خلافة داعش من هجرات الوهم إلى بحيرات الدم
الأجزاء: 1 و2

 

هيثم مناع

 

الجزء الأول: فضيلة داعش

منذ تشكيل الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) حاولتُ المستطاع حتى يجري تناول هذه الظاهرة بشكل موضوعي ومواجهتها بعقلانية سياسية وخطاب تنويري واستراتيجية واضحة تعتمد القيم الديمقراطية المدنية وترفق المهادنة في كل انتهاك ينال كرامة وحقوق الإنسان، إلا أن قول الشاعر، "لقد أسمعت إذا ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي"، غلب.

في مارس 2013 قابلت أحد المعارضين السوريين من أصحاب العباءة الديمقراطية. بدأ الحديث عن خطف المطرانيين من قبل مجموعة شيشانية أرسلتها المخابرات الروسية ومن ثم تسليمها إلى المخابرات الجوية السورية. لم أعلق.

فماذا أقول له ونحن نرى معتمدين أساسيين في ائتلاف أصدقاء–أعداء الشعب السوري يتحدَّثون عن أبي عمر الشيشاني كعميل للمخابرات الروسية ولا يعلمون أنه حارب مع الجيش الجيورجي ضدَّ القوات الروسية في بلده قبل هجرته إلى بلاد الشام.

كم سمعنا من تصريحات تتحدَّث عن القضاء على داعش في ثمان وأربعين ساعة، الأمر الذي يعطي مقدِّمات الأخبار في "قناة العربية" نوعًا من الطمأنينة.

يراقب المرء الانحدار في مستوى التحليل والسطحية السياسية والسقوط الأخلاقي والتهافت على المال عند كل من أراد "الستة المبشَّرون بالسيطرة على مستقبل سوريا" تنصيبه "ممثلاً وحيدًا للشعب والثورة".

ويتابع في المقابل من قرر أنه في زمن الجهاد وقيام "خلافة أهل السنَّة والجماعة" إنما تكون الحاجة إلى ممثل شرعي وحيد لله على أرضه.

من المضحك المبكي أن الصراعات والمناظرات الأكثر جدِّية كانت في صفِّ قيادات داعش والنصرة وأحرار الشام وفصائل المهاجرين باعتبارها قد رضعت من حليب القاعدة وتعرف بعضها بعضًا وليس في وسع شخص مثل أبي ماريا القحطاني أو أبي محمد الجولاني اتهام من مدهما بالمال والرجال وعناصر نجاح انطلاقتهما بالعمالة للنظام السوري أو العراقي.

لقد تم تعبيد الطريق الإعلامي والسياسي والعسكري لخروج داعش إلى النور كقوة مسلحة وعقائدية إقليمية في إصرار السلطة السورية وبعدها العراقية على الحل الأمني العسكري في مواجهة ما يحدث.

مع سياسة تركية وخليجية وغربية فاشلة ووكلاء سوريين صغار وعدد من السماسرة الإقليميين الذين أعماهم الحقد وغطى على بصرهم وبصيرتهم الخوف من حراك شعبي واعد أرادوا قتله في بلاد الشام ولو استتبع ذلك تمزيق الأوطان وتحطيم الإنسان.

في فضائل داعش

في وقت كان فيه روبرت فورد (السفير الأميركي والمسؤول السابق عن ملف سوريا) يحدِّثني عن العلاقة بين "وحدات حماية الشعب" والنظام السوري، في وقت تغطي فيه السلطات التركية صفقات بيع النفط السوري على أراضيها ويسمح الاتحاد الأوروبي بعمليات البيع هذه، كان تنظيم داعش قد أطبق خطة "التمويل متعدد المصادر" التي تسمح له بهامش واسع من الاستقلالية في القرار حتى عن الجماعات السلفية الخليجية التي تضخ له المال والرجال.

وفي وقت كان ينعق فيه الائتلافيون بالمطالبة بالأسلحة النوعية تمكَّن التنظيم من الحصول على كميات كبيرة من هذه الأسلحة في الرقة والموصل.

وعندما سعت قطر والسعودية إلى امتلاك مجموعات جهادية خاصة بهما قرَّر تنظيم داعش مواجهة مفتوحة مع كل من سماهم "الصحوات".

ويمكن القول إن كل ما حققه النظام السوري وحلفاؤه على صعيد تصفية قيادات الجماعات الجهادية نقطة في بحر التصفيات المتبادلة التي قامت بها هذه الجماعات في حق بعضها البعض. فأهل البيت أدرى بما فيه ومن فيه.

وإن كان "خلاف اللصوص على الغنائم" قد كشف الكثير من المستور، فأي كارثة في أن يكون أبو محمد الجولاني أول من يتحدَّث عن هدر أكثر من مليار دولار في جبهة النصرة في وقت يحدِّثنا فيه بعض قدماء الماركسيين عن طهارة النصرة. ويموت الأطفال في المخيمات جوعًا.

"فضيلة" داعش تأتي من كونها قد عرَّت الأساطير التي صنعتها "الجزيرة" منذ عملية للنصرة في الشمال ضدَّ قاعدة للدفاع الجوي غطَّاها أحمد زيدان، إلى ذلك التقديم في هالة قدسية لأبي محمد الجولاني مع تيسيير علوني، إلى ذلك الغطاء المتعمَّد على كل الجرائم التي ارتكبتها جبهة النصرة في تكرار بائس للتجربة العراقية التي ولدت في كنفها.

"فضيلة" داعش أنها كشفت الخطاب الإخواني الشعبوي الذي يتحدَّث منذ حسن البنا إلى سيد قطب والقرضاوي (...) ويخدِّر العامة بمقولة "الإسلام هو الحل". يؤثر الجماعة على المجتمع ويحق له ما لا يحق لغيره. مع كل ما حملت هذه الأيديولوجيا والممارسات من غطاء للتطرف في سوريا والعراق.

"فضيلة" داعش أنها اختصرت على المفكرين عشرات الكتب والدراسات في الردِّ على أطروحات العودة إلى الوراء لبناء "خلافة راشدية على منهج النبوة". فضيلة داعش أنها فضحت الباطنية السياسية لتوظيف الدين كاستراتيجية سلطة.

تنظيم داعش، وليس المثقَّف النقدي، من أسقط الهالة عن مفهوم "الحاكمية لله"، وهو الذي ترجم مفهوم جاهلية القرن العشرين لسيد ومحمد قطب على أرض الواقع، وهو من جعل التكفير سنَّة وحوَّل العنف والتوحُّش إلى منهاج حياة.

يتكلَّم المرء بمرارة وهو يستعرض شريط الأحداث وكيف باسم الثورة تم اغتيال كل مقومات ما يمكن تسميته ثورة. كانت الأخطاء تتراكم وكان الجواب دائمًا النظام هو المسؤول.

أصبحت الأخطاء جرائم واستنكرت الأسطوانة المشروخة نفسها. لم يكلف أحد نفسه عناء النظر إلى ما آلت إليه الأمور.

بيع قرار السوريين لغيرهم بدراهم وجرى تسليم قرار المسلح السوري لمن وفد من خارج الحدود. وأي فائدة من التذكير بما قلنا منذ أغسطس 2011: "إذا تسلحت تطرَّفت وتطيَّفت (...)".

لعلَّ من فضائل داعش أيضًا معرفتها بما يسمى "المهاجرون"، مستواهم الثقافي والسياسي ومحدودية وعيهم الديني والمشكلات الذاتية والموضوعية التي حوَّلتهم إلى مشاريع انتحار. لهذا تعامل معهم تنظيم داعش كالقطيع واتبع سياسة لاستقطابهم تقوم على قواعد بسيطة: المال والسلطان زينة الحياة الدنيا.

البذرة النغل

في البدء كانت القاعدة، تنظيم عسكري سياسي بإمكانيات كبيرة ودعم أميركي خليجي هائل لمواجهة المحتل السوفييتي في أفغانستان. استقطبت الحرب الأفغانية المقاتلين من بقاع الأرض وفتحت الباب للسلفية الجهادية للتحول من مجموعات صغيرة في بلدانها إلى قوة عسكرية عابرة للحدود (...) انتهت الحرب الأفغانية وتفتت الاتحاد السوفييتي. وصار من الضروري لكل من دعم هذه الحالة البحث عن وسيلة للتخلص من تبعاتها عليه.

فقد انتهت مدة صلاحية "الجهاد الأفغاني" عند صانعيه، وتحول المجاهدون من أجل الإسلام إلى منبوذين ممن أرسلهم. إلا أن هؤلاء المنبوذين كانت لهم قصتهم وأساطيرهم.

ولم يعد في وسع أولياء الأمر السيطرة عليهم. فهم يعتقدون أن جهادهم هو الذي غيَّر صورة العالم وأنهى الحرب الباردة ووضع حدًّا للشيوعية في بلاد الإسلام وأن جهادهم لم ينته مع رحيل القوات السوفييتية بل بدأ.

تغيرت التحالفات ودول الدعم والمأوى والجهاد. وتوزَّع أبناء التجربة الأفغانية بين الحرب الشيشانية والبوسنة والجزائر.

في حين حاولت المخابرات الباكستانية استعادة نفوذها في أفغانستان بدعم الطالبان البشتون. وعاود أسامة بن لادن تجميع السلفية الجهادية في أفغانستان باعتبارها مركزًا للتدريب العسكري والقيادة الآمنة.

كان العراقيون بكل فئاتهم أبعد الناس عن "القضية الأفغانية"، فقد ورطتهم حكومتهم في حرب شغلتهم عن العقد الزمني الأفغاني. ومنعهم طلب البقاء على قيد الوجود في ظل العقوبات والدكتاتورية من ترف "السياحة الجهادية".

ويمكن القول إن السلفية والإخوانية لم تكن موضع ملاحقة من النظام العراقي. لذا لا يستغرب قدوم عدد من قدماء الأفغان العرب إلى العراق قبل 2003.

ويمكن القول إن التحرُّك الجدي باتجاه العراق تبع حالة الفوضى التي حملتها قوات الاحتلال والقرارات المدمرة التي اتخذها بول بريمر، الحاكم الأميركي في العراق، بضرب بنية الدولة العراقية وحل الجيش العراقي.

الأمر الذي لم يجد معارضة من الطرف الكردي الذي احتفظ لنفسه بقوات البيشمركة أو الأحزاب السياسية الشيعية التي وجدت في ذلك فرصة لإعادة بناء الجيش من المجموعات المسلحة التي تشكلت في إيران أثناء الحرب العراقية الإيرانية وما بعدها.

حالة النكوص إلى الإيحائية

بهذا المعنى تتحمَّل قوات الاحتلال المسؤولية الأولى عن خلق كل العناصر الموضوعية لتشكيلات عسكرية واسعة خارج نطاق الاحتلال. بكل ما أصَّلت من استئصال واجتثاث وإبعاد لكل من كان على صلة عسكرية أو سياسية بالنظام السابق.

ولم تكن الطبقة السياسية الجديدة التي حملت لواء رفع المظلومية عن "البيت الشيعي" تحمل أي برنامج وطني ومواطني، بل على العكس من ذلك تعاملت العديد في المواقف التكوينية للدولة الجديدة بمنطق المحاصصة وتوظيف المشاعر وتقاسم المناصب وخلق عصبية مذهبية تحمي السلطة السياسية الجديدة.

لم يمتلك أبو مصعب الزرقاوي في جعبته السياسية والإيديولوجية ما يسمح له بدور هام في مقاومة الاحتلال أو تقديم تصورات خلاقة لواقع ومستقبل الإنسان في العراق.

وقد غطى ضحالته الفكرية بشراسته العسكرية. ويمكن القول إنه التعبير الأفضل لما يسميه علماء النفس حالة النكوص إلى الإيحائية Animist.

هذه الحالة التي تتجسَّد في ادعاء الحق المطلق وامتلاك القدرة على فرضه من حوله. وإسقاط كل شبهات ضعف الذات بيقين شيطنة الآخر. لذا أطلق منذ البدء مسؤولية فكرة "عوام الرافضة" (الشيعة) عن الاحتلال وعن ابتعاد المسلمين عن دينهم.

هذا الأمر فتح له باب العمليات العسكرية السهلة التي تستهدف المدني والعسكري، الطفل والبالغ، المرأة والرجل... كذلك صنف أي فكر غير جهادي–سلفي في خانة الكفر.

ولا شكَّ أن ما حدث من انقلاب جذري في وجود العراقيين بعد إلغاء الدولة والنظام قد هزَّ النسيج المجتمعي في أعماقه وصدَّع أركان الوعي الجمعي للناس وزعزع مقومات الاستقرار النفسي للأشخاص وفتح الباب واسعًا بعد عقود التصحُّر السياسي والحروب الدموية والحصار اللاإنساني لنمو النزاعات والعصبية وبداهة التوحُّش.

وجدت الإدارة الأميركية في ضرورة ارتقاء جماعة الزرقاوي إلى سلم عدو الاحتلال الأول فرصة ذهبية قزَّمت وهزَّلت فيها صورة أطراف المقاومة المدنية والعسكرية الأخرى. وغطَّت بالتالي على جرائمها السياسية والإدارية والعسكرية في البلاد.

إلا أن استئصال كوادر المؤسسة العسكرية العراقية في النظام السابق من عملية إعادة بناء الجيش العراقي دفعت بعدد غير قليل من الضباط السابقين للتوجه نحو التعبير الأكثر تعصُّبًا وشراسة في الموقف من العملية السياسية وعملية إعادة بناء أجهزة الأمن والجيش.

وقد بدأ التنسيق والتقارب بين أوائل المنتسبين من العراقيين إلى القاعدة مع هؤلاء الضباط مبكرًا للاستفادة من خبرتهم العسكرية ثم بدأت عملية التقارب الأيديولوجي تتسارع في معتقلات الجيش الأميركي بحيث يمكن القول إن الكيمياء الحالية لما يسمى بداعش اليوم هي الوليد النغل لسجن بوكا وأبو غريب وسنين الاعتقال في ظل الاحــتلال.

التدين العام

ينتمي الداعشي العراقي إلى جيل الثالوث المدنس (الحروب الإقليمية التي خاضها النظام العراقي، المثل الأقسى/مع قطاع غزة/، للعقوبات الجماعية في التاريخ البشري المعاصر، الاحتلال الأميركي الأغبى في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية).

ولا شك أن الإنسان العراقي الذي فتح عينيه على حربي الخليج الأولى والثانية بكل ما تحملان من عدمية، وكحَّلها بعقوبات لا إنسانية لا ناقة فيها للمواطن العراقي ولا جمل، وفقأها بمحتلٍّ حطم آخر ما تبقى من الدولة العراقية بعد الكولونيالية قد تمزقت لديه كل علامات التواصل مع الحداثة. فهو لم ير في هذه الحداثة سوى صفقات التسليح وشراء وسائل التعذيب وطغيان الحكم وهدر الموارد والطاقات الطبيعية والبشرية.

التدين العام هو الرد الأولي على حضارة لم تغط المدفع والبورصة والنفط بأي من معالم الشعور بالكرامة الإنسانية. كتب الشاعر العراقي بدر شاكر السياب قصيدة المومس العمياء قبل أن يشهد العراق الثالوث المدنس.

بعد كل مآسي العراق، تصحرت الثقافة وجفت الصحف ولم تعد الكلمات قادرة على وصف هول الوضع البشري.

أثناء بعثة التحقيق التي قمت بها للعراق في يونيو 2013 قال لي السائق الذي نقلنا للاجتماع مع الفقيد سيرجيو دي ميلو: "هذه الأمم المتحدة شاركت في قتل أطفال قريتي جوعًا ومرضًا فهل تعتقد أنها قادرة على التكفير عن جرائمها في حقنا كشعب؟".

لم يكن السائق من الأنبار بل من قرية شيعية في جنوب شرقي العراق. وقد تطوع لمرافقتي إلى الفلوجة قبل المجازر التي ارتكبت فيها من حكومات الاحتلال.

كان يعيش كل يوم بيومه لإطعام أطفاله دون أي قناعة بأن هناك نهاية للنفق الذي دخله العراق منذ سبعينات القرن الماضي.

ولعل الجريمة الأكبر في هذا القرن، تكمن في مشاركة الطبقة السياسية العراقية بمعظم مكوناتها في تحطيم بوصلة الخلاص للشعب العراقي عبر البحث الدائم عن كبش محرقة، عن ضحية محلية يستقوي عليها ويحملها مسؤولية مآسيه وحالة الإحباط المعمم التي يعيشها.

ويمكن ملاحظة ذلك جليًا منذ استهداف اللاجئين الفلسطينيين من قبل أطراف المعارضة العائدة للبلاد التي حمَّلتهم شماعة دعم نظام صدام حسين وقرارات اجتثاث الدولة، إلى قرار داعش بالتطهير الديني لمدينة الموصل من المسيحيين مرورًا بمحاولتهم "تنظيف" العراق من الطائفة اليزيدية.

بكل أشكالها ومسببيها، تتابعت عملية تدنيس الوعي لتخلق الأرض الخصبة للعنف والتوحش والهمجية. الدريل drill كان وسيلة تمزيق عظام المعتقلين في أقبية الميليشيات وجزِّ الرأس كان الوسيلة الأرخص عن التكفيريين.

وفي كلا الحالتين جرى إعدام فكرة الحق في الحياة والحق في سلامة النفس والجسد في مجتمع تعايش فيه الموت مع الحياة في كل خلية وقرية وحي وقصة.

لم يكن في إمكان التكوين الهجين لدولة العراق الإسلامية تحقيق الانسجام الداخلي دون تأصيل التعصب قاعدة والغلو فقهًا والصرامة والرعب منهجًا. فليس في الإمكان ادعاء "الصفوة" وامتلاك الحقيقة المطلقة وإعطاء جواب لكل سؤال واستباق القرارات وتجاوز الشك واغتيال الوعي الأخلاقي دون تحقيق القطيعة الذهنية مع الماضي الشخصي لمكونات التنظيم ومسح قصة زيد من صيرورته أبو أسامة.

وكون عملية غسل الدماغ لم تحدث قط، صار من الضروري التمسُّك بكل المظاهر التي تعطي الجماعة صفة النقاء من البدع وإغلاق باب الفتن وسد الذرائع وتهذيب الشعائر مع استعراضات إعلامية مبالغ فيها لتحطيم المزارات والمساجد والكنائس والتماثيل وحرق محال السجائر والجلد الميداني والرجم والصلب وقطع الرؤوس وأخذ الصور مع الرؤوس الخ.

وهنا يبرز الطابع الفصامي لتنظيم داعش. فهو يمارس كل أشكال استبدال المُثُّلِ بالمقايضات النرجسية (تعسف السلطة، الانتهازية، السرقة، القتل، الخطف، الخوات، الانتقام، الثأر، الاعتداء على المحرمات...). ويعلن جهرًا كفر أو ردة كل من يعترض طريقه...

صورة النصيري

لا يمكن إقامة الفصل بين المقاتل العراقي والغريب القادم من أصقاع الدنيا للجهاد في سبيل الله.

ونجد قصة حياة أبو مصعب الزرقاوي تتكرر عند الجناح المهمَّش التونسي (الذي لم تقدم له "الترويكا" لا شغل ولا خبز ولا أمل وأغمضت العين لأشهر عن سفر الشباب التونسي إلى سوريا)، والذي أراد تخليص الشعب السوري من نظام يسمع ليلاً نهارًا على كل القنوات الفضائية غربية وخليجية أنه "يقتل الأطفال ويغتصب النساء". فوجد في من دفع له كلفة السفر ودفعه إلى الجهاد محسنًا مجاهدًا في سبيل الله والعدالة.

وصف لي أحد المقاتلين الذين انتهى بهم الأمر إلى طلب اللجوء في فرنسا بعد أن قضت "جبهة النصرة" على مجموعته "المعتدلة" صورة "النصيري" عند هؤلاء الغرباء عن الثقافة العربية والإسلامية قائلاً: "النصيري بالنسبة لهم هو أي جندي أو موظَّف في دولة الأسد. هو شيطان هذا الزمان ولا بد من تخليص الأرض من رجسه ونجسه إذا ما أردنا عودة الإسلام إلى أرض الإسلام".

يتحمل المجتمع المشهدي، بتعريف غي ديبور له، مسؤولية كبيرة في إنتاج التطرُّف وتمجيد العنف.

فهل كان في الإمكان عمل غير "الهجرة والجهاد" أن يحوِّل جماعة مهمَّشة وجدت نفسها خارج المنظومة الرأسمالية قبل أن تكوِّن وعيًا تختار به موقفها منها، إلى عناوين الصحف ومقدِّمة نشرات الأخبار، غير هذا العنف الذي حوَّل محمد وسفيان ورشيد وسليم... من مجرَّد منبوذين من جيرانهم إلى أبو البراء البلجيكي وأبو لقمان الألماني وأبو محمد الفرنسي وأبو أسامة البريطاني... إن الشهرة التي تمنحها وسائل الإعلام تعطي منسيي المجتمع الأوروبي الأهمية وقوة الحضور وجاذبية "دور البطل".

ولا ينسى هؤلاء "المهاجرون" التذكير في كل مناسبة بأنهم قد هجروا "الديمقراطية المجرمة والعلمانية الكافرة ومجون الغرب" من أجل خلافة طاهرة تعيد الناس إلى دينهم أو شهادة ترتقي بهم إلى ملكوت السماء.

لم ولن يطرح أي "مهاجر" السؤال الذي طرحه ألبير كامو في العادلون: "أينبغي أن تسيل أنهار من الدم لكي يمكن غدًا إقامة العدالة؟ وهل يتعيَّن علينا أن نصبح قتلة ليكون لدينا نظام اجتماعي أفضل؟"؛ فالشعور الهذياني بامتلاك الحقيقة المطلقة يحرم القاتل من الوقوف عند عدد ضحاياه وأساليب قتلهم.

لقد توصلنا من متابعة تجربة داعش، من خلايا الزرقاوي إلى خلافة البغدادي، إلى ضرورة تناول التجربة عبر الأشخاص بعد أن تبيَّن لنا تأثير الأشخاص على طبيعة وتركيب ووظيفة الأيديولوجيا التي يعلنون عنها. فمن الصعب اعتبار تأثير الأيديولوجيا على مكونات أصحاب القرار في هذه التجربة حاسمًا.

ولعل هذا ما يفسر الغلو المتعمَّد والمشهدي الذي يحمل في طياته كل عناصر الهدم دون امتلاك أي تصور خلاق لإعادة البناء بغض النظر عن نمط الحياة المطلوب في هذا البناء.

***

الجزء الثاني: خلافة داعش وصناعة التوحُّش

في 2005، حاولت تناول ظاهرة "تفجير الذات في الآخر" بعد أربع سنوات على أحداث 11 سبتمبر 2001 وما تلاها من تفجيرات محدودة الأثر في عدة مدن أوروبية. ولا شك أن هذه المحاولة تحتاج اليوم إلى إعادة تناول كون تعريف الذات وتعريف الآخر قد اختلف منذ دخول الحركة السلفية الجهادية مواجهة مفتوحة في العراق لكل من الآخر المحتل والآخر "المختلف الانتماء".

أعطى العراق المثل على خطر الفوضى على مشروع التغيير في كامل المنطقة. فتصفية الدولة العراقية على أيدي قوات الاحتلال أدخلت ثلاثة عناصر أساسية جديدة هزَّت المفاهيم المركزية لفكرة الدولة وعلاقتها بالمجتمع بغض النظر عن طبيعة مشروع الدولة نفسه:

-       انتهى احتكار الدولة للعنف كمعطى رافق نشوء الدولة قبل الإسلام بثلاثة آلاف عام.

-       وكما انتهى احتكار السيف انتهى احتكار الكلمة. حيث عبرت وسائل الاتصال والإعلام الحدود.

-       كذلك لم تعد الدولة تشكل مصدر المال الأول لمن يعمل في الشأن العام في بلدان الأزمات.

نهاية هذه الاحتكارات الثلاثة في عالم تحطمت فيه حدود الأثير والمال والسلاح لم تضرب المفاهيم السياسية والمدنية للدولة الحديثة وحسب، بل فتحت الأبواب لحالة من الاضطراب العميق ترك تبعاته على الشخصية البشرية نفسها. محطمة مسلمات أخلاقية لعلاقة الإنسان بالإنسان.

بعد فشل الاحتلال العسكري الأميركي في العراق وتراجع فيروس "التدخل الخارجي الإيجابي" الذي دخل في جسم عدد من "المعارضات العربية". جاءت الحركة المدنية السلمية في تونس ومصر لتفتح آفاقًا جديدة لسبل التغيير السياسي من المجتمع وللمجتمع. إلا أن سيرورة التجربة الليبية في سيمفونية عربية غربية أعادت طرح فكرة "التدخل الخارجي للخلاص من الدكتاتورية". ولم يُقصِّر أئمة السلاطين في صياغة الفتاوى الضرورية التي تعطي الناتو صفة "المخلِّص".

كم من طرف سعى بوعي أو دون وعي لنسخ المثال الليبي في سوريا. ومن المضحك أن نقرأ في عريضة لمن يسمى "علماء الأمة" دعمهم للمجلس الانتقالي السوري (أي التسمية الليبية التي تجنبها المجلس الوطني) يدعو كل القوى إلى التدخل من أجل إنقاذ الشعب السوري. مفتي قطر يوسف القرضاوي لم يتوقف عند استجداء تدخل الناتو بل طالب كل قادر على الجهاد بالتوجه لنصرة الشعب السوري. وتكرر النداء على لسان عشرات أشباه المشايخ السلفيين في السعودية والكويت وقطر ومصر وليبيا وتونس. لم تعد المهمة قتل الحراك المدني السلمي في سوريا بل تحويل هذا البلد أيضًا إلى مقبرة لكل حالات الاستلاب الذهني والروحي التي فقدت التواصل مع العالم والإنسانية في أفيون التكفير بحثًا عن فردوس أبدي.

بعد حقبة الغزل مع "المقاتلين من أجل الحرية"، كما يسميهم برنار هنري ليفي ولوران فابيوس. و"حتمية العنف في الثورة" كما نظَّر بعض "المفكرين"، انقشع ضباب الواقع عن مجموعات متزمتة متحجرة تحمل عقد الماضي والحاضر، الدنيا والآخرة. في عباءة "المهدي الجماعي المنتظر" الذي سيعيد ملكوت الله في أرضه بعد أن دنسها كل بني خلقه.

منذ تفجيرات المحلق الجنوبي في دمشق (ديسمبر2011) وحتى اليوم وثنائية الله والشيطان، معسكر الخير ومعسكر الشر تسيطر ليس فقط على معسكر "الأبوات" (جمع أبو) بل على عدد من غير الإسلاميين الذين وضعوا كل ما تحمله ظاهرة "الغلاة الجدد" في ذمة الدكتاتورية. لم يحاول أحد أن يستقرئ بداية النفق أو نهايته. ومن حاول تنبيه الأمة من هذه الغمة حُمِلت عليه هراوات العمالة للدكتاتورية والخيانة للثورة. إلا أن طوفان الكذب الإعلامي والسياسي الكبير هذا لم يلبث أن بدأ يرتد على أصحابه. انهارت عشرات بل مئات الفتاوى التي تطالب الشبيبة بالتوجه للجهاد في سوريا والعراق... فتاوى لم يضع حدًا لها سوى الطائرات الإسرائيلية التي تقصف المدنيين في غزة في شهر رمضان. هنا ورغم الطابع الإسلامي الغالب للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة عاد تلامذة ابن تيمية إلى صمت القبور. فيما استمر التكفيريون في هدم أضرحة الأنبياء وبيوت الله وقطع الرؤوس في "دار الإسلام". انتقائية الجهاد والقتل والموت وضعت كل من وظفَّ الدين والتدين في خدمة أهداف سياسية محدودة ووضيعة عاريًا أمام الناس والتاريخ. فهل نشهد "الخلاص" من حالة الغيبوبة التي تعيشها قطاعات هامة من مجتمعاتنا بعد كل هذه الزلازل أم أن الأمر يحتاج إلى جيل أو أكثر؟

العولمة والعولمة المضادة

في كتابهما المشترك العقل والعنف يقول كوبر ولانغ:

من أجل الضرورة والقابلية الذهنية للعقل الجدلي، لا مناص من ربطه بالتجربة في كل حالة، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بشكل جدلي (...). يبدو الجدل قوة إيحائية لأي مراقب من داخل المنظومة (السستام).

تبدو هذه العلاقة بين العقل الجدلي والواقع، بين الرؤية من داخل منظومة فكرية أو من خارجها ضرورية جدًا لاكتشاف البعد العالمي لأي ظاهرة وإمكانية متابعتها كاحتمال وارد خارج حدود الزمان والمكان النسبيين. والسؤال المطروح علينا باستمرار، ما هي الحدود بين الفطري والمكتسب، البيولوجي والمجتمعي، النفسي والحقوقي، الاعتقادي والسياسي، الاستمرارية والانقطاع، القديم والجديد في ظاهرة العنف والعدوانية أو في ذاك الجمع العجائبي لهما في ما نسميه التوحش؟ هل يمكن اعتبار تفجير "الدراغ ستور" في باريس 1974 و"مترو الأنفاق" في لندن 2005 عملين من طبيعة واحدة لأن كلاهما استهدف مدنيين عزل؟ هل يمكن قراءة العدوان والعنف في علم النفس والقانون بنفس الطريقة؟ وأخيرًا هل يمكن الحديث عن تعبيرات مختلفة للعنف والعدوانية نحن بصدد اكتشاف توسعها الأفقي مع ظاهرة العولمة؟ تحتاج هذه الأسئلة إلى تأملات جماعية وبحث عميق، ولا تدَّعي هذه الأسطر امتلاك الإجابات بقدر ما تحاول أن تكون إسهامًا في مواجهة البلادة الذهنية المتصاعدة في المجتمع المشهدي المعولم.

"يصعب عليَّ الاعتقاد بوجود بشر في جنان سعيدة لا يعرفون العنف أو العدوانية"، كتب سيغموند فرويد. وعند هذه الجملة ينتهي اجتماع المحللين النفسيين. فليس هناك اتفاق على تعريف العنف وكذلك الحال بالنسبة إلى العدوانية. لكن يمكن بالخطوط العامة جدًا القول إن هناك اتجاهًا كلاسيكيًا يعبر عنه فيليب جياميه الذي يعتبر العنف بشكل أساسي "وظيفة لحماية الأنا"، فهو "يقوم بوظيفة تفريغ الشحنات الداخلية للأنا". بهذا المعنى أو التعريف، العنف لا يحمل الحقد بالضرورة. في حين أن العدوانية، "حركة متعمدة لتحطيم الآخر الذي تم التعرف عليه باعتباره شيئًا آخر. في العدوانية، وفق هذه المقاربة، نية مسبقة للإساءة إلى الآخر بشكل نوعي: تحطيمه، إيلامه، لخبطته، سرقة أو تحطيم أشياء لها مكانة هامة عنده". بروخ يعرِّفها بالقول: "استعداد دائم لمهاجمة الآخرين، مع نية التحطيم، وبكل الأحوال، مع رد غير محسوب".

هناك اتجاه آخر معاكس يلخصه عنوان كتاب أنطوني ستور العدوانية الضرورية: حيث يعتبر جورج باستان العدوانية "تصرفًا حيويًا في غاية الإيجابية". في حين ينضم هذا الاتجاه لتعريف جان ماري مولر للعنف باعتباره "ما يمكن أن يتعرض للكرامة الإنسانية. ما يأتي لتحطيم شخصية الآخر". إدغار ولف المدافع عن هذه المقاربة يكمل قائلاً: "يبدو لي العنف باعتباره درجة أعلى في العدوانية، درجة أكثر خطورة. وتحطيم الشخصية يمكن أن يتضمَّن اعتداءات جسدية وضغوطًا وإذلالاً نفسيًا".

ليس بالإمكان اعتبار هذا النقاش حول العدوانية والعنف عالميًا، بل يصعب إخراجه أحيانًا من المؤسسة الثقافية الغربية وتقسيمها للمعارف والاختصاص، أي العثور عليه في باقي العلوم الاجتماعية والفلسفية والقانون. إذن النسبية ضرورية. ضرورية في التعريف، ضرورية في التحليل، وضرورية في الاستنتاجات. والسؤال الأساسي يبقى: ما هو العنف المقبول أو المفهوم في مجتمع أو منظومة قيم محددين، وما هو دور التبرير السياسي أو الإيديولوجي للعنف؟ وهل يمكن اعتبار حديث بعض المحللين النفسيين في السبعينات عن العقدة السادية-الروحانية لوصف التطرف العنيف في مطلع السبعينات صالحًا لوصف ما بعد 11 سبتمبر؟ وكيف تفسر ظاهرة قطع الرؤوس كوسيلة من وسائل التقرب لله؟ هل يمكن الاكتفاء بفكرة تشابه الآليات رغم اختلاف المقومات الثقافية لتفسير متشابه لظاهرة تجاوز العنف السياسي و/أو المجتمعي إلى التوحش الإحيائي ما قبل الوثني، مع أو دون ثوب ديني؟ هل يمكن استعادة إشكالية "عنف المظلوم المستلب الهوية" عند فرانز فانون لشرح ظاهرة التوحش هذه التي جعلت كلمات كالعدوانية والسادية والثأر والحقد عادية أمام مجموعات تعتقد بأنها خير جماعة أخرجت للناس في وقت تنزع بممارساتها كل إناسة وإنسانية بكل المفاهيم الدينية والفلسفية التي عرفها البشر؟

من الصعب الحديث عن العنف كظاهرة مجتمعية في غياب الأرض الحاضنة، قوة الدافع، ومنطق داخلي متماسك. الاستقصاء المنهجي يخلق الشرخ الضروري للانقسام عن المنظومة السائدة، لبناء لغة موازية مختلفة وضرورية للتعرف على الذات المبعدة، يضع فكرة الدور على الطاولة باعتبارها في حالة مواجهة مع السائد، أما المنطق الداخلي فينطلق، في رأينا، من إعادة طرح الأحجية عينها: ليست المشكلة إن كان لوجودي معنى أو لا، المشكلة هي امتلاك رغبة ما للعيش في هذا المحيط الذي بعدائه لي جعل مني عدوًا له. والذي بتحديده مسبقًا لدوري ووضعي الاجتماعي ومستقبلي حرمني من أي فرصة للتعرف على الذات خارج المخطط مرسوم المعالم للانضمام له أو الرضوخ لقواعده. فأنا بالنسبة له، العنصر المضطر للعب دور المستأصَل القاصر، الأقلية المزمنة، ليس بوصفها كذلك بنية أو عددًا، بل في إعادة استهلاك لمفهوم الأقلية الوظيفي في القرون الوسطى، قبل أي تعريف للتنوير في الأزمنة الحديثة.

بلا حدود

إذا كان تعويم العملة في الاقتصاد يحتمل أكثر من قراءة، فتعويم المفاهيم ذات التأثير المباشر على الحياة اليومية للبشر يترك بالضرورة ثغرات كبيرة يدفع ثمنها الأضعف في السوق والإعلام والثقافة والسياسة. وكما رأينا مع العنف والعدوانية، يصعب الحديث عن وضوح أكبر في جريمة العدوان وجريمة الإرهاب، كذلك الحال في مقومات البناء النفسي للإذلال وطبيعة التأقلم مع المجتمع المستقبِل. ينال هذا التعويم قمته مع عولمة الوجود المفاهيمي للبشر. أي الهم المتصاعد لإعطاء صفة العالمية لعمليات إعادة الهيكلة والخصخصة والصرف العائم وتخفيض مصروفات الدولة وإطلاق حرية فعل الأسواق باعتبارها المخلِّص من الفقر والمرض والاستبداد والفساد. عولمة الاقتصاد تقدمت مع عولمة المرجعيات الثقافية. وكلما حاولت فرض خصوصية مهيمنة باعتبارها "العالمية والمرجع الأساس"، كلما فتحت الباب لكل الإيديولوجيات المحلية لحمل لواء العالمية بطريقة مسخ.

ليس من السهل تنظيم آليات السيطرة على الصعيد العالمي في مرحلة أفول الحضارة الغربية. كان لصعود الحضارة الأوروبية فضل إعادة بناء العالم المادي والذهني، الحقبة الأميركية لا تحمل ميزات الانطلاقة وعلى تجاعيد وجهها بشاعات القرون الأربعة الماضية. من هنا سطحية علاقتها بالظواهر والمستجدات. وطغيان الوقت على التأمل باعتبار الأول عنصرًا أساسيًا لإمبراطورية ال Fast Food المنتصرة. بهذا المعنى، ليس أفضل من عولمة حالة الطوارئ وقوانين مكافحة الإرهاب وتحديد معالم وتخوم معسكري الخير والشر وسيلة للدفاع عن صيرورة السلعة رب العولمة المعبود.

لا خلاف عند صنَّاع القرار الامبراطوري على أن العنف والعولمة صنوان، وإن كانت قضية معالجة النقد والكرامة والجمال والإيمان والطبيعة والإبداع باعتبارها سلعًا لا تشغل بال الرئيس الأميركي و"مساعده" البريطاني على الإطلاق، فإن قضية إدارة العنف على الصعيدين الداخلي والدولي تشكل بالتأكيد همًّا مركزيًا عندهما. وليس من شك في أن المربع الأخير لفكرة الهيمنة الشمولية لم يعد يملك الوقت لتنميق تحركاته بالحد الأدنى من القيم المعلنة. فهو يقاتل مع الدكتاتورية الحليفة دكتاتورية أخرى باسم الديمقراطية، ولا تخجل طبقته السياسية من تنظيم حملاتها الانتخابية بأموال الجراد الأسود. ومع تفتت فكرة الحدود يمكنه بيع السلاح لحليف يمرره لهذه الجماعة المسلحة أو تلك. ولا ينسى المطالبة في وضح النهار بنزع سلاح كل من يعتبره عدوًا.

هل يمكن لتأميم الحرية وطغيان السوق ومركزة إدارة العنف وانحدار فكرة المسؤولية عند الحكومات أن تترك للحضارة الغربية رونقها الأول؟ في نص متميز لجورج حنين، يعتبر الشاعر السريالي المصري أي اعتداء على الحرية إنتاجًا للشبه والظل وابتعادًا عن الغرض الأساسي لها كمشروع وحنين. إلغاء العفوية (بالقوانين والإجراءات الاستثنائية) يحول العلاقة مع الحرية إلى مدنس يدفعنا إلى قلب الصفحة ضد ذاتنا هذه المرة، وفق قواعد تم تحديدها على مستويات عالية.

*** *** ***

عن "العرب" اللندنية

 

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني