english arabic
next

 العصيان المدني

الجزء الأول

 

هنري د. ثورو

 هنري د. ثورو

ما فتئتُ أقبَلُ عن حماسة مبدأ: "خيرُ الحكومة ما حَكَمَ أقل"؛ ووددت لو أني رأيته معمولاً به على نحوٍ أسرع وأكثر منهجية. فبإنفاذه يؤول أخيراً إلى المقولة التالية التي أومن بها هي الأخرى: "خير الحكومة ما لا يحكم إطلاقاً." وعندما يكون البشر مستعدين له فذلك نوع الحكومة الذي سيحصلون عليه. ليست الحكومة، في أحسن الأحوال، غير وسيلة يُتذرَّع بها إلى حين تيسيراً للمصلحة؛ لكن معظم الحكومات عادة، وكل الحكومات أحياناً، لا ييسِّر المصلحة. والاعتراضات المقدَّمة ضد جيش قائم – وهي عديدة وذات وزن وتستحق أن تعمَّم – قد تُقدَّم أيضاً في المآل ضد حكومة قائمة. فالجيش القائم ما هو إلا ذراع للحكومة القائمة. والحكومة نفسها، التي هي الكيفية الوحيدة التي اختارها الناس لإعمال إرادتهم، معرَّضة بالمقدار نفسه للشطط في الاستعمال وللشذوذ قبل أن يستطيع الناس العمل من خلالها. دونكم مثلاً الحرب المكسيكية الحالية، بما هي فعلة بضعة أفراد يستخدمون الحكومة القائمة أداة لهم؛ إذ إن الناس، في المآل، ما كانوا ليوافقوا على هذا الإجراء.

هذه الحكومة الأمريكية، ما هي إنْ لم تكن تقليداً – وإنْ يكن حديثاً – يسعى إلى نقل نفسه غير منقوص إلى الأخلاف، لكنه يفقد كل لحظة شيئاً من كرامته؟ ليست لها حيويةُ رجل فرد حيٍّ ولا قوَّته؛ إذ إن بوسع رجل فرد أن يجعلها طوع بنانه. إنها، في نظر الجماهير نفسها، ضربٌ من السلاح الخشبي. لكن هذا لا ينتقص من ضرورتها؛ إذ إن على الجماهير أن تملك نوعاً ما من الآلة المعقدة، وتسمع ضوضاءها، من أجل أن تلبِّي فكرتها عن الحكم. وبذلك تبرهن الحكوماتُ إلى أيِّ حدٍّ بوسع البشر أن تُفرَض عليهم أمورٌ، بل حتى أن يفرضوها على أنفسهم، من أجل مصلحتهم. ويجب علينا جميعاً أن نقرَّ بأن هذا ممتاز. غير أن هذه الحكومة لم تدعم قط من تلقاء نفسها أية مبادرة إلا بمقدار ما لم تعرقل سيرها. إنها لا تهتم بصون حرية البلاد؛ لا يهمها أن تسوِّي أمور الغرب؛ لا يهمها أن تربِّي. فالطبع الذي فُطِرَ عليه الشعب الأمريكي هو الذي قام بكل ما تمَّ إنجازه؛ ولعله كان سيفعل المزيد نوعاً ما لو أن الحكومة لم تعرقل سيره في بعض الأحيان. ذلك أن الحكومة وسيلة يتذرَّع بها البشر طوعاً للنجاح في ترك واحدهم الآخر وشأنه. وكما قيل، عندما تكون الحكومةُ هذه الوسيلةَ على أتمِّ وجه فإن المحكومين يُترَكون وشأنهم على أتمِّ وجه كذلك. فلو لم تكن المقايضة والتجارة في مرونة المطاط لما أفلحتا في تخطِّي العقبات التي ما انفك المشرِّعون يضعونها في طريقهما. ولو كان لنا أن ندين هؤلاء الرجال كلياً بنتائج أفعالهم، وليس جزئياً بنواياهم، لاستحقوا أن يصنَّفوا مع أولئك الأشخاص الأشقياء الذين يضعون العوائق على الطرق السككية.

أما إذا شئتُ أن أتكلم عملياً وكمواطن، على غير ما يفعل أولئك الذين يلقبون أنفسهم بالفوضويين، فإني لا أطالب على الفور بزوال الحكومة، بل على الفور بحكومة أفضل. فليجهر كلُّ امرئ بنوع الحكومة الذي يستأهل احترامَه، فتكون هذه خطوة أولى باتجاه الحصول عليها.

إن السبب العملي، بعد كل اعتبار، إذا ما آل السلطان إلى أيدي الجماهير، في السماح للأكثرية بالحكم، وبالاستمرار فيه لفترة طويلة، ليس على الأغلب لأنها على صواب، ولا لأن هذا يبدو الأنصف في نظر الأقلية، بل لأنها الأقوى. لكن حكومة تحكم فيها الأكثرية في كل الحالات لا يمكن أن تتأسَّس على العدل، حتى في حدود فهم البشر له. ألا يمكن أن توجد حكومةٌ لا تقرر فيها الأغلبياتُ الحقَّ والباطلَّ، بل يقررهما الضمير؟ – حكومةٌ تقرر فيها الأغلبياتُ تلك المسائل فقط التي تنطبق عليها قاعدةُ تيسير المصلحة؟ هل ينبغي أصلاً على المواطن للحظة، أو في الحدِّ الأدنى، أن ينزل عن ضميره للتشريع؟ علام لكلِّ إنسان ضمير إذن؟ أعتقد أننا يجب أن نكون بشراً أولاً، وبعدئذٍ رعايا. إذ ليس من المرغوب أن يُحرَص على احترام القانون بقدر ما يُحرَص على الحق. إن الفرض الوحيد الذي يحق لي أن أُسأل عنه هو أن أفعل في أيِّ وقت ما أراه حقاً. لقد صدق إلى حدٍّ كبير من قال بأن الجَمْعَ لا ضمير له؛ لكن جَمْعاً من أصحاب الضمائر هو جَمْع ذو ضمير. لم يجعل القانونُ البشرَ أعدل بمقدار ذرة؛ وبواسطة تهيُّبهم منه، يصير يومياً ذوو النية الحسنة منهم حتى أدواتٍ للظلم. إن النتيجة الشائعة والطبيعية للاحترام المفرط للقانون هو احتمال رؤيتك رتلاً من الجند – عقيداً ورائداً وعريفاً وجندياً عادياً وغلام مدفعية وغيرهم – يمشون في نظام يبعث على الإعجاب ويقطعون التلال والوهاد إلى الحروب، رغماً عنهم – أجَلْ، ضد سليقتهم وضميرهم – الأمر الذي يجعل مشيهم مشقة كبيرة فعلاً، ويسبب خفقاناً في القلب. لا ريب عندهم أن الأمر الذي تورطوا فيه أمر بغيض؛ لكنهم يذعنون له مستكينين. أما وهذه هي الحال، ما يكون هؤلاء؟ أهم بشر أصلاً؟ – أم هم حصون ومخازن ذخيرة صغيرة متحركة في خدمة رجل صاحب نفوذ لا يتورع عن شيء؟ زُرْ رحبة السفن، فتملَّى جندي بحرية، رجلاً كالذي وحدها حكومة أمريكية بوسعها أن تصنعه، أو ما يمكنها أن تصنع من رجل بسحرها الأسود – تجد مجرد ظل للإنسانية وذكرى منها، رجلاً معروضاً حياً للفرجة وواقفاً، ومدفوناً سلفاً، إذا جاز القول، تحت الأسلحة مع الموكب الجنائزي، مع أنه

لم يُسمَع طبلٌ، ولا نغمة جنائزية،

ونحن نعجِّل بجثته إلى المتراس؛

ما من جندي أطلق رصاصة وداع

على القبر الذي ووري فيه بطلُنا.

إن جمهور البشر يخدم على هذا النحو الدولةَ، ليس كبشر أساساً، بل كآلات، بأجسامهم. إنهم الجيش المرابط، والكتائب، والسجَّانون، والشرطة، والمكلَّفون بالأمن، إلخ. وفي معظم الحالات ينعدم أي إعمال حرٍّ، أياً كان، للمحاكمة أو للحسِّ الأخلاقي؛ بل هم يضعون أنفسهم على صعيد واحد مع الخشب والتراب والحجارة؛ ولعل بالإمكان تصنيع رجال من خشب يفون بالغرض على حدٍّ سواء. ومثل هؤلاء الرجال لا يستدرون من الاحترام بأكثر مما يستدر رجال من قش أو كومة من الوسخ؛ قيمتهم من قيمة الخيل والكلاب وحسب. ومع ذلك فإن لأمثالهم حتى على العموم منزلة مواطنين صالحين. وغيرُهم – كغالبية المشرِّعين والساسة والمحامين والوزراء وأصحاب المناصب – يخدمون الدولة بعقولهم على الأكثر؛ وبما أنهم قلما يقومون بأيِّ تمييز أخلاقي، فإن حظهم في خدمة الشيطان، من غير أن يدروا، لا يقل عن حظهم في خدمة الله. وحدها ثلة صغير – كالأبطال والوطنيين والشهداء والمصلحين بالمعنى العظيم والرجال – يخدمون الدولة بضمائرهم أيضاً، وبالتالي يقاومونها بالضرورة في معظم الأحيان؛ وهي عموماً ما تُعاملهم معاملة الأعداء. أما الرجل الحكيم فلا يكون مفيداً إلا كإنسان، ولسوف يأبى أن يكون مجرد "صلصال"، "يسد ثغرة درءاً للريح"، تاركاً تلك المهمة لرفاته على الأقل:

أنا أشرف نَسَباً من أن أكون ملاَّكاً،

من أن أكون معاوِناً مسلَّطاً،

أو مستخدماً وأداة فعالة

لأية دولة سيدة في العالم بأسره.

مَن يهب نفسه بكليتها لرفاقه البشر يبدو لهم غير ذي نفع وأنانياً؛ أما مَن يهب نفسه لهم جزئياً فيُكرَّس فاعل خير ومُحسناً.

كيف ينبغي للرجل أن يتصرف حيال هذه الحكومة الأمريكية اليوم؟ أجيب بأنه لا يستطيع أن يكون على صلة بها بدون أن يجلِّله الخزي. لا أستطيع برهة واحدة أن أعترف بذلك التنظيم السياسي حكومةً لي وهو حكومة العبيد أيضاً.

البشر جميعاً يعترفون بحق الثورة؛ أي الحق في رفض الولاء للحكومة والحق في مقاومتها عندما يصير استبدادُها أو تقصيرُها عظيماً أو لا يطاق. لكن الجميع تقريباً يقولون إن الأمر ليس كذلك الآن. إنما كان الأمر كذلك، على حدِّ قولهم، في ثورة عام 75. فلو اتفق لأحدهم أن يخبرني بأن الحكومة آنذاك كانت سيئة لأنها فرضت المكوس على بعض السلع الأجنبية المجلوبة إلى موانئها فمن المرجَّح جداً ألا أثير جلبة حول الأمر لأني أستطيع أن أستغني عنها. لكلِّ آلة احتكاكُها؛ ومن الممكن أن يجلب هذا ما يكفي من الخير لموازنة الشر. وعلى كل حال، فإن من عظيم الشر أن يثار لغطٌ بخصوص هذا الأمر. ولكن عندما يصل الأمر بالاحتكاك إلى امتلاك آلته، وتنظيم الجور والنهب، أقول إننا يجب أن نتخلص من آلة كهذه. بعبارة أخرى، عندما يكون سدسُ تعداد أمة، نهضتْ لتكون ملاذاً للحرية، عبيداً، وتتعرض بلادٌ بأسرها ظلماً لاعتداء جيش أجنبي وغزوه، وتخضع للقانون العسكري، أعتقد أن الأوان يكون قد آن لكي يتمرد شرفاءُ القوم ويثوروا. وما يجعل هذا الواجب عاجلاً أكثر هو أن البلاد المعتدى عليها على هذا النحو ليست بلادنا، بل إن جيش بلادنا هو الغازي.

إن بيلي – وهو مرجع عام في العديد من المسائل الأخلاقية – في الفصل الذي عقده على "واجب الامتثال للحومة المدنية"، يختزل كل التزام مدني إلى تيسير المصلحة؛ ويمضي قائلاً إنه "مادامت مصلحة المجتمع بأكمله تتطلب ذلك، أي مادامت مقاومةُ الحكومة القائمة أو تغييرُها متعذرين بدون حصول بلبلة عامة، فإن الله قد شاء... أن تطاع الحكومة القائمة – إلى حين. وبقبول هذا المبدأ فإن عدالة كلِّ حالةِ مقاومةٍ خاصة تُختزَل إلى حسابٍ لمقدار الخطر والضيم الواقع، من جانب، وإلى احتمال وكلفة تصحيحهما، من جانب آخر." وكل إنسان، على حدِّ قوله، يحكم في ذلك بنفسه. لكن يبدو أن بيلي لم يمعن النظر قط في تلك الحالات التي لا تنطبق فيها قاعدة تيسير المصلحة، والتي ينبغي فيها على الشعب، كما وعلى الفرد، أن يقيم العدل، مهما كلف الأمر. فإذا انتزعتُ ظلماً من رجل يغرق لوحَ خشب عليَّ أن أعيده إليه، حتى إذا جازفتُ بالغرق. وهذا، بحسب بيلي، غير ملائم. لكن من يفوز بحياته، في حالة كهذه، يخسرها. على هذا الشعب أن يكف عن استعباد الناس، وعن شنِّ الحرب على المكسيك، وإن كلَّفه ذلك حياته كشعب.

الأمم، في ممارساتها، تتفق مع بيلي؛ ولكن هل من أحد يستصوب ما تفعل ماساتشوستس بالدقة في هذه الأزمة الراهنة؟

دولة كدْراء، فاسقة في ثوبٍ خَلِقٍ من فضة،

ترفع حاشية ثوبها، وتمرِّغ روحَها في الوحل.

من الناحية العملية، ليس المعارضون للإصلاح في ماساتشوستس مئة ألف سياسي في الجنوب، بل هم مئة ألف تاجر ومزارع هنا، همُّهم التجارة والزراعة أكثر من الإنسانية، وليسوا مستعدين لإنصاف العبد والمكسيك، مهما كلف الأمر. لست على خصام مع الأعداء البعيدين، بل مع القريبين في الوطن الذين يتعاونون مع أولئك البعيدين ويزايدون عليهم، القريبين الذين بدونهم يكون البعيدون مأموني الجانب. لقد اعتدنا أن نقول بأن جمهور البشر عير مستعد؛ غير أن التحسين بطيء لأن الصفوة ليسوا مادياً أوفر حكمة أو أفضل من الجمهور. فليس من الأهمية بمكان أن يعادلك الكثيرون خيراً، بقدر ما يهم أن يوجد خير مطلق ما في مكان ما؛ إذا إن به يختمر المجموعُ كله. هناك الألوف ممَّن يعارضون في الرأي الرقَّ والحرب، لكنهم بالفعل لا يحركون ساكناً لوضع حدٍّ لهما؛ الألوف ممَّن، إذ يحسبون أنفسهم أبناء واشنطن وفرانكلين، يجلسون وأيديهم في جيوبهم، ويقولون إنهم حيارى فيما يفعلون، ولا يفعلون شيئاً؛ ممَّن يقدِّمون حتى التجارة الحرَّة على مسألة الحرية، ويقرؤون بعد العشاء بهدوء الأسعارَ الجاريةَ مع آخر الاستشارات الواردة من المكسيك، ولعلهم ينامون على كليهما قريري العين. فما هو السعر الجاري اليوم لرجل نزيه ووطني؟ إنهم يترددون، ويأسفون، يرفعون العرائض أحياناً؛ لكنهم لا يفعلون شيئاً جدياً وفعالاً. ولسوف ينتظرون، حَسَني النية، أن يقوم آخرون بتدارك الشر، لكيلا يضطرهم شيءٌ بعدُ إلى الأسف. وفي أحسن الأحوال، يمنحون صوتاً رخيصاً وتأييداً واهناً للحق، إذا صادفوه، ويدعون له بالسلامة. هناك تسعمئة وتسعة وتسعون وصياً على الفضيلة مقابل رجل فاضل واحد. لكن من الأيسر التعامل مع المالك الحقيقي لشيء من الوصي المؤقت عليه.

كل تصويت فهو ضرب من اللعب، مثل الدَّامة والنرد، عليه مسحةٌ خفيفة من الأخلاق، فهو تلاعبٌ بالحق وبالباطل، تلاعب بالمسائل الأخلاقية؛ وهو يترافق بالطبع مع الرهان. إن طبع المصوِّتين ليس موضع رهان. أدلي بصوتي، ربما، لصالح ما أظنه حقاً؛ لكني لست معنياً حيوياً بأن يسود الحق. أوثر أن أفوض الأمر إلى الأكثرية. لذا فإن التزامها لا يتعدى الالتزام بتيسير المصلحة. وحتى التصويت لصالح الحق لا يفعل من أجله شيئاً. إنه تعبيرك للناس تعبيراً واهناً عن رغبتك في سيادته، ليس إلا. أما الرجل الحكيم فلن يترك الحق لرحمة المصادفة، كما لن يتمنى له أن يسود عبر سلطان الأكثرية. ليس في عمل جماهير البشر إلا القليل من الفضيلة. وإذا اتفق للأكثرية أن تصوِّت أخيراً على إلغاء الرق فسيكون ذلك لأنهم غير مكترثين للرق، أو لأنه لم يبقَ إلا القليل من الرق يلغيه تصويتهم. وإذ ذاك لن يكون من عبيد سواهم. وحده مَن يؤكد بصوته على حريته هو يستطيعُ صوتُه أن يعجِّل في إلغاء الرق.

سمعتُ عن مؤتمر سوف ينعقد في بلتيمور، أو في غير مكان، لاصطفاء مرشَّح للرئاسة، مؤلَّف في غالبيته من ناشرين ومن رجال يحترفون السياسة؛ لكن ما همَّ أيِّ رجل مستقل وعاقل ومحترم أيَّ قرار يتوصلون إليه؟ ألن نحظى، مع ذلك، بميزة حكمته ونزاهته؟ ألا نستطيع أن نتكل على عدد من الأصوات المستقل؟ أليس هناك أفرادٌ عديدون في البلاد لا يحضرون المؤتمرات؟ ولكن كلا: أرى أن الرجل المحترم قد تخلَّى من فوره عن موقعه، وقد يئس من بلاده عندما وجدتْ بلادُه ما يستوجب اليأس منه. لذا فهو يسارع إلى تبنِّي واحد من المرشحين المُصطَفَيْن على هذا النحو بوصفه المرشح الوحيد المتيسر، مبرهناً بذلك أنه هو مستباح لأي مقصد من مقاصد الديماغوجي. وصوته لا يزيد قيمة عن صوت أيِّ أجنبي لا يراعي حرمة أو ابن بلد مرتزق قد اشتُرِيَ. طوبى لرَجُلٍ رَجُل، في ظهره عظمٌ ليس خَرِعاً، كما يقول جاري! إحصاءاتنا على غلط: إذ لقد بالغتْ في تقدير عدد السكان. كم من الرجال يوجد في كل ألف ميل مربع في هذه البلاد؟ يكاد لا يوجد رجل واحد. ألا توفر أمريكا أي ترغيب للرجال لكي يستقروا هنا؟ لقد تضاءل الأمريكي حتى أمسى مخلوقاً عجيباً – مخلوقاً يُعرَف من نموِّ عضو قطيعيَّته ومن نقصٍ في عقله وفي اتكاله البهيج على النفس؛ مخلوقاً همُّه الأول والرئيسي، لدى قدومه إلى العالم، هو التأكُّد من أن دُورَ الإحسان في حالة صالحة؛ همُّه، حتى قبل أن يرتدي شرعاً زيَّ الرجولة، أن يجمع التبرعات لدعم الأرامل واليتامى المفترضين؛ مخلوقاً، باختصار، لا يغامر بالعيش إلا بمعونة شركة التأمين التعاونية التي وعدت أن تدفنه دفناً لائقاً.

من المفروغ منه أنه ليس من واجب المرء أن ينذر نفسه للقضاء على أيِّ باطل، حتى أشده فداحة؛ قد تكون له بحق اهتمامات أخرى ينشغل بها؛ لكن من واجبه، على الأقل، أن يغسل يديه منه، وإذا لم يولِ الأمر المزيد من التفكير، ألا يمحضه عملياً تأييدَه. إذا نذرت نفسي لمساعٍ ومطالب أخرى، فعليَّ أن أستيقن، على الأقل، من أنني لا أسعى إليها على كتفي رجل آخر. عليَّ أن أفسح له المجال أولاً بحيث يستطيع أن يسعى إلى مطالبه هو الآخر. فانظروا أي تناقض فظ يُتساهَل فيه. لقد سمعت بعض رجال بلدتي يقولون: "ليتهم يأمرونني بالخروج لأساعد في إخماد تمرد للعبيد، أو بالسير إلى المكسيك – فيروا إذا امتثلت"؛ غير أن كلاً من هؤلاء الرجال أنفسهم قد أتى بالبديل، مباشرة بولائه، وعلى نحو غير مباشر قطعاً، على الأقل، بماله. يصفِّق للجندي الذي يرفض أن يخدم في حرب ظالمة أولئك أنفسُهم الذين لا يرفضون تأييد الحكومة الظالمة الذي تشن الحرب؛ وكأن الدولة تائبة إلى درجة أن المرء يتورع عن ضربها بالسوط وهي ترتكب الإثم، لكن ليس إلى درجة أن تكفَّ عنه للحظة. وهكذا فإنه تحت عنوان النظام والحكومة المدنية نُرغَم جميعاً في النهاية على تأدية فروض الولاء لخِسَّتنا وعلى تعزيزها. فبعد حياء المعصية الأول تأتي اللامبالاة بها؛ وهذه من مُنكَرة تصير لاأخلاقية، إذا جاز القول، وليست غير ضرورية تماماً لتلك الحياة التي صنعناها.

إن الثبات أمام الغلط الأوسع والأشيع يتطلب الفضيلة الأكثر زهداً. إن المأخذ الطفيف الذي تتعرَّض له عموماً فضيلةُ الوطنية يؤخَذ على النبلاء في الأعم الأغلب. فالذين، وإن اعترضوا على طبع حكومة ما وعلى إجراءاتها، يرضخون لها في ولائهم ودعمهم، هم مؤيِّدوها الخُلَّص وهم، وفي الكثير من الأحيان، أخطر العراقيل أمام الإصلاح. بعضهم يرفع العرائض إلى الدولة لكي تحلَّ الاتحاد، وتضرب كشحاً عن إيعازات الرئيس. فلم لا يحلُّونه بأنفسهم – أي الاتحاد بينهم وبين الدولة – فيرفضون دفع أقساطهم إلى خزينتها؟ أليس موقفهم في علاقتهم بالدولة مماثلاً لموقف الدولة في علاقتها بولايات الاتحاد؟ أليست الأسبابُ التي منعت الدولةَ من مقاومة ولايات الاتحاد هي عينها الأسباب التي منعت الولايات من مقاومة الدولة؟

كيف يرتضي إنسان لنفسه مجرد النظر في رأي والتمتع به؟ هل ثمة أية متعة في ذلك إذا كان رأيُه هو مصدر الضيم النازل به؟ إذا أخذ منك جارُك بالحيلة دولاراً واحداً فإنك لا ترتضي الاكتفاء بمعرفتك أنه احتال عليك، أو بقولك إنه احتال عليك، أو حتى بالتوسل إليه أن يدفع لك مستحَقَّك عليه؛ بل تتخذ فوراً خطوات فعلية للحصول على المبلغ كاملاً، وتستيقن من أنه لن يحتال عليك من جديد. إن العمل بمقتضى مبدأ، وإدراك الحق وإحقاقه، يغير في الأشياء وفي العلاقات؛ وهو ثوري من حيث الجوهر، ولا يتسق بالتمام مع أي شيء كان. إنه لا يشطر الدول والكنائس وحسب، بل والعائلات أيضاً؛ لا بل ويشطر الفرد، مُفرِزاً الشيطاني فيه من الإلهي.

القوانين الظالمة موجودة: فهل نقنع بطاعتها، أم نسعى إلى تعديلها، فنطيعها حتى ننجح في مسعانا، أم ننتهكها على الفور؟ في ظل حكومة كهذه، يظن الناس عموماً أن عليهم أن ينتظروا ريثما يُقنِعون الأكثريةَ بتغييرها. وهم يظنون أنهم، إذا ما قاوموا، فإن الدواء سيكون أسوأ من الداء. لكن الحكومة هي المسؤولة عن كون الدواء أسوأ من الداء؛ فهي التي تجعله أسوأ. فلم لا ترى من الأنسب أن تستبق الأمور وتمهد للإصلاح؟ لم لا تراعي أقليتَها الحكيمة؟ لماذا تصرخ وتقاوم قبل أن يصيبها الأذى؟ لم لا تشجع مواطنيها أن يكونوا على أهبة الاستعداد لتنبيهها إلى أغلاطها، وتفعل خيراً مما تتطالبهم أن يفعلوا؟ لماذا تصلب المسيح دائماً، وتعلن الحرم على كوبرنيكوس، وتَصِمُ واشنطن وفرانكلين بالتمرد؟

 يتراءى للمرء أن الإنكار العملي المقصود لسلطتها هو الإساءة الوحيدة التي لم تحتطْ لها الحكومة قط؛ وإلا فلم لم تخصَّص له العقوبة المحددة والملائمة والمتناسبة معه؟ إذا رفض رجل لا يملك شروى نقير مرة واحدة أن يؤدي تسعة شلنات للدولة فإنه يودَع السجن لفترة لا يحددها أي من القوانين التي أعرفها، ولا يعيِّنها إلا اجتهادُ الذين سجنوه؛ لكن إذا اتفق له أن يسرق من الدولة تسعين مرة تسعة شلنات فإنه سرعان ما يُسمَح بإطلاق سراحه.

إذا كان الظلم جزءاً من الاحتكاك الضروري بين تروس آلة الحكومة، ليكن، ليكن: فربما اهترأتْ حتى الملاسة – لكن الآلة سوف تبلى حتماً. إذ خصَّ الظلمُ نفسَه بنابض، أو ببكرة، أو بحبل، أو بعتلة، فلكَ ربما أن تنظر فيما إذا لم يكن الدواء أسوأ من الداء؛ لكن إذا كان الظلم من طبيعةٍ تتطلب منك أن تصير أداة ظلم لغيرك، عندئذٍ، أقول لك: خالِف القانون؛ ولتكن حياتك احتكاكاً مضاداً لوقف الآلة. فما ينبغي عليَّ أن أفعله هو التيقن، في كل حال، من أني لا أشارك في الباطل الذي أدينُه.

أما عن تبنِّي الطرق التي أتاحتْها الدولةُ لمعالجة الداء، فلا أعرف شيئاً عن مثل هذه الطرق. فهي تستغرق وقتاً من الطول بما قد يودي بحياة إنسان. عندي شؤون أخرى أنصرف إليها. لم آتِ إلى هذا العالم أساساً لكي أجعل منه مكاناً طيباً أحيا فيه، بل لكي أحيا فيه وحسب، حسناً كان أم سيئاً. ليس على الإنسان أن يفعل كل شيء، بل شيء واحد؛ ولأنه ليس في وسعه أن يفعل كل شيء، ليس من الضروري أن يفعل شيئاً خاطئاً. ليس من شأني أن أرفع عريضة إلى الحاكم أو المشرِّع بأكثر مما هو من شأنهما أن يرفعا عريضة إليَّ؛ وإذا لم يحملا عريضتي على محمل الجد ماذا عليَّ أن أفعل حينئذٍ؟ بيد أن الدولة في هذه الحالة لم تتحْ طريقاً: دستورها نفسه هو الشر. قد يبدو هذا من قبيل القسوة والعناد وعدم الموادعة؛ لكن قوامَه معاملةُ الروح الوحيدة التي بوسعها أن تقدِّره أو تستحقه بأقصى ما يكون من اللطف والاعتبار. كذلك هو كل تغيير نحو الأفضل، مثل الولادة والموت، اللذين يختلج لهما الجسم.

لا أتردد في القول إن على أولئك الذين يسمُّون أنفسهم دعاةَ إبطال الرق أن يسحبوا فعلاً على الفور دعمَهم من حكومة ماساتشوستس، شخصياً ومالياً، ولا يلبثوا بانتظار أن يشكِّلوا أكثرية رجل واحد، قبل أن يتولوا الحق بالسيادة من خلالها. أعتقد أن حسبهم أن يكون الله في صفهم، بدون أن ينتظروا ذلك الرجل الآخر. علاوة على ذلك، فإن أي رجل على حقٍّ أكثر من جيرانه يشكِّل أصلاً أكثرية رجل واحد.

أقابل هذه الحكومة الأمريكية، أو ممثلتَها حكومة الولاية، مباشرة، ووجهاً لوجه، مرة كل عام – لا أكثر – في شخص جابي ضرائبها؛ وهذه هي الكيفية الوحيدة المتاحة بالضرورة لرجل في موقعي لمقابلتها؛ وهي تقول حينئذٍ بصراحة: اعترف بي. إن الكيفية الأبسط، والأكثر فاعلية، وفي الوضع الحالي للأمور، الكيفيةَ التي لا غنى عنها إلى أبعد حد، للتعامل معها على هذا الصعيد، وللتعبير عن رضاك الصغير عنها وعن محبتك لها، هي إنكارُها إذن. إن جاري المدني، جابي الضرائب، هو بعينه الرجل الذي يتعين عليَّ أن أتعامل معه – إذ إني، في المآل، أخاصم بشراً ولا أخاصم كاغداً – وهو قد اختار بإرادته أن يكون وكيلاً عن الحكومة. فكيف له أن يعرف يوماً معرفة جيدة ما هو وما يفعل كموظف للحكومة، أو كإنسان، حتى يكون مُجبَراً على النظر فيما إذا كان سيعاملني – أنا، جاره الذي يكنُّ له الاحترام – كجارٍ وكإنسان طيب السريرة، أو كمهووس مثير للشغب، ويرى إن كان يستطيع أن يتخطى هذا الحائل دون جيرته بدون خاطر أو كلام أكثر رعونة وهياجاً يتناسب مع فعله. غير أني أعرف هذا جيداً: إذا قام ألف رجل، مئة رجل، عشرة رجال أستطيع أن أسميهم – عشرة رجال شرفاء – لا بل إذا قام فعلاً رجل شريف واحد فقط، في ولاية ماساتشوستس، وقد أعتق عبيده، بالانسحاب من هذه الشراكة، وحُبِسَ من أجل ذلك في سجن المقاطعة، لكان ذلك هو إلغاء العبودية في أمريكا. إذ إنه لا يهم مطلقاً ما تبدو عليه البداية من صِغَر: فما يتم على الوجه الصحيح مرة يتم للأبد. لكننا نؤثر أن نتكلم على الأمر: تلك، نقول، هي رسالتنا. غير أن الإصلاح يحتفظ بأعداد غفيرة من الصحف في خدمته، لكنه لا يحتفظ برجل واحد. إذا اتفق لجاري الموقر – سفير الدولة، الذي سوف يخصِّص أيامه لتسوية مسألة حقوق الإنسان في قاعة المجلس، بدلاً من أن يُهدَّد بسجون كارولينا – أن يقاضي سجين ماساتشوستس، فإن تلك الولاية التي تحرص كل الحرص على أن تلقي بتبعة إثم الرق على شقيقتها – مع أنها في الوقت الحاضر لا تتورع عن الكشف في مسلك لا إكرام للضيف فيه فقط أساساً لخصومة معها – والمشرِّع لن يرجئ النظر في القضية إلى الشتاء التالي.

في ظل حكومة تسجن أياً كان ظلماً فإن المكان الصحيح للإنسان العادل هو أيضاً السجن. المكان اللائق اليوم، المكان الوحيد الذي خصَّصته ماساتشوستس لأكثر أرواحها حرية وأقلها قنوطاً، هو في سجونها، يودَعون فيها وتوصَد أبوابُها دونهم والدولةَ بفعل الدولة نفسه، بما أنهم وضعوا نفسهم خارجها إذ عملوا بمبادئهم. هناك يجدهم العبدُ الهارب، والسجينُ المكسيكي المفرَج عنه على شروط، والهنديُّ القادم للترافع عن الضيم النازل على قومه؛ ذلك المكان المعزول – لكن الأشرف والأكثر حرية، حيث تودِع الدولة أولئك الذين لا يوالونها، بل يناوئونها – هو الدارُ الوحيدة في دولة عبيد يستطيع فيها إنسانٌ حرٌّ أن يقيم كريماً. أما إذا ظن بعضهم أن تأثيرهم سوف يضيع هناك، وأن أصواتهم لن تعود تطرق أذن الدولة، وأنهم لن يعودوا كالأعداء بين جدرانه، فإنهم لا يعرفون إلى أي حدٍّ يتفوق الحقُّ قوةً على الباطل، ولا إلى أيِّ حدٍّ أبلغ وأفعل يقدر الذي ذاق المقامَ قليلاً في سجنه أن يجاهد ضد الظلم. أدْلِ بصوتك كلِّه، وليس بقصاصة ورق وحسب، بل بتأثيرك برمَّته. الأقلية منزوعة القوة حين تنصاع للأكثرية؛ وهي إذ ذاك ليست أقلية حتى؛ لكنها لا تُقاوَم عندما تنوء بوزنها المعنوي كلِّه. فإذا كان البديل إما إبقاء الرجال الأبرار في السجن، وإما التخلِّي عن الحرب وعن الرق، فإن الدولة لن تتردد في أيهما تختار. هب أن ألف رجل استنكفوا عن دفع فواتير ضرائبهم هذا العام، فهذا لن يكون إجراءً عنيفاً ودموياً، كما سيكون فيما لو دفعوها، ومكَّنوا الدولة بذلك من ارتكاب العنف وسفك دم بريء. وهذا، في الواقع، هو تعريف الثورة السِّلمية، إذا أمكن أن توجد ثورة كهذه. فإذا سألني جابي الضرائب، أو أي موظف دولة آخر، كما سألني أحدُهم فعلاً: "ولكن ماذا سأفعل؟" فجوابي سيكون: "إذا أردت حقاً أن تفعل شيئاً، استقلْ من وظيفتك." إذ عندما يرفض الفردُ من الرعية الولاءَ، ويستقيل الموظفُ من وظيفته، فإن الثورة ناجزة. ولكن حتى على افتراض أن الدم سوف يُسفَك، أليس ثمة نوعٌ من سفك الدم عندما يُجرَح الضمير؟ عبر هذا الجرح تنزُّ رجولةُ المرء وخلودُه، وينزف حتى الموت الأبدي. وإني لأرى هذا الدم ينزُّ الآن.

لقد افترضتُ حبس المخالِف بدلاً من الاستيلاء على ماله – مع أن كليهما سوف يخدم الغاية نفسها – لأن الذين يصرون على الحق الأنقى، وهم، بالتالي، الأخطر على دولة فاسدة، لم يصرفوا غالباً وقتاً طويلاً في تكديس الأملاك. لمثل هؤلاء لا تقدِّمُ الدولةُ بالمقارنة إلا خدمات ضئيلة، وإن ضريبةً طفيفة من دأبها أن تبدو في نظر هؤلاء باهظة، ولاسيما إذا اضطروا إلى كسبها بعمل خاص بسواعدهم. فلو كان ثَمَّ امرؤ يعتاش بالكلية بدون استعمال المال فإن الدولة نفسها قد تتردد في مطالبته به. غير أن الرجل الثري – لئلا نقوم بأية مقارنة باعثة على الحسد – مباع دوماً للمؤسَّسة التي تجعله ثرياً. وبكلام مطلق، كلما ازداد المال، تضاءلت الفضيلة؛ إذ إن المال يتوسط بين الإنسان وأغراضه، ويحصل له عليها؛ وبالتأكيد ليس الحصول عليه من عظيم الفضائل. فالمال يُخمِد العديد من الأسئلة التي لولاه لاضطر إلى الإجابة عليها؛ في حين أن المسألة الجديدة الوحيدة التي يطرحُها المالُ هي المسألة الصعبة، لكن النافلة: كيف ينفقه؟ وبهذا فإن أساسه الأخلاقي ينسحب من تحت قدميه. وفرصُ الحياة تتناقص في تناسب عكسي مع تزايد ما يسمى "الوسائل". لذا فإن خير ما يفعله المرء لتثقيف نفسه إذا كان غنياً هو أن يسعى إلى تنفيذ تلك الخطط التي وضعها حين كان فقيراً.

لقد أجاب المسيح الهيروديين بحسب سؤالهم. قال: "أروني مال العِشر"؛ – فأخرج أحدُهم من جيبه درهماً؛ – فإذا استعملتم مالاً عليه صورة قيصر، وصيَّره قيصر سارياً وقيِّماً، أي إذا كنتم من رجال الدولة، وكنتم تتمتعون مسرورين بامتيازات حكومة قيصر، إذ ذاك ردُّوا له بعض ماله عندما يطلبه. "أعطوا لقيصر ما لقيصر، ولله ما لله" – تاركين إياهم أجهل مما سبق فيما يخص أي شيء سيكون لمن؛ إذ إنهم لم يكونوا أصلاً يودون أن يعرفوا.

***

ترجمة: ديمتري أفييرينوس وموسى الحوشي

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود