اللاعنف والمقاومة

أيار 2015

May 2015

 

 

أولاً: طبيعة [اللاعنف] النضالية

1-إنه موقف مقاومة على نقيض السلبية

اللاعنف البحت موقف سلبي وجده غاندي في التراث الهندوسي، ولكنه تجاوزه بتبنِّيه موقف المحبة المسيحي الذي هو أبعد ما يكون عن السلبية لأنه تحديدًا موقف ناشط ومجاهد. وقد تأثر غاندي في حداثته بهذه العبارة: "ولكن النبيل الحقيقي يعتبر الناس كلاً واحدًا، ويردُّ على الإساءة في سرور بالإحسان". "لقد راقني جدًا القول بأن التضحية هي أسمى أشكال الدين" هكذا، وبتأثير اكتشافه لحركة العطاء هذه التي تقتحم العداوة نفسها وتتجاوزها بالحبِّ تحولت الـ "أهيمسا" (اللاعنف) الهندوسية عند غاندي إلى ما أسماه بالـ "ساتياغراها" وهو ما يمكن ترجمته بـ "قوة الحقيقة" أي الحقيقة التي كانت أسمى ما يدين به غاندي، وكانت بنظره تتوحد مع الله نفسه، من حيث أنها تتصدى للشرِّ وتقاومه بالقوة الفائقة الكامنة فيها.

 

يروق للإنسان امتلاكه الأشياء والاستفراد بها، بل والاستئثار، فهو حينها يكون عليها مليكًا، وحقائقه باتت رعاياه، ولا لأحد حكم على رعاياه، هنا تصبح أملاكه من الحقيقة رعايا مطيعة، هادئة، وديعة، لا تتبدل ولا تتغير، لا تخرج عليه معترضة أمرًا.

الحقائق لا تحترم حقيقة حال كانت ملكًا لأحد. فالاقتراب منها يعني الاقتراب من الأملاك. والاقتراب من الأملاك يعني أن لا بد من الدفاع عنها. والدفاع عنها يعني ممارسة كل أساليب رد الآخرين عنها... ومنها أو أولها ممارسة العنف.

 

 

في عصر اليوم السابع من كانون الثاني/يناير [2015]، وبعد أنْ علِمتُ بأنَّ اعتداءً قد ارتُـــكِبَ في مقر [صحيفة] شارلي إيبدو Charlie Hebdo [الأسبوعية]، اكتشفتُ على الإنترنت أنَّ كابو Cabu كان مِنْ بينِ الصحفيين القتلى. وقد صدمني هذا الخبرُ. فقد قُـــيِّـــضَ لي خلال حياتي النضالية أنْ ألتقيَ به عدةَ مرات وقد نشأَتْ فيما بيننا علاقةُ صداقة. كانت الابتسامةُ التي تضيءُ وجهَه تَـــنُــــمُّ عن صفاءٍ كبير. كان يُظهِر قدرًا عظيمًا من الرِّقَّة. وكنتُ كلَّ أُسبوعٍ أفتحُ صحيفةَ لو كانار أونشينيه Le Canard Enchaîné [البطة المقيَّدة] وكلِّي توقٌ إلى اكتشاف رسومه.

وفي الوقت نفسِه اكتشفْتُ أسماءَ الأشخاص الآخرين الذين قُتِلوا في ذلك الاعتداء – من صحفيين ورِجال شرطة – وقدَّرْتُ حجمَ المأساة التي ضربَتْ فرنسا بأكملها. هذه الجرائمُ البشعة هي نفيٌ وإنكار للقيم الإنسانية التي تؤسِّسُ الحضارةَ. لقد تظاهرتُ يومَ الأحد 11 كانون الثاني/يناير [2015] في شوارعِ باريسَ لكي أؤكِّـــدَ مع مئات الألوف من الفرنسيين غيري إصرارَنا على رفضِ كلِّ خوفٍ إزاءَ التهديدات الإرهابية وعلى مواصلة النضال من أجل الحرية. يمكن لهذا الحِراك الشعبي الهائل أنْ يكونَ بارقةَ أملٍ من أجل الديمقراطية الفرنسية. لقد كانت الفكرةُ الرئيسيةُ التي أراد هؤلاءِ الآلافُ من الفِرنسيين التجمُّــعَ حوْلَها هي تأكيد إرادتهم بإقامةِ مجتمَعٍ يتجاوز كلَّ طائفيةٍ وبِعَيشِ عَلمانيةٍ حقيقيةٍ معًا، عَلمانيةٍ تَحترِم قناعاتِ الجميع تأكيدًا لأخلاقٍ عالمية يمكنها وحدَها أنْ تؤسِّسَ للمساواة والحرية والإخاء.

 

"جنوب أفريقيا هي ممثِّل للحضارة الغربية، في حين أن الهند هي مركز الثقافة الشرقية. ويعتقد المفكرون المعاصرون أن هاتين الحضارتين لا يمكن أن تلتقيا. وإذا اجتمعت أمم ممثِّلة لهاتين الثقافتين المتنافستين حتى في تجمعات صغيرة، ستكون المحصلة حدوث انفجار فحسب. فالغرب يعارض البساطة، في حين يعتبرها الشرقيون فضيلة ذات أهمية خاصة. كيف يمكن التوفيق بين وجهتي النظر المتعارضتين هاتين؟...

قد تكون الحضارة الغربية صالحة، وقد لا تكون، لكن مشيئة الغربيين هي الإخلاص لها. لقد سفحوا أنهارًا من الدماء من أجلها. ولذا فات الأوان بالنسبة لهم لكي يخطُّوا مسارًا جديدًا. ومن هذا الاعتبار، لا يمكن أن حصر القضية الهندية في إطار حرص على احتكار تجاري أو كراهية عرقية. فالمشكلة ببساطة هي سعي كل طرف إلى صون حضارته الخاصة...

 

 

 

 

 

>>>>>>>>>

<<<<<<<<<
\
 

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني