english

                        مفتاح الثيوصوفيا

 

هيلينا ب. بلافاتسكي

                                               الباب الرابع عشر

 

"مهاتماوات الثيوصوفيا"

_____

 

أ"أرواحٌ من نور هم أم "أبالسة ملعونون"؟

السائل: من هم، أخيرًا، أولئك الذين تدعونهم "سادتكم"؟ بعضُهم يقول إنهم "أرواح"، أو جنس آخر من أجناس الكائنات الخارقة للطبيعة، في حين يدعوهم بعضُهم الآخر "أساطير".

الثيوصوفي: إنهم ليسوا هذا ولا ذاك. سمعتُ ذات مرة واحدًا من البرَّانيين يقول لواحد آخر إنهم جنس من الخيالنة[1]، أيًّا كان مثل هذا المخلوق! غير أنك إذا استمعت إلى ما يقوله الناس فلن تكوِّن أبدًا تصورًا صحيحًا عنهم. إنهم، في المقام الأول، بشر أحياء، يولدون كما نولد، ومقضيٌّ عليهم أن يموتوا ككلِّ البشر.

السائل: أجل، ولكن يُشاع إن بعضهم قد بلغ من العمر الألف من السنين. هل هذا صحيح؟

الثيوصوفي: إنه صحيح صحة النموِّ العجائبي للشعر على رأس شغبات مرديث: حقًّا، كما جرى مع "المثيل"، لم تتمكن أية موسى حِلاقة ثيوصوفية من جزِّه إلى الآن.[2] كلما أنكرناه، وكلما حاولنا أن نفقِّه الناس، أضحت الاختلاقاتُ أسخف. سمعت عن بلوغ متوشالح[3] عمر الـ969 عام؛ لكنني، إذ لم أكن مرغمًا على تصديق ذلك، سخرتُ من المعلومة، الأمر الذي جعل الكثيرين ينظرون إليَّ نظرتهم إلى زنديق مجدِّف!

السائل: فهل يتخطون حقًّا العمر العادي للبشر، إذا أخذنا الأمر على محمل الجد؟

الثيوصوفي: ما هو العمر "العادي" في نظرك؟ أذكر أنني قرأت في الـLancet[4] عن رجل مكسيكي ناف عمرُه على الـ190 عامًا؛ غير أنني لم أسمع أبدًا عن بشر فانٍ، من العامة كان أم من النطساء، استطاع أن يعيش حتى نصف السنين التي خُصَّ بها متوشالح. غير أن بين النطساء مَن يتخطَّى بمقدار كبير ما قد يكون العمر العادي في نظرك؛ ومع ذلك، فليس في الأمر شيء عجائبي، وقلة قليلة بينهم تهتم بالعيش طويلاً.

السائل: فما معنى كلمة "مهاتما" حقًّا؟

الثيوصوفي: إنها في بساطة تعنى "نفس كبيرة" – كبيرة بفضل السموِّ الخُلُقي والمنال الفكري. فإذا كان لقب "كبير" يُطلَق على جندي سكِّير عربيد كالإسكندر، لِمَ لا ندعو "كبارًا" أولئك الذين أنجزوا فتوحات أعظم بكثير في أسرار الطبيعة من الفتوحات التي قام بها الإسكندر في ميدان الوغى؟ ثم إن المصطلح مصطلح هندي قديم جدًّا.

السائل: ولِمَ تدعونهم "سادة"؟

الثيوصوفي: ندعوهم "سادة" لأنهم معلِّمونا؛ ولأننا منهم قد اقتبسنا الحقائق الثيوصوفية كلَّها، مهما كان قصورُ بعضنا في التعبير عنها وبعضنا الآخر في فهمها. إنهم رجال – ندعوهم بالمُسارَرين – ذوو علم كبير، وذوو قداسة حياة أكبر. وهم ليسوا نسَّاكًا بالمعنى العادي للكلمة، مع أنهم قطعًا يبقون في معزل عن جَيَشان عالمكم الغربي ونزاعاته.

السائل: أوليس من الأثرة أن يعزلوا أنفسهم على هذا النحو؟

الثيوصوفي: أين الأثرة في ذلك؟ ألا يبرهن مصيرُ الجمعية الثيوصوفية برهانًا وافيًا على أن العالم ليس بعدُ مستعدًّا للاعتراف بهم ولا للانتفاع من علمهم؟ أي نفع يُرتَجى من تعليم البروفيسور كليرك مكسويل[5] جدولَ الضرب لصفٍّ من الصبية الصغار؟ ثم إنهم لا يعزلون أنفسهم إلا عن الغرب. أما في بلادهم فهم يهتمون لشؤونهم علنًا، مثلهم كمثل غيرهم من الناس.

السائل: أفلا تعزون إليهم قدراتٍ خارقة للطبيعة؟

الثيوصوفي: نحن، كما أسلفت، لا نؤمن بأيِّ شيء خارق للطبيعة. فلو عاش إديسون[6] واخترع فونوغرافه قبل مائتي عام، أغلب الظن أنه كان سيُحرَق معه، ولنُسِبَ الأمر برمَّته إلى إبليس. إن القدرات التي يستعملونها ما هي إلا تنمية لطاقات ترقد كامنة في كلِّ رجل وامرأة، طاقات بدأ العلم الرسمي حتى يقر بوجودها.

السائل: أصحيح أن هؤلاء الرجال يلهمون بعض كتَّابكم، وأن العديد من مؤلَّفاتكم الثيوصوفية، إن لم نقلْ كلها، كُتِبَتْ بإملاء منهم؟

الثيوصوفي: هذا يصح على بعض هذه المؤلَّفات. هناك مقاطع من إملائهم كلمة كلمة؛ لكنهم، في أغلب الحالات، يكتفون بإلهام الأفكار ويتركون الشكل الأدبي للكتَّاب.

السائل: لكن هذا، في حدِّ ذاته، إعجاز! إنه، في الواقع، معجزة، فكيف يمكن لهم القيام به؟

الثيوصوفي: سيدي الكريم، أنت واقع في غلط فاحش؛ والعلم نفسه هو الذي سيدحض حججَك في يوم ليس ببعيد. لِمَ يكون الأمرُ "معجزة"، كما تسمِّيه؟ يُفترَض في المعجزة أن تعني عملية ما خارقة للطبيعة، بينما لا يوجد في الواقع شيء فوق الطبيعة أو قوانينها أو ما يتعالى عنها. بين الأشكال العديدة للـ"معجزات" التي حظيتْ مؤخرًا باعتراف العلم الحديث هناك التنويم، وواحد من أوجُه قدرته يُعرَف بـ"الإيحاء" – وهو شكل من أشكال توارُد الأفكار، استُعمِل استعمالاً ناجحًا في مكافحة أدواء بدنية معينة، إلخ. ولن يطول الأمر بعالَم العلم كثيرًا حتى يُجبَر على الاعتراف بوجود تفاعُل بين ذهن وآخر، مهما كانت المسافة بينهما، بمقدار ما يوجد من التفاعل بين جسمين بينهما أوثق الصلة. فحين يتصل ذهنان اتصالاً متعاطفًا، وتُوالَف الأجهزةُ التي يشتغلان من خلالها بحيث يتجاوب واحدُهما مع الآخر مغناطيسيًّا وكهربائيًّا، لِمَ يقوم ما يحول دون بثِّ الخواطر – إراديًّا – من أحدهما إلى الآخر؟ فبما أن الذهن ليس من طبيعة ملموسة بحيث تستطيع المسافة أن تفصله عن موضوع مشاهدته، ينجم عن ذلك أن الفرق الوحيد الممكن بين ذهنين هو فرق في الحالة. فإذا تمَّ التغلب على هذا العائق، أين "المعجزة" في التخاطر، مهما تكن المسافة؟

السائل: لكنك لا بدَّ أن تقر بأن التنويم لا يقوم بشيء يوازي مثل هذا الإعجاز أو العَجَب؟

الثيوصوفي: على العكس. فمن الوقائع المُثبَتة أن في وسع المنوِّم أن يؤثِّر في دماغ المنوَّم إلى حدِّ أن يُحدِثَ، عبر بنية هذا الأخير، تعبيرًا عن أفكاره هو، وحتى عن كلماته؛ ومع أن الظواهر الملحقة بهذه الطريقة من التخاطر الفعلي مازالت إلى الآن قليلة العدد، فلا أحد، فيما أظن، سيضطلع بتحديد الشوط الذي سيقطعه مفعولُها في المستقبل، إذ تُقَرُّ القوانين التي تحكم إحداثها تقريرًا أكثر علمية. وبالتالي، إذا كان من الممكن إحداثُ مثل هذه النتائج بمعرفة أوَّليات التنويم وحسب، ماذا يحول دون الناطس في القدرات النفسانية والروحانية والإتيان بنتائج تَنْحَوْن، من جراء معرفتكم الحالية المحدودة بقوانينها، إلى تسميتها "خوارق"؟

السائل: فلِمَ لا يختبر أطباؤنا[7] لكي يحاولوا معرفة إن كان الإتيان بمثلها في إمكانهم؟

الثيوصوفي: لأنهم، قبل كلِّ شيء، ليسوا نطساء ذوي فهمٍ تامٍّ لأسرار العالَمين النفساني والروحاني، بل ماديون، يخشون أن يخطوا خطوة واحدة خارج خندق المادة الضيق؛ ولأنهم، ثانيًا، يجب أن يخفقوا في الوقت الحاضر، ويظلوا على إخفاقهم، حتى يضطروا إلى الإقرار بأن بلوغ مثل هذه القدرات أمرٌ ممكن.

السائل: فهل يمكن تعليمهم؟

الثيوصوفي: غير ممكن، ما لم يكونوا قبل كلِّ شيء مستعدين، بكسح الغثاء المادي المتراكم في أدمغتهم كلِّه، حتى آخر ذرة.

السائل: إن هذا ليستأثر بالاهتمام حقًّا. قل لي: هل ألهم النطساءُ ثيوصوفيين عديدين منكم أو أملوا عليهم على هذا النحو؟

الثيوصوفي: لا، فهم، على العكس، ألهموا قلة قليلة وحسب. فمثل هذه العمليات يتطلب شروطًا خاصة. إن ناطسًا من الأخوية السوداء ("إخوان الظل"، والـدُغْبا، كما نسمِّيهم) لا يتورع عن شيء، لكنه ماهر، يعاني في شُغله مشقاتٍ أقل بكثير. إن "مشعوذًا" دُغْبا كهذا، إذ لا يتقيد بأية قوانين من طبيعة روحية من شأنها عرقلة أفعاله، يملك أن يسيطر على أيِّ ذهن، لا يراعي في ذلك حرمةً، ويخضعه إخضاعًا تامًّا لقدراته الشريرة. أما سادتنا فلا يفعلون أبدًا شيئًا من هذا القبيل. إذ لا يحق لهم، تحت طائلة الوقوع في السحر الأسود، امتلاكُ السيادة التامة على أنية أحدهم الخالدة، ولا يمكن لهم، بالتالي، أن يتصرفوا إلا في طبيعة الشخص الجسمانية والنفسانية، تاركين بذلك إرادته الحرة لا يقلقها شيء على الإطلاق. من هنا، ما لم يكن الشخص قد ارتبط بالسادة بعلاقة نفسانية، وتلقَّى العون بفضل إيمانه بمعلِّميه وإخلاصه التام لهم، فإنهم، كلما بثوا خواطرهم لمَن لم يكن هذا الشرطان متحقِّقين فيه، يكابدون مشقاتٍ عظيمة في اختراق العماء الكَدِر لنطاق ذلك الشخص. لكن هذا المقام ليس مقام معالجة مسألة من هذه الطبيعة. حسبنا أن نقول إنه إن وُجِدَتْ القدرة، فهناك إذ ذاك عقول (متجسِّمة أو متجردة من أجسامها) توجِّه هذه القدرة، وأدواتٍ حية وواعية تُبَثُّ من خلالها وتلتقطها. حسبنا أن نأخذ حذرنا من السحر الأسود.

السائل: ولكن ماذا تقصد حقًّا بـ"السحر الأسود"؟

الثيوصوفي: أعني به في بساطة إساءة استعمال القدرات النفسانية أو أيِّ سرٍّ من الأسرار الطبيعية؛ واقع استخدام قدرات الغيبيات لمآرب أنانية أثيمة. إن منوِّمًا، مستفيدًا من قدراته "الإيحائية"، يرغم منوَّمًا على السرقة أو القتل، ندعوه نحن ساحرًا أسود. إن "منهج تجديد الشباب" الشهير الذي ابتدعه الدكتور براون–سيكار، من باريس، عن طريق حقنة حيوانية مقزِّزة في الدم البشري – وهو اكتشاف تناقشه جميعُ الصحف الطبية الأوروبية الآن – هو، إن صحَّ، سحر أسود غير واعٍ.

السائل: لكن هذا اعتقاد من القرون الوسطى بالشعوذة والسحر! حتى القانون نفسه كفَّ عن الاعتقاد بمثل هذه الأمور.

الثيوصوفي: لهفي على القانون، إذ إنه اقتيد، عبر مثل هذا النقص في الحصافة، إلى ارتكاب أكثر من غلطة وجريمة قضائيتين. إن المصطلح هو الذي يرعبكم برنَّته "المتطيِّرة". أما يعاقِب القانونُ على سوء استعمال القدرات التنويمية، كما ذكرت لتوِّي؟ بل إنه قد سَبَقَ أن عاقب عليه في فرنسا وألمانيا؛ ومع ذلك فإنه ينفي في أنفة إنزاله العقاب في جريمة من السحر الصريح؟ لا يحق لك أن تعتقد بنجاعة قدرات الإيحاء وحقيقة وجودها لدى الأطباء والمِسْمِريين (أو المنوِّمين)، ثم ترفض الاعتقاد بالقدرات عينها حين تُستخدَم لمآرب شريرة. إما إذا صدَّقتَها، فإنك حينئذٍ تصدِّق السحر لا محالة. لا يحق لك أن تؤمن بالخير وتكفر بالشر، أن تقبل بوجود المال الصحيح ثم ترفض التصديق بشيء من نحو العملة المزيفة. لا شيء يوجد من دون نقيضه: فما كان للنهار، ولا للنور، ولا للخير أن يكون لها أيُّ تمثيل بما هي كذلك في وعيك لو لم يكن هناك ليل أو ظلمة أو شر لموازنتها ومعارضتها.

السائل: لقد عرفت، بالفعل، أناسًا كانوا، على اعتقادهم التام بما تدعونه القدرات النفسانية أو السحرية العظيمة، يسخرون من مجرد ذكر الشعوذة والسحر.

الثيوصوفي: فعلامَ يبرهن ذلك؟ على أن المنطق ببساطة يعوزهم. لهفي عليهم أيضًا! أما نحن، إذ نعرف ما نعرف عن وجود نطساء أخيار وقديسين، فنؤمن، بالمقدار نفسه، بوجود نطساء أشرار وفُجَّار، أو دُغْبا.

السائل: فإنْ وُجِدَ السادةُ فلِمَ لا يظهرون على الملأ ويدحضون بتَّة واحدة كلَّ التهم العديدة الموجَّهة ضد السيدة بلافاتسكي والجمعية؟

الثيوصوفي: أية تُهَم؟

السائل: تُهَم أنْ لا وجود لهم، وأنهم من ابتداع مخيِّلتها. أنهم رجال من قش، "مهاتماوات من الشاش وأكياس الهواء". ألا يسيء هذا كلُّه إلى سمعتها؟

الثيوصوفي: وكيف لمثل هذا الاتهام أن يسيء إليها في الواقع؟ هل كسبتْ مالاً من جرَّاء وجودهم المزعوم، أم جَنَتْ من ذلك فائدةً أو شهرة؟ أجيبك بأنها لم تَفُزْ إلا بالشتائم والمسبَّة والافتراءات، وبأن هذه ربما كانت ثقيلة الوطء عليها لو لم تكن قد تعلَّمتْ منذ أمد بعيد كيف لا تكترث مطلقًا لمثل هذه التهم الباطلة. فما حصيلتها في النهاية؟ حصيلتها – ويا للعجب! – ثناء مبطَّن، لو أن الحمقى – متهمِّيها – لم يذعنوا لحقدهم الأعمى، لفكَّروا مرتين قبل أن يتفوَّهوا به. فالقول بأن السادة من ابتداعها يكافئ القول بأنها ابتدعتْ بنفسها لا محالة كلَّ جزء من أجزاء الفلسفة التي كُشِفَ عنها في الأدبيات الثيوصوفية؛ وبأنها صاحبة الرسائل التي وُضِعَ كتابُ البوذية الباطنية على أساسها؛ وبأنها بمفردها قد ابتدعتْ مجمل العقائد الواردة في العقيدة السرية، التي، لو كان العالم منصفًا، لأقرَّ بأنها تشتمل على العديد من حلقات العلم المفقودة، كما سيكتشف العلم بعد مئة عام من الآن. وهم، إذ يقولون ما يقولون، فإنهم أيضًا يقرون لها بأنها أذكى من مئات الرجال (وبينهم الكثيرون من شديدي الذكاء وغير قليل من رجال العلم) يصدِّقون ما تقول – بما أنها خدعتْهم جميعًا لا محالة! وإذا كان ما يقولون صحيحًا فلا بدَّ أنها جملة من عدة مهاتماوات متداخلين بعضهم في بعض على غرار جملة من العُلَب الصينية! – بما أن بين ما يُسمَّى "رسائل المهاتماوات" رسائل عديدة مكتوبة بأساليب مختلفة ومميزة، يعلن متَّهموها بأنها هي التي أقدمت على كتابتها جميعًا.

السائل: ذلك بالتمام ما يقولون. ولكن، ألا يؤلمها كثيرًا أن يندَّد بها علنًا باعتبارها "أحذق محتالي هذا العصر، يستحق اسمُها أن تتناقله الأجيال القادمة"، كما وَرَدَ في تقرير "جمعية البحوث النفسانية"[8]؟

الثيوصوفي: كان ذلك ليؤلمها لو أنه صحيح، أو لو كان مصدرَه أناسٌ أقل سُعرًا في تعصبهم لماديتهم وتحامُلهم. إن المسألة برمَّتها، بما هي عليه، لا تقابلها شخصيًّا إلا بالازدراء، بينما المهاتماوات يكتفون بالسخرية منها. أقول مجددًا إن هذه الأقاويل، في الحقيقة، أعظم ثناء يُرفَع إليها!

السائل: لكن أعداءها يدَّعون أنهم أقاموا الدليل على قضيَّتهم.

الثيوصوفي: أجل، فمن السهولة بمكان أن تدَّعي مثل هذا الادِّعاء حين تنصب نفسك، في آنٍ معًا، قاضيًا وهيئة محلَّفين ومستشار ادِّعاء، كما فعلوا. ولكن مَن يصدِّقها؟ – باستثناء أتباعهم المقرِّبين وأعدائنا.

السائل: أفلم يبعثوا إلى الهند بمندوبهم للتحقيق في الأمر؟

الثيوصوفي: لقد فعلوا، لكن حكمهم النهائي المبرم يستند برمَّته إلى التصريحات غير المدقَّقة والمزاعم المجانية لهذا الشاب. لقد أخبر محامٍ اطَّلع على تقريره أحدَ أصدقائي بأنه إبان خبرته كلِّها لم يقع البتة على "وثيقة سخيفة تدين صاحبها إلى هذا الحد". لقد وجدها تعج بالافتراضات و"الفرضيات المهلهلة" التي يفنِّد كلٌّ منها الأخريات. فهل هذه تهمة خطيرة؟

السائل: لكنها، مع ذلك، قد أساءت كثيرًا إلى الجمعية. فلماذا، إذن، لم تلجأ السيدة بلافاتسكي إلى القضاء – لتذود عن سمعتها على الأقل؟

الثيوصوفي: أولاً، لأن واجبها كثيوصوفية يحتِّم عليها أن تتغاضى عن الإهانات الشخصية كلِّها. ثانيًا، لأنه لم يكن لدى الجمعية، ولا لدى السيدة بلافاتسكي، أي مال تنفقه على مثل هذه الدعوى القضائية. وأخيرًا، لأن من السخف بنظر كليهما أن يخونا مبادئهما بسبب هجوم شنَّه عليهما قطيع من الكباش الإنكليزية المُسِنَّة التي حَمَلَها على الكرِّ عليهما حَمَلٌ أسترالي[9] ممراح!

السائل: يا له من إطراء! ولكن ألا تعتقد بأنها لو فنَّدتِ الأمر برمَّته بتَّة واحدة تفنيدًا شديدًا لأفادت القضيةُ الثيوصوفية حقًّا من ذلك؟

الثيوصوفي: ربما. ولكن هل تظن أن أيَّ قاضٍ إنكليزي أو هيئة محلَّفين كانوا سيقبلون يومًا بصحة الظواهر النفسانية؟ – حتى وإنْ كانوا غير منحازين في الأصل. ولعلك إذا تذكَّرت بأنهم باتوا متحاملين علينا أصلاً من جراء قصة "الجاسوسة الروسية"[10] المفزعة، وتهمة الإلحاد والكفر، وسائر الافتراءات الأخرى التي أُشيعَتْ عنَّا، فإنك لا محالة مدرِكٌ بأن مسعًى كهذا لابتغاء العدل من القضاء كان سيبوء بما هو أسوأ من الفشل! وهذا كلُّه كان البحَّاثة النفسانيون على علم جيد به، وقد اهتبلوا موقفهم في خِسَّة ودناءة فرصةً سانحة ليترقوا على رؤوسنا ولينجوا بأنفسهم على حسابنا.

السائل: إن ج.ب.ن. تنكر الآن وجود المهاتماوات تمام الإنكار. يقولون بأنهم كانوا، من البداية إلى النهاية، محض خرافة حاكتْها مخيلةُ السيدة بلافاتسكي.

الثيوصوفي: ويحهم! كان في مقدورها أن تقوم بأشياء عديدة أقل فطنة من هذا. مهما يكن من أمر، ليس لدينا أدنى اعتراض على هذه النظرية. فهي [بلافاتسكي] تكاد أن تفضل ألا يؤمن الناس بالمعلِّمين، كما باتت الآن تقول دومًا. وهي تعلن جهرًا أنها تؤثر أن يظن الناس جادِّين أن "موطن المهاتماوات" الوحيد هو المادة السنجابية في دماغها، وأنها، في اختصار، قد استخرجتْهم من أعماق وعيها الباطن، على أن تُنْتَهَك حرمةُ أسمائهم ومثالُهم السامي هذا الانتهاك الشنيع الذي يجري الآن. لقد كانت في البداية تحتج ساخطة على أية شكوك بخصوص وجودهم. أما الآن فهي لا تكترث لإثبات ذلك ولا لنفيه. الناس وما يحلو لهم!

السائل: ولكن هؤلاء السادة موجودون فعلاً؟

الثيوصوفي: نحن نجزم بأنهم موجودون. غير أن هذا لا يقدِّم في الأمر أو يؤخر كثيرًا. فالعديد من الناس – وحتى بعض الثيوصوفيين والثيوصوفيين السابقين – يقولون إنهم لم يحصلوا قط على أيِّ دليل على وجودهم. طيب جدًّا. إذ ذاك فإن السيدة بلافاتسكي تجيب بهذا البديل: إذا كانت قد ابتدعتْهم فقد ابتدعتْ أيضًا فلسفتهم والمعرفة العملية التي حازت عليها ثلة صغيرة؛ فإذا كان الأمر على هذا النحو، فما أهمية وجودهم أو عدمه، مادامت هي بنفسها هنا، ووجودُها هي، على كلِّ حال، أمرٌ يكاد أن يتعذر إنكارُه؟! وإذا كانت المعرفة التي يُظَنُّ بأنهم قد أفْضَوا بها معرفة صالحة في صميمها ويقبلها بما هي كذلك أشخاصٌ عديدون ذوو فطنة تفوق حدَّ الوسط، فما مبرِّر مثل هذا العجيج حول تلك المسألة؟ إن كونها محتالة لم يبرهَن عليه قط، وسيبقى دومًا قيد النظر؛ في حين أنه من الثابت الذي لا سبيل إلى إنكاره أن الفلسفة التي ينادي بها "المعلِّمون"، أيًّا كان مبتدعُها، فلسفةٌ من أسمى الفلسفات وأشرفها حين تُفهَم حقَّ فهمها. بهذا يشيد المفترون، إذ تتلاعب بهم أدنى الأحاسيس وأخسُّها، – أحاسيس الكراهية والثأر والكيد والكبرياء الجريح أو الطموح الخائب، – من حيث لا يدرون على الإطلاق، أعظم الإشادة بقدراتها الفكرية. فليكن الأمر كذلك مادام يحلو للحمقى المساكين. فليس للسيدة بلافاتسكي، في الحقيقة، أدنى اعتراض على إظهار أعدائها لها بمظهر ناطس مثلث، و"مهاتما" علاوة على ذلك. إن إباؤها وحده أن تتظاهر أمام نفسها بمظهر القاق يتبختر في ريش طاووس هو الذي يحملها حتى اليوم على الإصرار على الحقيقة.

السائل: فإذا كان لديكم رجال بهذه الحكمة وهذا الصَّلاح لتوجيه الجمعية، كيف اتفق لهذا العدد من الأخطاء أن يُرتكَب؟

الثيوصوفي: السادة لا يوجِّهون الجمعية، ولا المؤسِّسين حتى؛ وما من أحد زعم أنهم يفعلون: إنهم يتعهَّدونها برعايتهم ويحمونها فقط. والبرهان الساطع على ذلك هو أنه لا الأخطاء تمكنَّتْ حتى الآن من كسر شوكتها، ولا الفضائح من الداخل، ولا أشد الهجمات من الخارج ضراوة استطاعت أن تطيح بها. فالسادة ينظرون إلى المستقبل، لا إلى الحاضر، وكل خطأ إنْ هو، بالمقدار نفسه، إلا حكمة مختزَنة للأيام الآتية. وذلك "السيد" الآخر الذي أرسل أحد عبيده بالخمس وزنات لم يقلْ له كيف يضاعفها، ولا منع العبد الأحمق من دفن وزنته الواحدة في الأرض.[11] على كلٍّ أن يحصِّل الحكمة بتجربته الخاصة وفضائله. أما الكنائس المسيحية التي تدَّعي لنفسها "سيدًا" أرفع بما لا يقاس – الروح القدس نفسه – فقد كانت ولا تزال مذنبة، لا بارتكابها "أخطاء" وحسب، بل بارتكابها سلسلة من الجرائم الدموية عبر العصور. ومع ذلك، فلا أظن مسيحيًّا ينكر، من جراء ذلك، إيمانه بـذاك "السيد"، على الرغم من أن وجوده أكثر ظنية من وجود المهاتماوات، على اعتبار أنه ما من أحد شاهد الروح القدس، وأن تاريخ الكنيسة، فوق ذلك، يكذِّب توجيهَه لها تكذيبًا صريحًا. كل ابن آدم خطَّاء[12]. فلنعد الآن إلى موضوعنا.

تسفيه الأسماء والكلمات المقدَّسة

السائل: فما سمعته، إذن، من أن العديد من كتَّابكم الثيوصوفيين يزعمون بأن هؤلاء السادة قد ألهموهم، وبأنهم رأوهم وكالموهم، ليس صحيحًا؟

الثيوصوفي: قد يكون صحيحًا وقد لا يكون. من أين لي أن أجزم؟ إن عبء إثبات ذلك يقع على عاتقهم. من البيِّن أن بعضهم، بل عدد قليل – ثلة صغيرة بالفعل – إما كذبوا وإما عانوا من الهلوسة حين تبجحوا بحدوث مثل هذا الإلهام؛ غير أن غيرهم ألهمهم حقًّا نطساء كبار. من ثمارها تُعرَف الشجرة؛ وكما أن الحكم على جميع الثيوصوفيين يجب أن يكون على أفعالهم، لا على ما يكتبون أو يقولون، كذلك على جميع الكتب الثيوصوفية أن تُقبَل بحسب مزاياها، وليس وفقًا لأيِّ ادِّعاء بالمرجعية تطرحه.

السائل: أفهل تقبل السيدة بلافاتسكي أن ينطبق هذا المقياس على مؤلَّفاتها؟ – على العقيدة السرية، على سبيل المثال.

الثيوصوفي: قطعًا. فهي تقول في صريح العبارة في التوطئة إنها تطرح العقائد التي لقنَّها إياها السادة، لكنها لا تدَّعي إلهامًا قط تدخَّل فيما كتبتْ مؤخرًا. أما فيما يتعلَّق بخيرة الثيوصوفيين بيننا، فهم أيضًا يفضِّلون في هذه الحالة بكثير لو أن أسماء السادة لم تقترن أبدًا بكُتُبنا بأية صورة من الصور. وعلى الرغم من وجود بضعة استثناءات، فإن غالبية هذه المؤلَّفات المماثلة ليست ناقصة وحسب، بل مغلوطةٌ يقينًا ومضلِّلة. فعظيمة هي الانتهاكات التي لحقتْ بحرمة اسمي اثنين من السادة؛ إذ يكاد ألا يوجد وسيط لم يزعم أنه أبصرهما، وما من جمعية "باطنية" مزيفة، هدفها الاحتيال لأغراض تجارية، إلا وباتت تزعم الآن أنها تمتثل لإرشاد وتوجيه "سادة"، كثيرًا ما يُفترَض فيهم أن يكونوا أعلى مقامًا من سادتنا! عديدة وباهظة هي خطايا أولئك الذين تقدَّموا بمثل هذه المزاعم، دافعُهم إلى ذلك إما الرغبة في السُّحْت، وإما الغرور، وإما الوساطة غير المسؤولة. كم من الأشخاص نهبتْ أموالَهم جمعياتٌ كهذه، تطرح للبيع أسرار النفوذ والمعرفة والحقائق الروحية مقابل ذهب رخيص. وأسوأ ما في الأمر هو أن الأسماء المقدسة للغيبيات وللأوصياء القدوسين عليها قد جُرَّتْ إلى هذا الوحل القذر، ودُنِّسَتْ باقترانها بالدوافع المنحطة والممارسات المُنكَرة، في حين أن آلاف البشر قد حيل بينهم وبين درب الحقيقة والنور بسبب الخزي وسوء السمعة اللذين جَلَبَهما مثل هذا التدليس والغش والاحتيال على الموضوع برمَّته. أقول ثانية إن كلَّ ثيوصوفي جادٍّ آسفٌ اليوم، من صميم قلبه، على أن هذه الأسماء والأمور المقدسة قد ذُكِرَتْ علنًا أمام الجهور، ويرجو مخلصًا لو أنها أُبْقِيَتْ سرًّا ضمن حلقة صغيرة من الأصدقاء الخُلَّص المركون إليهم.

السائل: قطعًا إن الأسماء مرارًا جدًّا ما تَرِدُ في أيامنا هذه، ولا أذكر أبدًا أنني سمعت بأشخاص كـ"السادة" حتى عهد قريب.

الثيوصوفي: هو كذلك. ولو أننا عملنا بمبدأ الصمت الحكيم بدلاً من الإسراع إلى الجهر بكلِّ ما عَلِمْنا وإلى نشره، لما كان لمثل هذا الانتهاك أن يحدث. لاحظْ أنه منذ أربعة عشر عامًا فقط، قبل أن تتأسَّس الجمعية الثيوصوفية، كان الحديث كلُّه يجري عن "الأرواح": لقد كانوا في كلِّ مكان، ويجري ذكرُهم على ألسنة الجميع؛ ما كان لأحدهم أبدًا أن يحلم حتى بالحديث عن "نطساء" أو "مهاتماوات" أو "سادة" أحياء. وكان المرء يكاد ألا يسمع حتى باسم جمعية وردة الصليب[13]، في حين أن وجود شيء كـ"الغيبيات" لم يكن ليخطر إلا على بال قلة قليلة وحسب. أما الآن فقد تبدَّلت الحال. لقد كنَّا، نحن الثيوصوفيين، لسوء الطالع، أول مَن تكلَّم على هذه الأمور، وعرَّفوا بوجود "نطساء" و"سادة" ومعرفة غيبية في الشرق؛ لكن الاسم صار الآن مشاعًا بين الجميع. وعلينا نحن يقع الآن كرما ذلك – عواقب الانتهاك الناجم عما سَبَقَ لحرمة الأسماء والأشياء المقدسة. وكل ما تجده الآن حول مسائل كهذه في المؤلَّفات السارية – وهي ليست بالقليلة – لفي الوسع اقتفاءُ أثره رجوعًا إلى الحافز الذي أعطتْه الجمعية الثيوصوفية ومؤسِّسوها في هذا الاتجاه. إن أعداءنا يستغلون غلطنا حتى الساعة. وهكذا فإن أحدث الكتب الموجَّهة ضد تعاليمنا يُزعَم أن ناطسًا صاحب عشرين سنة في العراقة قد كَتَبَه. لكن الأمر هنا لا يعدو كونه كذبة ملموسة. فنحن نعرف الناسخ وملهميه (ذلك أنه أجهل من أن يستطيع كتابةً من هذا القبيل). وهؤلاء "الملهِمون" أشخاص أحياء، عاكفون على الثأر، وبمقدار ما يتمتعون به من قدرات فكرية لا يتورعون عن شيء؛ وهؤلاء النطساء المزيفون ليسوا واحدًا، بل عدة. وحلقة "النطساء" التي استُخدِمَتْ كمرزبَّة لتكسير الرؤوس الثيوصوفية قد بدأت منذ اثنتي عشرة سنة، مع ظهور "لويس" السيدة إمَّا هاردنغ برتِّن الوارد ذكرُه في سحر الفن[14] وأرض الأشباح[15]، وهي تنتهي الآن مع "ناطس" و"مؤلِّف" نور مصر[16]، وهو كتاب وضعه أرواحيون ليحاربوا به الثيوصوفيا وتعاليمها. لكن من غير المجدي النواح على ما تمَّ، وليس لنا إلا أن نتألم، على رجاء أن يكون عدم تكتمنا قد هوَّن قليلاً على الآخرين شقَّ طريقهم إلى هؤلاء السادة الذين يُجأَر الآن بأسمائهم عبثًا في كلِّ مكان، ويُقترَف تحت جناحهم الكثيرُ الكثير من البغي.

السائل: أتأبون على "لويس" أن يكون ناطسًا؟

الثيوصوفي: نحن لا نشهِّر بأحد، تاركين الاضطلاع بهذه المهمة النبيلة لأعدائنا. قد تكون مؤلِّفة سحر الفن الأرواحية، إلخ، تعرَّفتْ إلى ناطس كهذا وقد لا تكون – وبقولي هذا أقول أقل بكثير مما قالتْه تلك السيدة وكتبتْه عنَّا وعن الثيوصوفيا إبان السنين الأخيرة – فهذا شأنها وحدها. غير أنه حين يبصر "ناطس"، في غريندج، إنكلترا، على حدِّ زعمه، في مشهد رؤيا صوفية مهيب، "أرواحًا" عبر تلسكوب اللورد روس الذي نُصِبَ في بارسونزتاون، إيرلندا، ولم يتحرك من هناك أبدًا،[17] فليُسمَح لي بالتعجب من جهل ذلك "الناطس" في أمور العلم! فهذا يفوق جميع الأغلاط والهفوات التي ارتكبها أحيانًا مريدو معلِّمينا! وهذا "الناطس" هو الذي يُستخدَم الآن لتحطيم تعاليم سادتنا!

السائل: أفهم تمامًا شعوركم حيال هذه المسألة، ولا أظنه إلا طبيعيًّا. أما الآن، وبالنظر إلى ما قلت لي وشرحت، فهناك موضوع أخير يطيب لي أن أسالك حوله بضعة أسئلة.

الثيوصوفي: إذا كان في وسعي أن أجيب عنها فسأفعل. فما هو؟

***

 

"خاتمة"

_____

 

مستقبل الجمعية الثيوصوفية

السائل: قُلْ لي: ما هي توقعاتك للثيوصوفيا في المستقبل؟

الثيوصوفي: إذا كنت تتكلَّم على الثيوصوفيا، أجبْك بأنها، كما وُجِدَتْ منذ الأزل، عبر أدوار غير منتهية تلو أدوار في الماضي، كذلك سوف توجد أبدًا عبر آباد المستقبل – ذلك لأن الثيوصوفيا مرادفة في المعنى للـحقيقة الأبدية.

السائل: عفوك! فقد قصدت أن أسألك بالحري عن طوالع الجمعية الثيوصوفية.

الثيوصوفي: مستقبلها سوف يتوقف بالكلِّية تقريبًا على درجة الإيثار والجد والإخلاص، وأخيرًا وليس آخرًا، على مقدار المعرفة والحكمة التي سيتحلَّى بها أولئك الأعضاءُ الذين سوف تقع على عاتقهم مواصلةُ العمل وتوجيه الجمعية بعد موت المؤسِّسين.

السائل: أفهم تمامًا أهمية كونهم غير أنانيين ومخلصين، غير أني لا أستوعب تمامًا كيف يمكن لـمعرفتهم أن تكون عاملاً في المسألة يماثل في حيويته حيوية الخصلتين الأخريين. جزمًا إن الأدبيات المتوفرة حاليًّا، والتي يضاف إليها المزيدُ في استمرار، باتت كافية!

الثيوصوفي: لست أشير إلى المعرفة الفنية بالعقيدة الباطنية، على أهميتها البالغة؛ تكلَّمت بالأحرى على الحاجة التي سيكون خلفاؤنا في توجيه الجمعية في أمسِّها إلى المحاكمة الواضحة والمجرَّدة من الهوى. لقد باءت جميعُ المحاولات المماثلة للجمعية الثيوصوفية حتى بالإخفاق لأنها، عاجلاً أم آجلاً، تدنَّتْ حتى صارت نُحْلاتٍ، اتخذت معتقدات خاصة بها لا تحيد عنها، ففقدت بذلك شيئًا فشيئًا تلك الحيوية التي وحدها الحقيقة الحية تستطيع أن تمنحها. عليك أن تتذكر أن جميع أعضائنا نشأوا وترعرعوا في كنف مذهب أو دين ما، وأنهم جميعًا، إلى حدٍّ ما، أبناءُ جيلهم، إنْ من حيث البدن أو من حيث الذهنية، ومحاكمتهم، بالتالي، شديدة الميل إلى التحامُل، من حيث لا تدري، من جراء بعض هذا المؤثرات أو كلِّها. فإذا لم يتمكَّنوا، إذن، من التحرر من مثل هذا التحيز الذي طُبِعوا عليه، أو يتعلَّموا على الأقل تمييزه آنيًّا، وبالتالي، تجنُّب الانقياد له، فإن النتيجة ستكون، لا محالة، جنوح الجمعية على مَضْحَل ما من الفكر، تلبث فيه جثةً هامدة مقضيًّا عليها أن تتهافت وتموت.

السائل: فكيف إذا دُفِعَ هذا الخطر؟

الثيوصوفي: إذ ذاك فإن الجمعية ستبقى حية حتى القرن العشرين وتجتازه. وكالخميرة، سوف تتخلَّل شيئًا فشيئًا الجمهورَ العريض من الناس المفكِّرين والعقلاء بأفكارها السَّمْحة النبيلة عن الدين والواجب والبرِّ بالإنسان. ولسوف تحطِّم في بطء – لكنْ حتمًا – أصفاد المذاهب والعقائد المتحجِّرة، وأمراس التعصب الاجتماعي والفئوي؛ ولسوف تقوِّض كلَّ ألوان الصدود والحواجز العِرقية والقومية، وتمهِّد السبيل للتحقيق العملي لأخوَّة البشر قاطبة. وبفضل تعاليمها، وبفضل الفلسفة التي جعلتْها في متناوَل فهم العقل الحديث وإدراكه، سيتعلَّم الغرب فهم الشرق وتقديره حقَّ قدره. وعلاوة على ذلك، فإن تنامي القدرات والملَكات النفسانية، التي باتت إرهاصاتُها ظاهرةً للعيان في أمريكا، سيجري جريانًا صحيًّا وطبيعيًّا. وستنجو البشرية من الأخطار المروِّعة، الذهنية منها والبدنية، التي يحتِّمها حدوثُ ذلك التفتح، كما ينذر الآن، في كنف الأثرة والأهواء الشريرة كافة. وسيمضي النمو الذهني والنفساني للإنسان متناغمًا مع نموِّه الخُلُقي، بينما يعكس محيطُه المادي السلامَ وصدق النوايا الأخوي اللذين سيسودان في ذهنه، بدلاً من الشقاق والنزاع اللذين نراهما في كلِّ مكان من حولنا اليوم.

السائل: أبهِج بها من لوحة! ولكن قُلْ لي: أتتوقع حقًّا أن يُنجَزَ هذا كله في قرن قصير واحد؟

الثيوصوفي: هيهات! لكن يجدر بي أن أخبرك أنه في الربع الأخير من كلِّ مئة عام، يقوم هؤلاء "السادة" الذين تكلَّمتُ عليهم بمحاولة لمساعدة البشرية في تقدمها الروحي، على نحو محدَّد وصريح. فقبيل اختتام كلِّ قرن ستجد، على منوال واحد، أن فيضًا أو انتفاضة في الروحانية – أو سمِّها صوفية إذا شئت – قد حدثتْ. ففي تلك الآونة، يظهر شخص واحد أو أكثر في العالم بوصفهم مندوبين عن السادة، ويُكشَف عن قدرٍ يزيد أو ينقص من المعرفة والتعليم الغيبيين. فإذا اهتممتَ لأن تقوم بالرجوع، قرنًا تلو قرن، إلى أبعد ما تصل إليه سجلاتُنا التاريخية المفصَّلة، لأمكن لك اقتفاءُ أثر هذه الحركات فيها.

السائل: ولكن بأية صلة يمتُّ هذا إلى مستقبل الجمعية الثيوصوفية؟

الثيوصوفي: إذا أصابت المحاولةُ الحالية، ممثَّلةً بالجمعية الثيوصوفية، من النجاح أكثر من سابقاتها، فإنها ستستمر كجسم، منظَّم وحيٍّ ومعافى، حتى يحين أوانُ محاولة القرن العشرين. وستكون الحالة العامة لأذهان البشر وقلوبهم قد تحسَّنتْ وتطهَّرتْ بفضل انتشار تعاليمها، وكما أسلفتْ، سيكون تعصبُهم وأوهامُهم العقائدية قد أُزيلَتْ، إلى حدٍّ ما على الأقل. لا بل وبالإضافة إلى أدبيات وفيرة مفهومة وفي متناوَل أيدي البشر، ستجد النبضةُ المقبلة جماعة عديدة ومتحدة من الناس مستعدة لاستقبال حامل مشعل الحقيقة الجديد. وسيجد عقولَ البشر مهيأةً لرسالته، ولغةً متاحة له تصلح وعاءً للحقائق الجديدة التي سيأتي بها، ومنظمةً تنتظر مجيئه، وتزيل من دربه العوائق والصعوبات ذات الطبيعة الآلية والمادية المحضة. تصوَّرْ ما يمكن لشخص يُعطى مثل هذه الفرصة أن ينجزه. قِسْ على ذلك بالمقارنة مع ما حققتْه الجمعية الثيوصوفية فعلاً في السنوات الأربعة عشر الأخيرة، من غير أيٍّ من هذه المزايا ووسط حشود من العراقيل التي لن تعيق القائد الجديد. ضَعْ هذا كلَّه في الاعتبار، ثم قُلْ لي إن كنتُ مغاليًا في التفاؤل حين أقول إن الجمعية الثيوصوفية، إذا بقيت على قيد الحياة وظلَّتْ مخلصةً لأداء رسالتها ولنبضاتها الأصلية خلال السنوات المئة القادمة – قُلْ لي، بربِّك، إن كنت أشتط في جزمي أن الأرض ستكون فردوسًا في القرن الواحد والعشرين بالمقارنة مع ما هي عليه الآن!

انتهى

***

 

ملحق أول[18]

 

الجمعية الثيوصوفية

_____

 

معلومات للسائلين

تشكَّلتْ الجمعية الثيوصوفية في نيويورك في السابع عشر من تشرين الثاني من العام 1875. ولقد كان مؤسِّسوها على يقين من أن المصلحة الفُضلى لكلٍّ من الدين والعلم سوف تترقَّى بإحياء النصوص السنسكريتية والبالِّية والزِّندية وغيرها من النصوص القديمة التي أودع فيها الحكماءُ والمُسارَرون في متناول الإنسانية حقائق ذات قيمة سامية تتعلق بالإنسان وبالطبيعة. لقد بدا لهم أن جمعية ذات طابع لامذهبي بإطلاق، يواصل عملَها عن ودٍّ المثقفون من العروق جميعًا، في روح من الإخلاص المتفاني بحثًا عن الحقيقة، بغية نشرها من غير تحيز، من شأنها أن تنهض بالكثير لزعزعة المادية وتعزيز الروح الدينية المتداعية. إن أبسط تعبير عن أهداف الجمعية يتمثَّل فيما يلي[19]:

أولاً: تشكيل نواة للأخوة الإنسانية العالمية، من دون تمييز بين عرق، أو مذهب، أو جنس، أو طائفة، أو لون.

ثانيًا: تشجيع دراسة الآداب الشرقية (من آرية وغيرها) والأديان والعلوم.

ثالثًا: الهدف الثالث – لا يسعى إليه إلا قسم من أعضاء الجمعية وحسب – هو استقصاء القوانين الطبيعية غير المفسَّرة والقدرات النفسانية للإنسان.

لا يُسأل شخصٌ لدى انضمامه عن آرائه الدينية، كما لا يُسمَح بالتدخل فيها، لكنَّ كل امرئ مطالَب، قبل قبوله عضوًا، بأن يَعِدَ بإظهار التسامح عينه الذي يطالب به لنفسه في هذا الصدد حيال رفاقه الأعضاء.

مقر رئاسة الجمعية والمكاتب والطاقم الإداري في أديار، من ضواحي مَدْراس [تشيناي حاليًّا]، حيث تملك الجمعية عقارًا مساحته سبعة وعشرون فدانًا[20] وأبنية واسعة، يضم أحدُها المكتبة الشرقية، بالإضافة إلى قاعة واسعة تنعقد فيها الهيئةُ العامة سنويًّا في السابع والعشرين من كانون الأول.

ليست الجمعية وقفًا بعدُ، إلا أن هناك نواة لصندوق، سيحوَّل استثمارُ دخلِه الوارد إلى تسديد نفقاتها الجارية؛ أما هذه فقد تمَّتْ تغطيتُها حتى الآن من ريع رسوم الانتساب والهِبات ورسم الاشتراك السنوي الضئيل عن كلِّ عضو. إلا أن الأنظمة المعدَّلة في العام 1989 تجعل الجمعية تقوم على أساس من المساهمات الطوعية، وبذلك تصير متَّكلة في إعالتها كلَّ الاتكال على سخاء أعضائها وغيرهم، نظرًا لإلغاء رسوم الانتساب والمستحقات السنوية. لا تُدفَع أجورٌ لأيٍّ كان، والعمل كلُّه ينهض على سواعد متطوعين، يحصلون على البسيط من الطعام والضروري من الكساء، حين تتطلب ظروفُهم الخاصة مخصَّصات كهذه.

القوَّام الرسمي على أملاك الجمعية بأسرها هو رئيسها الحالي؛ فعلى التركات والمواريث الموصى بها أن تكون باسمه حصرًا، بحسب الصياغة القانونية المعمول بها في الدولة التي ينفِّذ فيها الموصي وصيَّته. فإذا تُرِكَتْ الوصيةُ للجمعية اسميًّا، فإنها تُعَدُّ لاغية في نظر القانون. العنوان الكامل للرئيس هو: هنري ستيل أولكوت، أديار، مَدْراس، الهند.

الجمعية، بما هي تنظيم، تجتنب السياسة وسائر الموضوعات الواقعة خارج نطاق عملها المعلَن. وتحرِّم أنظمتُها على الأعضاء تحريمًا شديدًا كلَّ تهاون في حيادها المتشدد في هذه المسائل.

لقد تشكَّلتْ شُعَبٌ عديدة للجمعية في مناطق مختلفة من العالم، وهناك دومًا شُعَبٌ جديدة في طريقها إلى الانتظام. وتقوم كل شعبة بوضع أنظمتها الفرعية وتدير شؤونها المحلِّية من دون تدخل من الرئاسة العامة، على ألا تنتهك الأنظمةَ الأساسية للجمعية. والشُّعَب الواقعة ضمن حدود إقليمية معينة (مثل أمريكا والجزر البريطانية وسيلان إلخ، على سبيل المثال) جُمِعَتْ لأغراض إدارية في فروع إقليمية. للاطلاع على التفاصيل، راجع الأنظمة المعدَّلة للعام 1889، لتجد أيضًا جميع المعلومات الضرورية فيما يخص الانضمام إلى الجمعية، إلخ.

لقد تأسَّستْ حتى تاريخه (1889) 173 شعبة للجمعية. وللاطلاع على التفاصيل، راجع أنظمة الجمعية الثيوصوفية، إلخ، التي تُطلَب من أمين سجلات الجمعية الثيوصوفية، أديار، مَدْراس، أو من الأمينين العامين لفرعَي إنكلترا: الدكتور أ. كتلي، 7 شارع ديوك، أدلفي، لندن؛ وأمريكا: وليم ك. دجَدْج، ص.ب. 2659، نيويورك.

***

 

ملحق ثانٍ

 

الوضع القانوني للجمعية الثيوصوفية

_____

التقرير الرسمي الآتي، الذي صَدَرَ بموجبه مرسومٌ بتأسيس جمعية سانت لويس الثيوصوفية[21]، يُعتبَر وثيقة هامة بما هو شهادة مدوَّنة لرأي محكمة أمريكية في الجمعية الثيوصوفية بعد استجوابٍ دقيق لشهود تحت اليمين القانونية.

_____

أولاً: الجهة الملتمسة ليست تنظيمًا دينيًّا. وإني لأبلِّغ عن هذه الملاحظة السلبية بسبب من أن كلمة "ثيوصوفية" في اسم الجهة الملتمسة قد توحي بملابسة دينية ما. إذ إن العبارة التشريعية "جمعية مشكَّلة لأهداف دينية" لا تنطبق، في ظنِّي، إلا على منظمة تتشكل جزئيًّا للعبادة – باعتبار هذه فعلاً فرديًّا يتضمن التعبد، وربما القدرة العاطفية، وكلاهما بالضرورة فعل فردي؛ – وإلا فعلى منظمة مشكَّلة لنشر لإيمان ديني. أما مجرد تدريس دين ما كما يدرِّس المرءُ الجبرَ، فليس، برأيي، نشاطًا دينيًّا بالمعنى الذي تظهر فيه كلمةُ "ديني" في التشريعات والدستور. في وسع رجل أن يشغل كرسيًّا جامعيًّا كأستاذ للأديان ويدرِّس بصفته هذه عقائد أديان عديدة. وبما أن هذه الأديان المختلفة على خلاف واحدها مع الأخرى ومتناوئة، فإن الأستاذ لا يستطيع قطعًا أن يمارس العبادة وفقًا لها جميعًا؛ لا بل إنه قد يكون غير متدين. من هنا فإن مجرد تدريس الأديان ليس نشاطًا دينيًّا بالمعنى التشريعي. جدير بالذكر أنه في المادة الثانية من دستور الجمعية تظهر كلمة "دين" بصيغة الجمع. إن تدريس الأديان عمل تعليمي وليس دينيًّا. "تشجيع دراسة الأديان" هو جزئيًّا تشجيع دراسة تاريخ الإنسان. وأضيف إلى ما ذُكِرَ ملاحظةً ملحقة به أنه ليس للجمعية مذهب ديني ولا تمارس أية عبادة. ثانيًا: تقترح الجهةُ الملتمسة تشجيع دراسة الآداب والعلوم. وهذان الهدفان منصوص عليهما صراحة في التشريعات. ثالثًا: هناك هدف ملازم للسابق يتمثل في "استقصاء القوانين الطبيعية غير المفسَّرة والطاقات النفسانية للإنسان". إن هاتين العبارتين، مأخوذتين في معناهما الظاهر، لا اعتراض عليهما. لكن ثمة ما يدعو إلى الاعتقاد بأنهما تتبطَّنان عن معنى غير المعنى الظاهر. وأود لَفْتَ انتباه المحكمة إلى المعنى المتعارَف عليه لكلمة "ثيوصوفيا". فعلى الرغم من أنني جاهل بالثيوصوفيا أعتقد أنه يفترَض فيها أن تشتمل، من بين أمور أخرى، على تجلِّيات وظواهر، جسمانية ونفسانية، خارقة للقوانين التي بات يعرفها الآن الفيزيائيون والميتافيزيائيون، وربما غير مفسَّرة أو لا يدَّعي تفسيرَها أو فهمَها حتى الثيوصوفيون أنفسهم. وضمن هذه المجموعة من الممكن ذكرُ الأرواحية، المِسْمِرية، جلاء الرؤية[22]، الشفاء الذهني، قراءة الأفكار، وما شابه. ولقد استمعت إلى شهادات حول هذه المسألة، ووجدت أنه في حين أن الاعتقاد بأيِّ ضرب من ضروب التجلِّيات والظواهر هذه ليس مطلوبًا، وفي حين أن لكلِّ عضو من أعضاء الجمعية كلَّ الحرية في الاحتفاظ برأيه الخاص، فإن مثل هذه المسائل تشكِّل مع ذلك مباحث للتقصِّي والمناقشة؛ وأغلب الظن أن جمهور الأعضاء يؤمنون فرديًّا بالظواهر الشاذة وبالقدرات فوق البشرية بقدر ما هو في حدود معرفة العلم. إن مما لا ريب فيه أن من حقِّ أيِّ مواطن أن يأخذ بما يحلو له من آراء حول هذه الموضوعات، ويسعى كما يشاء لاستقصاء ما هو غير مفسَّر والكشف عما هو كامن. لكن المسألة هنا هي الآتية: هل ستمنح المحكمةُ رخصةً لتيسير مسعًى كهذا؟ الفودووية[23] كلمة تنطبق على ممارسات أناسٍ ماكرين، بين الجهلة والمتطيِّرين، يُنزِلون تدليسهم بأناس سُذَّج بين الجهلة والمتطيِّرين. ما من محكمة تمنح رخصة للترويج لممارسات كهذه. على المحكمة أيضًا أن تتريث لتحقِّق في شأن ممارسات المؤسَّسة التي تلتمس تأييد القضاء، وربما في حسن سمعتها. ولست هاهنا في صدد إجراء مقارنة بين الفودووية وبين هذه الفئة من الظواهر التي سأدعوها، لموافقة الغرض، بالغيبيات (مع أني لا أدري إن كنت مصيبًا في ذلك). إنما اتخذت الفودووية باعتبارها حالة متطرفة لأبيِّن أن على المحكمة أن تحقِّق. فإذا حقَّقنا الآن في الغيبيات سنجد أنها استُعمِلَتْ في بعض المناسبات، كما تبلَّغنا، لأغراض الاحتيال. لكن هذا لا ينال من سِمَتِها الجوهرية. فدائمًا، وفي كلِّ مكان، سيسيء أناسٌ سيئون استعمالَ أيِّ شيء لأغراض أنانية. إن هدف هذه الجمعية، سواء يمكن بلوغه أو لا يمكن، لَهَدفٌ حميد، ما في ذلك ريب، على افتراض أنه توجد ظواهر جسمانية ونفسانية غير مفسَّرة، وأن الثيوصوفيا ترمي إلى تفسيرها. وعلى افتراض أنه توجد قدرات بشرية لا تزال كامنة فإنها تلتمس اكتشافها. قد يكون أن سخافات وتدليسات قد تسربتْ في الواقع إلى الطور الأول لنشأتها. أما فيما يتعلق بفهمٍ كفهمِ الغيبيات التي تجزم بوجود قدرات يُعتقَد عمومًا بأنها فوق بشرية، وظواهر يُعتقَد عمومًا بأنها فوق طبيعية، فقد لاح لي أن على المحكمة – مع أنها لن تضطلع بتحديد قضائي لمسألة صحَّتها، قبل أن تمنح الغيبية رخصةً – أن تحقِّق في أمر كونها على الأقل قد فازت بمنزلة طيبة في حُسْنِ سمعتها أو في كون المنتسبين إليها مجرد أناس ذوي ذكاء محدود، وفكر ضحل، وتصديق ساذج لكلِّ شيء. وطبقًا لذلك، استمعت إلى شهادات حول هذه النقطة، وتوصَّلت إلى أن عددًا من السادة الأشراف، ذوي المنزلة الرفيعة في العلم، في أقطار أوروبية مختلفة، وفي هذه البلاد أيضًا، هم من المؤمنين بالغيبيات. فالسير إدوارد بَلْوِر ليتون – وهو كاتب ذو علم واسع ومتنوِّع، وصاحب فكر راجح – كان، على حدِّ ما يؤكَّد، عالمًا بالغيبيات؛ وهو تأكيد يؤيده اثنان من كتبه على الأقل. أما المرحوم الرئيس وِيْلاند، من جامعة براون، فقد كتب عن العمليات الذهنية الشاذة، كما تتبدى في جلاء الرؤية، قائلاً: "يبدو الموضوع لي حقيقًا كلَّ الأحقية بالفحص الأشد تمحيصًا وإنصافًا. إنه ليس حَرِيًّا من أيِّ وجه من الوجه بالهزء، بل يتطلب انتباه أشد البحوث فلسفيةً." أما السير وليم هاملتون ولعله أذكى – وقطعًا أعلم – الميتافيزيائيين الإنكليز قاطبة، فقد قال منذ ثلاثين سنة على الأقل: "مهما كان الأمر يدعو إلى العجب، فقد ثبت الآن، بما لا يدع مجالاً لأيِّ شكٍّ عقلاني، أن الإدراكات في حالات معينة شاذة من حالات المنظومة العصبية ممكنة عبر قنوات غير القنوات العادية للحواس." حَسْبُ الثيوصوفيا هذه الشهادات لكي تتبوأ على الأقل منزلةً محترمة. أما إذا كان في مستطاعها، عبر المزيد من العمل، أن تجعل الحقائق الجزئية حقائق تامة، وفي مقدورها أن تزيل الغلوِّ وتطهِّر نفسَها من الشوائب، إنْ وُجِدَتْ، فأغلب الظن أن هذه مسائل لن تشعر المحكمة بنفسها مدعوةً للبتِّ فيها. لست أرى جانبًا آخر في دستور الجهة الملتمسة مستهجَنة في نظر القانون؛ وعلى ذلك، فلي الشرف أن أبلِّغ بأنني لا أرى سببًا يوجِب عدم تلبية طلب الملتمسين.

أوغست و. ألكزاندر

خبير محلَّف منتدَب من المحاكم

*** *** ***


 

horizontal rule

[1] جمع "خيلان"، وهو جنِّي البحر، أو عروس البحر الذكر؛ نصفه الأعلى رجل ونصفه الأسفل سمكة. (المترجم)

[2] على ما يبدو، حادثة معاصرة لنشر الكتاب؛ لم نتوصل إلى معرفة شيء عنها. (م)

[3] من الآباء في اليهودية؛ جاء في التوراة أنه عاش قبل طوفان نوح وبلغ ذلك العمر المديد. (م)

[4] مجلة الجمعية الملكية للأطباء. (م)

[5] جيمس ك. مكسويل (1831-1979): عالم الفيزياء المعروف؛ كان أول مَن وحَّد نظريتي الكهرباء والمغناطيسية بتوصله في العام 1873 إلى القوانين العامة للحقل الكهرطيسي، ناهيك عن إنجازاته الأخرى في مجالي الضوء والترموديناميكا. (م)

[6] جدير بالذكر أن ت.أ. إديسون (1847-1931)، مخترع الفونوغراف الشهير وغيره من الآلات، كان عضوًا في الجمعية الثيوصوفية؛ وقد حاول ابتكار جهاز لمخاطبة نفوس الموتى! (م)

[7] من هؤلاء، على سبيل المثال: البروفسور برنهايم والدكتور لويد تَكي، من إنكلترا؛ البروفسوران بونيس ولييجوا، من نانسي؛ دِلبوف، من لييج؛ بورو وبورُّو، من روشْفور؛ فونتَن وسيغار، من بوردو؛ فوريل، من تسورِش؛ والدكاترة: دِسبين، من مرسيليا؛ فان رِنْتِرْغِِم وفان إيدِن، من أمستردام؛ فتِّرستراند، من ستوكهولم؛ شِرِنكْ–نوتسِنغ، من لايبزِش، والعديد غيرهم من الأطباء والكتَّاب المرموقين.

[8] أقرَّتْ "جمعية البحوث النفسانية" في الثمانينيات، بقلم د. فرنون هاريسون، بأن تقرير العام 1885 المتحيِّز (تأثَّر بافتراءات الإرسالية المسيحية، على سبيل المثال لا الحصر، ناهيك عن خيانة زوجين من الخدم في أديار) لم يثبتْ شيئًا وأن السيدة بلافاتسكي اتُّهِمَتْ ظلمًا. راجع في هذا الخصوص (م):

Vernon Harrison, “J’accuse: An Examination of the Hodgson Report of 1885,” in: Journal of the Society for Psychical Research, London, Vol. 53, n° 803, April 1986, p. 286.

[9] إشارة إلى ريتشارد هودجسُن، الشاب الأسترالي الذي عهدتْ إليه جمعيةُ البحوث النفسانية بإجراء التحقيق في صحة "رسائل المهاتماوات" وكتابة التقرير الآنف الذكر الذي نشرتْه. (م)

[10] اتُّهِمَت السيدة بلافاتسكي بأن الحكومة الروسية أرسلتْها إلى الهند للتجسس على الإنكليز! (م)

[11] إشارة إلى مثل الوزنات في إنجيل متى 25: 14-30. (م)

[12] باللاتينية في النص: Errare humanum est. (م)

[13] أخوية "وردة الصليب" حركة سراَّنية، أعلنت عن نفسها في ألمانيا عبر ثلاثة كتب؛ مؤسِّسها الأسطوري المفترَض هو كريستيان روزِنْكرويتْس (القرن الخامس عشر) الذي تلقى مُسارَرته العليا في الشرق، في دمشق حصرًا؛ استلهمتْ تعاليمَها عدةُ جمعيات، ما يزال بعضها موجودًا إلى اليوم – وإن كنَّا نشك أن تكون ذات صلة روحية بالمؤسِّسين الذين انتقلوا جميعًا إلى الشرق، على حدِّ ما يرى رونيه غينون. في نهاية القرن التاسع عشر، حاول السار بِلادان في فرنسا أن يعيد إحياء جمعية بهذا الاسم، مخلصة للأرثوذكسية الكاثوليكية، كان يأمل أن يكون بها إحياء الفن والفلسفة. (م)

[14] E.H. Britten, Art Magic: or Mundane, Sub-Mundane and Super-Mundane Spiritism, New York, 1876.

[15] E.H. Britten, Ghost-Land: or Researches Into the Mysteries of Occultism, Boston, 1976.

[16] T.H. Burgoyne, The Light of Egypt: or the Science of the Souls and the Stars, Religio-Philosophical Publ. House, Chicago, 1889.

[17] راجع: أرض الأشباح، الجزء الأول، ص 133 وما بعدها.

[18] هذا الملحق والذي يليه منشوران في طبعة لندن الأصلية، 1889. (م)

[19] تم تعديل هذه الأهداف تعديلاً طفيفًا في العام 1896، حتى أصبحت على ما هي اليوم. (م)

[20] أي ما يساوي 11 هكتارًا. (م)

[21] المقصود شعبة سانت لويس، ميسوري. (م)

[22] القدرة على كشف المغيَّب. (م)

[23] voodooism: معتقدات وممارسات سحرية، تستخدمها بعض الشعوب بصفة دينية، ولاسيما في هاييتي. (م)

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود