الفضاء الهامشي، أو المكان المقصي، بعيدًا عن الآلهة، بعيدًا عن البشر[13]. هي عالم "آخر" ليس عالم المخلَّدين، المتمتعين بالشباب أبدًا، مع أن كاليپسو إلهة[14]، وليس عالم البشر الخاضعين للشيخوخة وللموت، على كون عوليس بشرًا فانيًا، كما وليس عالم الموتى، تحت الأرض، في الهاذِس[15]: هي نوع من "اللامكان" يُوارى فيه عوليس، مبتلَعًا دون أن يترك أثرًا، ويصرف فيه حياةً "بين قوسين"، إذا جاز التعبير.

شأنها شأن جنيات البحر اللاتي يواجههن عوليس، تستطيع كاليپسو، هي الأخرى، أن تغني بصوت جميل، فتفتن عوليس بأن تشنف أذنيه بلا هوادة بابتهالات "ذات شجو تشبيبي" aiei de malakoîsi kai amulioisi logoisi thélgei. thélgei: إنها "تخلب لبَّه"، تسحره "كي ينسى إيثاكي" hopôs Ithakès epilèsetai.[16]

يان برويغل البكر (بالتعاون مع هندرِك دوكليرك) الحورية كاليپسو تولم لعوليس (1616).

نسيان إيثاكي، في نظر عوليس، هو قطع الصلات التي ما تزال تشده إلى حياته وإلى ذويه، إلى مقرِّبيه جميعًا الذين، من جانبهم، يتعلقون بذكراه، إما بأن يأملوا، على غير كلِّ توقُّع، بعودة عوليس حيًّا، وإما بأن يتأهبوا لتشييد "النصب الجنائزي" mnèma لعوليس ميت. لكن عوليس، مادام باقيًا على انزوائه، متواريًا عند كاليپسو، ليست حاله حال حيٍّ، ولا هي بحال ميت. فمع أنه ما يزال على قيد الحياة، فكأنه محذوف مقدَّمًا وسلفًا من الذاكرة البشرية. لقد صار، على حدِّ قول ابنه تِليماخوس للإلهة أثينا التي أتتْه متنكرةً لإقناعه بأن والده حي وسيعود لينتصر على طلاب ودِّ أمِّه (1، 235) –، صار، بمشيئة الآلهة، من بين البشر جميعًا، "غير مرئي" aîstos. لقد توارى "غير مرئي ومتجاهَل" aîstos, apustos – خارج متناول ما تستطيع بلوغَه أبصارُ البشر وأسماعُهم. فلو كان مات على الأقل، كما يضيف الفتى الشاب، ميتةً "سوية" تحت جدران طروادة أو بين أذرع رفاقه في سوء الطالع، "لكان حَظِيَ بضريح، وأي مجد عظيم méga kléos كان سوف يخلِّف لولده للمستقبل". لكن الهارپيات[17] اختطفنه: صار رجلاً بلا مكان، لا يمت الأحياءُ إليه بصلة؛ وهو إذ يعدم التذكار، لا يذكر أحدًا ولا أحد يذكره، فيزول صيتُه؛ وإذ يتلاشى، يُمَّحى، يتوارى "بلا مجد"[18]. فعند البطل الذي مثله الأعلى أن يخلِّف بعده "مجدًا لا يزول" kléos aphthiton، هل أسوأ من أن يتوارى هكذا akleiôs: "بلا مجد"[19]؟!

فما الذي تمنحه غوايةُ كاليپسو عوليسَ لكي "تُنسيه" إيثاكي؟ قطعًا إنها تمنحه، أولاً، التهرب من محن العودة، من مشقات الملاحة، من المآسي كلِّها التي تعرف مسبقًا، بحكم ألوهيتها، أنها سوف تتكالب عليه قبل أن يبلغ أخيرًا مسقط رأسه[20]. لكن هذه ليست بعدُ إلا ترهات. فالحورية تقدم له أكثر من ذلك بكثير: إنها تَعِدُه، إذا قبل أن يمكث بالقرب منها، بأن تجعله مخلدًا وأن تُبعِدَ عنه الشيخوخةَ والموتَ إلى الأبد. فعلى غرار إله سوف يحيا في صحبتها خالدًا، في الألق الدائم للشباب: عدم الموت أبدًا، عدم مكابدة عجز الهرم – ذلكم هو رهان الحب المقتسَم مع الإلهة[21].

لكن في فراش كاليپسو ثمنًا ينبغي دفعُه لقاءَ هذا الهروب خارج التخوم التي تحدُّ الشرط الذي يشترك فيه البشر. إن المشاركة في الخلود الإلهي بين ذراعي الحورية تعني، في نظر عوليس، النزول عن مصيره كبطل ملحمي: فهو إذ لا يَرِدُ اسمُه بعدئذٍ، كمثال على الجَلَد، في نص أوذيسة تتغنَّى بمآثره ومِحَنِه، يتعين عليه أن يقبل الامِّحاء من ذاكرة البشر الآتين وسلبَ شهرته بعد مماته والغوص – وإنْ يكن وهو حي أبدًا – في غياهب النسيان: إن ما تعرضه عليه كاليپسو هو، عمقيًّا، خلودُ نكرةٍ غير مسمَّى، شأنه شأن موت البشر ممَّن لم يتسنَّ لهم النهوضُ بقَدَرٍ بطوليٍّ ويشكلون في ظلمات الهاذِس الكتلةَ غير المتمايزة لمَن هم "بلا اسم"[22]: nônumnoi.

إن فصل كاليپسو يطرح، للمرة الأولى في آدابنا الغربية، ما يمكن أن ندعوه الرفض البطولي للخلود. فعند إغريق العصر القديم، ليس لهذا الشكل من الديمومة الأبدية الذي يقاسم عوليس كاليپسو إياه –، ليس له أن يصير حقًّا "ديمومته هو"، بما أنه لن يدري بها أحدٌ في العالم ولن يذكِّر باسم بطل إيثاكي احتفالاً به أحد. عند إغريق عصر هوميروس، على العكس منَّا نحن، ليس المهم غياب المنيَّة – وهو أمل يبدو لهم، كبشر فانين، من قبيل المحال – بل الدوام إلى الأبد عند الأحياء، في موروثهم التذكاري جيلاً بعد جيل، لمجدٍ مكتسَب في الحياة، دُفِعتْ الحياةُ ثمنًا له إبان عمر لا يُقبَلُ فيه الفصلُ بين الحياة والموت.

أرنولد بُكلِن، عوليس وكاليپسو (1883).

على شاطئ هذه الجزيرة، التي حَسْب عوليس أن ينطق بكلمة واحدة لكي يصير مخلدًا فيها، يجلس البطلُ طوال النهار على صخرة مواجِهًا البحر، يندب حظَّه وينتحب. إنه يذوب وينصهر دموعًا: "نسغه الحيوي" aiôn "يسيل بلا توقف" kateibeto aiôn في "الحسرة" pothos على حياته الفانية، مثلما، عند الطرف الآخر من العالم، عند القطب الآخر من الزوجين، تستهلك پينيلوپي من جانبها "نسغها" باكيةً تحسُّرًا على عوليس الغائب[23]. إنها الزوج تبكي حيًّا قد يكون ميتًا؛ وهو، في جُزَيْرة خلوده، مقطوعًا عن الحياة كما لو كان ميتًا، يبكي عمره الحي كمخلوق مآله المنية.

غارقًا بكلِّيته في الحنين الذي يكابده حيال هذا العالم الهشِّ الوقتي الزائل الذي ينتمي إليه، لم يعد بطلُنا يستطعم مفاتن الحورية[24]. وإذا اتفق له أن ينام معها مساءً فذلك لأنه مُكرَه على الأمر: إنه ينضم إليها في الفراش، هو الذي لا يريد ذلك، وهي التي تريده[25].

عوليس يرفض، إذن، هذا الخلود الذي تمنُّ به الأنثى عليه والذي، إذ يقطعه عما يشكل عماد حياته، يقوده أخيرًا إلى ملاقاة الموت المرغوب. لا إيروس بعدُ ولا هيميروس –، لا "حب" بعدُ ولا "رغبة" في الحورية "الجعداء الشعر" يستشعر، بل thanein himeiretai، يصير "راغبًا في الموت"[26].

كاليپسو تتبلغ من هرمس أمر زِفْس بترك عوليس يعود (ليثوغرافيا منقولة عن لوحة جيرار دُه ليريس).

"العودة" nostos، پينيلوپي، "الزوج" gunê، إيثاكي، الوطن، الابن، الأب الشيخ، الرفاق المخلصون، ثم "الموت" thanein – هاكم، في النفور من كاليپسو، في رفض "لاموت" هو أيضًا بالفعل "لاحياة" –، هاكم كل ما يتوجَّه نحوه توقُ عوليس و"شوقه" pothos: نحو حياته، حياته العارضة الفانية، نحو المحن، نحو ترحاله المتجدد الذي لا ينتهي، قدر بطولة التحمل هذا الذي يجب عليه أن ينهض به حتى يصير ذاته: عوليس – عوليس إيثاكي، هذا الذي مازال نص الأوذيسة إلى اليوم يتغنَّى باسمه ويروي أوباتِه ويحتفل بمجده الذي لا يفنى؛ إنما الذي ما كان ليُقيَّض للشاعر أن يقول عنه شيئًا – ولا لنا أن نسمع عنه شيئًا – لو كان لبث بعيدًا عن ذويه، خالدًا، "محجوبًا" عند كاليپسو[27].

*** *** ***

ترجمة: ديمتري أفييرينوس


[1] جان پيير فِرنان (1914-2007) فيلسوف ومؤرخ وأنثروپولوجي فرنسي مختص في اليونان القديمة، "مقاوم كبير" للاحتلال النازي، أستاذ فخري للدراسات المقارنة للأديان القديمة في الـCollège de France. من مؤلَّفاته العديدة: أصول الفكر اليوناني، الأسطورة والفكر عند الإغريق: دراسات نفسية تاريخية، الأسطورة والدين في اليونان القديمة، بين الأسطورة والسياسية، الكون والآلهة والبشر.

[2] الأوذيسة هي الملحمة الإغريقية الشهيرة المنسوبة إلى هوميروس التي تسرد إياب عوليس إلى جزيرة إيثاكي، مسقط رأسه ومملكته، من حرب طروادة التي خاضها مع ملوك اليونان؛ وهي، مع أختها الإلياذة، أساس التأهيل الفكري والروحي للحضارة الإغريقية بأكملها. يعود تأليفُها، أغلب الظن، إلى نهاية القرن الثامن ق م، ويزيد عددُ أبياتها على 12000 بيت، قسَّمها النقادُ الإسكندرانيون تقسيمًا اعتباطيًّا إلى 24 نشيدًا متفاوتة الطول.

والأوذيسة تشترك والإلياذة في كونها من النصوص الحقيقية، لأنهما تحتملان قراءاتٍ عديدةً يتمخض كل منها عن فهم جديد؛ لكنها، من وجه آخر، ضد إلياذة، من حيث إن الإلياذة تُعنى بـ"مجد" kléos أخيلياس الخالد الذي فاز به لأنه، عندما قُيِّض له أن يختار بين أن يحيا في بيته في منأى عن ضربات القدر، "بلا مجد" akleios، وبين أن يكون ما اختار أن يكون: بطلاً مجيدًا يُحسِن البلاءَ وسط المعمعة ويموت فيها في زهرة الشباب، اختار من الأمرين ثانيهما؛ في حين أن الأوذيسة تتغنَّى بمجد عوليس الذي أراد، قبل كلِّ شيء، أن يؤوب إلى موطنه وزوجه وابنه ويعيش شيخوخةً سعيدةً بين ذويه.

شأنه شأن الإغريق المنتصرين في طروادة الذين لم يراعوا للهياكل حرمةً، فسلبوا ودنسوا، والذين بددت الريحُ أسطولهم فغرق منهم كثيرون، كان عوليس العائد مع سفنه العديدة على وشك بلوغ إيثاكي، وقد رآها بالفعل، عندما واجهتْه ريحٌ عاتية عند رأس ماليه وقذفتْ به ورفاقَه بعيدًا عن عالم البشر، عالم الفانين المتحضِّرين ("آكلي الخبز وشاربي الخمر")، حتى تخوم عالم غير بشري، واجهوا فيه كائناتٍ إلهيةً ونصفَ إلهية فعلتْ كل ما من شأنه أن ينسيهم هويتهم ووطنهم. ومع مضي عوليس في رحلته، فقد رفاقه جميعًا، فوجد بذلك نفسه منقطعًا عن عالم البشر، مجردًا من هويته، مختزَلاً إلى "لاأحد" outis، كما عرَّف بنفسه للكِكْلوپوس cyclope، المارد ذي العين الواحدة.

الأوذيسة روايةُ مغامرةِ إنسان بلغ أقاصي الحياة والموت، فعاش تجربةً لا هي بالحياة في ضوء الشمس، ولا هي بالموت في ظلام الليل – تجربةً هي الحياة في عالم ليس عالم البشر الذي تصطرع فيه المتناقضات، بل عالم الخلود في النسيان. من هنا إصرار عوليس على "التذكر" لأنه سبيله إلى استرداد هويته السليبة وبقائه هو هو.

[3] الأوذيسة، 1، 11-15؛ هذه الأبيات عينها تَرِدُ بنصها في بداية النشيد الخامس حيث، كما في النشيد الأول، تفيد مقدمةً لانعقاد مجلس الآلهة وقرار إرسال هرمس، الفعلي هذه المرة، المتَّخَذ في النشيد الأول دون العمل به، رسولاً إلى كاليپسو كي يبلِّغها أمره بإطلاق سراح عوليس. في ازدواج هذا الفصل وفي مغزاه في الكرونولوجيا السردية للقصيد، راجع:

É. DELEBECQUE, Construction de l’Odyssée, Paris, Les Belles Lettres, 1980, pp. 12-3.

[4] بقي عوليس سبع سنين عند كاليپسو، كما يبين هو ذلك جوابًا على سؤال أريتي، ملكة الفياقيين (7، 259-261): سبع سنين، من مدة إجمالية تُقدَّر بثماني أو تسع سنين من الترحال، منذ نهاية حرب طروادة حتى العودة إلى إيثاكي، تبيِّن منزلةَ هذه الإقامة من مجموع الرحلة.

[5] 1، 11-87؛ 4، 555-558؛ 5، 11-300؛ 7، 241-266؛ 8، 450-453؛ 9، 29-30؛ 12، 389 و447-450؛ 17، 140-144؛ 23، 333-338.

[6] حول هذه النقطة، راجع:

P. VIDAL-NAQUET, « Valeurs religieuses et mythiques de la terre et du sacrifice dans l’Odyssée », in Le Chasseur noir, Paris, Maspero, 1981, pp. 39-68.

[7] 1، 11-15 (واردة أيضًا في النشيد الخامس).

[8] عندما يستولي الموت على امرئ، يغلِّفه بغيمة داكنة ويحجب وجهَه بالليل ويقَلْنِسُه بالظلمة. وإيروس لا يفعل غير ذلك. وفي كلا الحالين، يُعبَّر عن هذا "الحَجْب" بفعل amphikaluptein. في خصوص الموت، راجع: الإلياذة، 5، 68 و16 و350؛ وفي خصوص إيروس، راجع: الإلياذة، 3، 442.

[9] الأوذيسة، 5، 120 وما بعده. حول هذا "الاختطاف" الذي يتم بقدرة فائقة للطبيعة، راجع: الإلياذة، 8، 346-7؛ الأوذيسة، 20، 61؛ وبخاصة النشيد الهوميري إلى أفروذيتي، 1، 202-238.

[10] في المسائل الهوميرية (68، 5)، يشدد هيراقليطس، في تأويله غراميات هيميرا وأوريون على سبيل المجاز، على الصلة بين ثاناتوس وإيروس، يقول: "عندما كان يموت شاب من أسرة شريفة وذو جمال عظيم، كان يُطلَقُ على موكبه الجنائزي على سبيل التورية، عند طلوع الشمس، اختطاف هيميرا: فكأنه لم يمت البتة، بل اختُطِفَ لأنه كان محلَّ هوى عشقي."

[11] تُدعى هذه الجزيرة الواقعة في المغرب، عند التخوم القصوى للعالم، "سرة البحر" omphalos thalassès (1، 50 وارد أيضًا في النشيد الخامس)؛ ويشار إليها أيضًا بوصفها "الجزيرة الأوجييية" nèsos ogugiè (1، 85)، وهو النعت الذي يطلقه هسيود على ماء الستيكس، النهر الجهنمي الذي يجري تحت الأرض، عبر الليل المظلم، في أعماق الطرطر [جهنم] (الثيوغونيا، 806). هذا المكان في جوف الأرض هو عينه الذي يجعله هسيود، مخالفًا المنقول الذي يضعه في أقصى الغرب، موقعَ أطلس، والد كاليپسو، "الرافع برأسه وذراعيه، بلا كلل، السماءَ الشاسعة" (الثيوغونيا، 746-748). عندما يتكلم هوميروس عن "سرة البحر" في خصوص الجزيرة التي تقيم فيها كاليپسو، فلكي يأتي بعدئذٍ على ذكر والد الإلهة، هذا الأطلس ذي الروح الشريرة الذي "يعرف الأغوار العميقة للبحر كلِّه" والذي، في الوقت نفسه، "يمسك بالعامودين الشاهقين اللذين يُبقيان الفصلَ بين السماء والأرض" (الأوذيسة، 1، 50-54). ففي دوره كعامود كونيٍّ ضارب في عمق الأرض لكي يرتفع حتى السماء عبر الأرض، يظهر أطلس في الجغرافيا الأسطورية للإغريق في الغرب تمامًا حينًا، وحينًا آخر في الأسفل تمامًا، وطورًا عند "سرة العالم". وهي طرق متعددة للقول بأنه ليس في هذه الدنيا التي يعرفها البشر. فالجزيرة التي تقيم فيها كاليپسو في أقصى الغرب، "أوجييية" مثل الستيكس، عند "سرة البحر"، لا مكان لها في الفضاء البشري: إنها صورة عن المكان الآخر.

[12] "المروج الرخوة" leimônes malakoi، عند كاليپسو: الأوذيسة، 5، 72؛ "المرج المزهِر" leimôn anthemoeis، عند جنيات البحر: الأوذيسة، 12، 158. حول القيمة العشقية لـleimôn، الذي يمكن له أن يشير إلى فرج الأنثى، راجع:

André MOTTE, Prairies et jardins de la Grèce antique, Bruxelles, Mémoires de la classe de Lettres de l’Académie Royale de Belgique, 2e série, T. LXI, fasc. 5, 1973, pp. 50-56 et 83-87.

وحول القيمة الجنائزية والمروِّعة، راجع: المصدر نفسه، ص 250-279. أما "المرج المزهِر"، حيث تعسكر جنياتُ البحر المغويات، فهو مطوق بعظام ورفات بشرية تتفسخ لحومُها (الأوذيسة، 12، 45-6).

[13] حول "بُعد" الجزيرة، راجع: الأوذيسة، 5، 55؛ "بعيدة عن الآلهة": 5، 80 و100؛ "بعيدة عن البشر": 5، 101-102.

[14] تُدعى الحورية عدة مرات thea أو theos، "إلهة" (1، 14 و51؛ 5، 78؛ 7، 255؛ وبخاصة 5، 79، حيث الزوجان كاليپسو/هرمس زوجان إلهيان theoi؛ 5، 118، حيث تَرِدُ هي نفسها في عداد الإلهات المغرَمات بإنسان فانٍ؛ 5، 138، حيث، قبل أن ترضخ، توافق على أن ما من إله يقدر أن يعصى مشيئة زِفْس؛ 5، 192-4، حيث زوجا كاليپسو/عوليس زوجا إله وإنسان theos وanèr). هذا المقام الإلهي مؤكَّد بأنهما، عندما يأكلان معًا، تقتات كاليپسو كالآلهة بالرحيق والكوثر وعوليس بالخبز والخمر كإنسان فانٍ: 5، 93؛ 165؛ 196-200.

[15] إله الجحيم في الميثولوجيا الإغريقية الذي جرت المواحدة بينه وبين پلوتون وأُطلِقَ اسمُه على العالم السفلي ككل. (المترجم)

[16] الأوذيسة، 5، 61 و1، 56-57 (واردة أيضًا في النشيد الخامس).

[17] من الفعل اليوناني harpaein: لقب أُطلِقَ على الإلهات المختصات بفتنة الأبطال واختطافهم. (المترجم)

[18] الأوذيسة، 1، 241.

[19] راجع:

J.-P. VERNANT, « La belle mort et le cadavre outragé », in La mort et les morts dans les sociétés anciennes, sous la direction de G. Gnoli et J.-P. Vernant, Cambridge et Paris, 1982, pp. 45-76.

[20] الأوذيسة، 5، 205 وما بعده.

[21] الأوذيسة، 5، 136؛ 209؛ 7، 257؛ 8، 453؛ 23، 336.

[22] هسيود، الأعمال والأيام، 154. في سياق الثقافة الإغريقية القديمة، حيث مقولة الشخص جد مختلفة عن "أنا" اليوم، وحده مجدُ الميت بعد موته يمكن أن يقال عنه إنه "شخصي". خلود كائن "غير مرئي ونكرة" يتوضع خارج ما يكوِّن، عند الإغريق، فردية المرء، أي من حيث الجوهر، "صيته"؛ راجع: ج.پ. فرنان، المصدر السابق، ص 12 و53.

[23] دموع عوليس: الأوذيسة، 1، 55؛ 5، 82-83؛ 151-153؛ 160-161؛ دموع پينيلوپي: 19، 204-209؛ 262-265.

[24] الأوذيسة، 5، 153: "حيوية" عوليس تُهرَق دموعًا "لأن الحورية لم تعد تروق له epei ouketi hendane numphè."

[25] مساءً، ينضم عوليس إلى كاليپسو بحكم "الاضطرار" anankè، على كُرْه منه، لأنها تريد ذلك: 5، 154-155.

[26] الأوذيسة، 1، 59.

[27] "إنه لمن قبيل الحكمة عند البشر أنه عندما تتم مأثرةٌ يجب ألا تبقى محتجبة kalupsei بالصمت. فإن ما يُحْمَدُ القيامُ به من أجلها هو النغم الإلهي للأبيات التسبيحية." (پندار، النيمييات، 1، 13-17)

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود