French Arabic

مصالحة المتطلب الروحي والواقعية السياسية

 

جان ماري مولَّر

 

صديقي العزيز[1]

للحقّ، أعترف بأني قرأت بدهشة كبيرة نصك الذي حاولت فيه "وضع بعض النقاط على الحروف". وحين قرأته ضعت في متاهة استشهاداتك بنصوصي، فلم أتمكن من التوصل إلى منطقية وتماسك منطقك. وحين نظرت إلى ذلك التجميع الذي قمت به لاستشهاداتي من أجل أن تجعلني في تناقض مع نفسي انتابني شعور بأن هذا التجميع لنصوصي لا يعكس ما أفكر به، فحين تنوه بأن هناك تناقضات بين كتابي قاموس اللاعنف ونصي المتعلق باللاعنف في العمل الذي قدمت من خلاله "مختلف لحظات حملة عمل لاعنفية"؛ فإني، من جهتي، أصر وأؤكد على أن كل العناصر التي طورتها في نصّي قد سبق أن شرحتها في قاموسي، وأن النصين الذين قدمتهما متماسكين ولا يوجد أي تناقض بينها. كما أنك، حتى هذه اللحظة، لم تعبر عن أي خلاف مع قاموسي؛ فأنا، في كلا النصين، قد وضعت نفس النقاط على نفس الحروف. لذلك، وكلما أمعنت التفكير في الأسباب التي دفعتك إلى كتابة هذا النص، أجدني أصطدم بعدم تفهم يزداد عمقًا وتوسعًا، وهذا ما يجعلني أعتقد بأن هذه الخلافات لا تستند إلاّ على سوء فهم أو سوء تفهم إن لم نقل على خطأ في الفهم. لذلك سأحاول تجاوز هذه الأمور الواحدة تلو الأخرى.

والحق أعترف لك بأني ترددت في الإجابة، وذلك ليس لأني أخاف من النقاش والتعارض، بل بالعكس بوسعي أن أجد فيه بعض المتعة، وهذا يمكن أن يكون سببًا، بالنسبة لي، في عدم تعاطيها؛ لكن ما أخاف منه هو أن يبدو هذا النقاش، بالنسبة للقراء، كنوع من الجدل العقيم؛ وأنا متمسك جدًا باستمرار تعاوننا الودي، ما يجعلني حريصًا على عدم خفض مستواه إلى مستوى جدل عقيم. لهذا، وللوهلة الأولى، حاولت ترك المجال للزمن، ولكني فهمت أنك مصر جدًا على إجابتي، لهذا إذن تراني أجيبك، وإجابتي ستكون صارمةً إلى أقصى حد مما قد يجعل القراء يتلمسون فيها بعض القسوة، لكني أحب جدًا ما كتبه ذات يوم جان ماريتان إلى جان كوكتو بأنه:

يجب أن يكون عقلنا قاسيًا وقلبنا خفيفًا، من دون أن نأخذ بالحسبان العقول الخفيفة ذات القلوب القاسية، فعالمنا يتكون بمعظمه من عقول قاسية جافة القلوب أو قلوب قاسية خفيفة العقول.

لهذا السبب، يا صديقي، سأبذل جهدي كي أحتفظ على الدوام، في جوابي، بقلب خفيف وعقل قاس، لأنه إن كان بوسع خلافنا أن يوضح الأشياء للقراء، عندها يكون نقاشنا مفيدًا.

ما يُستنتج من نصك هو أن الخلافات التي تحاول إبرازها فيما يتعلق بي إنما تتعلق، بشكل أساسي، بمسألة السلطة السياسية وعلاقتها باللاعنف، وكأن لي حول هذا الموضوع وجهة نظر "شخصية" - وجهة نظر "تخصّني" كما عبرت -، وكأني الوحيد الذي أحمل هكذا وجهة نظر؛ وأنكَ تخالف وجهة النظر هذه لأنها خاطئة، الأمر الذي قادني إلى ارتكاب "خطأ منهجي". والحق أقول أني لا أدعي التعبير عن أفكار "خاصة" فيما يتعلق بالسلطة السياسية، فأنا منذ ما يقارب الـ35 عامًا أحاول التفكير باللاعنف مستوحيًا ما هو أساسي في فكر وفعل الماهتما غاندي. وكالكثيرين من أمثالي أصنف نفسي في قلب منقول اللاعنف الذي تمتد جذوره إلى فكر محرر الهند الذي اقترح على الإنسانية إعادة التفكير في السياسة، سواء من منظور فلسفي أو من منظور الاستراتيجية، واضعًا اللاعنف في قلب فكره وعمله. ما يجعل بوسعي أن أقول أن وجهة نظري تلتقي مع كل الذين درسوا وعرفوا غاندي. طبعًا بوسعك أن تقول لي، ربما، أن من حق أي كان أن يختلف مع غاندي، وهذا طبيعي! لكن عندها، لا يجب نقدي أنا، إنما يجب نقد غاندي. على كل حال، فإن كل الذين يرفضون اللاعنف إنما يدعون بأنهم على خلاف مع غاندي. أنا، شخصيًا، أسمح لنفسي بأن أختلف معه حول بعض الأمور، لكن هذه الأمور لا تتعلق بأي شيء أساسي، وما تطرحه هنا يتعلق بأمور أساسية.

الإلهام المؤسس، الأساسي، لغاندي هو أن مبدأ اللاعنف يجب أن يطبق على مختلف جوانب حياة الإنسان، على حياته الشخصية كما على حياته الاجتماعية والسياسية، فهو مبدأ شامل، ويشمل أيضًا الشأن السياسي، كل الشأن السياسي. يعود نبوغ غاندي، من منظوري، بالضبط إلى مقدرته على الجمع بين ما تتطلبه القيم وما تتطلبه الواقعية السياسية. لم يكن غاندي ينتمي البتة إلى ذلك المنقول الشرقي لإولئك المعلمين الروحيين الذين يعلمون روحانيتهم على هامش التاريخ، بعيدًا عن السياسة، وعن النقاشات والمعارك السياسية، وبمنأى عن شائعات وهياجانات هذا العالم. طبعًا لهذا المنقول قسطه من الحقيقة، ومن العظمة، لكن الخطر يبقى كبيرًا في النهاية. إن هذه الروحانية ليست روحانية للسلام، إنما هي فقط روحانية للهدوء، حيث المريدون مدعوون للتخلي عن احتياجاتهم ورغباتهم وعواطفهم الذاتية من خلال تمرين إفرادي، لكن أفضل طريقة كي نتعلم عدم "الاهتمام بالذات" هو أن نتعلم "الاهتمام بالآخر"، والاهتمام بالآخر يفترض ضرورة العمل السياسي.

لنحاول معًا التمعن في الأمر بشكل أفضل.

لأنه واضح، منذ البداية، أن كل حملات النضال اللاعنفية لا تهدف، في النهاية، إلى استلام وممارسة السلطة السياسية. هذا أمر لا يجب علينا حتى مناقشته. وكدليل على هذا: الحملات التي قام بها مارتن لوثر كنغ، في الولايات المتحدة في الستينات، لم يكن هدفها استلام السلطة السياسية في الولايات المتحدة، لقد كان هدفها - وهل من ضرورة لأن نقول ذلك؟ - الاعتراف بحقوق السود واحترام هذه الحقوق، وهذه بحدِّ ذاتها كانت مهمة ضخمة. وكذلك الأمر بالنسبة للحملات اللاعنفية التي قام بها سيزار شافيز، إنها حملات لم يكن هدفها النهائي استلام السلطة في الولايات المتحدة، لقد كان هدفها - وهل من ضرورة لأن نقول ذلك؟ - الاعتراف بحقوق العمال الزراعيين واحترام هذه الحقوق. بوسعي أن أعدد الآلاف من الأمثلة الأخرى، لكني سأكتفي بالتذكير بحملة إلغاء عقوبة الإعدام في لبنان، والتي قام بها أصدقاؤنا أوغاريت يونان ووليد صليبي. فهذه لم يكن هدفها النهائي - وهل من ضرورة لأن نقول ذلك؟ - استلام السلطة السياسية في لبنان، إنما كان هدفها إجبار السلطة السياسية على الإقرار بإلغاء عقوبة الإعدام، التي هي، من منظور اللاعنف، جريمة ضد الإنسانية. ما يعني أن النقاط 13 و14 و15 من نصي حول اللاعنف في العمل لا علاقة لها بهذه الحملات. إن هذا الأمر واضح ولا لبس فيه.

يبقى أن نعترف أن الظروف الاجتماعية السياسية التي تسمح لحركة لاعنفية بالنضال من أجل استلام السلطة نادرة إلى حد كبير. ففي معظم المجتمعات لا يوجد هكذا هدف على جدول الأعمال. لذلك تراني، في كل البلدان التي أدعى إليها، أمتنع عن التبشير بالثورة، وكل ما أفعله هو عرض تاريخ الثورات ومحاولة استخلاص العبر.

في المقابل، من الواضح تمامًا أن حملات الفعل اللاعنفي التي قام بها غاندي كان هدفها النهائي - وهل من ضرورة لأن نقول ذلك؟ - استلام وممارسة السلطة السياسية. لهذا، عندما قرر المؤتمر الوطني الهندي في الـ31 من كانون الأول 1929 - وهو التنظيم السياسي الذي يعتبر غاندي رئيسه غير المنازع - (قرر) المطالبة بـ"الاستقلال الكامل" للهند، فإنه كان يطالب فعلاً باستلام وممارسة السلطة السياسية. إن هذه مسألة لا تقبل أي لبس. لهذا وفي نفس اليوم، قرر المؤتمر أنه، من الآن فصاعدًا، سيتم الاحتفال بالـ26 من كانون الثاني، في كل أرجاء الهند، كيوم للاستقلال الوطني. لذلك، في الـ26 من كانون الثاني 1930، وفي مختلف أرجاء الهند، أقرت المنظمات المحلية للمؤتمر نص الإعلان الذي سبق أن نشره غاندي في الـ23 من كانون الثاني في مجلة Young India. وهذا النص يقول:

نحن نعتبر أنها جريمة بحق الإنسان والإنسانية أن نخضع لمدة أطول لسلطة تسببت لبلدنا بتلك الكارثة الرباعية. ولكننا نعترف رغم هذا أن الوسيلة الأكثر فعالية للحصول على حريتنا ليست العنف. لهذا يتوجب علينا الاستعداد، قدر المستطاع، للانفصال الطوعي عن الحكومة البريطانية، وأن نهيء أنفسنا للعصيان المدني، بما في ذلك التوقف عن دفع الضرائب. لأننا مقتنعون أننا إن سحبنا دعمنا الطوعي وتوقفنا عن دفع الضرائب دون اللجوء إلى العنف، وحتى إن واجهنا الاستفزاز، فإن نهاية هذه السلطة غير الإنسانية تصبح أمرًا مؤكدًا. لهذا، نتعهد اليوم بقوة بأن نتبع كل التعليمات التي يصدرها لنا المؤتمر في سبيل استقلالنا التام.

أما فيما يتعلق ببولونيا فقد أخذت الأحداث منحى مختلف. في البداية لم يكن الهدف النهائي للعمال البولونيين استلام السلطة في بولونيا، إنما كان هدفهم تحقيق مطالبهم. ففي 14 آب 1980 أضرب عمال الورش البحرية في غدانسك وقرروا خلق نقابتهم الخاصة: التضامن أو Solidarnosc. وفي 31 آب وقع نائب رئيس مجلس الوزراء البولوني مع قائد التضامن ليش فاليسا على اتفاق فتح الباب لتشكيل نقابات مستقلة. وهذا ما جعل بوسع فاليسا أن يحتفل بنصر حققه "دون اللجوء إلى أي عنف". ويوضح المقال المتعلق بـ التضامن أو Solidarnosc في موسوعة ويكيبيديا على الانترنت أنها كانت "قائمة على قواعد اللاعنف".

في أيلول عقد أول مؤتمر للتضامن Solidarnosc، والذي بدا كأنه برلمان عمالي حقيقي لبولونيا. ثم، وكنتيجة لعدة أحداث تم فيها سجن فاليسا والعديد من قادة النقابة، أصبحت التضامن Solidarnosc شرعية بالكامل في العام 1989. وكانت هناك انتخابات متوقعة، ما دفع العمال البولونيون إلى تأسيس فرع سياسي سموه العمل الانتخابي للتضامن، وذلك كي يتمكنوا من المشاركة في هذه الانتخابات. وهكذا، في مرحلة ثانية، أصبح لدى العمال البولونيون "تنظيمًا سياسيًا". وهكذا، بعيد تلك الانتخابات، التي جرت في حزيران 1989، وجد رئيس الدولة البولونية الجنرال ياروزيلسكي أن لا مناص من تسليم الحكم للتضامن، فأصبح تادوس مازوفيسكي، أحد الشخصيات الهامة في النقابة، رئيسًا للوزراء في 12 أيلول 1989. وفي 9 كانون الأول 1990 انتخب ليش فاليزا رئيسًا للجمهورية. وهكذا، في النهاية، وصل العمال البولونيون عن طريق النضال اللاعنفي إلى السلطة ومارسوها. من كان بوسعه تخيل هذا لدى خلق نقابة التضامن؟

خلال كامل فترة نضالهم التي لا بد من تسميتها بالـ"ثورية" - حيث يتحدث المؤرخون عن "ثورة 1989 المعادية للشمولية" - التزم العمال البولونيون طرائق المقاومة اللاعنفية. في شهر تشرين الأول 1989، وفي خطاب قُرأ في جلسة تسليمه جائزة نوبل للسلام - جلسة لم يتمكن من حضورها شخصيًا - تحدث ليش فاليزا مقومًا عمله. قال:

إن كان هناك من درس استنتجته من هذه التجارب، فهو أنه ليس بوسعنا المواجهة الفعالة للعنف إلاّ بمقدار ما لا نستعمله من جانبنا.

وأنت تعلم ربما أن كتابي استراتيجية العمل اللاعنفي قد طبع بالكامل باللغة البولونية خلال فترة النضال السري لنقابة التضامن. أقول هذا فقط لأؤكد بأن الاستشهاد باللاعنف كان صريحًا. مشيرًا، إلى أنه لا فضل لي طبعًا بما حدث، خاصةً وأني لم أقم بأية مجازفة على أرض الواقع. كما ويؤكد المؤلف البولوني الذي كتب مقدمة هذه الطبعة:

أن تكتيك اللاعنف قد أعطى ويعطي نتائج. نتائج نحن لسنا بحاجة اليوم لإثباتها لأن هناك أمثلة عديدة. لكن الأهم هو أن تكتيك اللاعنف يعطي فقط نتائج إيجابية، فهو لا يولد تلك التعقيدات الأخلاقية والفكرية، كما جرى في مئات الثورات التي تمت في القرنين التاسع عشر والعشرين. فهي لا تقود إلى تشكل ذلك التلازم الثوري المعروف من قبل علماء الاجتماع، كما أنه لا يؤدي بالثوار إلى فقدان الصلة بالواقع وإلى الخرق التدريجي لقيم النظام الأخلاقي. إن تكتيك اللاعنف يساعد أكثر على تجميع الناس من أجل الصالح العام. ما له بحد ذاته نتائج إيجابية.

في تشرين الثاني 1989 انفجرت في براغ "الثورة المخملية" بقيادة فاسلاف هافيل المسؤول الرئيسي للمنتدى الاجتماعي الذي كان يضم جميع القوى الديموقراطية في تشيكوسلوفاكيا. وفي كانون الأول انتخب هافيل رئيسًا للجمهورية. وقد قال لنا حين قام بزيارتنا خلال الاجتماع الأوروبي للمواطنين المنعقد في تشرين الأول 1990 في براغ: "إننا قمنا بالثورة من دون أن نكسر أي لوح زجاج". هنا أيضًا توصلت الثورة اللاعنفية للديمقراطيين التشيكوسلوفاك إلى استلام السلطة وممارستها.

في محاولتك لـوضع النقاط على الحروف كتبت تقول أنه:

مقابل منطق سياسي يقول بأن اللاعنف كمفهوم وتنظيم سياسي قد استلم السلطة في بولونيا وتشيكوسلوفاكيا وحتى قبل ذلك في الهند، هناك منطق آخر يقول، من منطلقٍِ آخر، أن اللاعنف لم يستلم السلطة في أي مكان.

وجهة نظر يبدو لي وكأنك تشاركها مع آخرين، أليس كذلك؟ وهي تقع ضمن تلك "الأمور الخطيرة" التي عبرت عنها في ورشة مرمريتا، كما عبرت عنها حين قلت بأني لم أتمكن "إقناعكم" بها (هل تتحدث هنا باسم كل المشاركين أم باسمك الشخصي؟) ومن بين الأمور التي ما لم أنجح في إقناعكم بها أحدد:

ذلك التصور القائل أن بوسع اللاعنف أن يصبح تنظيمًا سياسيًا يهدف إلى استلام السلطة وممارستها وفقًا لمصالح العدد الأكبر.

ما يجعلك تعتقد أنه أصبح بوسعك أن تؤكد في استنتاجاتك أنه

ليس بوسع اللاعنف، وبأي حال من الأحوال، أن يكون على أرض الواقع العملي تنظيمًا سياسيًا يسعى إلى السلطة

وبقوة، من وجهة نظري المتواضعة، أقول لك أن هكذا كلام يؤجج خلطًا كاملاً في الأمور، فالقول بأن "اللاعنف" بوسعه أن يصل إلى السلطة في بلدان معينة، أو أن "اللاعنف" وصل إلى السلطة لا معنى له. أنا لم أقل هذا أبدًا، ولم أفكر به، ولم أكتبه. حيث، طبعًا، "لم يصل اللاعنف إلى السلطة في أي بلد". وكل خلاف حول هذه المسألة لا معنى له. لأن المنظمات السياسية، ومن خلال استعمال الوسائل التي تقدمها استراتيجية اللاعنف، هي التي توصلت إلى استلام السلطة وممارستها. وهذا ما تعترف به شخصيًا حين تقول أن:

من استلم السلطة، في تلك البلدان التي نجح فيها أسلوب اللاعنف، كانت أحزاب سياسية لها برامجها الخاصة، واستعملت في أوقات وظروف معينة أساليب وطرائق وحتى ربما فلسفة اللاعنف التي وجدتها أكثر واقعية وأكثر فعالية لتحقيق أهدافها السياسية.

لكني، يا صديقي، لم أفكر البتة، ولم أقل، ولم أكتب أبدًا خلاف ذلك! فلماذا تختلق معي خلافًا لا وجود له؟ لماذا؟ لماذا؟ هذا ما لا أفهمه البتة.

لأننا إن عرّفنا الحزب السياسي بأنه ذلك الذي يضع كهدف نهائي له استلام السلطة وممارستها، فإن هذا التعريف ينطبق بالكامل على حزب المؤتمر في الهند. رغم أن فكرة "الحزب السياسي" يمكن أن تبدو معقدة على أرض الواقع العملي حيث العديد من الأحزاب بعيدة كل البعد عن احترام متطلبات الديمقراطية والمشاركة في داخلها، كالأحزاب الشيوعية التي تركت مرارة لدى الكثيرين ممن جربوها، وقد كان لدي الحظ بأني لم أخدع باليوطوبيا المجرمة للشيوعية، الأمر الذي منعني من الاحتفاظ بأي شعور بالمرارة تجاه أي حزب، فأنا في المحصلة، لم أنتسب إلى أي حزب، مفضلاً على ذلك استثمار نشاطي في الحركة اللاعنفية.

وأيضًا، خلافًا لما تنوه به، وفيما يتعلق بالنقاط 13 و14 و15 من نصّي اللاعنف في العمل، أنا لم أقل أنه بوسع اللاعنف أن يتحول إلى حزب سياسي، إنما قلت أن "تنظيمًا سياسيًا" - وهو عنوان النقطة الثالثة عشر - يستطيع، حين تكون الظروف مواتية لذلك، السعي إلى استلام وممارسة السلطة السياسية. وعندما أتحدث عن "الأحزاب السياسية" فلكي أحدد التنظيم الذي يستوحي من مبادىء اللاعنف. حيث، وأستشهد هنا بنفسي:

يجب ألاّ يعاد خلق بنى الأحزاب السياسية التقليديّة التي تحمل مشروع الدولة والتي هي منظّمة وفقًا لنموذج الدولة.

ستوافقني أنه ليس بوسعي أن أكون أكثر وضوحًا، لأني حين أتحدث فعلاً عن "الأحزاب السياسية" فلكي أعبر تجاهها عن أقصى درجات الشك. ما يعني أن سوء التفاهم هنا كاملاً.

وتوجه لي لومًا آخر يتعلق بما أوردته في قاموسي حول "السلطة". وأني أقدم

برنامجًا بوسعه أن يكون، وبكل بساطة، البرنامج السياسي العملي لأي حزب سياسي يسعى إلى السلطة

وهنا أيضًا تشوه فكري بشكل واضح، لأن عليك أن تلحظ بأن ما أؤكد عليه فيما يتعلق بالنضال من أجل السلطة إنما هو واجب أن يكون ""نضالاً من أجل العدالة والحرية" ما يجرّد نقدك من كل أساس. لأنه ليس بوسع أي حزب أن يتملك ما أقدمه من برنامج، إنما بوسعه ذلك تحديدًا وفقط تلك الأحزاب التي تناضل من أجل الحرية. هنا أيضًا، نحن نواجه سوء تفاهم كامل.

طبعًا، بوسع الحزب الذي لا يحترم العدالة والحرية أن يلجأ دائمًا إلى طرائق مماثلة لتلك التي تدعو إليها استراتيجية العمل العنفي كالإضراب، والمقاطعة، وعدم احترام القوانين، إلخ. من بوسعه أن يمنعهم من فعل ذلك؟ لا أنت، ولا أنا، ولا أحد. لكن هؤلاء لا علاقة لهم باللاعنف، فلكي يكون النضال لاعنفيًا لا يكفي بأن لا تطبق الطرائق التي يستعملها أي عنف جسدي تجاه الأشخاص، إنما يجب أن تكون الغاية محقة. وكما أن هدفًا عادلاً لا يبرر استعمال وسائل غير عادلة، كذلك فإن غاية غير عادلة تجعل من كل الطرائق التي تستعملها غير عادلة. وفي نهاية المطاف لا يمكن اعتبار الغاية، التي يتم تحقيقها بوسائط مشينة، نبيلة. كما لا يمكن أن تكون نبيلة الوسائل التي يتم استعمالها لتحقيق غاية مشينة. من المثير للاهتمام أنه في نفس اللحظة التي كان غاندي وحزب المؤتمر يدعون لمقاطعة المنتجات البريطانية في الهند، كان هتلر والحزب النازي يدعون إلى مقاطعة المحلات اليهودية. ونتساءل من الناحية العملية: ألم تكن الطريقة المستعملة، والتي هي المقاطعة، نفسها في كلتا الحالتين؟ إنها كذلك. لكن بالنسبة لغاندي كانت المقاطعة وسيلة غير عنفية، بينما كانت المقاطعة بالنسبة لهتلر وسيلة إجرامية. فنفس السكين الذي تستعمله لتقاسم الخبز مع أفضل أصدقائك، بوسعك أن تستعمله لتطعن به أفضل أعدائك. ما يعني أنه بوسع الأدوات الأقل عنفًا أن تتحول إلى أكثر الأدوات عنفًا.

لذلك أعتقد أنك ستعترف بأن كل انتقاداتك المتعلقة بمفهوم "الحزب السياسي" لا قيمة لها.

أمّا النقطة الثانية من استنتاجاتك، فتبدو لي فعلاً متهورة. إليك ما قلته:

لا يمكن للاعنفي، وبأي حال من الأحوال، أن يكون طالبًا لأية سلطة زمنية. فهذه لا تهمه إلاّ بمقدار ما تعنيه مجابهتها، وحتى في أقصى الأحوال إزالتها، من موقف مبدئي رافض للظلم ويسعى لإزالته.

ماذا يعني هذا؟ ألا يفهم منه يا ترى أن على من اختار اللاعنف أن يغسل يديه نهائيًا فيمتنع عن تحمل أية مسؤولية في ممارسة ما تدعوه أنت "السلطة الزمنية"؟ وهل يتوجب عليه أن يترك لغيره - ممن يعتقدون بأن العنف حتمية تاريخية بالنسبة للبشر وللمدن - أن يتحملوا وحدهم مسؤولية هذه "السلطة الزمنية"؟ هل عليه أن يقبل بأن يبقى طيلة حياته مشككًا ومحتجًا ومعارضًا؟ بديهي هنا أن من يختار اللاعنف لا يفترض أن يسعى إلى السلطة لتلبية رغبته في القوة، ولكن أليس بوسعه، أليس من واجبه، إن سمحت له الظروف بذلك، أن يسعى إلى السلطة واضعًا نفسه في خدمة المجتمع الذي ينتمي إليه؟ لأنه حين تكون الأمور في نصابها، ألا تعتبر السلطة الزمنية، وخاصة منها السلطة السياسية، خدمة بحد ذاتها؟ وواقع كون الكثيرين من رجال السلطة يرغبون الاستفادة بدلاً من الخدمة لا يمكن أن يكون بالنسبة له حجة للتهرب من ممارسة هذه السلطة. ومن يتبنون فلسفة اللاعنف يتحملون، قبل سواهم، مسؤولية اختراع أشكال إدارة ذاتية تستلهم من مبادىء وطرائق اللاعنف. فاللاعنف يواجه أيضًا تحدي إعادة الاعتبار للسلطة.

تستشهد حنه آرندت بالفكر اليوناني لكي تبين أن العنف يشكل نقيضًا للسلطة السياسية. فقد كتبت تقول:

إن العلاقات السياسية الطبيعية لا يدنسها العنف. وهذا تأكيد نجده للمرة الأولى عند اليونانيين القدامى، حيث المدينة- الدولة، أو الـpolis، تعرف نفسها فعلًا كطريقة حياة قائمة على الإقناع وليس على الإكراه.

فحسب حنه آرندت تلد السلطة السياسية حين يتجمع البشر "لكي يعيشوا سوية" فيقررون العمل معًا لبناء مستقبلهم في قلب نفس المدينة. حيث كتبت تقول بأن

السلطة تتفق وقابلية الإنسان على الفعل، وخاصة بشكل توافقي.

وهذه السلطة التوافقية، التي هي وليدة الفعل المشترك، لا تحتاج إطلاقًا إلى وسائل العنف لكي تمارس.

فالسلطة والعنف تتعارضان من حيث طبيعة كل منهما، فحين يسود أي منهما بشكل مطلق ينتفي الآخر. (...) لذلك فإن الحديث عن سلطة لاعنفية هو محصلة حاصل. لأنه إن كان بوسع العنف أن يدمر السلطة، فإنه عاجز على خلقها.

هكذا إذًا، فندت حنه آرندت بقوة الفرضية الأساسية لماكس فيبر، الذي، من منظوره كعالم اجتماع يراقب الوقائع الاجتماعية، كان يعتقد بأن السلطة السياسية هي علاقة سيطرة الإنسان على الإنسان بالاستناد على وسيلة القوة. فالإنسان، بحكم كونه كائنًا علائقيًا، لا يستطيع أن يكون حرًا لوحده، فحريته لن تتحقق إلاّ مع الآخرين؛ فهو يصبح حرًا حين يتمكن من إقامة علاقات أناس أحرار مع الآخرين، أي علاقات لا يشوبها أي تهديد أو أي خوف أو أية سيطرة أو أي خنوع. لأنه حين تسود علاقات السيطرة والخنوع بين البشر، يسود العنف، وتفشل السلطة السياسية.

لم يكف غاندي عن التأكيد على أن كل برنامج سياسي يستوحى من اللاعنف لا يمكن أن يقتصر على مجرد أعمال لاتعاون، إنما يجب أن يكون له "برنامج بناء". فجسد اللاعنف يتفسخ، على حد قوله، حين لا يكون هناك إيمان حيّ بالبرنامج البنّاء. لذلك اسمح لي أن أستشهد لمرة واحدة بتعريف البرنامج البناء كما ورد في كتابي قاموس اللاعنف:

من الجوهري ألا يبقى النضال اللاعنفي ضد الظلم أسير استنكاراته وإداناته، بل أن يتمكن من إعداد مشاريع بديلة تتيح بِناء العدل، ومن اختبار هذه المشاريع. ففي الوقت الذي تنفِّذ فيه حركةُ المقاومة برنامجَ لاتعاون، ينبغي عليها وضع "برنامج بنَّاء". وينطوي هذا البرنامج، بالتوازي مع تنظيم المؤسسات والبُنى الاجتماعية التي نشجبها ونرفض التعاون معها، على تنظيم مؤسسات وبُنى تتيح إيجاد حلٍّ بنَّاء للمشكلات المطروحة، وذلك دون أن ننتظر الحلَّ النهائي للنزاع. فبدلاً من الاكتفاء بالطلب من السلطة الخصم أن تقدِّم حلاً عادلاً للنزاع الجاري، ينبغي القيام بإدراج هذا الحل في الواقع وذلك بتقديم الدليل على واقعية تنفيذه. فالمقاومون لا يريدون للوضع أن يتغير وحسب، بل يبادرون إلى تحقيق هذا التغيير الذي من أجله بوشر الكفاح. بذا فإن في إمكان مَن يرفضون دفع جزء من ضرائبهم احتجاجًا على النفقات العسكرية الباهظة للحكومة أن يقرروا إعادة توزيع المال المحصَّل من أجل تمويل عمليات تأهيل على الحلِّ اللاعنفي للنزاعات.

يتطلب تحقيق البرنامج البنَّاء مشاركةً فعالة حتى ممَّن هم ضحايا الظلم حصرًا، وذلك بدعوتهم إلى استرداد حقوقهم بأنفسهم. فالعمل اللاعنفي ليس عبارة عن مطالبة المرء بحقوقه، بل عن استردادها ما أمكن. والبرنامج البنَّاء ينبغي أن يتيح لهؤلاء الذين ما انفكوا في وضع تبعية داخل البُنى السياسية والاقتصادية القائمة إمكانيةَ الاضطلاع بقَدَرهم والمشاركة مباشرةً في إدارة شؤونهم الخاصة. بالإضافة إلى ذلك، يتيح تنفيذ البرنامج البنَّاء للعديد من الأشخاص غير المستعدين لتجشم مخاطر العمل المباشر أن يحشدوا طاقاتِهم وينخرطوا في الكفاح.

بذا فإن العمل اللاعنفي، بتحقيقه البرنامجَ البنَّاء، لا يعود يستمد قوامه مما يعارضه وحسب، بل ومما يقدِّمه ويحققه أيضًا. يريد البرنامج البنَّاء أن يبيِّن أن مبادئ اللاعنف وطرائقه لا تتيح إعمال استنكار المجتمع فحسب، بل يجب عليه أن يتيح الاضطلاع بـإدارة هذا المجتمع.

وإدارة المجتمع تتطلب ممارسة السلطة الزمنية.

هناك أيضًا انتقادات أخرى موجهة إلي وتتعلق بـ"الفعالية". فقد ارتكَبتُ (يا للهول!) "خطًأ منهجيًا" خلال محاضرتي حول "استراتيجية اللاعنف" حين قدمت بشكل خاص تقنيات ووسائل يمكن أن تكون فعالة على أرض الواقع. في الواقع، أنا لا أتحدث البتة عن "استراتيجية اللاعنف" إنما أتحدث دائمًا عن "استراتيجية العمل اللاعنفي"، هناك فارق بالدرجة! وتعترضني قائلاً أن "اللاعنف حتى كطريقة عمل، لا يمكن أن يختزل إلى مجرد بحث عن الفعالية"، ما قصدك بهذا؟ أنه ليس بالإمكان اختزال اللاعنف إلى مجرد بحث عن الفعالية، فهذا أمر بديهي وأنا أكرره باستمرار. ولكن، أن تبحث طرائق العمل اللاعنفي عن الفعالية، يبدو لي بديهيًا في المقابل. لأنه فيما يتعلق "بمحاربة الظلم وإزالته" - وهذه غاية العمل اللاعنفي كما تعترف بها -، فإنه يجب البحث عن الفعالية، وإلاّ ما الفائدة منه؟ حيث لا يكفي أن نكون على حق فيما يتعلق بالظلم، إنما يجب الانتصار على الظلم. وهنا تقول بشكل جميل أني "على بعض الحق" حين أقول بأن اللاعنف "كطريقة عمل هي بحث عن الفعالية"، أما أنا فإني لا أرى أين أنا "على بعض الخطأ" فيما أقول!...

اسمح لي هنا أن أستشهد بسيزار شافيز الذي أصبتم بتعريفه إلى القراء العرب من خلال نشركم كتاب على خطى غاندي. فقد كان شافيز قبل كل شيء إنسانًا ذرائعيًا يعتقد بأن فعالية العمل اللاعنفي هي الحجة الوحيدة التي بوسعه أن يقدمها للناس. عندما قابلته في آب 1972 في كاليفورنيا قال لي:

إن لاعنفنا عملي جدًا، فهو على مستوى التربة، وعليه أن يواجه المسائل الاقتصادية قبل أي شيء آخر. (...) نحن نولي أهمية كبرى للعمل، علينا الاستمرار بالبرهان أن اللاعنف ينجح وهذا ليس ممكنًا إلاّ بالعمل. لأنك إن لم تفعل، فإن اللاعنف لا يتقدم، ويبدأ الناس التحول إلى العنف. (...) هذا هام جدًا. علينا أن نعمل ونعمل ونعمل بحيث يحصل الناس على نتائج، بحيث يصبح بوسعنا أن نقول للناس: "فعلنا ينجح، اللاعنف فعال[2]".

وحين سأله جيم فورست، الذي كان يسرد على مسمعه "موقف أولئك الذين يستخدمون الحجج الأخلاقية العالية للاعنف متجنبين تحمل أية مسؤولية حقيقية فيما يتعلق بالعذاب الإنساني"، لم يستطع شافيز كتم غضبه فأجاب بحدة:

هذا ليس اللاعنف. لأني غاضب دائمًا من أولئك الناس الذين يأتون ويذهبون وكأنهم يسيرون على بيض. أنا لا أتحمل هذا. أنا أحملهم المسؤولية. وليس بوسعي تحملهم. لأنه لا علاقة للاعنفيين بالملائكة. نحن لسنا لاعنفيين لأننا نريد إنقاذ أرواحنا، نحن لاعنفيون لأننا نريد تحقيق العدالة الاجتماعية للعمال. لأنه إن كان كل ما يهمكم من كونكم لاعنفيين هو خلاصكم، فإنه قد تأتي اللحظة التي ينهار فيها كل شيء، حينها ستقولون:" فليكن وليصبحوا هم عنفيون، أما أنا فسأبقى لاعنفيًا" أو حين تبدأ بالتفكير بأنه "ليس مهمًا أن أخسر المعركة، إنما الأهم هو أن أبقى لاعنفيًا" هذا مهم جدًا: عليك أن تكون لاعنفيًا وعليك أن تنتصر عن طريق اللاعنف. لأنه غير مهم بالنسبة للفقراء أن نقدم لهم كل هذه الفلسفات الغريبة حول اللاعنف، إن كان هذا لا يعطيهم الخبز[3].

وكثيرًا ما كان شافيز يستشهد بغاندي، لكنه لم يكن يرغب أن يرى في غاندي معلمًا روحيًا إنما استراتيجيًا سياسيًا جرب شكلاً جديدًا من النضال ضد الظلم.

فما على الناس أن يفهموه (هذا ما صرح به أيضًا في نفس المقابلة) هو أن غاندي، وبغض النظرعن كونه قديسًا (ليس ملاكًا إنما قديسًا) كان استراتيجيًا من الدرجة الأولى. فعندما أقرأه، وأنا أقرأه من أجل هذا. (...) فإني أتوجه إلى ما وراء خشبة المسرح لاستكشف الاستراتيجية التي استعملها، ما سمح للاعنف بأن يكون فعالاً[4].

وستعترف لي حتمًا هنا بأن كل ما أقوله هو في منتهى الوضوح.

وقد أردت أن تعبر لي عن تأيدك الكامل للنص الذي كتبته حول الوضع في فلسطين تحت عنوان القتل هو المسألة المطروحة[5]. وأردت أن تترجم هذا النص إلى العربية وتنشره على صفحات موقع معابر. ولكن، حين نطلب من أصدقائنا الفلسطينيين أن يتخلوا عن العنف وأن يختاروا المقاومة اللاعنفية، فإننا يجب أن نكون مقتنعين تمامًا بأنه من الضروري أن يكون العمل اللاعنفي فعالاً، وإلاّ أصبحنا غير مسؤولين. وإلاّ فإننا لن نفقد مصداقيتنا فقط إنما لن يصدقنا أحد. ما يعطي الحق لأولئك - وهم كثر كما تعرف - الذين يلومونا لاقتراحنا خيار المقاومة اللاعفية. وأضيف هنا أن الفلسطينيين يرغبون في استلام السلطة السياسية لكي يديروا مجتمعهم بكل حرية، ما يعني بأنه يجب أن نكون مقتنعين بأن المبادىء والطرائق اللاعنفية تسمح باستلام السلطة وممارستها.

واسمح لي أن أستشهد هنا بصديقنا الفلسطيني مبارك عوض، الذي أعرف أنك تكن له تقديرًا كبيرًا. ففي مقال نشره في العام 1985 في مجلة خيارات لاعنفية، كتب مبارك عوض ما يلي:

إن ما يفترضه هذا المقال هو أن اللاعنف يشكل الطريقة الأكثر فعالية حاليًا لمقاومة المحتل الإسرائيلي في الضفة الغربية وغزة. طبعًا يجب أن تكون هذه الطرق والتكتيكات والاستراتيجيات الكلاسيكية للاعنف متناسبة مع الظروف الراهنة، ولكنها صحيحة تمامًا. وطبعًا بإمكان أشخاص لا ينتمون بالضرورة إلى اللاعنف استعمال هذه الطرائق بنجاح، على الأقل جزئيًا.

إن هذه اللأفكار القليلة ضرورية اليوم أكثر من أي وقت مضى.

وهنا أجد بعض الضعف لأن أتفكر بأني حين أقول بأن اللاعنف كطريقة عمل هو "بحث عن الفعالية"، فإني لست فقط على "بعض الحق"، إنما أنا لست مخطًا البتة. وأنت تحرف معاني ما أقوله، حين ترغب معارضة مديحي للفعالية، بما قلته أنا عن أن اللاعنف هو بالدرجة الأولى "خيار وجودي... روحي الجوهر"، ذلك أنك تخلط بشكل غريب بين ما أقوله عن اللاعنف كحكمة وما أقوله عن اللاعنف كطريقة عمل.

وهذا مبدأ أساسي أن نعتبر اللاعنف ليس حكرًا على من اختاروه فلسفيًا. ففي مقال لغاندي، نشره في شباط 1930 في مجلة الهند الشابة، وفي الوقت الذي كان يتهيأ فيه لتعبئة الشعب الهندي في حملة العصيان المدني ذات العلاقة بقانون الملح، كتب:

على كل من قبلوا باللاعنف، سواء عن قناعة وجودية، أو كوسيلة سياسية، أن يساهموا في الحركة الجماهيرية.

في كانون الثاني 1942، وعندما كان غاندي يدافع أمام مؤتمر عموم الهند عن سياسته، فإنه برر فعالية خيار اللاعنف من خلال تبيان فعاليته، كطريقة عمل، من أجل تحقيق الاستقلال؛ حيث يؤكد أن

اللاعنف بالنسبة لي هو العقيدة والنفس الذي يعطيني الحياة. لكنّي لم أقترحه على الهند ولا على أي شخص كعقيدة، ما عدا في المناسبات، وفي أحاديث غير رسمية. لقد اقترحته على المؤتمر كطريقة سياسية تهدف إلى حل المشاكل السياسية. ومن الممكن أن تكون هذه الطريقة جديدة، لكنها رغم هذا تحتفظ بطابعها السياسي. وقد جربتها للمرة الأولى في جنوب أفريقيا، بعد أن فشلت المعالجات الدستورية. فالمسألة كانت تحديدًا عندئذٍ التواجد السياسي للهنود المقيمين في جنوب أفريقيا، من تجار وباعة متجولين. فبالنسبة لهم كانت القضية قضية حياة أو موت، لذلك ومن خلال معالجة هذه المسألة جائتني هذه الطريقة اللاعنفية (والإشارة هنا من قبلي). وما اتخذته في حينه من إجراءات لم تكن من صنع صاحب رؤية أو حالم، إنما كانت صنيعة رجل عملي يواجه مشاكل مشاكل سياسية محددة. وهذه الطريقة السياسية، يمكن تعديلها وتبديلها وحتى تركها لصالح طريقة أخرى. وأنا حين أقول لكم اليوم أن طريقتنا لا يجب أن تتغير، فإني أتحدث من منطلق حكمة سياسية. إنها فطنة سياسية. لأن هذه الطريقة خدمتنا في الماضي، وسمحت لنا باجتياز مراحل عديدة من طريقنا نحو الاستقلال، وأنا كرجل سياسة أنبهكم بأنه من الخطأ الكبير التفكر بالتخلي عنها. وأنا إن قدت المؤتمر ورائي خلال كل هذه السنين، فذلك بصفتي رجل سياسة. ما يعني أنه ليس عدلاً وصف طريقتي بالدينية لمجرد أنها جديدة.

إن هذا النصّ أساسي، لأنه يبين بوضوح أنه إذا كان اللاعنف بالنسبة لغاندي "عقيدة"، بمعنى أنه خيار رئيسي يعطي لحياته معنى، أو المبدأ الأساسي للحقيقة؛ فإنه يقترح طريقة العمل اللاعنفية على من لا يتبنى هذا الخيار تحديدًا. ونلاحظ أن غاندي حين ذكر تجربته الأولى في العمل اللاعنفي في أفريقيا الجنوبية فإنه لم يستند إلى أي اعتبار مبدئي أو ديني، إنما استند فقط إلى اعتبارات سياسية واستراتيجية. طبعًا كان بود غاندي لو أصبح اللاعنف عقيدة، لكن لأنه كان يتمتع بواقعية رجل سياسة، فإنه لم يجعل منه شرطًا مسبقًا.

نقطة خلاف أساسية أخرى هي ما كتبته حول "الثورة المستمرة". وهنا، أيضًا، يبدو لي سوء التفاهم كاملاً وأتفهمه تمامًا. فأنا لا أجهل أن مفهوم "الثورة الدائمة" قد طور من قبل تروتسكي، وأن هذه المسألة ستثير جدلاً قويًا بين الشيوعيين. لكن من الواضح أني، حين تحدثت عن "الثورة الدائمة" في النقطة 15 من نصي اللاعنف في العمل، فإني لم أشر البتة إلى تروتسكي! لأن فكرتي بسيطة وصافية كالماء المتدفق من الصخر، وهي تقول أنه عندما يستلم تنظيم سياسي السلطة من خلال تطبيقه مبادىء وطرائق اللاعنف، فإنه سيواجه مهمة عويصة هي: كيف يمارس هذه السلطة ويبقى في الوقت نفسه وفيًا لهذه المبادىء؟ ونحن نعرف جميعًا الموالقة التي لا تحصى للسلطة. إن الإغراء كبير، حتى بالنسبة لمن حققوا ثورة لاعنفية، وهو أن يقعوا مجددًا أسرى ممارسات سلطوية. لهذا من الضروري أن ننظم، في قلب المجتمع المدني، سلطة مضادة تسمح للمواطنات وللمواطنين بأن يمارسوا على المسؤولين السياسيين رقابة ديموقراطية. عندما حصلت الهند على استقلالها كان غاندي واعٍ تمامًا للخطر الكبير الكامن في ممارسة زعماء المؤتمر للسلطة من خلال إعادة استعمال البنى الاجتماعية والسياسية التي ورثوها من الاستعمار البريطاني، فقد كان يخاف من تشكل نخبة سياسية لا تسمح للهنود بممارسة سلطتهم كمواطنين. حيث قال:

ما أريد برهانه هو أن الاستقلال الحقيقي لا يأتي من استلام البعض للسلطة، ولكن من السلطة التي يمتلكها الجميع في مقاومة تجاوزات للسلطة. أي، بعبارات أخرى، يجب أن نصل إلى السلطة من خلال تلقين الجماهير القناعة أنه بوسعها مراقبة ممارسة السلطة وفرض احترامها.

لهذا السبب أراد، في لحظة استلام نهرو السلطة السياسية، أن يتولى جايابراكاش نارايان (ج. ب.)، الذي كان رجلاً ذو نزاهة كاملة ويتمتع بشعبية كبيرة لدى الشعب الهندي، رئاسة المؤتمر كي يمارس من خلاله سلطة مضادة بوسعها مراقبة نهرو. لكن هذا لم يقبله نهرو وأدى إلى استبعاد نارايان من رئاسة المؤتمر. و(ج. ب.) نفسه هو الذي، بعد سنين طويلة، نظّم سلطة مضادة عارضت ديكتاتورية أنديرا غاندي (التي لم تكن كما قد يوحي اسمها ابنة غاندي إنما ابنة نهرو) فنظم ضدها في العام 1974 العديد من الأعمال اللاعنفية. وقد عبر لي، حين التقيته عام 1977 في منزله في باتنا، عن الأمل الذي يعلقه على الحزب الجديد الذي أسسه والذي هو حزب جاناتا، الذي فاز بعد بضع أسابيع في الانتخابات وأعاد الديموقراطية.

وأنت، في نصّك، تبتكر صورة كاريكاتورية حقيقية لتلك "الثورة الدائمة"، ما يعني أن ليس بوسعك إلاّ أن تؤكد على رفضك لتلك الصورة التي تشوه فكري بشكل كبير، لأنها، كما تقدمها، تشجع

منطق صراع دائم يمكن أن يخرق الشرعية والقوانين والأنظمة، وأن يتجاوز مؤسسات الدولة الديموقراطية التي يفترض أن تكون لها أنظمتها وقوانينها.

وأتساءل: كيف توصلت إلى هذه القناعة التي تقول أنه بوسعي الإشادة بهكذا فوضوية مدمرة للمجتمع؟ لأن ما تعرضه هنا من مفهوم للمقاومة اللاعنفية هو نفسه ذلك الذي يتبناه أعتى الرجعيين، أولئك الذين يريدون الدفاع عن القانون والنظام Law and Orde. فأنت تناقش تمامًا بنفس المنطق الذي تبنته المدعي العام لمحكمة الجزاء في أورليان. ففي شباط 2007، وبناء على طلب من المبلَّغين، قدمتُ أمام هذه المحكمة شهادتي لصالح أولئك الذين عصوا القانون وقطّعوا سنابل الشعير المعدل جينيًا. وهذا النوع من الشعير، كما تعلم، يشكل خطرًا جديًا على صحة أولادنا. وقد سعيت لإقناع الحكام بأن العصيان المدني للمبلَّغين غير قانوني بلا ريب ولكنه شرعي رغم هذا. وقد أنهيت شهادتي بالاستشهاد بالكاتب الكبير جورج بيرنانوس الذي قال:

يلزم الكثير من غير المنضبطين لتكوين شعب حر.

وقد اعتقدت المدعي العام أن بوسعها وصم ما قلته، ومن خلال مرافعة طورت عبارات تشبه تلك التي استعملتها أنت! وما كان ينقصها إلاّ القليل كي تدينني بتهمة المسّ بالنظام لإشادتي بالعصيان المدني! هكذا إذًا أنت تستعمل تجاهي نفس اللغة التي استعملها المدعي العام! ثم شهدتُ مرة أخرى أمام المحكمة في شارتر، ودائمًا لصالح الذين قطّعوا سنابل الشعير المعدل جينيًا، لكن هذه المرة أفرج القضاة عن المبلغين؛ ما يعني، بشكل ما، اعترافهم بشرعية العصيان المدني.

في دولة ديمقراطية، في دولة قانون، ولمجرد أن تضمن القوانين والمؤسسات العدالة لجميع المواطنين، فإنه يصبح من الواجب احترمها. في هذه الحال، تصبح مهمة "الثورة الدائمة" ليس خرق القوانين، بل بالعكس، تنظيم رقابة شعبية تضمن احترامها، لأن كل حياة اجتماعية تتطلب فعلاً وجود قوانين. لأنه حين نرغب اللعب سويةً، فإنه يفترض وضع قوانين لهذا اللعب، ولن يكون اللعب ممكنًا ما لم يحترم كل واحد منّا هذه القوانين. لذلك من العبث، من منطلق مبدأ يدعو إلى اللاعنف المطلق، تصور مجتمع يحافظ فيه على العدالة والنظام عن طريق المساهمة الحرة لجميع الأفراد، ودون وضع ممنوعات وإلزامات يفرضها القانون. لأن للقانون دور اجتماعي ليس بوسعنا إنكاره: وهو إلزام المواطنين على اتباع سلوكية عاقلة، بحيث لا يسمح للعسف وللعنف أن ينتشرا. لهذا ليس صحيحًا اعتبار القيود التي يفرضها القانون فقط كمعيقات للحرية، إنها بالأحرى ضمانة لهذه الحرية. فحين أُمنع من سرقة مال الآخرين، يضمن القانون حماية أملاكي. إن القوانين العادلة تشكل أساس دولة القانون. وبمقدار ما تقوم الدولة بمهمتها لصالح العدالة، فإنها تستحق احترام وخضوع المواطنين. وهذا ما قلته في نصي المتعلق باللاعنف في العمل أنه:

للقانون وظيفة مشروعة في المجتمع. ووظيفة القانون هي تنظيم المجتمع بحيث يطبِّق الجميعُ العدالةَ من أجل الجميع. ويستحق القانون "طاعتنا" كلما استمرّ في تأدية وظيفته.

ومن الطبيعي، في ظل الديمقراطية، أن يكون بوسع السلطة السياسية الادعاء بشرعيتها، لكن هذه ليست غير قابلة للنقض، بعنى أنه من الممكن أن نثبت لها العكس. لأنه حين يحمي القانون الظلم أو يولده، فإنه يستوجب عصيان المواطنين. عندها فإن شرعية الطرائق التي تتبعها الدولة لا تكفي لإعطائها صفة الشرعية. كما أن الخضوع للقانون لا يعفي المواطن من مسؤوليته. فالديمقراطية تتطلب وجود مواطنين مسؤولين وليس مواطنين منتظمين. كما يؤكد غاندي أن:

العصيان المدني حق شرعي لكل مواطن. حق ليس بوسعه التخلي عنه من دون التخلي عن إنسانيته. لأن العصيان المدني لا يوّلد الفوضى، بينما العصيان الإجرامي يجعل الوصول إليها ممكنًا. (...) إنه سجن للضمير إيقاف العصيان المدني.

ويوضح غاندي أيضًا:

أنه على الصعيد السياسي، يفترض النضال في سبيل الشعب مواجهة الخطأ المتمثل في القوانين الجائرة. وعندما تفشلون في إقناع المشرِّع بخطئه عن طريق العرائض أو بوسائط مماثلة. فإن الطريق الوحيد الذي تبقى أمامكم، إن لم ترغبوا الإذعان للخطأ، هو إجباره على التنازل عن طريق القوة الجسدية أو تحمل تبعات استفزاز العقوبة الناجمة عن خرق القانون.

لأنه لا يفترض أن يكون القانون هو الذي يملي ماهية العدل، إنما العدل هو الذي يفترض أن يملي ماهية القانون. لذلك، عندما يشعر المواطن بوجود تعارض بين القانون وبين العدالة، فإنه يصبح من واجبه اختيار احترام العدالة وعصيان القانون. وفي هذه الحال تطرح عدة تساؤلات نفسها: أليس خطرًا أن نترك لكل مواطن التقييم الحر لشرعية القوانين؟ أليس من الممكن حين تترك لكل فرد حرية التصرف كما يشاء، أن نشرعن الفوضى في كل المجتمع، وهذا "يقود إلى الفوضى"، إن استعملنا تعبيرك؟ حيث قد يكفي أن لا يعجب القانون فردًا لجعله يطالب بحقه في أن يرفضه؟ ثم ما هي المعايير، التي في نهاية المطاف، تجعل المواطن يتأكد من لاعدالة قانون ما؟ على كل هذه التساؤلات ليس بوسعنا أن نجيب إلاّ بالتأكيد على أنه يجب على المواطن أن يتحمل كامل المسؤولية الناجمة عن قراراته وأفعاله، لأنه، في نهاية المطاف، ليس بوسع الإنسان أن يقرر العمل خلافًا لما تمليه عليه متطلبات عقله وضميره. وهو في هذا يغامر بأن يواجه احتمال الخطأ، لكن هذا الاحتمال يكون أكبر إن اختار الخضوع لقرارات الآخرين، فلكي نكون على صواب، يجب المخاطرة بأن نخطىء. واختيار الخنوع غير المشروط، هو اختيار لعدم المسؤولية. وفي كل الأحوال فإن العاصي الذي يضع نفسه خارج القانون، يحمِّل نفسه مخاطر جمة. ومن طبيعة هذه المخاطر أن تمنعه من خرق القانون من أجل تحقيق مصالحه الشخصية. والتجربة تبين أن المواطن يحمِّل نفسه خطرًا أكبر حين يخضع لقانون جائر مما حين يعصي قانونًا عادلاً.

ثم بعد أن هزأت، بشكل مبالغ، مفهومي المتعلق بـ"الثورة الدائمة"، عارضتها بفهمك الخاص فهذه الثورة

كما نفهمها (من تقصد بـ"نحن"؟)، وعلى صعيد كل إنسان، تلك المراجعة الدائمة والمستمرة للذات وللمفاهيم والقيم والعقائد والأديان.

ولتبرير مفهومك الخاص استندت إلى تصريحي الذي يقول بأن

فريضة اللاعنف هي دعوة إلى "انقلاب" conversion: انقلاب في القلب، في النظرة، وفي الفطنة.

ونبلغ هنا ذروة الخلط ما بين الأنواع. فبينما أحاول، من جهتي، تصور إمكانية تنظيم مدينة سياسية تستلهم أفضل ما يمكن مما تتطلبه الديمقراطية، تأتي أنت لتشكك في اقتراحاتي قائلاً بأن "الثورة الدائمة" الحقيقية تتطلب من كل فرد التحول في حياته الخاصة. وبالفعل، أنا أعترف شخصيًا بضرورة هذا "التحول المستمر" بالنسبة لكل منّا، ولكني لا أتوهم بالتفكير أنه بوسع مجموع هذه التحولات الشخصية بناء مدينة سياسية قائمة على احترام متطلبات الديمقراطية، أي العدالة. فللشأن السياسي أنساقه الخاصة التي تأخذ شكلها في المؤسسات التي تؤرخ القيم الكونية كما عبر عنها أعقل البشر. لذلك أؤكد بأن "الثورة الدائمة" هي فعل مواطنة يفترض التزامًا سياسيًا مستمرًا بهدف تنظيم "حياتنا المشتركة" وليست مجرد تحوّل شخصي لا علاقة له إلاّ بخصوصية حياتنا المشتركة.

وأخيرًا اسمح لي بأن أستعيد لصالحي الاستشهاد الأول الذي استقيته من قاموسي للاعنف والذي قلت فيما يتعلق به أني على حق بالكامل حيث جاء أنه

عندما يتم التطرقُ إلى "اللاعنف"، ينبغي إجراءُ تمييز يسبِّب إغفالُه التباساتٍ كثيرةً والإصرار على هذا التمييز: التمييز بين فريضة اللاعنف الفلسفية وبين استراتيجية العمل اللاعنفي. فهذه وتلك تتموضعان على صعيدين مختلفين يجدر التمييز بينهما، لا للفصل بينهما، بل لتفادي الخلط.

قائلاً أنه يسرني أن أختتم به التمعن في خلافاتنا آملاً أن نتمكن من تجاوزها. على الأقل، يبرهن طول جوابي كم أنا مهتم بحوارنا.

20 آب 2008

ترجمة: أكرم أنطاكي

*** *** ***


 

horizontal rule

[1]  هذه المقالة هي رد جان ماري مولَّر على مقالة أكرم أنطاكي بعنوان بعض النقاط على بعض الحروف.

[2]  من كتاب جان ماري مولر وجان كالمان بعنوان سيزار شافيز معركة لاعنفية. دار فايار

[3]  نفس المرجع

[4]  نفس المرجع

[5]  راجع معابر إصدار آذار 2008.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود