الضفدع ينقذ طوكيو*

 

هاروكي موراكامي

 

مقدمة المترجم:

في كانون الثاني 1995 ضرب زلزال مدمر مدينة كوبة اليابانية، وفي شهر آذار من نفس العام حدث هجوم إرهابي بغاز الأعصاب على محطات المترو في طوكيو، كان الكاتب الياباني هاروكي موراكامي وقتها يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، وقرر عندئذ أنه حان الأوان ليعود لبلده بعد أن عاش خارجها لما يقارب العشر سنوات.

بعد عودته كتب موراكامي تحت الأرض، وفيه قابل حوالي الستين ضحية من ضحايا هجوم الغاز من ركاب المترو ذلك الصباح، ثم قابل ثمانية من أعضاء جماعة "أوم" الدينية التي قامت بالهجوم ونشر المقابلات في جزء ثان من تحت الأرض سماه في أرض الميعاد.

بعدها في العام 1999 نشر مجموعة من القصص التي تجري أحداثها في شهر شباط 1995 المحصور بين هاتين الحادثتين، ثم جمع هذه القصص في المجموعة القصصية كل أبناء الله يرقصون الصادرة عام 2002، ومنها القصة التالية: الضفدع ينقذ طوكيو.

***

الضفدع ينقذ طوكيو

عندما عاد كاتاجيري إلى شقته وجد ضفدعًا عملاقًا بانتظاره، كان الضفدع يقف منتصبًا على قدميه الخلفيتين بطول يفوق المترين وبنية قوية، بدا كاتاجيري أمامه ضئيل الحجم بجسده النحيل وطوله الذي لا يتعدى مترًا وستين سنتيمترًا.

بصوت واضح خاطبه الضفدع: "تستطيع أن تخاطبني باسم (ضفدع) من فضلك". خانت كاتاجيري الكلمات، كان ما يزال واقفًا في المدخل فاغر الفاه من الذهول.

"لا داع لكل هذه الدهشة من فضلك، لن أؤذيك، أدخل لو سمحت وأغلق الباب" قال الضفدع. لكن كاتاجيري بقي متسمرًا في مكانه وهو يحمل بيده اليمنى حقيبة العمل، وبيده اليسرى كيس ورق يحتوي خضارًا ومعلبات سمك اشتراها من السوبر ماركت.

"هيا يا سيد كاتاجيري، أغلق الباب بسرعة واخلع حذائك". عاد كاتاجيري إلى وعيه عندما سمع اسمه، وكما قيل له، أغلق الباب، وضع الكيس الورقي على الأرض، وضع الحقيبة تحت إبطه وخلع حذائه. ثم، وكما طلب منه الضفدع، جلس على كرسي إلى طاولة المطبخ.

"سيد كاتاجيري" قال الضفدع، "أنا بغاية الأسف لدخولي في غيابك، لا بد أنه أمر غريب أليس كذلك؟ ولكن لم يكن هناك أي طريقة أخرى. ما رأيك بشرب بعض الشاي، لقد فكرت أن وقت عودتك قد حان لذلك قمت بغلي بعض الماء". كان كاتاجيري ما يزال يمسك بالحقيبة تحت ذراعه بشدة.

ما هذا الشيء الغريب الذي يحصل، هل هو شخص يرتدي لباس الحيوان التنكري هذا ليوقعني في مقلب؟ ولكن هذا الذي يدندن وهو يصب الماء الساخن في الإبريق جسده جسد ضفدع وحركته حركة ضفدع. وكيفما نظرت إليه فهو ضفدع حقيقي.

وضع الضفدع كوبًا من الشاي أمام كاتاجيري وكوبًا آخر أمامه.

"هل استرحت قليلاً؟" سأل الضفدع وهو يرتشف الشاي. ولكن كاتاجيري كان ما يزال عاجزًا عن الكلام.

"في المرة القادمة يجب أن آخذ موعدًا منك قبل أن آتي" قال الضفدع.

"افهم هذا الأمر تمامًا، لقد عدت يا سيد كاتاجيري إلى المنزل لتفاجأ بضفدع كبير ينتظرك، أيًا كان سيفاجئ بهذا الأمر، ولكن الأمر هام ومستعجل، أستميحك عذرًا".

"الأمر؟"، أخيرًا استطاع كاتاجيري أن يخرج من فمه شيئًا يشبه الكلام.

"أجل يا سيد كاتاجيري. مهما كان الوضع فلو لم يكن هناك أمر لما دخلت بيوت آخرين دون إذنهم، لست أنا من يقوم بعمل غير لائق كهذا".

"وهل لهذا الأمر علاقة بعملي؟".

أجاب الضفدع وهو يميل برأسه: "الجواب هو نعم ولا، لا ونعم".

"يجب أن أسيطر على نفسي"، فكر كاتاجيري وقال: "هل هناك مانع أن أدخن سيجارة؟"

"أبدًا أبدًا"، أجاب الضفدع مبتسمًا. "ألست في منزلك؟ ليست هناك حاجة لأن تسألني إذني بشأن كل أمر تريد فعله، سواء تريد شرب سيجارة أو شرب الكحول، افعل ما يحلو لك. شخصيًا أنا لا أدخن، ولكني لا أفرض على الآخرين في منازلهم كرهي للتدخين".

اخرج كاتاجيري من جيبه سيجارة وأشعل عود ثقاب، وعندما كان يشعل السيجارة لاحظ أن يديه ترتعشان، كان الضفدع جالسًا على الكرسي المقابل يراقب كل حركاته باهتمام بالغ.

وجد كاتاجيري في نفسه الشجاعة ليسأل: "يعني، أنت لست على صلة بأي عصابة أليس كذلك؟".

"هاهاهاهاهاها" ضحك الضفدع، كانت ضحكته صاخبة، وضرب بيده المزعنفة على فخذه بقوة قائلاً: "لديك حس عال بالفكاهة يا سيد كاتاجيري أليس كذلك؟ أليس كذلك؟ في هذا العالم، ومهما كان هناك نقص في اليد العاملة، فأي عصابة ستوظف ضفدعًا؟ لو فعلوا ذلك فسيكونون موضع هزء وسخرية الجميع".

"لو كنت أتيت من أجل التفاوض حول تسديد أقساط قرض فهذه مضيعة للوقت" قال كاتاجيري متابعًا: "هذا ليس أمرًا يقرره شخص واحد، رؤسائي يقررون، وما علي أنا إلا تنفيذ الأوامر. بأي طريقة أعمل، فهذا ليس أمرًا أستطيع تقريره".

"يا سيد كاتاجيري"، قال الضفدع رافعا إصبعه. "لم آت لأمر تافه كهذا. أعرف أنك تعمل في بنك ضمان طوكيو للائتمان وفي فرع شينجوكو، كموظف في فرع القروض، ولكن ليس للأمر علاقة بتسديد قرض. ما أتيت من أجله هو إنقاذ طوكيو من الدمار".

تلفت كاتاجيري حوله باحثًا عن "كاميرا خفية" أو أي شيء مماثل من هذه المزاح السمج. ولكن، لم تكن هناك أي كاميرا في أي مكان. الشقة صغيرة، وليس هناك مجال لكي يختبئ أحد.

"ليس هناك أحد غيري هنا يا سيد كاتاجيري. لعلك تعتقد أني ضفدع مختل العقل، أليس كذلك؟ أو أنك تعتقد أنك في حلم يقظة؟ ولكني لست مجنونًا، وهذا ليس حلم يقظة. الأمر جاد وليس هناك وقت ليضيع".

"ولكن، يا سيد ضفدع".

"نادني (ضفدع)" قال الضفدع مصححًا رافعًا إصبعًا من جديد.

"ولكن يا ضفدع"، قال كاتاجيري مصححًا كلامه، "من الممكن أن أصدقك، ولكني حتى الآن لم استوعب الحالة جيدًا! الآن وهنا، ما الذي يحدث، لا أفهم ذلك. كما أنني أرغب أن أسألك قليلاً فهل ذلك ممكن؟".

"بالطبع بالطبع"، قال الضفدع. "الفهم أمر مهم جدًا. الفهم يزيل تمامًا أي سوء للتفاهم كما يقول البعض، وأنا أعتقد أن هذا الرأي جدير بالاهتمام أيضًا، ولكن للأسف فليس هناك متسع من الوقت الآن لمناقشة هكذا أمور ثانوية. إذا استطعنا الوصول إلى فهم متبادل بأقصر طريق ممكن، فهذا أفضل شيء. ولذلك فاسأل كل ما تريد أن تسأله".

"أنت ضفدع حقيقي أليس كذلك؟".

"بالطبع، وكما ترى، فأنا ضفدع حقيقي. لست صورة بلاغية ولا وهمًا ولا تفكيكًا ولا محاكاة ولا أي عملية معقدة كهذه، بل ضفدع حقيقي، هل أسمعك نقيقي؟".

توجه الضفدع نحو السقف وحرك حنجرته بنشاط: "قييق، قييق، قيييييييييق"، كان صوت نقيقه هائلاً، إلى درجة ارتعشت لها الصور المعلقة على الجدران.

"فهمت فهمت"، قال كاتاجيري بقلق على الجدران الرقيقة لشقته الرخيصة، "ممتاز، أنت بالتأكيد ضفدع حقيقي".

"ربما كان من الممكن القول أني مجموع جميع الضفادع، ولكن حتى مع ذلك، فأنا ضفدع ولا شك في ذلك. أما أن يقال أني لست بضفدع فهذا كذب رخيص، وأنا سأحطم من يقول شيئًا كهذا".

هز كاتاجيري رأسه موافقًا، وليغير الجو العام، أمسك الفنجان وأخذ يرشف بعضًا من الشاي.

"لقد أخبرتك بأمر الدفاع عن طوكيو من التدمير أليس كذلك؟"

"لقد أخبرتني، ولكن أي تدمير هو؟"

"زلزال" قال الضفدع بصوت جاد.

فتح كاتاجيري فمه ونظر إلى الضفدع. لكن الضفدع لم يقل شيئًا آخر، وأخذ ينظر إلى وجه كاتاجيري. بقي الاثنان ينظران إلى بعضهما لوهلة، ثم تابع الضفدع كلامه: "إنه زلزال ضخم جدًا جدًا. سيضرب هذا الزلزال طوكيو صباح يوم 18 شباط في الساعة الثامنة والنصف صباحًا. يعني بعد ثلاثة أيام فقط. وهذا الزلزال سيكون أقوى بكثير من الزلزال الكبير الذي ضرب مدينة كوبة في الشهر الماضي. ومن المتوقع أن يصل عدد قتلى الزلزال إلى ما يقارب المائة وخمسين ألف شخص. كثير منهم سيقضي في حوادث اصطدام ناجمة عن خروج عربات القطارات عن سكتها في ساعة الذروة. الطرق السريعة ستنهار، مترو الأنفاق سيتحطم، القطارات المرفوعة ستسقط، شاحنات الصهاريج ستنفجر. الأبنية ستصبح جبالاً من الأنقاض وتطحن الناس وسترتفع ألسنة اللهب في كل مكان. ستتحول الطرق إلى حالة من الدمار الشامل، وستصبح سيارات الإسعاف والإطفاء عديمة الفائدة. الناس سيموتون دون جدوى، وسيكون هناك 150 ألف قتيل. إنه الجحيم بعينه. وسيفهم الناس كم هو هش الشيء الذي يسمى (مدينة)". قال الضفدع وهو يهز رأسه متابعًا: "سيكون مركز الزلزال قرب مجلس مدينة شينجوكو تمامًا، يعني أنه زلزال تحت الأرض".

"قرب مجلس مدينة شينجوكو؟"

"تمامًا كما تقول، مباشرة تحت فرع شينجوكو لبنك ضمان طوكيو للائتمان".

غرق المكان في صمت عميق.

"يعني"، قال كاتاجيري، "أنت تريد أن توقف هذا الزلزال؟"

"تمامًا"، أجاب الضفدع وهو يهز رأسه، "تمامًا، أنا وأنت يا سيد كاتاجيري سوية سنذهب تحت أرض فرع شينجوكو لبنك ضمان طوكيو للائتمان ، لنصارع الدودة".

كموظف في فرع الإقراض من بنك ضمان طوكيو للائتمان ، فقد شق كاتاجيري طريقه عبر الكثير من المعارك. منذ تخرج من الجامعة وعمل هذا البنك فقد مر بـ16 سنة من العمل في الإشراف على القروض، وكان باختصار المسؤول عن تحصيل القروض، ولم يكن هذا بالطبع عملاً مرغوبًا. فأي شخص يستطيع منح القروض، وخصوصًا في فترة الازدهار الاقتصادي حيث كان هناك الكثير من المال في تلك الأيام، وكانت ضمانة القروض قطعة الأرض أو أسهمًا في شركات، وقتها كان مسؤولو الإقراض لا يترددون بإقراض أي كمية من الأموال تطلب منهم، وكان هذا إنجازًا. ولكن بعض القروض لم تعد أبدًا إلى البنك، وفي هذه الحالة كان يأتي دور العمل الذي يشغله كاتاجيري.

وبعد انفجار الفقاعة الاقتصادية، ازداد هذا العمل بشكل كبير. فقد هوت أسعار الأسهم، تلاها انخفاض أسعار الأراضي، وبهذا فقدت ضمانات القروض أهميتها. "مهما كانت كمية المال ضئيلة، اذهب واسترجع ما تقدر عليه" كان أمر الإدارة لكاتاجيري.

وكانت منطقة كابوكي تشو المجاورة لشنجوكو تيهًا من العنف، فمنذ زمن طويل كانت موئل عصابات الياكوزا، ثم أضيفت إليها العصابات الكورية، والمافيا الصينية. طوفان من السلاح والمخدرات، وأموال الجريمة لا تطفو على السطح، بل تنتقل في الظلام. واختفاء أثر بعض الناس كما لو كانوا دخانًا لم يكن أمرًا غير مألوف. وحتى كاتاجيري عندما كان يذهب لاسترجاع القروض، فقد تعرض أكثر من مرة لحالات أحاطته فيها عصابات الياكوزا مهددة بالقتل. ولكنه لم يكن يشعر بالخوف أبدًا. فحتى لو قتل من يقوم بعمل البنك الخارجي، فأي فائدة ترجى من ذلك. أيقومون بطعنه؟ أو يقومون بضربه؟

كان هو مناسبًا جدا للعمل: لا زوجة ولا أولاد، وأبواه توفيا كلاهما. وأخاه وأخته الذين أمن دراستهما في الجامعة تخرجا وتزوجا. وفي هذه الحال، فحتى لو قتل فلن يتضرر أحد من ذلك. بل أن كاتاجيري نفسه لن يكون متضررًا!

وحقيقة أن كاتاجيري في مثل هذه الظروف لم يكن يتصبب عرقًا بل أنه كان يواصل عمله بهدوء أثارت عصبية العصابات التي تحيط به. وبهذا فقد اكتسب كاتاجيري في هذا العالم صيته كرجل صارم.

ولكن الآن، كاتاجيري كان ضائعًا تمامًا. ما الذي يتوجب فعله؟ لم يكن قادرًا على التوقع. ثم ما هذا الكلام؟ دودة؟!

"ومن هي هذه الدودة؟" قال كاتاجيري بتردد.

"الدودة تعيش تحت الأرض، إنها دودة عملاقة. وعندما تغضب، تحصل الزلازل" قال الضفدع.

"والآن فالدودة غاضبة جدًا جدًا".

"و من أي شيء هي غاضبة؟"

"لا أعرف" أجاب الضفدع، "فما يجول في رأس الدودة المظلم أمر لا يعرفه أحد، ومن شاهد الدودة، فعليًا لا أحد تقريبًا. إنها عادة تغط في نوم طويل، في دفء وظلام الأعماق تغط في النوم لعدة سنين، بل ولعشرات السنين. ومن الطبيعي أن عينيها اضمحلتا، وبنومها هذا فقد تحول دماغها إلى مادة أخرى. في الواقع، أتوقع أنها لا تفكر بأي شيء. ولكنها تتلقى في مكانها كل الاهتزازات والارتجاجات التي تأتيها من بعيد، تتلقاها بجسمها واحدة واحدة، وتقوم بتخزينها على ما أعتقد. ثم، من خلال تحول كيميائي معين، تطلق كمية كبيرة من هذه الاهتزازات دفعة واحدة وبشكل عنيف. لماذا يحدث ذلك فهو أمر لا أعرفه، وهو أمر لا أستطيع تفسيره". ثم صمت الضفدع وهو يتأمل وجه كاتاجيري. كان ينتظر أن تتغلغل كلماته في رأس كاتاجيري.

ثم تابع كلامه: "وأرجو أن لا تسيء فهمي، فأنا لا أكن للدودة أي ضغينة أو عداءً شخصيًا، ولا اعتبرها تجسيدًا للشر. لن أذهب إلى حد اعتبارها من الأصدقاء، ولكن وجود كائن كالدودة في هذا العالم هو أمر لا مانع منه. العالم هو كمعطف كبير، ويحتاج أنواعًا مختلفة من الجيوب. ولكن الدودة الآن أصبحت كائنًا خطيرًا لا يمكن تركه لوحده. فقلب وجسد الدودة قد اختزن وجمع الكثير من الكره على امتداد فترة طويلة، وحتى الآن لم يسبق أن وصلت لهذا الحد من الكراهية المخزونة. أضف إلى ذلك، أن زلزال الشهر الماضي في مدينة كوبة قد قطع استمتاعها بالنوم العميق. والغضب الكبير الذي تولد عن ذلك أوحى إليها أنها أيضًا ستقوم بنفسها هنا في شوارع طوكيو بزلزال كبير، وقد قررت ذلك فعلاً. وأنا أعلم عن هذه الخطة وعن موعدها، لقد أخبرتني بذلك حشرات تربطني بها علاقة طيبة. لا مجال للخطأ". أغلق الضفدع فمه وكما لو أن الكلام أتعبه فقد أغلق عينيه.

"إذًا" قال كاتاجيري، "أنت وأنا كلانا سننزل تحت الأرض، نصارع الدودة، ونوقف الزلزال؟"

"تمامًا!"

حمل كاتاجيري فنجان الشاي بيده، ثم أعاده إلى الطاولة.

"ولكن هناك أمر لم أفهمه حتى الآن، لماذا اخترتني أنا شريكًا لك في هذا الأمر؟"

"يا سيد كاتاجيري"، قال الضفدع وهو ينظر في عيني كاتاجيري مباشرة "لطالما احترمتك كشخص منذ زمن بعيد. فلمدة ست عشرة سنة أنت تؤدي عملاً لا يرغب به الآخرون، عمل بسيط وخطر تقوم بأداءه بصمت. كان هذا الأمر صعبًا عليك، وأنا أعرف هذا تمامًا، ولكن للأسف، فرؤساؤك وزملاؤك لا يقدرون هذا العمل الذي تقوم به حق قدره. كلهم لا يرون جيدًا أليس كذلك؟ ورغم ذلك، رغم عدم التقدير وعدم الترقية فأنت لم تشتك يومًا. والأمر لا يقتصر على العمل فقط. فبعد وفاة والديك قمت أنت وحدك برعاية أختك وأخيك المراهقين، حتى تخرجا من الجامعة. بل وساعدتهما حتى على الزواج. كانت هذه تضحية كبيرة من وقتك ودخلك، ولم تستطع أنت أن تتزوج بالنتيجة. ورغم ذلك، فإن أخاك وأختك لم يشكراك على كل هذه الرعاية. لم يشكراك ولو مرة واحدة. بل على العكس، فقد تجاهلاك، ولم يعاملاك إلا بنكران الجميل. وبرأيي فهذا أمر غريب إلى درجة أني أرغب في أن أضربهما بدلاً عنك. ورغم ذلك فأنت لا تغضب. وكي أكون صريحًا معك، فأنت لا تلفت الأنظار، ولست بارعًا بالحديث، ولذلك لا يقدرك من حولك حق قدرك. أما أنا فأعرف جيدًا أن من يسير دربك هو رجل مليء بالشجاعة. ولو بحثت في أرجاء طوكيو كلها عن شريك في القتال، فلن أجد شخصًا أثق به مثلك".

"يا سيد ضفدع" قال كاتاجيري.

"ضفدع" قال الضفدع رافعًا إصبعه من جديد مصححًا.

"يا ضفدع، أخبرني كيف تعرف عن أمري كل هذا!"

"أنا لم أكن ضفدعًا طيلة هذه السنين عن عبث، أنا أبقي نظري على الأشياء المهمة في الحياة"

"ولكن يا ضفدع"، قال كاتاجيري "أنا لست قويًا للقتال ولا أعرف شيئًا عن العالم السفلي. وليست عندي القدرة الكافية على مصارعة الدودة في أعماق الظلام. ربما كان من الأفضل اختيار شخص أقوى مني، شخص يلعب الكاراتيه، أو من قوات الكوماندوس".

دوَّرَ الضفدع عينيه الكبيرتين: "سيد كاتاجيري ، في الواقع أنا من سيقوم بالقتال. ولكني لا أستطيع القتال وحدي، وهذا هو الأمر الأساسي. أحتاج إلى شجاعتك واستقامتك. أحتاجك أن تقف ورائي وتقول: (يا ضفدع، أحسنت، الأمر على ما يرام، ستنتصر، أنت على حق)". فتح الضفدع ذراعيه على اتساعهما وعاد وضرب يديه المزعنفتين على ركبتيه من جديد.

"بكل صراحة، إن قتال الدودة في أعماق الظلام هو أمر مخيف. وأنا لفترة طويلة عشت مسالمًا في أحضان الطبيعة، أحب الفنون ولا أحب القتال مطلقًا. ولكن لأنه أمر ينبغي القيام به، فسأقوم به. وهذه المعركة ستكون قاسية دون ريب، وقد لا أعود منها حيًا، وقد أخسر فيها عضوًا من أعضائي، ولكني لن أهرب. وكما قال نيتشه: أعلى مراتب الحكمة هو أن لا تخشى شيئًا. وما أريده منك يا سيد كاتاجيري هو أن تشاطرني شجاعتك البسيطة، أن تعتبرني صديقًا، وتشجعني من قلبك. هل فهمت ما أريد أن أقوله؟"

كل هذا لم يغير أن كاتاجيري كان عاجزًا عن الفهم. ولكنه دون أن يعرف السبب، ورغم أن كلام الضفدع بدا خياليًا، شعر أنه يستطيع أن يثق به. وجه الضفدع وطريقة حديثه كانت تدخل القلب مباشرة دون استئذان. وكاتاجيري، بعد سنوات من العمل في أكثر الأقسام صعوبة في بنك الائتمان، كانت له القدرة على تحسس أشياء كهذه، أصبحت طبيعة ثانية له.

"يا سيد كاتاجيري، فجأة يأتيك ضفدع عملاق مثلي ويخبرك أشياء كهذه، ويسألك أن تصدقها كما هي، بالتأكيد فانك ستشعر بالقلق، هذا رد فعل طبيعي! ولذلك فسأريك دليلاً على وجودي. يا سيد كاتاجيري، أنت لديك الآن مشاكل في التعامل مع شركة توداي كوما للتجارة لاستعادة القرض أليس كذلك؟"

"صحيح"، أجاب كاتاجيري.

"لديهم من وراء الستار من له صلة بالعصابات ويعمل بالابتزاز، ويريدون أن تفلس الشركة وأن تتخلص من ديونها. وقد قام المسؤول عن الإقراض لديكم في البنك بإقراضهم أموالاً كثيرة دون أن يقوم بالتحريات اللازمة. وكالعادة، فإن من يتوجب عليه إصلاح هذا الأمر هو أنت يا سيد كاتاجيري، ولكن هذه المرة فهم أقوياء وأنت غير قادر على مجاراتهم، ومن خلفهم هناك مسؤولون نافذون يدعمونهم. مجموع القرض يبلغ 700 مليون ين. هل وصفي للحالة صحيح؟"

"صحيح تمامًا"

فتح الضفدع ذراعيه على اتساعهما، وبدت زعانفه الخضراء المفرودة كما لو أنها أجنحة شاحبة، "سيد كاتاجيري، لا تقلق بشأن هذا الأمر واتركه لي، وغدًا صباحًا ستكون هذه المشكلة محلولة تمامًا. استرخ، ونم جيدًا."

وقف الضفدع بابتسامة عريضة، ثم سطح نفسه ليصبح بثخن الحبَّار المجفف، ثم انزلق من الفراغ بين الباب المقفول والجدار.

بقي كاتاجيري يقف وحيدًا في منتصف الغرفة.

فوق الطاولة كان هناك فنجانا شاي، وعدا ذلك لم يكن هناك أي أثر لوجود الضفدع في الغرفة.

***

في اليوم التالي، وما أن وصل كاتاجيري إلى عمله في التاسعة صباحًا حتى بدأ جرس الهاتف على مكتبه بالرنين.

"سيد كاتاجيري" قال الرجل على الهاتف بصوت بارد ولهجة عمل جدية، "أنا شيروكا المحامي المسؤول عن قضية شركة توداي كوما التجارية، اليوم صباحًا تلقيت اتصالاً من موكلي بشأن قضية القرض المعلقة، وهو يريدك أن تعرف أنه موافق على تسديد القرض بأكمله ضمن الفترة المحددة، وسيرسل لك مستندًا خطيًا بذلك. لذلك، فهو يرغب منك أن لا ترسل الضفدع إلى بيته مرة أخرى. أعيد كلامي: إنه يريد أن لا يأتي الضفدع إلى بيته مرة أخرى. بالنسبة لي أنا لا أفهم تمامًا هذا التفصيل ولكن هل أنت يا سيد كاتاجيري تفهم هذا الأمر؟"

"أفهمه جيدًا"، قال كاتاجيري.

"هل من الممكن أن أطلب منك أن تخبر الضفدع هذا الأمر من فضلك؟"

"بالطبع، سأخبر الضفدع بهذا الأمر، ولن يذهب إلى هناك مرة أخرى".

"ممتاز، وسأحضر لك المذكرة الخطية غدًا".

"شكرًا لك"، قال كاتاجيري، وانتهت المكالمة.

في استراحة الغداء ذلك اليوم، أتى الضفدع إلى غرفة كاتاجيري في بنك الائتمان.

"كيف جرى الأمر؟ قضية شركة توداي كوما تجري بسلاسة الآن، أليس كذلك؟"

تلفت كاتاجيري حوله بقلق.

"لا تقلق، لا يراني إلا أنت يا سيد كاتاجيري" قال الضفدع. "ولكن اعتقد أنك تأكدت الآن أني حقيقة، وأني لست من صنع خيالك، فأنا أستطيع أن أعمل وأن أحصل على نتائج. أنا كائن حي، حقيقي".

"يا سيد ضفدع"، قال كاتاجيري.

"ضفدع"، قال الضفدع رافعًا إصبعه ومصححًا.

"يا ضفدع" قال كاتاجيري، "أخبرني ما الذي فعلته بهم؟"

"لا شيء يذكر، ما قمت به كان بدرجة سهولة غلي بعض الخضار، فقط أرعبتهم قليلاً. كل ما فعلته بهم هو بعض الإرهاب النفسي. وكما كتب جوزيف كونراد: الإرهاب الحقيقي هو ذلك الذي يشعره الناس تجاه خيالهم. ولكن على أي حال يا سيد كاتاجيري، الأمر جرى بشكل جيد أليس كذلك؟"

هز كاتاجيري رأسه موافقًا وهو يشعل سيجارة: "هكذا يبدو".

"إذًا، هل استطعت أن أكسب ثقتك بشأن ما تحدثنا بشأنه الليلة الفائتة، هل ستذهب معي لصراع الدودة؟"

تنهد كاتاجيري، ثم خلع نظارتيه وأخذ يمسحهما.

"في الحقيقة، لست متحمسًا أبدًا لهذا الأمر، ولكن هذا ليس سببًا لأن أنسحب من الأمر أليس كذلك؟"

هز الضفدع رأسه.

"هذه قضية مسؤولية وأمانة. قد لا تكون متحمسًا للقضية، ولكننا سنذهب معًا إلى تحت الأرض لنواجه الدودة. ولو خسرنا المعركة وفقدنا أرواحنا، فلا أحد سيشعر بالأسى لنا. وحتى لو استطعنا هزيمة الدودة، فإن أحدًا لن يهنئنا. لا أحد سيعرف بهذه المعركة التي جرت تحت أقدامهم. أنا وأنت يا سيد كاتاجيري وحدنا من يعرف، ومهما كانت النتيجة، ستكون معركتنا وحدنا".

أخذ كاتاجيري ينظر إلى يده متأملاً الدخان المتصاعد من سيجارته، ثم قال: "تعرف يا سيد ضفدع، أنا مجرد رجل عادي".

"ضفدع" صحح له الضفدع.

ولكن كاتاجيري تجاهل الأمر، "أنا رجل عادي جدًا، بل وأقل من عادي. رأسي بدأ يصلع، وكرشي بدأ بالبروز، وقد أصبح عمري أربعون سنة الشهر الماضي. أقدامي مسطحة، وقد قيل لي في الفحص الطبي أن هناك ميلاً عندي لمرض السكري. لم أنم مع امرأة منذ ثلاثة اشهر، وحتى عندها كانت المرآة بائعة هوى. هناك بعض الاعتراف في القسم الذي أعمل به بقدرتي على تحصيل الديون لكن لا أحد يحترمني حقًا، سواء في العمل أو في حياتي الشخصية، ليس هناك شخص واحد يحبني حقًا. وبسبب خجلي، فأنا عاجز عن صنع الأصدقاء. قدرتي على تنسيق عضلاتي معدومة، خفيف السمع، قصير، مصاب بمرض تضيق الفلقة وضعيف النظر. عيناي مصابتان بالاستجماتزم، وحياتي بائسة. لا أفعل غير أني أنام وآكل وأتبرز. لأي سبب أعيش، لا أعرف السبب! لماذا يتوجب على شخص مثلي أن ينقذ طوكيو؟"

"سيد كاتاجيري"، قال الضفدع بصوت جدي، "وحده شخص مثلك هو من يستطيع إنقاذ طوكيو. وأنا لأناس مثلك أحاول إنقاذ طوكيو".

تنهد كاتاجيري من جديد بعمق. "حسنا، فما الذي يتوجب علي فعله إذًا؟"

أخبر الضفدع كاتاجيري بالخطة. في يوم 17 شباط (وهو اليوم الذي يسبق موعد الزلزال) وفي منتصف الليل، سيذهبان تحت الأرض، المدخل سيكون بنك ضمان طوكيو للائتمان فرع شينجوكو، في غرفة السخان رقم 1، خلف قسم من الحائط هناك فجوة، باستخدام سلم من الحبال سينزلان خمسين مترًا فقط لصراع الدودة في ذلك المكان. سينزلان كلاهما في منتصف الليل إلى غرفة السخان رقم 1 ويلتقيان هناك، كاتاجيري سيبقى داخل المبنى بحجة عمل يتوجب عليه الانتهاء منه.

"هل هناك خطة معينة للقتال؟" سأل كاتاجيري.

"نعم، هناك خطة. فبدون خطة ليس هناك أمل بالانتصار على الدودة. هي كائن لزج لا تعرف رأسه من مؤخرته. حجمه كحجم عربة قطار تقريبًا".

"و ما هي الخطة؟"

صمت الضفدع للتفكير قليلاً، ثم قال "السكوت من ذهب أليس كذلك؟"

"هل هذا يعني أنه من الأفضل أن لا أسأل؟"

"قول هذا هو أمر جيد باعتقادي".

"وماذا لو أنني في اللحظة الأخيرة ذعرت وهربت؟ ما الذي ستفعله عندئذ يا سيد ضفدع؟"

"ضفدع" صحح له الضفدع.

"ما الذي ستفعله يا ضفدع، في حال حصل ذلك؟"

بعد قليل من التفكير أجابه الضفدع: "سأقاتل وحدي. لكن فرصة انتصاري إذا قاتلت وحدي هي أكثر بقليل من فرصة آنا كارنينا بالانتصار على عربة القطار السريع. هل قرأت (آنا كارنينا) يا سيد كاتاجيري؟"

لم اقرأها" قال كاتاجيري.

بدا على وجه الضفدع تعبير الأسف، لا بد أنه مغرم بآنا كارنينا.

"ولكنك يا سيد كاتاجيري لن تنسحب وتتركني وحيدًا برأيي. أنا أؤمن بذلك. بكلام آخر، القصة تحتاج شجاعة من يملك خصيتين. وللأسف ليست عندي خصيتان، هاهاهاها". ضحك الضفدع على اتساع شدقيه، ولم تكن الخصيتان فقط هي ما ينقص الضفدع، فقد كان بدون أسنان أيضًا.

ولكن الأمور لا تسير دومًا كما هو متوقع. في مساء يوم 17 شباط أُطلق الرصاص على السيد كاتاجيري. كان قد أنهى جولته اليومية وقفل يمشي في شارع في شينجوكو عائدًا إلى البنك عندما ظهر أمامه شاب صغير السن يلبس سترة جلدية. كان وجه الشاب خاليًا تمامًا من أي تعبير ، وكان يبدو أنه يحمل في يده مسدسًا أسود صغيرًا.

كان المسدس أسودًا جدًا، وصغيرًا جدًا، فلم يبد أنه مسدس حقيقي. نظر كاتاجيري محملقًا في هذا الشيء الأسود في يد الشاب غير مستوعب أن الفوهة كانت مصوبة تجاهه، وأن الزناد كان على وشك أن يطلق. كل الأمر بدا غير ذي معنى ومفاجئًا، ولكن الرصاص انطلق. ورأى كاتاجيري الدخان المنبعث من فوهة المسدس، وفي نفس الوقت أحس كما لو أن مطرقة ثقيلة ضربت كتفه الأيمن لكنه لم يشعر بألم.

ألقت الصدمة كاتاجيري على أرض الشارع، وطارت الحقيبة الجلدية التي كان يحملها بيده اليمنى إلى الجهة المقابلة. لكن الشاب أعاد تصويب فتحة المسدس نحو كاتاجيري، وانطلقت رصاصة ثانية. أمام ناظر كاتاجيري تحولت شاخصة مطعم صغير إلى أشلاء متناثرة، واستطاع سماع صراخ الناس. أما النظارات فطارت إلى مكان ما، وأصبح كل شيء أمام ناظريه مشوشًا. لكنه استطاع تمييز أن الشاب كان يقترب منه مصوبًا من جديد فوهة المسدس تجاهه.

"سوف أموت"، فكر كاتاجيري. "الرعب الحقيقي هو ذلك الذي يشعر به الناس تجاه خيالهم"، أطفأ كاتاجيري مفتاح الخيال وغرق في صمت عديم الوزن.

***

عندما فتح عينيه، كان كاتاجيري مستلقيًا على سرير. فتح إحدى عينيه، تفحص ما حوله، ثم فتح العين الثانية. كان أول ما شاهده منصبًا حديديًا، وكيس سيروم متجهًا نحو جسمه. كما شاهد شكل ممرضة ترتدي ثوبًا أبيض.

كان هو مستلقيًا على سرير قاس، مرتديًا زيًا غريبًا، أدرك أنه ما يزال حيًا.

تحت الزي كان عاريًا تمامًا.

"فهمت، كنت أسير على الرصيف عندما أطلق أحدهم النار علي، ويبدو أن الكتف مصاب، الكتف الأيمن".

وعندها استرجع في ذهنه المشهد كاملاً، وعند تذكر المسدس الأسود الصغير بيد الشاب أصدر قلبه صوتًا غريبًا.

"لقد حاولوا فعلاً أن يقتلوني"، فكر كاتاجيري. "ولكن يبدو أني بطريقة ما لم أمت وبقيت حيًا، وذاكرتي سليمة. ولا اشعر بأي ألم. ليس الألم وحده، بل فقدت كل الإحساس، لا أستطيع حتى أن ارفع يدي".

لم يكن لغرفة المستشفى نوافذ، لذلك لم يستطع كاتاجيري معرفة فيما لو كان الوقت نهارًا أم ليلاً.

كان الهجوم قبيل الساعة الخامسة بعد الظهر، كم من الوقت انقضى منذ تلك اللحظة يا ترى؟ هل تعدى الوقت موعده مع الضفدع في منتصف الليل يا ترى؟

بحث كاتاجيري في الغرفة عن ساعة، ولكنه لم يكن يرتدي نظاراته لذلك لم يكن قادرًا على رؤية أي شيء بعيد عنه.

"عفوًا" قال كاتاجيري للممرضة.

"آآه، وأخيرًا استعدت وعيك، ممتاز" قالت الممرضة.

"كم الساعة الآن"؟

نظرت الممرضة إلى ساعة معصمها "التاسعة والربع"

"مساء؟"

"لا طبعًا، إنه الصباح"

"التاسعة والربع من صباح الغد؟" قال كاتاجيري رافعًا رأسه عن الوسادة بصوت خشن. لم يبد ذلك الصوت شبيهًا بصوته. "التاسعة والربع من صباح 18 شباط؟"

"تمامًا"، قالت الممرضة بعد أن رفعت يدها من جديد لتتأكد من التاريخ في الساعة الرقمية بمعصمها، "18 شباط 1995".

"هل حدث اليوم صباحًا زلزال كبير في طوكيو؟"

"أتسأل عن طوكيو؟"

"نعم عن طوكيو"

هزت الممرضة رأسها، "على حد علمي لم يحدث أي زلزال ضخم"

تنهد كاتاجيري باطمئنان. مهما كان الذي حدث، فقد أمكن على الأقل تفادي الزلزال.

"وماذا عن إصابتي؟"

"إصابة؟" قالت الممرضة، "أية إصابة؟"

"الإصابة التي أحدثتها الرصاصة"

"هل أطلقت عليك رصاصة؟"

"رصاصة مسدس، قرب مدخل بنك الائتمان، من شاب، ربما في كتفي الأيمن".

ابتسمت الممرضة بقلق: "غريب، يا سيد كاتاجيري أنت لم تصب بأية رصاصة!"

"لم أصب بالرصاص، حقًا؟"

"لم تصب بأية رصاصة أبدًا، أنا متأكدة من ذلك بقدر تأكدي من أنه اليوم صباحًا لم يحدث أي زلزال كبير".

أصيب كاتاجيري بالذهول، "إذًا، لماذا أنا في المستشفى؟"

"مساء الأمس يا سيد كاتاجيري وجدوك مغميًا عليك في الشارع في كابوكي تشو. لم تكن هناك أي جروح خارجية، ولكنك كنت فاقدًا للوعي فقط. أما عن السبب، فحتى هذه اللحظة لم نعرفه. بعد قليل سيمر الطبيب لمعاينتك، بإمكانك أن تتحدث إليه".

"إغماء؟" كان كاتاجيري متأكدًا أنه شاهد بعينيه الرصاصة تتجه نحوه. أخذ نفسًا عميقًا وأخذ يرتب أفكاره ليستوضح الأمور واحدًا واحدًا. سأل: "يعني أنني كنت منذ الليلة الفائتة طيلة الوقت نائمًا على سرير المستشفى، وفاقدًا للوعي؟"

"تمامًا"، قالت الممرضة، "ويبدو أن الليلة الفائتة كانت عصيبة عليك يا سيد كاتاجيري. ويبدو أنك شاهدت الكثير من الكوابيس المزعجة. لقد سمعتك مرات عديدة تنادي (يا ضفدع، يا ضفدع). هل لديك صديق تناديه باسم (ضفدع)؟"

أغلق كاتاجيري عينيه وأخذ ينصت إلى دقات قلبه. كانت ببطء وانتظام تسجل إيقاع الحياة.

كم من الأشياء التي يتذكرها حقيقة، وأين بدأت لحظة الوهم؟ هل الضفدع حقيقة، وهل أنه قاتل الدودة وأوقف حدوث الزلزال؟ أم أن الأمر كله ليس إلا جزءًا من حلم يقظة طويل؟ كان كاتاجيري عاجزًا عن الفهم.

***

في منتصف ليل تلك الليلة، أتى الضفدع إلى غرفة المستشفى. عندما فتح كاتاجيري عينيه، كان الضفدع موجودًا في قلب الضوء الخافت، كان يجلس على كرسي معدني صغير مسندًا ظهره للحائط، وكان يبدو مرهقًا تمامًا. كانت عيناه الخضراوان الجاحظتان مغلقتين ولم يبد منهما إلا شق مستقيم.

"يا ضفدع" نادى كاتاجيري.

فتح الضفدع عينيه بتثاقل، كان بطنه الأبيض الكبير يتمدد ويتقلص مع تنفسه.

قال كاتاجيري: "لقد كنت أريد الذهاب لملاقاتك حسب الموعد في منتصف الليل في غرفة المرجل، ولكن حادثًا غير متوقع طرأ وجلبوني للمستشفى".

هز الضفدع رأسه بضعف، "اعرف ذلك جيدًا، ولكن لا مشكلة، لا داع للقلق. لقد ساعدتني جيدًا في معركتي يا سيد كاتاجيري".

"أنا ساعدتك؟"

"نعم. في منامك يا سيد كاتاجيري ساعدتني بشكل ممتاز، ولهذا فقط استطعت متابعة قتال الدودة حتى النهاية، بفضلك يا سيد كاتاجيري".

"لا أفهم، لقد كنت فاقد الوعي لفترة طويلة، وأتغذى من السيروم. أما الذي فعلته خلال حلمي فلا اذكر منه شيئًا مطلقًا".

"هذا أفضل يا سيد كاتاجيري، من الأفضل أن لا تتذكر شيئًا. على أي حال، فكل هذه المعركة حصلت في منطقة التخيل. وهذه هي تمامًا ساحة معركتنا، فيها نحن ننتصر وننهزم. وبالطبع فإن أيًا منا موجود لفترة محدودة فقط، وفي النهاية سنقع بالهزيمة. ولكن كما يرى ارنست همنغواي فإن ما يقرر القيمة النهائية لحياتنا ليست كيفية النصر وإنما كيفية الهزيمة. وأنا وأنت يا سيد كاتاجيري استطعنا أن نوقف تدمير طوكيو. وأنقذنا 150 ألف شخص من براثن الموت. لا أحد يعرف ذلك، ولكن هذا ما استطعنا إنجازه!"

"كيف استطعت هزيمة الدودة؟ وما الذي فعلته أنا يا ترى؟"

"نحن صارعنا الموت، نحن..." أغلق الضفدع فمه وأخذ نفسًا عميقًا.

"أنا وأنت يا سيد كاتاجيري استخدمنا كل سلاح نستطيع الوصول إليه، وكل شجاعة ممكنة. كان الظلام صديق الدودة، لكنك يا سيد كاتاجيري أحضرت مولدة كهرباء يدوية وبكل قوتك ملأت المكان بالنور. استخدمت الدودة أشباح الظلام لتجعلك تنسحب، لكنك يا سيد كاتاجيري تشبثت بموقفك، وتصارع النور والعتمة بعنف. وفي ذلك الضوء صارعت الدودة. التفت هي على جسمي، وأغرقتني بسائل الخوف اللزج، وأنا مزقتها أشلاء. لكن الدودة الممزقة لم تمت، وكل ما حصل هو أنها أصبحت أجزاء مبعثرة. ثم..." وهنا صمت الضفدع.

ثم، وكما لو انه استجمع قوة، فتح فمه من جديد: "فيودور ديستوفسكي، بمنتهى اللطف، صور هؤلاء الذي هجرهم الرب. إنها مفارقة مروعة، أن يخلق الرب ناسًا ثم ينساهم، لكن ديستوفسكي وجد قيمة وجود الإنسان فيها. وعندما كنت أقاتل الدودة في الظلام، وجدت نفسي أفكر بقصة ديستوفسكي الليالي البيضاء. أنا..." قال الضفدع بتردد.

"سيد كاتاجيري، هل من الممكن أن أنام قليلاً، أشعر بالتعب"

"نم جيدًا من فضلك"

"لم أستطع الانتصار على الدودة" قال الضفدع وهو يغمض عينيه. "لقد استطعنا إيقاف الزلزال، ولكن معركتي مع الدودة لم تنته بفائز وخاسر. لقد استطعت جرحه، وهو استطاع جرحي... ولكن يا سيد كاتاجيري ..."

"ماذا؟"

"أنا في الحقيقة ضفدع حقيقي، ولكن في الوقت نفسه فأنا دليل على وجود عالم اللا-ضفدع"

"أنا لا أفهم هذا"

"ولا أنا أفهمه" قال الضفدع وعيناه ما تزالان مغلقتين. "ولكن هذا الشعور يصيبني. ما تراه العين ليس بالضرورة حقيقيًا. عدوي يوجد حتى بداخلي أنا. بداخلي أنا، اللا-أنا. رأسي أصبح مشوشًا. القطار قادم. ولكني أريدك يا سيد كاتاجيري أن تفهم هذا الأمر"

"أنت متعب يا ضفدع، نم قليلاً لتستعيد قواك"

"يا سيد كاتاجيري، أنا شيئًا فشيئًا أعود للعدم، ولكن.. أنا..."

خانت الضفدع الكلمات وغرق في السبات، تدلت يداه الطويلتان إلى الأرض، وبقي فمه الكبير مفتوحًا على مصراعيه.

بالنظر إليه بدت آثار جروح عميقة تغطي جسمه كله. كانت الرضوض توجد هنا وهناك على جسده، وكان جزء من رأسه غائرًا.

بقي كاتاجيري لفترة طويلة يتأمل في الضفدع الغارق في النوم العميق.

"ما أن اخرج من المستشفى سأشتري آنا كارنينا والليالي البيضاء وأقرأهما لأرى بنفسي. ثم سأتناقش مطولاً وبعمق مع الضفدع حول هذه الأعمال الأدبية.

بعد وقت قصير بدأ جسد الضفدع بالاختلاج. في البداية اعتقد كاتاجيري أن الضفدع يحرك جسده أثناء النوم، ولكن الأمر لم يكن كذلك!

كانت طريقة حركاته غريبة كما لو أن عملاقًا كان يقف خلفه ويهزه بعنف.

حبس كاتاجيري أنفاسه وأخذ يراقب الموقف.

أراد أن يقف ويذهب باتجاه الضفدع، لكن جسده لم يتحرك، ولم يكن قادرًا على الكلام.

بعد قليل ظهر فوق عين الضفدع ورم كبير وأخذ ينتفخ، ونفس النوع من الورم القبيح ظهر على كتفه وعلى جنبه، ثم امتلأ جسمه كله بالورم.

ما هذا الذي يحدث، كان كاتاجيري عاجزًا عن التخيل. بقي يتأمل المشهد وهو يحبس أنفاسه.

ثم فجأة، انفجر أحد الأورام. صدر صوت فرقعة، طار الجلد بعيدًا، وخرج سائل كالعجين مصدرًا روائح كريهة. بقية الأورام بدأت بالانفجار أيضًا بنفس الطريقة واحدًا تلو الآخر. بالمجموع انفجر ما بين العشرين والثلاثين ورمًا. وتناثرت قطع الجلد والسائل على الجدار. وملأت الرائحة الكريهة التي لا يمكن احتمالها غرفة المستشفى الضيقة.

بعد انفجار الأورام، بدأت فجوات سوداء تنفتح، ومنها خرجت بغزارة أشياء تشبه يرقات الحشرات، كانت مختلفة ومتعددة الأحجام. كانت هناك يرقات بيضاء مكتنزة، وبعد اليرقات خرجت أشياء صغيرة تشبه حشرات الأم أربع وأربعين، كانت أرجلها الكثيرة التي لا تحصى تتحرك مصدرة حفيفًا غريبًا. من هذه الفجوات تتابع خروج الحشرات دون نهاية.

جسد الضفدع، أو ما كان جسد الضفدع، تغطى تمامًا بأنواع لا تحصى من حشرات الظلمة هذه، وعيناه الكبيرتان المدورتان سقطتا من محجريهما إلى الأرض. أحاطت حشرات سوداء لها فك قوي بهذه العينين وبدأت تنهشها.

حشود الديدان، كما لو أنها كانت تتسابق، أخذت تزحف على جدران الغرفة باتجاه السقف. غطت مصباح النيون، ودخلت بداخل جهاز إنذار الحريق. والأرض أصبحت مغطاة تمامًا بالحشرات. تسلقت المصباح وحجبت الضوء، وبالطبع زحفت إلى السرير.

جحافل الحشرات دخلت إلى فرشة سرير كاتاجيري، تسلقت ساقيه، ودخلت تحت رداء نومه، واندست بين فخذيه. الديدان والحشرات الصغيرة انسلت من فتحات أذنيه وأنفه ومؤخرته إلى داخل جسمه، أما حشرات أم أربع وأربعين فقد فتحت فمه وبدأت تدخل منه واحدة تلو الأخرى، بقنوط هائل صرخ كاتاجيري بقوة.

أشعل أحدهم النور، وملأ الضوء الغرفة.

"سيد كاتاجيري" قالت الممرضة.

فتح كاتاجيري عينيه للضوء.

كان جسده مبتلاً تمامًا بالعرق كما لو كان اغتسل لتوه، لم تعد هناك أي حشرات، لم يعد هناك منها إلا شعور مقزز بلمساتها اللزجة.

"هل شاهدت كابوسًا آخر؟ يا مسكين" قالت الممرضة وهي ببراعة تحضر الإبرة، ثم تغرس نصلها في ذراعه.

أخذ كاتاجيري نفسًا عميقًا وطويلاً، ثم زفره. كان قلبه يتمدد وينقبض بعنف.

"ما هو الحلم الذي شاهدته؟"

لم يكن كاتاجيري قادرًا على تمييز الحلم من الحقيقة، "ما تشاهده العين ليس حقيقيًا بالضرورة" قال لنفسه بصوت مرتفع.

"بالطبع" قالت الممرضة وهي تبتسم، "وبالأخص عندما نحلم".

"ضفدع" همهم كاتاجيري.

"ماله ضفدع؟"

"ضفدع أنقذ طوكيو من أن يدمرها الزلزال".

"هذا أمر جيد" قالت الممرضة، ثم استبدلت كيس السيروم.

"هذا أمر جيد، لا نريد المزيد من الأشياء السيئة في طوكيو، لدينا ما يكفي منها!"

"ولكن في المقابل، فقد تأذى الضفدع، وخسرناه. يعني أنه عاد إلى العدم ولن يرجع".

وهي ما تزال مبتسمة، مسحت الممرضة وجه كاتاجيري من العرق بالمنشفة: وأنت يا سيد كاتاجيري كنت تحب ضفدع كثيرًا أليس كذلك؟"

"القطار"، همهم كاتاجيري، "أكثر من أي شخص آخر"

ثم أغلق عينيه في نوم هادئ خال من الأحلام.

*** *** ***

جدار


 

horizontal rule

*  الترجمة من اللغة اليابانية إلى العربية دون لغة وسيطة. ترجمها لجدار عن اللغة اليابانية شادي مكرم حجازي، وهو كاتب من سوريا يقيم في مدينة كوبة اليابانية.

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني