فشلتُ يا أبنائي...

 

جوان سوز*

 

(إلى لا أحد)

(1)

ارحلي يا حبيبتي
ارحلي، وأمضي بعيدًا
فالمجد للقصائد.

(2)

أدخل إلى بيتكِ حيًّا
وأخرج منه ميتًا.

(3)

أسفٌ أيها الحزن
لأنّني حزينٌ أكثر منك.

(4)

أستمع إلى الأغاني وأراكِ، اكتب الشعر وأراكِ، اقرأ رسائلكِ وأراكِ، أضع يدي على جبيني وأراكِ، أنظر إلى صوركِ وأراكِ، أحفظ قصائدكِ وأراكِ، أفكر بحلولٍ لمشاكلكِ العائلية وأراكِ، أنظر من النافذة وأراكِ، أمشي في الشارع وأراكِ، أنظر إلى نساء حيِّنا وأراكِ، ابتسم للمارة جميعًا وأراكِ. وحين أفتح باب غرفتي، لا أرى أحدًا، ولا أراكِ أيضًا - حتى أنتِ، لا تخترقينَ وحدتي -.

(5)

اشربي أيتها الجبانة
اشربي من كأسي وكأسكِ أيضًا
فلا أحد سيثمل هنا.

(6)

أعرف أنّك تنامين
وأعرف أنَّ صديقتك لا تزال تسهر
وأعرف أن شقيقاتكِ لا يزلن يذهبن إلى العملِ كل صباح
وأعرف أنَّ شقيقكِ لا يزال يكرهني ويكرهكِ أيضًا
وأعرف أنَّ والدتكِ لا تزال متعبة كعادتها
وأعرف أنَّ والدكِ سيعود إلى القامشلي
وأعرف أنَّ البارحة كان يوم ميلادكِ
ولم أتمكن أن أجلب لكِ هديةً - تليقُ بغيابكِ -.

(7)

أن أخرج من هذه البلاد،
هذا لا يعني أن أعود خائبًا إلى عائلتي، فحسب...
بل نائمًا يا حبيبتي
في تابوتٍ خشبي
وإلى الأبد أيضًا.

(8)
الباب

ذاك الباب
الحديدي الأبيض
حرقَ كلَّ أصابعي بحرارةِ تموز
في صيفِ مدينة أربيل
وما زلت أقرعهُ كلَّ يوم.

(9)

حتى الدم
ذاك الدم الأحمر
الذي يسيل أمامي كلَّ صباح
على تلك البلاطة البيضاء
يقول لي:
أنّكِ تقودينني
إلى الهاوية
أيتها المرأة
التي لن أشفق عليها بعد الآن
أنَّني مريضٌ حقًا
وسأموت!
عندما أراكِ
تشفقين عليَّ.

(10)
الصورة

الصورة
التي لم نلتقطها معًا
هذا المساء
وكان قلبي
يتمنى رؤيتها
في دبكةٍ فرّقت أصابعنا
كم تجعلني حزيناً الآن؟

(11)
القبلة

تلك القبلة الطويلة
والتي استغرقت ثلاثة فناجين من القهوة
في منزلِ صديقتكِ
كيف انتهتْ هكذا!؟
دون أن تتركَ شامةٍ على عنقي،
حين كانت يدكِ تسير على جسدي.

(12)

أنا حبيبكِ في السرِّ وصديق شقيقكِ في العلن
أنا ذاك الحجر الذي يتفتت رويدًا رويدًا
كلما خرجتِ من المقهى باكرًا.

(13)

أنتِ القصيدة التي أقوم بتعديلها كلَّ يوم
ومجموعتي الشعريَّة الأولى
والأخيرة أيضًا.

(14)

أنتِ جواز سفري إلى العالم كلِّه
أنتِ التي في دمي - دمي الذي يتلوَّث الآن -.

(15)

أنظر إلى هاتفي
لأرى إن كان رقمكِ لا يزال موجودًا
أنظر إلى بريدي
لأرى إن كانت رسائلكِ موجودة هي أيضًا
أنظر إلى قلبي
لأرى إن كنتِ بداخلهِ إلى الآن
أنظر إلى صورنا جميعًا
تلك التي كنا فيها سويًا،
لأتأكد إن كنتُ حقًا في بيتكِ
هذا الصباح.

(16)

بعد قليل
سيخلدُ أخوتكِ إلى النوم
وكذلك والداكِ،
سوف ينام الجميع
وأنتِ أيضًا
وحدي أنا،
سأسهر على سلامتكم.

(17)

بينما كنا في الحديقة
الحديقة التي قبَّلتُكِ فيها شجرةً شجرة
قلتُ لصديقي الشاعر وهو ينصحني بالابتعاد عنكِ
سوف تتوقف إنارة الحيِّ على الفور
-  لو قلتُ لكِ وداعًا -
سيتوقف عمال النظافة
وتغلق كلُّ مقاهي المدينة
ونوافذ البيوت المضاءة
ستتوقف الحافلات في الطرقات
وسيتوقف الناس عن السفر
وستكفُ النساء عن الإنجاب
ولن يبقى حجرٌ على حجر!
سوف يتوقف كلُّ شيء
حتى دقَّات قلبي..
لو أنني تجرأتُ على فعلِ هذا
وها أنني فعلت،
ولا شيءَ من هذا القبيلِ
قد حصل.

(18)

حتى أنَّه لم يستطع
أن يتخيل ذاك المشهد
المشهد الذي يعيش في خيالهِ الآن
وسيقوده نحو الموت
يوم الأربعاء القادم.

(19)

كلُّ يوم أيضًا
أذهب إلى السينما
حيث قبَّلتُكِ،
واسأل نفسي،
متى سيكبر أطفالي!؟

(20)

حقًا لا أدري..
كيف يكون حذاءي ضيقًا في قدمي
وواسعًا في أقدام الآخرين!؟

(21)

طوال الطريق
من حديقة سامي عبد الرحمن إلى حيِّنا
كنت أمشي في الشارع
واتصل بأخوتكِ
الواحدة تلو الأخرى
وأنا أفكِّر
ماذا لو بقيت أكتب الرسائل إليكِ من هاتفي؟!
لربَّما كنت سأصل إلى البيتِ غدًا!

(22)

في الحديقة
كُنتِ تقصِّين أظافري
وكنتُ أقبِّلُكِ،
كذلك في المقهى
كنتُ أقبِّلكِ أيضًا
- فقط في السينما -
تركتُ أطفالي اليتامى،
ومضيتُ نحو الظلام.

(23)

في كلِّ الأماكن
التي كنَّا فيها معًا
لم نكن سويًا.

(24)

قرأت القصائد التي كتبتها لكِ وهي تبكيني
قرأت القصائد التي كتبتها عنكِ وهي تغرز السكين في جسدي
قرأت قصص الحبِّ التي كتبتها بصحبتكِ وهي تقتلني
قرأت قصص الحبِّ التي عشتها معكِ وهي تدفنُني
فعلت كلَّ هذا مرارًا
حتى صار أمرًا عاديًا
كما كنتِ في عيدِ ميلادي.

(25)

لا أستطيع أن أعدَّكِ ميِّتة
لأنكِ لو كنتِ كذلك،
لزرتُ قبركِ كلَّ يوم
ترى أين قبركِ الآن؟

(26)

كصورةِ صديقٍ غائب
كم تؤلمني أيها الحبُّ!؟

(27)

لا تطعني في ظهري
أرجوكِ، لا تفعلي هذا
أريدُ أنَّ أرى يدكِ
للمرة الأخيرة.

(28)

لا يخطر في بالي،
أنَّك ستعودين مرة أخرى
إلا أنني أفكر بهذا كثيرًا،
كلَّما حاولت أن أفتح علبة المياه المعدنية
في شهر آب الجاري من دونكِ.

(29)

لقد نسيتكِ حقًا
وشربتُ النبيذ بصحتكِ
وقلتُ للناس:
"لستُ ثملاً"
وقلتُ لصديقي
"كنْ أقوى منِّي"
ونحن نخرجُ من الحانةِ
وحين وصلتُ إلى البيت
سألتُ أختيَّ الصغرى
هل اتصلتْ بكِ؟

(30)

لم يفعل شيئًا
حين خرجتْ من حياتهِ
سوى أنَّه بكيَ كثيرًا
وهو يعدُّ على أصابعهِ
النساء اللاتي تركهنَّ من أجلِها.

(31)

لم يعد أحدنا
يستوعبُ الآخر
وكلُّ ما في الأمر إن الصور
هي التي تجمعنا فقط.

(32)

ولأنّكِ تصبحين أجمل
حين تتحوَّلين إلى ذكرى،
ابتسم لصديقي المقهور
وهو يقلب صوركِ
على حاسوبي.

(33)

ولأننا اثنان
- ولنا قلبان -
افتحي الباب،
وأمضِ الآن.

(34)

ماذا تفعلين في غرفة النوم
سوى أنّكِ تفتحين ذراعيكِ للمطر!؟

(35)

غدًا،
سوف تنتهي الحرب
ويعود الناس جميعًا
إلى ديارهم
وحدي أنا،
سأقاتل من أجلكِ
إلى الأبد.

(36)

غدًا أيضًا،
سأقول لصغاري
لقد أحبَّبتُ من كلِّ الجنسيات،
وفشلتُ يا أبنائي.

 


 

horizontal rule

* شاعر وصحافي كُردي سوري.

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني