الصفحة التالية French Arabic الصفحة السابقة

صوت الصمت – 2
الفصل الأول

هيلينا پ. بلاڤاتسكي

 

هذه التعليمات موجهة لمن يجهل مخاطر الإيدهي[1] Iddhi  السفلي. فمن أراد سماع وفهم صوت النادا[2] Nada ، الصوت الصامت، عليه أن يتعلّم طبيعة الدهارانا[3] Dhârâna . لأن على التلميذ، حين يصبح غير مبالٍ بالأشياء الحسّية، أن يبحث عن راجا Rajah الحواس، ذاك الذي يولِّد الفكر، ويوقظ الوهم.

ولأن الذهني هو المدمّر الأكبر للواقع، فإن على المريد أن يدمّر المدمِّر. فحين يظهر له شكله غير الواقعي، كما تبدو لنا الأشياء التي نراها في الحلم بعد أن نستيقظ؛ وحين يكفَّ عن سماع المتنوع، عندئذٍ يصبح بوسعه تلمُّس الأوحد، هذا الصوت الداخلي الذي يقتل ذاك الخارجي. عندئذٍ، وعندئذٍ فقط، سيترك منطقة الآسات Asat، أي الخطأ، ويدخل منطقة السات Sat، أي الحقيقة.

لكن قبل أن يصبح بوسع النفس أن ترى، يجب التوصل إلى تناغم داخلي يجعل العينين، اللتين من لحم، عمياوتين فيما يتعلق بكل الأوهام. لأنه قبل أن يصبح بوسع النفس أن تسمع، يجب أن تصبح الصورة (الإنسان) صمّاء أمام الضجيج والهمسات، أمام صراخ وزئير الفيلة كما أمام الطنين الفضّي والرنان لليراعة الذهبية. لأنه قبل أن يصبح بوسع النفس أن تفهم وتتذكر، عليها التوحد مع المتحدث الصامت كما تتحد روح صانع الفخّار مع الشكل الذي يصنعه. عندئذٍ سيصبح بوسع النفس أن تسمع، وأن تتذكر. وعندئذٍ، وللأذن الداخلية، سيتحدث..

صوت الصمت

فيقول:

إن ابتسمت نفسك المستحمّة في شمس الحياة؛ وغنّت وسط ظلمات الجسد والمادة؛ إن بكت نفسك في قلب قصر أوهامها، وحاولت التخلّص من الخيط الفضّي الذي يربطها بالمعلّم[4]؛ فاعلم - أيها المريد - أنّ نفسك أرضية.

حين يعير برعم نفسك[5] أذنه لضجيج العالم، ويستجيب للصوت الزائر للوهم الكبير[6]؛ عندما ترتعب نفسك من رؤية الدموع الحارة للألم، وتلتجئ، وقد أصمّتها صيحات الأسى، كسلحفاة خجولة إلى قوقعة الأنانية؛ فاعلم - أيها المريد - أنّ نفسك ليست جديرة بإلهها الصامت.

عندما، وقد أصبحت قويًا، تتسلل نفسك خارج ملجئها الأمين، وتخلع الغلاف الذي يحميها، وتنطلق ناشرة خيطها الفضي؛ حين، وقد رأت صورتها منعكسة على أمواج الفضاء، تهمهم قائلةً: "هذا أنا"؛ اعترف - أيها المريد - بأنّ نفسك قد وقعت في شباك الخطأ[7].

هذه الأرض هي قاعة الألم أيها المريد: ههنا، وعلى طول درب التجارب القاسية، مزروعة الفخاخ التي تسعى لربطك بوهم يدعى "الهرطقة الكبرى"[8].

وهذه الأرض، أيها المريد الجاهل، ما هي إلاّ المدخل الوحيد الموصل إلى الغسق الذي يسبق وادي النور الحقيقي، النور الذي لا يمكن لأحد ولوجه، والمشتعل دونما فتيل أو وقود.

قيل في القانون الكبير: "قبل أن تصبح عارفًا للذات الكلّية[9]، عليك أن تعرف نفسك". ولمعرفة تلك الذات عليك أن تترك الذات للاذات، والكائن للاكائن؛ عندئذٍ يكون بوسعك أن تستريح بين جناحي الطائر الكبير. فناعمة هي الاستراحة بين جناحي من لا يموت، والذي هو الآوم[10] Aum  خلال الأزمنة الأزلية[11].

فاركب طائر الحياة إن شئت أن تعلم[12]. ودَعْ الحياة إن أردت أن تحيا[13].

هي ثلاث قاعات ينتهي عندها عناؤك أيها المسافر المتعب. ثلاث قاعات توصلك عبر ثلاث حالات[14] إلى تلك الرابعة[15] يا غازي المارا Mâra، والمنطلق منها نحو العوالم السبعة[16]، عوالم الراحة الأزلية.

فاستمع إن أردت معرفة أسمائها وتذكّر.

اسم القاعة الأولى هو آفيديا A vidya أو الجهل. وهي القاعة التي شهدت ولادتك تلك، حيث تحيا وحيث تموت[17].

واسم القاعة الثانية هو التعلّم، هذا العالم الذي ستعرف نفسك فيه أزهار الحياة، الأزهار التي يختبئ تحت كلّ منها ثعبان متكوّر[18].

واسم القاعة الثالثة هو الحكمة؛ تلك التي تمتد من وراءها المياه التي لاضفاف لها للأكشارا AKSHARA، ينبوع العلم الكلّي الذي لا ينضب[19].

فإن أردت عبور القاعة الأولى بسلام، لا تسمح بأن تتخذ نفسك من نيران الشهوة الحارقة شمسًا. وإن أردت عبور الثانية بسلام، لا تتوقف كي تستنشق أريج الأزهار المخدِّرة. وإن أردت التحرّر من سلاسل الكارما لا تبحث عن معلّمك في تلك المناطق المايافية (الوهمية). فالحكماء لا يتلكأون في بساتين الحواس، ولا يأبهون لأصوات الوهم الرخيمة.

ابحث عمّن سيعطيك الحياة[20] في قاعة الحكمة، تلك التي تمتد إلى الما- وراء، والتي لا تعرف الظلال، وحيث يشعُّ نور الحق بمجد عظيم.

ما لا يخلق موجود في داخلك أيها المريد، كما أنه موجود أيضًا في هذه القاعة. فإن شئت الوصول إلى الاثنين ودمجهما معًا، تخلّى عن ثياب وهمك القاتمة. وأخمِد صوت الجسد، ولا تدع أية صورة من صور الحواس تتداخل بين نورها وبين نورك. وبمجرد أن تتعرّف إلى آجنانك[21] Ajnana  الخاصة، اهرب من قاعة التعلّم، لأن هذه القاعة خطيرة بجمالها الغدّار، وفائدتها الوحيدة هي أنها تمتحنك. فاحذر أيها اللانو، من أن تُضيّع روحك المتلكئة والمبهورة بنورها المخيب، النور الذي يشعّ من جوهرة الساحر الكبير (مارا)[22]، وهو نور يُغوي الحواس، ويُعمي العقل، ويهجر كالضالّة عديم التبصّر.

الأرقية[23] التي يجذبها النور الساطع لفانوسك الليلي محكوم عليها بالموت حرقًا في زيتها اللزج. كذلك ستعود النفس، عديمة التبصر التي أضاعت فرصة الإمساك جيدًا بشيطان الوهم الساخر، إلى الأرض عبدةً لمارا.

انظر إلى جحافل النفوس، وراقب كيف تتجول على غير هدى فوق البحر العاصف للحياة الإنسانية. وكيف، تعبةً وداميةً ومكسورة الجناح، تتساقط الواحدة تلو الأخرى في قلب الأمواج المتلاطمة. انظر كيف تتقاذفها الرياح الغاضبة وتلاحقها الأعاصير فتنساق مع الدوامات وتختفي عند أول إعصار.

بعدئذٍ، وقد عبرت قاعة الحكمة أيها المريد، وأردت الوصول إلى وادي الغبطة، أغلِق جيدًا حواسك أمام الهرطقة الكبيرة والقاسية للفراق الذي سيفصلك عن الباقين. ولا تدع مبدأك الخالد الغارق في محيط المايا ينفصل عن الأم الكونية (الروح)، بل اترك السلطة المشتعلة تنجذب نحو الغرفة الباطنية، غرفة القلب[24]، حيث تسكن أم العالم[25].

عندئذً، من القلب، سترتفع هذه السلطة إلى المنطقة السادسة، المنطقة الوسيطة التي بين عينيك، حيث ستصبح نفحة الروح الواحدة، ذلك الصوت الذي يطغى على جميع الأصوات، صوت معلّمك.

عندئذٍ فقط سيكون بوسعك أن تغدو متنزِّهًا قادمًا من السماء[26]، ذلك الذي يمتطي الريح، ويمشي فوق الأمواج دون أن تلامس قدماه المياه.

لكن قبل أن تطأ قدمك الدرجة العليا لسلّم النغمات الروحية، عليك أن تستمع، بطرقٍ سبعةٍ، إلى صوت إلهك الداخلي[27]. حيث الصوت الأول يشبه الصوت العذب لعندليبٍ يشدو بأغنية وداع لرفيقته. وحيث الثاني كصوت الصنج الفضّي للدهياني التي توقظ النجوم المتلألئة. أمّا التالي فيشبه الأنين الرخيم لعفريت محبوسٍ في قوقعة. تتبعه أغنية الڤينا[28]. بينما يصفّر الخامس في أذنك كنغم ناي من القصب، ثم يتحول إلى قصف بوق. أمّا الأخير فيرتج كالهدير الأصم لغيم العاصفة. ويبتلع السابع كلّ الأنغام التي سبقت؛ فتموت كل الأصوات ولا نسمعها من جديد.

لأنه، عندما تقتل الستة[29] وتلقى عند أقدام المعلّم، يغوص المريد في الواحد[30]، ويصبح هو الواحد، ويحيا.

قبل أن تسلك هذا الدرب عليك أن تدمر جسدك القمري[31]، وتنظف جسمك العقلي[32]، وتطهر قلبك. لأنه لا يمكن للمياه النقية، الصافية والبلّورية، للحياة الأزلية أن تختلط مع السيول الجارفة والموحلة لعواصف الرياح الموسمية. ولأنّ قطرة الندى السماوية المتلألئة في قلب اللوتس مع أولى أشعة الصباح، تتحول حين تقع على الأرض إلى قطعة صلصال: كاللؤلؤة التي تحولت إلى طين.

حارب أفكارك الملوثة قبل أن تسيطر عليك، وعاملها كما تعاملك؛ لأنك إن راعيتها، وتركتها تتجذر وتنمو، فإنها ستطرحك وتقتلك. لذلك، احذر أيها المريد، ولا تدع حتى ظلها يقاربك؛ لأن هذا الشيء الظلامي، حين يكبر ويقوى، سيمتصّ كيانك قبل أن تتنبه لظله الملوث.

لأنه قبل أن تجعل السلطة الروحية[33] منك إلهًا، أيها اللانو، عليك أن تتملك قدرة قتل شكلك القمري متى شئت ذلك.

لا يمكن لذات الروح وذات المادة أن تلتقيا أبدًا. فعلى أحدهما أن يزول حيث لا مكان للاثنين معًا. وقبل أن يصبح بوسع روح نفسك أن تفهم، اِسحق برعم الشخصية، ودمّر دودة الحواس بحيث لا يكون بوسعها الانبعاث من جديد. لأنه لن يكون بوسعك اجتياز الدرب قبل أن تصبح أنت ذلك الدرب بالذات[34].

دع نفسك تصغي إلى كلِّ صرخة ألم، كزهرة اللوتس حين تعرّي قلبها فيتشرّب من شمس الصباح.

لا تدع الشمس الحارقة تجفف دمعة الألم قبل أن تحاول مسحها عن العينين المفجوعتين، لكن دع كل دمعة إنسانية تقع حارقة على قلبك وأبقِها ولا تمسحها قبل أن تزيل الألم الذي تسبب بها. فهذه الدموع، يا أيها الإنسان ذو القلب الرحيم، هي الجداول التي تسقي حقول الإحسان الخالد. فعلى هذه الأرض تنمو زهرة البوذا في منتصف الليل[35]، تلك التي إيجادها أصعب، وتأملها أندر، من زهرة شجرة الڤوغاي. فهي البذرة التي تحرر الانبعاث. تلك التي تعزل الآرهات عن الصراع والطمع، وتقوده، عبر حقول الكائن، نحو السلام والغبطة التي لا يعرفها إلاّ بلد الصمت واللاوجود.

اقتل الرغبة، لكن احذر، حين تقتلها، من أن تعود فتُبعث من بين الأموات من جديد.

اقتل حب الحياة. لكنك إن قتلت التانها[36]، لا تدع فعلك هذا يكون طمعًا بالحياة الأزلية، وإنما من أجل استبدال المتحول بالّذي لا يتبدل.

لا تشتهِ شيئًا. ولا تنفعل ضد الكارما، ولا ضد قوانين الطبيعة التي لا تتغير. ناضل فقط ضد ما هو شخصي وعابر وفانٍ وسريع الزوال.

ساعد الطبيعة، واعمل معها: عندئذٍ ستنظر الطبيعة إليك كأحد أبنائها، وستخضع لك. وستنفتح أمامك على مصراعيها بوابات غرفها السرّية. ولناظريك ستقدم كنوزها العارية المختبئة في صدرها العذري الطاهر؛ تلك التي لم تلوثها يد المادة. لأنها لا تكشف عنها إلاّ لعين الروح التي لا تنغلق أبدًا، العين التي لا حُجُب أمامها، ولا في كل الممالك. عندئذٍ سترشدك إلى الوسائل وإلى الطريق؛ إلى البوابة الأولى والثانية والثالثة وحتى السابعة. كما ستقودك إلى الهدف الذي يمتد من بعده، غارقةً في شمس الروح والأمجاد التي لم تعبّر عن نفسها، ما لا يراه الجميع، وتراه عين الروح فقط.

هناك طريق واحدة توصل إلى الدرب، وفي نهايتها فقط بوسعنا سماع صوت الصمت. لأنّ السلم الذي يتسلقه المريد مصنوع من درجاتٍ من الألم والحزن، ووحده صوت الفضيلة يستطيع إسكات صوتها. لذلك، بائس أنت أيها المريد إن تركت وراءك آفة واحدة، لأنّ السلم سينهار عندئذٍ وستقع؛ لأنّ قدميه ترتكزان إلى الوحل العميق لخطاياك وأخطائك، لأنّه قبل أن تتمكن من عبور هذا الغور العميق من المادة عليك غسل قدميك بمياه الزهد. لذلك انتبه أن تلمس العتبة الأولى بقدم ما زالت ملوثة. فبائس من يتجرأ على تدنيس واحدة من عتباتها بقدميه الموحلتين. عندئذٍ ستجف الحمأة الملوثة واللزجة وتصبح قاسية وتكبّل قدميه في المكان كعصفور عالق في صمغ الصياد، ما سيمنعه من متابعة المسير، وستتخذ أخطاؤه شكلاً يجرّه إلى الأسفل، وسيرتفع صوت خطاياه، كصوت ابن آوى حين يعلو وينتحب بعد غياب الشمس، وستتحول أفكاره جيشًا يجرّه إلى الأسر والعبودية.

لذلك اقتل رغباتك أيها اللانو، واجعلها عاجزة، قبل الشروع بالخطوة الأولى في هذه الرحلة المهيبة. اخنق خطاياك وأسكتها إلى الأبد قبل أن ترفع قدمًا واحدة وتشرع بالصعود. أسكِت أفكارك، وركِّز كل انتباهك على ذلك المعلم الذي لم تره بعد، وإنما تشعر به فحسب. اجعل حاسة واحدة تبتلع حواسك، إن شئت أن تنعم بالأمان تجاه العدو. لأنه عن طريق هذه الحاسة الوحيدة المختبئة في قلبك وعقلك بوسع الأعين الضعيفة لنفسك اكتشاف الدرب الصعب الذي سيقودك إلى المعلم.

طويل وممل يمتد الدرب أمامك أيها المريد، ومجرد فكرة للماضي الذي تركته وراءك سوف تسقطك من جديد، وسيكون عليك أن تعيد الكرة من جديد.

اقتل في نفسك كل ذكريات المشاعر الماضية، ولا تنظر إلى الخلف وإلاّ أضعت نفسك.

لا تعتقد أبدًا أن بوسعك تدمير الفسق عن طريق إشباعه: فهذه شناعة أوحت بها مارا. لأنّ الرذيلة كالدودة التي تقتات من قلب الوردة، تنتشر وتقوى حين نغذيها. ويجب أن تعود الوردة ذلك البرعم الذي ولّده الغصن الأم قبل أن ينخر الطفيلي قلبه ويمتص رحيقه. فالشجرة الذهبية تعطي براعمها المتلألئة قبل أن تُذبل العاصفة جذعها. وعلى المريد أن يستعيد حالة الطفولة التي أضاعها قبل أن تطرق النغمة مسامعه. فالنور المنبثق من المعلم الأوحد، النور الذهبي الروحي الأوحد، يلقي على المريد، ومنذ البداية، أشعته الساطعة التي تخترق الغيوم الكثيفة والقاتمة للمادة. وهذه الأشعة تنيره من جميع الجهات، كما تنير ومضات الشمس الأرض مخترقة أوراق الغابة الكثيفة. ولكن، أيها المريد، ما لم يصبح اللحم مستكينًا، ويصبح الرأس باردًا، وتصبح الروح صلبة وصافية كالماس المشع، لن يدخل النور الغرفة[37]، ولن يدفىء نوره القلب، ولن تصل إلى الأذن، مهما كانت مصغية في المرحلة البدئية، تلك الأنغام الروحانية الآتية من الأعالي الآكاشية[38].

وإذا لم تسمع؛ فلن يكون بوسعك أن ترى.

وإذا لم ترَ، فلن يكون بوسعك أن تسمع. وأن تسمع وترى في الآن ذاته، هذه هي المرحلة الثانية.

وعندما يسمع المريد ويرى، عندما يتحسس ويتذوق، مغلق العينين والأذنين، مغلق الفم والمنخرين؛ عندما تختلط حواسه الأربع ويصبح بمقدورها الانتقال إلى الحاسة الخامسة التي هي اللمس الداخلي - عندها يكون قد انتقل إلى المرحلة الرابعة.

لأنك في المرحلة الخامسة، يا مدمّر أفكارك، ستقتلها كلها مرة أخرى بحيث لن يعود بوسعها القيام مجددًا[39]. فحافظ على نفسك بمنأىً عن كل ما هو خارجي، وعن كل عرض خارجي. واجعل صورك الداخلية نائيةً خوفًا من أن تلقي ظلاً على روحك. لقد أصبحت الآن في الدهارانا، التي هي المرحلة السادسة[40].

وحين تنتقل إلى المرحلة السابعة، يا سعيد الحظّ، لن يعود بوسعك رؤية الثلاث المقدسة[41]، حيث تكون قد أصبحت أنت هذه الثلاث؛ أنت نفسك وذلك العقلي، كتوأمين متقابلين، والشمس هدفك المتوقد فوق الرأس[42]. فهذه الثلاث الكامنة في قلب المجد والغبطة التي لا تنحى قد فقدت أسماؤها في عالم المايا، وأصبحت نجمة واحدة. إنها النار التي تشتعل ولا تستهلك. هذه هي النار الأوبادهي[43] المشتعلة.

وهذا هو، أيها اليوغي الناجح، ما يدعوه البشر دهيانا[44]، ذلك السلف الحقيقي للسامادهي[45]. فقد غرقت ذاتك في الذات، وأصبحت أنت نفسك غارقًا في تلك الذات التي انبثق منها نورك في البداية.

أين أضحت فردانيتك أيها اللانو، أين أضحى اللانو بحد ذاته؟ إنها الشرارة التي ضاعت وسط النار كقطرة ماء وسط المحيط. ذلك الشعاع الموجود دائمًا، والذي أصبح هو الكلّ، وهو الشعاع الأزلي.

فالآن أيها اللانو، أصبحت الممثل والمشاهد معًا، أصبحت المشعّ والشعاع معًا، الضوء في قلب الصوت، والصوت في قلب الضوء.

الآن وقد تعرفت إلى العوائق الخمسة، أيها المبارك، أصبحت ذلك الذي انتصر عليها فأصبح سيد العائق السادس، ومحرر الوسائط الأربعة للحقيقة[46]. أصبحت النور الذي يضيئها والنابع من ذاته، يا من كنت مريدًا وصرت معلمًا.

وعبر وسائط الحقيقة هذه: ألم تتعرف إلى كلّية البؤس - هذه هي الحقيقة الأولى.
ألم تنتصر على ملك الماراس في توو، عند بوابة التجمع - هذه هي الحقيقة الثانية[47].
ألم تدمر الخطيئة، عند البوابة الثالثة، وتمتلك الحقيقة الثالثة.
ألم تدخل الطاو، الذي هو درب المعرفة - تلك هي الحقيقة الرابعة[48].

استرح الآن في ظل الشجرة أيها البودهي، يا من أصبحت تجسّد كمال المعرفة، وخذ علمًا بذلك، يا سيد سامادهي، يا حالة الرؤية التي لا تخيب.

انظر! لقد تحولت إلى نور، وتحولت إلى صوت، وأصبحت سيد نفسك وإلهها. وأصبحت أنت موضوع بحثك: ذلك الصوت الوحيد الصادح في الأزلية، بلا تحول وبلا خطيئة، لقد أضحت الأصوت السبعة صوتًا واحدًا هو: صوت الصمت - أوم تات سات.

ترجمة: أكرم أنطاكي

*** *** ***

horizontal rule

[1]  الكلمة القديمة إيدي هي المرادف السنسكريتي لكلمة سيديس، التي تعني القدرات فوق الطبيعية للإنسان. وهناك نوعان من السيديس: مجموعة تضم الطاقات النفسية والعقلية الدنيا، بمعنى الفظة، وأخرى تتطلب أقصى حدٍّ من تدريب القدرات الروحية. لأنه وكما قال كريشنا في الشريماد بغاڤات: "من انخرط في تحقيق اليوغا، من أخضع حواسه وركّز نفسه فيَّ، هو أحد اليوغيين الذين يستعد لخدمته كل السيديس."

[2]  ربما يجب أن نقرأ الصوت الصامت أو صوت الصمت بأنها صوت النغم الروحي، لأن كلمة نادا هي المرادف السنسكريتي لعبارة سن- زار.

[3]  الدهارانا هو التركيز المكثّف والكامل للذهن على أي غرض ذهني داخلي، والمترافق مع عزلة داخلية كاملة عن كل ما له علاقة بالعالم الخارجي، أي بعالم الإحساس.

[4]  "المعلِّم الأكبر" هو التعبير الذي يستخدمه النوس أو الشيلاس (أي المريدين) للإشارة إلى "الذات العليا". وهي نفسها عبارة أفالوكيشيفارا، ونفسها آدي- بودا التي يستخدمها السرّانيون البوذيون، وآتمان (أي الذات العليا) التي يستخدمها البراهمانيون، وتعبير خريستوس الذي كان يستعمله الغنوصيون القدامى.

[5]  تستعمل كلمة النفس هنا للدلالة إلى Ego الإنسان أو ماناس، تلك التي ندعوها وفق تقسيماتنا السباعية "النفس البشرية"، لتمييزها عن النفوس الروحانية والحيوانية.

[6]  ماها مايا أو "الوهم الكبير" هي العالم الموضوعي.

[7]  سقاياديتهي أو "خطأ" الشخصية.

[8]  أتافادا، أو هرطقة الإيمان بالروح، أو لنقل انفصال هذه الأخيرة، أي الذات، عن الذات الكونية التي لا تتجزأ.

[9]  التاتواجناني هو ذلك الذي يعرف ويتلمس قوانين الطبيعة والإنسان. والأتماجواني هو عارف الأتمان، أو الذات الكونية الوحيدة.

[10]  الكاتا هامسا هي "العصفور" أو البجعة. لأنه قيل في النادا-هندو أوبانيشاد (الريج فيدا) أن: "حرف الألف هو جناحه الأيمن، وحرف الواو جناحه الأيسر، وحرف الميم ذيله، والأدراماترا (نصف المتر) هي رأسه."

[11]  بالنسبة للشرقيين تعني الأزلية شيئًا مختلفًا عمّا نفهمه نحن، فهي تعني الأعوام المئة أو عمر البراهما، ومدة الكالبا أو الحقبة هي 4.320.000.000 سنة.

[12]  حسب النادا الهندي الذي سبق وذكرناه، فإن اليوغي الذي يرتقي إلى الهامسا (بمعنى يتأمل الآوم) لا تصيبه التأثيرات الكارمية، ولا مليارات الخطايا.

[13]  بمعنى دع حياة الشخصية المادية إن أردت أن تعيش حياةً روحية.

[14]  هي الحالات الثلاث للوعي وهي: جاغرات أو البارحة، سوابنا أو الحلم، وسوسهوبتي أو النوم العميق. وهذه الاشتراطات اليوغية الثلاثة تقود إلى الحالة الرابعة.

[15]  وتدعى حالة توريا، تلك التي تتجاوز حالة اللاحلم: الحالة العليا، حالة الوعي الروحي الأعلى.

[16]  يضع بعض المتصوفة السنسكريتيين سبعة مستويات للوجود هي: اللوكاس السبعة أو العوالم الروحية في قلب جسد كآلا-هامسان، إنها البجعة التي خارج الزمان والمكان، تتحول إلى بجعة داخل الزمن، عندما يتحول البراهما إلى براهما حيادي.

[17]  فقط العالم الظاهري للأحاسيس والوعي الأرضيين.

[18]  هي المنطقة الكوكبية، العالم النفسي للأحاسيس فوق الحسّية والرؤى الخادعة، عالم الوسطاء الروحيين. وهو "الثعبان الكوكبي" الكبير الذي تحدث عنه إليفاس ليفي. حيث لم تقطف وردة من تلك المناطق وتجلب إلى الأرض إلاّ وكان ملتفًا حول جذعها ثعبان متكوّر. إنه عالم الوهم الكبير.

[19]  هي منطقة الوعي الروحي الكامل، تلك التي يتجاوز من يصلها كل المخاطر.

[20]  يدعى المطلع الذي يقود المريد، عن طريق المعرفة التي يمتلكها، إلى ميلاده الروحي أو ميلاده الثاني بالأب أو المعلم أو الغورو.

[21]  الآجنانا هي الجهالة أو اللاحكمة، بمعنى أنها نقيض المعرفة أو الجنانا.

[22]  في المناطق الظاهرية المارا هي شيطان، أو الصورة؛ لكنها في الفلسفة الباطنية تعني تجسّد الإغراء عن طريق رزائل البشر، وهي إن ترجمت حرفيًا تعني "ما يقتل" النفس. وتمثّل كملك (للماراس) يلبس تاجًا تزينه جوهرة يعمي إشعاعها أولئك الذين ينظرون إليها: هذا الإشعاع الذي يفسّر بأنه الإغراء الذي تؤثر به الرزيلة على بعض الطبائع.

[23]  نوع من الفراشات من رتبة حرشفيات الأجنحة تسطو أساريعها على النباتات المختلفة والأشجار وتعرّيها من أوراقها.

[24]  تدعى غرفة القلب الباطنية بالسنسكريتية براهما-بورا. والسلطة المشتعلة كونداليني.

[25]  "السلطة" و"أم العالم" هي أسماء تطلق على الكونداليني، التي هي إحدى الطاقات السرّانية لليوغي. إنه البوذي حين نتعامل معه كمبدأ فعّال وليس كمبدأ سلبي ( فهو، بشكل عام، سلبي حين لا نرى فيه سوى المركبة أو الإطار المغلف للروح الكلية، أي الآتما). وهي قوة كهر-روحية، قوة خلاقة بوسعها حين تستيقظ أن تقتل وأن تحيي.

[26]  الكيشارا هو من يتنزه أو يذهب إلى السماء. وكما تشرح الآدهيايا السادسة لملك الرسائل الروحانية الجنانيشواري: يصبح جسم اليوغي شبيهًا بالريح وكأنه "غيمة نبتت لها أعضاء"، بعد هذا "يصبح بوسع اليوغي أن يرى الأشياء التي تتجاوز البحار والنجوم: يصبح بوسعه أن يسمع ويفهم لغة الديفا، يعرف ما يجري في نفس النملة".

[27]  أي الذات العليا.

[28]  الفينا أداة مسيقية وترية هندية شبيهة بالعود.

[29]  المبادىء الستة: بمعنى أن تدمّر الشخصية الدنيا فتغوص وتضيع في قلب المبدأ السابع أو الروح.

[30]  أي يصبح المريد واحدًا مع البراهما - الآتمان.

[31]  هو الشكل النجمي الناتج عن المبدأ الكارمي، الكارما-روپا أو جسد الشهوات.

[32]  هو المآناسا-روپا، حيث يعود الأول للذات النجمية أو الخاصة، والثاني للفردية أو الذات (أي الإيغو) المتقمصة، أو الماناس السفلي، والتي يتوجب على مستوانا شلّ وعيها لذاتها.

[33]  الكونداليني هي ما تسمى به القدرة الحلزونية أو الحلقية، وذلك بسبب فعلها أو تطورها الحلزوني في جسم اليوغي الذي يطور هذه القدرة في نفسه. إنها قدرة كهربائية، نارية، سرّانية أو فوهاتية، تلك القوة البدئية الكبيرة والكامنة تحت كل مادة عضوية وغير عضوية.

[34]  في كل المؤلفات السرّانية يجري الحديث عن الدرب، الذي هو كما يعبّر كريشنا في جنانيشواري: "حين تلمح هذا الدرب، حين نتجه نحو ازهرار الشرق أو نحو الغرف الغربية، من دون حراك، يا حامل القوس، تكون الرحلة على هذا الطريق. على هذا الدرب وإلى أي مكان شئت أن تذهب، تصبح أنت ذاك المكان". "أنت هو الدرب"، هذا ما يقال للمعلم (الغورو) التابع، وعن طريقه للمريد بعيد المساررة. لأنه كما قال معلم آخر "أنا الدرب والطريق".

[35]  إنها التابعة، أو "ازهرار الالبوديساتفا".

[36]  التانها هي إرادة الحياة والخوف من الموت وحب الحياة، إنها القوة أو الطاقة التي تسبب الانبعاثات المتكررة.

[37]  راجع الهامش رقم 24.

[38]  هي الألحان الروحية التي يسمعها الناسك في بداية دورته التأملية، والتي يدعوها اليوغيون بالأناهاتاشابدا. حيث الأناهاتا هي التشاكرا الرابعة.

[39]  ما يعني أنه في المرحلة السادسة من التطور، الذي يدعى في المنظومة السرّانية بالدهارنا، يجب القضاء على (أو شلّ) كل حسٍّ على هذا الصعيد، وذلك عبر الانتقال أو الغوص في المستوى السابع الذي هو المستوى الروحاني.

[40]  راجع الهامش رقم 2.

[41]  تمثل كل مرحلة من مراحل التطور في الراجا-يوغا بشكل هندسي. وهذه هي هنا المثلث المقدس الذي يسبق الدهارانا. والـ هو علامة الشيلا العليا، بينما مثلث من نوع آخر هو إشارة الملقنين العلويين. إنه رمز "أنا" الذي يتحدث عنه البوذا ويستعمله كرمز متجسد للتاتهاغاتا عندما يتخلص من طرق البراجانا الثلاث. حيث وبمجرد تجاوز الدرجات السفلية الأولى، لن يعود بوسع المريد أن يرى الـ، إنما الـ – الذي هو اختصار للـ - السباعي الكامل الذي لا يمكن إعطاء شكله الكامل ههنا، لأنه شبه متأكد أن سوف يتسلط عليه الدجالون ويستعملوه لغايات مدنسة وغير نزيهة.

[42]  النجمة المتوقدة فوق الرأس هي "نجمة المساررة". وعلامة طبقة الشايفاس، أو أتباع طائفة شيفا، المعلم الأكبر لكل اليوغي هي نقطة مستديرة سوداء، ترمز ربما إلى الشمس، في المرحلة الحالية، ورمز نجمة المساررة في علم الباطن، في الأيام الخوالي.

[43]  (الأوبادهي) هي قاعدة النار التي لا يمكن أبدًا الوصول إليها، طالما بقي الناسك في هذه الحياة.

[44]  تعتبر الدهيانا المرحلة قبل الأخيرة التي نعيشها على هذه الأرض ما لم نتحول إلى ماهاتما كامل. في هذه الحالة، وكما سبق وشرحنا، يكون الراجايوغي واعٍ لنفسه ولفعل مبادئه العليا روحيًا، ما يعني أنه لن تتبقى سوى خطوة ويكون قد أصبح في المستوى الذي يتجاوز السابع (أو الرابع وفق مدارس أخرى). وهذه تتضمن بعد ممارسة البراتيهارا – الذي هو تدريب أولي يساعد على السيطرة على العقل والأفكار - الدهارانا والدهيانا والسامادهي وتجمع هذه الثلاث تحت المسمى العام سامياما.

[45]  هي الحالة التي يفقد المتصوف فيها أي إحساس بالفردانية بما فيها فردانيته الخاصة. فيتحول إلى كلّ.

[46]  الوسائط الأربعة للحقيقة هي وفق البوذية الشمالية: الكو التي تعني العذاب والبؤس، والتو التي تجمع كل المغريات، والمو الذي يعني دمارها، والتاو الذي هو الدرب. أما العوائق الخمس فهي معرفة البؤس وحقيقة الضعف البشري والامتناعات الصعبة والضرورة المطلقة للابتعاد عن كل روابط الشغف والرغبات، أما الأخير فهو "درب الخلاص".

[47]  عند بوابة التجمع يقف ملك الماراس، الماها مارا، محاولاً إعماء المريد بالنور المبهر لجوهرته.

[48]  وهذا هو الرابع من بين الدروب الخمسة التي تقود وتدفع كل الكائنات البشرية إلى حالات دائمة من الفرح والترح. وهذه الدروب ما هي إلا تفرعات للدرب الوحيد الذي يتبعه الكارما.

 

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود