english arabic

 

اللاعنف في الشرق الأوسط

  مبارك عوّاد ودانيل مكغوان

حديث مع مبارك عوض

 

مبارك عوض اختصاصي نفساني فلسطيني نهض لتنظيم حركة مقاومة لاعنفية ضد احتلال الأراضي الفلسطينية في نهاية الثمانينات، فقام إسرائيل بطرده إلى الولايات المتحدة حيث تُعرَف منظَّمته بمنظمة اللاعنف الدولية. فيما يلي مقابلة معه أجراها الناشط السلامي الإسرائيلي القاطن في كندا مئير أمور.

***

مئير أمور: لماذا أصبحتَ قائداً في الكفاح الفلسطيني اللاعنفي؟

مبارك عوض: كان الفلسطينيون يعدمون تقريباً أي فهم للاعنف. لم يوُلَ غاندي كثير اهتمام في العالم الإسلامي لأنه عارض قيام باكستان، الدولة الإسلامية. لذا فإن اللاعنف في الذهنيَّة العربية هو مجرد الاستسلام لمن بحوزته القوة الأكبر.

قبل أن أُطرَد من إسرائيل كانت مبادرتي الأولى مع الفلسطينيين هي محاولة إيجاد برنامج تربوي للاعنف في الإسلام. ذهبت إلى الهند لأقابل مسلماً عَمِل مع غاندي: عبد الغفار خان الذي جنَّد أهالي قريته من البتان للكفاح، مشكِّلاً جيشاً لاعنفياً من أجل مساعدة غاندي. كتبتُ عنه كتاباً والتقيت بالزعماء الدينيين في فلسطين وإسرائيل ومصر. وجدت اهتماماً لدى بعض المسلمين – أغلبهم من المتصوفة. فالصوفية في الإسلام أشبه بالكويكرز [الهزَّازين] في المسيحية؛ في بعض الأماكن يُعتبَرون زنادقة. إنهم يصلون، يرقصون، يتصرفون وكأنهم على وحدة مع الله. غير أن الإسلام المتزمت يحرِّم عليك أن تفعل ذلك؛ لذا فإن أهل السنة والشيعة جميعاً لا يقبلونهم كمسلمين حقيقيين. هؤلاء هم الذين بدؤوا بالكتابة عن الإسلام واللاعنف.

أمور: كيف يحاجج الصوفية ضد مفهوم الإسلام كدين يتأسس على الجهاد؟

عوض: إنهم يؤوِّلون الجهاد بوصفه الجهاد ضد الشرِّ في النفس. إنهم يأمرون بعدم أذية الشجرة أو الحيوان أو الإنسان. إنه مفهوم جميل، قريب الشبه من قول الكويكر بوجود جزء من الله في كل شخص، وبالتالي عليك ألا تؤذي شخصاً لأنك بذلك تؤذي الله.

في القدس، على كل حال، أسسَّتُ المركز الفلسطيني لدراسة اللاعنف. لم أعمل حينذاك مع إسرائيليين، بل مع فلسطينيين. ذهبت إلى المدارس والمدن والنوادي، مخاطباً كل من يود سماعي، أخبرهم أن بإمكاننا إن نتخلص من هذا الاحتلال عبر وسائل لاعنفية. فاللاعنف هو أصلاً عدم قبول سلطة أولئك الذين يحتلُّونك – وليس دفع الضرائب للذين يحتلونك؛ عدم شراء شيء من الذين يحتلونك أو بيعهم شيء؛ التضييق عليهم بعدم قبول وجودهم، وحتى بإدارة وجهك، حتى يبدو عليك أنك تتجاهل وجودهم. كان عسيراً على الفلسطينيين ألا ينظروا إلى أحدهم وجهاً لوجه، ألا يجادلوهم، ألا يقاتلوهم. ذهبت إلى لقاءات سياسية ودرَّبت القوم من منظمة التحرير الفلسطينية في تونس على كيفية تطبيق اللاعنف، فظنوني مجنوناً.

أمور: خذ الشخص الفلسطيني المتوسط في قرية محتلة. الجرافات الإسرائيلية تهدم بيته. ماذا بوسعك أن تقول له؟ أن يتجاهل الوجود الإسرائيلي؟

عوض: كانت عندي استراتيجية محددة من 10 أو 15 صفحة حول كيفية التخلص من الاحتلال. وقد نُشِرت في واحدة من المجلات الفلسطينية. وقد وضعت 120 طريقة يمكن للفلسطينيين بها أن يعتمدوا الكفاح اللاعنفي ضد الإسرائيليين.

جاءني عجوز كان الإسرائيليون قد استولوا على أرضه، وكان يريد استردادها. فقلت له أن يجمع من 300 إلى 400 فرد من قريته – أطفالاً وشباناً وشيباً – كل من كان يود المجيء. كان المستوطنون قد سيَّجوا الأرض. كان بوسعنا أن نُسقِط السياج ونكتفي بالجلوس هناك، ولو أراد العسكر الإسرائيلي أن يقتلنا فليفعل. قلت له ذلك، إنما على شرط واحد: لن يرمي شخص واحد حجراً واحداً. وإذا قُيِّض لنا جميعاً أن نُذبَح ليكن. وفعلنا ذلك... واسترجعنا الأرض من المستوطنين. وقد كان لهذه العملية صدى عند فلسطينيين كثيرين بدؤوا بالمجيء إليَّ في المركز بدلاً من اللجوء إلى منظمة التحرير. وبُعَيْدئذٍ اتصلنا ببعض الإسرائيليين والمسيحيين الذين انضموا إلينا.

أمور: هكذا فإن بعض الناس ممَّن كان يُعرَّف بهم من قبلُ بوصفهم أعداء أصبحوا مكوِّناً هاماً من مكوِّنات الكفاح اللاعنفي من أجل السلام.

عوض: أجل، وبدأنا نجمع بين أساتذة فلسطينيين وإسرائيليين ليتحدثوا. كان الأمر في البداية يتم بسرية قصوى. ثم جمعنا بين فنانين. بيد أن أكبر نجاح أحرزناه كان في الجمع بين النسوة الفلسطينيات والإسرائيليات للكلام. تكلَّمن عن كونهن لا يُرِدْن السماح لأطفالهن بأن يُقتَلوا. كان واحد من الأهداف الرئيسية تعليم الفلسطينيين ألا يخشوا الإسرائيليين. فإن اجتثاث الخوف من قلوب الناس واستبدال الشجاعة به هو جوهر اللاعنف.

أمور: كيف يمكنك أن تستعمل تلك الصيغة بخصوص حق العودة؟ ماذا يمكنك أن تقول للقائلين: "نريد أن نعود إلى ديارنا في إسرائيل"؟

عوض: اهدموا كل مخيمات اللاجئين. احرقوها وحسب. عندما تكونون مئات ألوف اللاجئين لا يبقى لكم مكان تذهبون إليه إلا دياركم. لكنهم لم يجرئوا على ذلك لأنه مخيف جداً.

أمور: هذا ما فعله غاندي في الهند يوم مسيرة الملح! هيا نهدم مخيمات اللاجئين ونشرع بالسير إلى ديارنا السابقة. أهذا ما اقترحتَ؟

عوض: أجل، لكنهم لم يجرئوا عليه. فلو فعلوا لكنتُ أخذتُ زمام المبادرة من منظمة التحرير. هذا جزء من مشكلتنا. هناك اقتراح آخر سبَّب للإسرائيليين إزعاجاً كبيراً: قلت إننا في الأراضي المحتلة سوف نقرر أن نسوق على الجانب الأيسر من الطريق. فقال الإسرائيليون: "أنت تخلق الفوضى، ولسوف تودي بحياتنا جميعاً." أجبتهم: "هذه أرضنا. ونحن من نقرر ما نفعل." جمعت حوالى 6000 شخص كانوا على استعداد للقيام بذلك. إذ لقد بدأ فلسطينيون كثر يشعرون بقوة اللاعنف. هناك قانون ينصُّ على أنه حيثما توجد أشجار مثمرة لا يجوز لهم أن يستولوا على تلك الأرض للاستيطان. بذا بدأنا نتسلل ليلاً ونزرع أشجار الزيتون. شعرنا بأهمية فهم القوانين التي نعمل تحت طائلتها. كنت أول شخص يذهب إلى الشرطة الإسرائيلية طالباً إجازة بالتظاهُر. فكان الشرطة سعداء جداً. قالوا: "رباه، تريد إجازة بالتظاهُر؟" قلت: "نعم. سوف نتظاهر ضد الاحتلال مقابل باب دمشق." كنت برفقة شخصين فقط. كان الفلسطينيون الذين ينظرون إليَّ خائفين للغاية. كان عدد رجال الشرطة المكلَّفين بحمايتي أكبر من عدد الفلسطينيين المتظاهرين.

أمور: إبان السنوات السبع الفائتة، منذ اتفاق أوسلو، شهدنا نوعاً من عملية سلام. لنقل إن الفلسطينيين يحاولون العودة إلى إسرائيل. فأي نوع من الوطن سيكون لهم؟

عوض: من أجل مستقبل تلك المنطقة يجب ألا تكون لنا دولة فلسطينية. أستطيع أن أسمي إسرائيل كلَّه "فلسطين" ويستطيع الإسرائيلي أن يسمي إسرائيل وفلسطين برمَّتهما "إسرائيل"، ونستطيع أن نعيش معاً، يقبل كل منا الآخر. ذلك هو حلمي. قد يحصل هذا بعد 50 أو 60 سنة. على إسرائيل أن يقبل أنه جزء من الشرق الأوسط، ويطلِّق هويته الأوروبية. على الإسرائيليين أن ينالوا قبول العرب والفلسطينيين كأقلية في الشرق الأوسط، مثلما أن المسيحيين أقلية في الشرط الأوسط. ربما كان من الظريف أن يكونوا أوروبيين، لكنهم ليسوا كذلك. الأجيال الأسنُّ من الأوروبيين تحتضر. الشباب الآن شرق أوسطيون. يجب أن نفكر أن لكل إسرائيلي الحق أن يمتلك داراً في دمشق، وإذا شاء، في بغداد.

أمور: أنت إذن تتكلم على شرق أوسط موحَّد؟

عوض: أجل. علينا أن نتنافس مع الولايات المتحدة، مع أوروبا، مع الصين، في التربية، في العلم، وفي التجارة. علينا أن نكون معاً لكي نتنافس ونبني مستوى معيشياً مقبولاً.

أمور: هل بوسع الإسلام واليهودية والمسيحية أن يطوِّروا معاً مقترَباً لاعنفياً للسياسة؟

عوض: لا أظن ذلك. فاليهود المتديِّنون ينتبذون اليمين. المسلمون المتديِّنون ينتبذون أقصى اليمين، والمسيحيون المتديِّنون ينتبذون أقصى اليمين أيضاً. تلك هي مشكلتنا. عندما يتعلق الأمر بأناس يتلقون تعليماتهم من الله لا يستطيعون أن يعملوا سلمياً. غير أن معجزة حصلت في جنوب أفريقيا. علينا أن نتعلم منهم مفهوم المصالحة، الاعتراف بأننا "أجل، أخطأنا في حقكم ونحن آسفون". هذا أمر يعسر على الإسرائيليين أن يقولوه للفلسطينيين. "كنا مستوطنين على أرضكم. شكراً لكم ونحن نقدِّر لكم سماحكم لنا باستعمال أرضكم." كنت مؤخراً أحضر مؤتمراً في أوستراليا. قال الوزير: "نحن نعترف بأن هذه الأرض ملك لهذه القبيلة من السكان الأصليين وبأننا نستعمل أرضهم." هذا كل ما في الأمر. لست مهتماً بالاستيلاء على تل أبيب أو بطرد الإسرائيليين خارجاً. حسبكم أن تقولوا إنكم آسفون. قولوا: "لقد أخطأت." وسأكتفي بذلك.

أمور: هل صيغة المصالحة هي حق العودة إلى الأماكن التي طُرِد منها القوم؟

عوض: بنينا لبعض الناس بيوتاً حتى لا يضطروا لأن يبقوا لاجئين. ثم قرروا أن يعودوا إلى مخيم اللاجئين لأنهم لم يرتاحوا في ذلك المجتمع. فإذا قلتَ غداً للاجئين إن بوسعهم أن يعودوا إلى أماكنهم الأصلية لن يغادر مجتمعه ويمضي مغيِّراً حياته أكثر من 10 % منهم. ثمة خوف من أن يعود الجميع، لكن هذا ليس واقعياً.

أمور: لقد جرت مؤخراً استطلاعات. لا أعرف مقدار دقتها ووثوقيَّتها، لكنها تقرر أن غالبية الفلسطينيين في المخيمات لن يقبلوا إلا بحلٍّ واحد – حق العودة كاملاً، حتى إذا عنى ذلك أنهم سيصيرون مواطنين إسرائيليين. هم لا يريدون البقاء في سوريا أو الأردن، بل يريدون العودة.

عوض: عليك أن تميز بين العواطف وبين الواقع. إذا قال لك أحدهم إنه سيذهب إلى فلسطين دعه يذهب للزيارة. فإذا كانت هناك جماعة يهودية هناك لن يريد العيش ضمنها. ليست ذهنيَّتنا ذهنية المستوطنين المصرِّين على الإقامة في الخليل. ليس بوسع الفلسطينيين أن يحيوا بدون جماعة. قمت بعمل كثير مع شباب لاجئين في المخيمات عندما كنت في القدس. لقد أوجدَ وضعٌ ما مشكلة ضخمة. أعطيتهم أزهاراً ليذهبوا ويضعوها عند ديار أهلهم الأصلية. 60 % منهم لم يعرفوا أين البيت الذي كان يسكن فيه والده أو جدُّه في إسرائيل. عاطفياً، إذن، الجميع سيقول لك: "آه، أريد العودة"، لكن هذا لن يتم واقعياً. كان أغلب الفلسطينيين مزارعين. وإبان الخمسين سنة الماضية لم يكونوا مزارعين. فهل يريدون أن يعودوا ويصيروا مزارعين؟ ليس في المجتمع الإسرائيلي من جماعة لهم يذهبون للعيش وسطها.

أمور: كيف تخاطب الإسرائيليين والفلسطينيين بخصوص مركزية القدس؟

عوض: يجب ألا يحكم مدينة القدس القديمة لا الفلسطينيون ولا الإسرائيليون. يجب أن تتشكل لجنة من المسيحيين والمسلمين واليهود، يتعاقبون على ترؤُّسها، لتولِّي الأمور الدينية. أعتقد أن عرفات مستعد للتعامل مع مسألة القدس. ذلك أن تدخُّل السياسيين داخل مدينة القدس لن يفلح. ولا أقصد إنها يجب أن تكون عاصمة لإسرائيل أو عاصمة لفلسطين. لكني أعارض جعل مدينة القدس القديمة تحت حكم دولي لأن الفلسطينيين لا يثقون بالأمم المتحدة كما أن الإسرائيليين لم يثقوا بالأمم المتحدة قط. من هنا قد يكون من قبيل التعاون المثمر أن تتشكل لجنة من الطوائف الدينية جميعاً لكي تضطلع بالمسؤولية عن الوجه الديني للمدينة ليس إلا. أما أمور الصرف الصحي والماء والأمن فيتولاها الفلسطينيون والإسرائيليون معاً.

أمور: هل تعتقد، في أعماق سريرتك، أن هذا النزاع قابل للحل؟

عوض: أجل، أعتقد أن على العرب والفلسطينيين أن يعترفوا بأن للإسرائيليين ولليهود الحق في أن يبقوا هناك. لن يستعلي الإسرائيليون أو العرب بعضهم على بعض. لن يقول أيٌّ منهم إنه يهودي قذر أو عربي قذر. فذلك يجب أن يزول. يمكننا أن نفعل ذلك. علينا أن نزيل معظم المشاعر التقليدية – أن الله وهبني هذه الأرض، أو أن الله يأمرني أن أفعل هذا، أو أن هذا كله لي. التقليديون يندثرون ولدينا جيل جديد. منذ عشرة أعوام أو خمسة عشر عاماً، ما كان لأحدهم أن يتصور أن الإسرائيليين سوف يعترفون بمنظمة التحرير. ولقد حصلنا على هذا الاعتراف. والآن علينا أن نرتقي إلى صعيد أعلى – أن نفتح الحدود من الجانبين، ونعطي الناس حرية الاختيار. كلِّي أمل في ذلك.

*** *** ***

مبارك عواد يقيم حالياً في واشنطن، دي سي.

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود