تفاصيل التعب وقصائد أخرى

 

مكسيم نوفل

 

تفاصيل التعب

 

هدَّنا الليلُ
وأحلامُ الغريبةِ
والتفاصيلُ اللذيذةُ
في ترانيم الرُّعاة.

هدَّنا السِّرُّ المُخبَّأُ في ثنايا البَوحِ،
لو كُنَّا أقلَّ هشاشةً كُنَّا التقينا
مرَّةً أخرى،
وغافَلْنا احتمالاتِ الحياة.

تنضو مدينتُنا أظافِرَها
وتَعبِسُ كُلَّما
اقتربَتْ طريقانا،
وتنفُخُ بوقَها بالحَربِ،
تصرخُ:
ها قد اقتربَ الغُزاة!

هدَّنا طولُ التَّأمُّلِ،
والرَّصيفُ السَّاحرُ الحجريُّ
في دربِ القصيدةِ،
واحتدامُ الوصفِ
في لُغَةِ الأوائِلِ،
والتراتيلُ المُعلَّقةُ
اعتباطًا في تعاليمِ القبائلِ،
والطُّغاة.
ماذا لو اتَّفَقَ الرُّواة
...

***

قصيدة

وفراشةٌ هذي القصيدةُ
تاهَ عنها المشهدُ العبثيُّ
أحمِلُها على كتفي
لأوسعَ دربها في زحمة الأشلاءِ،
أشلاءِ السخافات الكثيرة والسنين.
وفراشةٌ هذي القصيدةُ،
ضَعْفُها عَرَجٌ يقضُّ خطى البساطير
التي في أرجلِ الدُّنيا
تدبُّ بها على لحم القلوبِ
المُشرعاتِ على التَّغَرُّبِ
والتَّذَكُّرِ والحنين.
وفراشتي،
هذي القصيدة،
ليت لي قلبًا كما الفينيق
يُخلقُ كلَّما أحرقتُهُ
ليسُدَّ أنفَ إلهةِ الحربِ
التي أعمى بصيرتها الجنون
.

***

على الحافة

في اليأس ينتبه الغريبُ إلى الغريبِ:
تُراكَ مثلي
ضيَّعتْكَ الدربُ
حين هممت،
مثلي،
أن تتوب عن الغيابِ
فلا تموت
في اليأسِ ينتبه القتيلُ
إلى القتيلِ
تعالَ
توجعني مرارةُ عزلتي
فتعالَ
نختصر المسافة بالكلامِ
تعالَ
يوجعني السكوت.
في الموتِ
ينتبه الوجودُ إلى وجودي!
كنتُ قبل الموت بابًا لا يُرى في ذاته
ما دام مفتوحًا
ويَفرِضُ نفسه
سدًّا منيعًا حين يوصدُ
مثل قلبي إذ يموت.
في اليأسِ
ينتبهُ القتيلُ
إلى سخافةِ كلِّ موجودات هذا الكون،
كل الكون،
إلا أنتِ،
إلا سحر عينيك اللتين
تخبئان القلب من عمرٍ يفوت.

***

اعتراف

..
في حضرة الموتِ لا قلبي يُعاتبني،
أنِّي نسيتُ،
ولا حُزنٌ يُواتيني.
في حضرة الموت
يجرفُ فِكرَتي عبثٌ،
ولا مبالاةَ تسعى في شراييني.
أرنو إلى الموتِ فجًّا غيرَ مُكتَرِثٍ،
كأنَّما الكونُ ينبذُني ويُقصيني.
في حضرة الموت لا نبضي يدقُّ على
أسوار صدري ولا الأنفاسُ تُعييني.
في حضرة الموت لا معنىً ألوذُ به،
ولا جوابَ لهذا البردِ يشفيني.
في حضرة الموت،
لا أدري أنا حيٌّ،
أو أنَّ هذا أنا،
المُلقى على الطينِ.

***

لا يموت!

..
وقليلاً بعد أن ملأك الرُّعبُ دفعةً واحدة،
قريبًا على الحَّافة قبل الموت،
تستحوذُ عليك لامبالاة غريبة..
ثُمَّ لا يعودُ يُرعبُكَ الغَرَق،
لا تعودُ ملهوفًا على النَّفَسِ الذي تخشى أن يكونَ الأخير.
أنت لا تُريدُهُ أن يكونَ الأخير،
لكنْ في اليأس،
تُدرِكُ في اليأسِ أنَّ المسافة بين الشهقة والأخرى أوسعُ مما كنتَ تظنُّ.
فجأةً ما عُدتَّ تخاف.
تعثرُ على لؤلؤة البحر التَّائهة عنك.
لا أحتاج حقًّا أن أقتل نفسي خوفًا من الموت!
شهقةٌ واحدةٌ عميقةٌ مسترخية،
تكفيني كي أطمئن للماء قليلا..
تكفي لكي يسترخي الجسدُ المُرهقُ حدَّ الموت، قليلا قليلا..
لماذا ينبغي أن أموت وكُلِّي هذا التَّعب!
أتركُ الجسد الآن بكل لامُبالاتي يغطِسُ المسافة كاملةً تحت سطح الماء،
المسافة ذاتها بين النَّفَسِ الأخيرِ ورفيقه الذي بدأ يصرخُ بي: اصعد أو اغرق!
يغمرني الماء الهادئ تحت الموج،
لم يعد الغرق مخيفًا جدًّا،
والظلمة ليست حالكةً أبدًا!
تغمرني القُّوّةُ:
كم أنا جديرٌ الآن بالتفاوض مع البحر-الموت!
كم ممكنٌ أن نتصالحَ يا بحر!
المسافةُ بين الأنفاس لك،
ولِيَ الصُّعودُ المستحيل!
احملني بيديك قليلا يا - الآن- حبيبي!
وأنا الغريقُ الذي - كأمْهَرِ سُكّان الماء- لا يبدو أنَّه يغرق
لا يموت!

***

في عمَّان

...
... وَمررتُ قُربكَ
يا صبيَّ القهوةِ الأبديَّ،
من عشرينَ عامًا لم تَزَلْ
تجثو على أَعتابِ قهوتكِ الرَّديئةِ،
والجميلةُ لم تزل ترنو إليكَ بِنصفِ عينٍ
تستفزُّكَ بالسُّؤال الأحمقِ الأبديِّ:
يا "من أنتَ
"
وَهْيَ عليمةٌ
لكنَّ مثلكَ لا يبالي أن يُقال له

- رغم العُمرِ -
نُكْرُ!
وعرَفتَني،
أو لم تشأ تخييب ظنَّ زبون قهوتك القديم،
لعلنا نُكْرانِ نرثي بعضنا!
ولعلَّ فاتنة المدينةِ
لم يمرَّ ببابها المشقوق،
عُمْرُ
!

***

عن الليل

والليلُ قصيدةٌ سحريةٌ،
بعد نهارٍ مبتذلٍ
كزاوية المديح السياسي في الجريدة..
هو حوار جلادٍ مع ضحيةٍ يُشفقُ عليها،
حين يكونُ النَّهارُ،
مجرَّدَ حواريَّةِ عاشقٍ كذَّابٍ
وعاشقةٍ لا تُصدِّقُه..
والليل تهويم الروح،
وصفٌ لعالمٍ وراء العالم،
أوسع من العالم،
وأضيق من فضاء الروح..
الليلُ ما يحفظُ ماء الوجه،
يخبئني من قُطَّاع طريق الرُّوح..
يستأثر بي الليلُ لنفسه..
ولا ضوء لنا هنالك،
إلا ما استطاع أن يشتعل نورًا من تفاصيلنا..
بحرٌ للغرق في البحث عن المعنى،
أصابعُ تتحسس ضربات فرشاة الرسم
في لوحة زيتية مغرية..
تبحث عن صفة الروح:
هنا اشتاقت،
هنا غضبَت،
هنا حنَّت،
هنا انفعلَت،
هنا يئسَت،
هنا عشقَت،
هنا انكسرَت..
هنا ترتاح..
هنا ترتاح.
ليلي معنايَ
ولو لم أكن لأُدركني..
وليلي ساحةُ البحث عنِّي
لأعرف صورتي عاريًا من انعكاسات الوجوه..
ليلي شتائِي،
ممتلئٌ مطرًا خفيفًا ولو لا يُمطر،
ليلي تفتُّحُ الروح،
أما هي،
فأغنية لبائسٍ احترف الغناء
ولا يزعجه غياب الأسماء عن أغانيه.

*** *** ***

 

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني