من هو بادْشاه خان؟

 

مايكل ناغلر

 

إذا كنت من الملايين الذين شاهدوا مَلالَه يوسفزائي  Malala Yousafzai وخطابها الملهم في الأمم المتحدة في الأسبوع الماضي (وهو الآن على اليوتيوب ومصنَّف "يُنصح به جدًا")، فلعلك سمعت هذه العُشارية[1] الجسورة، التي رُميت بالرصاص من طالبان بسبب دعوتها إلى تعليم البنات، وهي تذكر شخصًا اسمه بادْشاه خان Badshah Khan بوصفه إلهامًا عظيمًا لاعتناقها اللاعنف اعتناقًا جسورًا وثابتًا. فمن هو؟

ولد خان عبد الغفار خان  Khan Abdul Ghaffar Khan، الذي صار يعرف بلقب بادْشاه أي "الملك"، في سنة 1890 في بلدة عثمانْزائي، وهي غير بعيدة عن بيشاوَر في ما كان يدعى يومئذ الولاية الهندية الحدودية الشمالية الغربية. كان والده خانًا، أي رئيسًا لقرية، محترمًا جدًا لأمانته ولمقاربته – مقاربةً فيها شيء من الاستقلالية - إسلامَ ملالي[2] زمانه وأحكامَ "البَدَل" أي الثأر الذي كان من السمات الثقافية البارزة للبَشتون (وهذا اللفظ يكتب ويلفظ أحيانًا هكذا: بَتان Pathans).

مرت السنوات الأولى من عمر غفار خان على نحو موازٍ تقريبًا لما مر على غاندي: لقد كان مخلصًا لاستنهاض شعبه إخلاصًا حماسيًا، وكان ذا ميل روحي عميق (البَتان جميعًا هم مسلمون ملتزمون)، ولقد قبل في البدء الحكم البريطاني كأمر طبيعي بيد أنه استجلى حقيقة الأمر حين مسته في الصميم بعض الإهانات التي هي من محتوم لوازم الهيمنة. كذلك كان من المحتوم أن نشاطه القرويّ، واتخذ في معظمه صورة إنشاء المدارس، قد وضعه على طريق صدامي مع الملالي والسلطات البريطانية كليهما ولأسباب متشابهة: قهرُ المتعلمين أشد عسرًا. جعله هذا الأمر يدرك أن عمله التعليمي "ليس مجرد خدمة، بل تمرد" – وهذه النقطة قد مضت عند مَلالَه يوسفزائي إلى أقصاها من غير شك (وينبغي أن تمضي عندنا إلى أقصاها: إن التعليقات الأخيرة التي صدرت عن المتحدثين باسم حكومة الباكستان بشأن مخاطر تعليم النساء لها وقع شبيه بكلام طالبان المحلية).

بُعيد لقاء خان مع غاندي في سنة 1919 – وأنا أختصر ههنا كثيرًا قصة طويلة جدًا - أسس خُداي خِدْمَتْكار أي "خُدَّام الله" لمد نطاق عمله الثوري. حيَّر البريطانيين ولاء أنصاره هؤلاء له وللاعنف، فردوا بالطريقة التي كانوا في ذلك الزمان لا يعرفون سواها: بالقمع الوحشي. ومع ذلك لم يستطيعوا تطويعهم. وبعد تدبيرهم لمذبحة رهيبة في سنة 1930 في بيشاور وجدوا أن صفوف الخدَّام قد انتفخت من بضع مئات إلى ثمانين ألفًا - وهذه حقيقة مستبعدة عندك إذا كنت غير عارف بالديناميات غير العنيفة.

تعرض الخدَّام وزعيمهم الموقَّر، الذي صار يدعى رغمًا على اعتراضاته "غاندي الحدود"، تعرضوا للرمي بالرصاص والتعذيب والإذلال وتعرض هو نفسه للحبس. بيد أنهم لم يقصِّروا عن لعب دور بارز في تحرير بلادهم ومساعدة غاندي في أن يعطي للعالم "برهانًا عيانيًا" على قوة اللاعنف.

إن حياة خان العجيبة هي من القصص العظيمة لزماننا التي لم تُروَ. إن نصيبه من ذلك "البرهان" يبدِّد خمس خُرافات شاع القول بها في اللاعنف:

1.    القول بأنه ملاذ الضعفاء: لم يستطع البريطانيون قط إخضاع أراضي البَتان في مئة سنة من العنف. حينما سأل غفار خان غاندي ذات مرة عن السبب في أن البَتان عنده ثبتوا على طريقهم علمًا بأن الكثير من الهندوس قد فقدوا أعصابهم وارتدوا إلى العنف، قال المهاتما: "نحن الهندوس كنا دائمًا غير عنيفين، بيد أننا لم نكن دائمًا شجعانًا".

2.    القول بأنه يفلح فقط في وجه خصم "مؤدب": لقد ارتاع البريطانيون من البَتان ولذلك عاملوهم بلا رحمة، فلقد عدُّوهم "متوحشين ينبغي أن يحكموا بالوحشية بيد متوحشين". في الحدود الشمالية الغربية، كما في كينيا، أظهرت الإمبراطورية ألوانها الحقيقية.

3.    القول بأن لا مكان له في الحرب: كان الثمانون ألفًا من البَتان المدربين الذين لا يقهرون ذوي الزي الموحد هم أول "جيش سلام" في العالم.

4.    القول بأن لا مكان له في الإسلام: لقد أشارت مَلالَه، سيرًا منها على خطى خان، إشارة صائبة إلى ما في الإسلام، وسواه من أديان العالم جميعًا، من تراث من السلم واللاعنف.

5.    القول بأن اللاعنف معناه الاحتجاج واللاتعاون: إنه يشتمل على ذلك الجناح، بيد أنه كثيرًا ما يكتسب، على مثال "البرنامج البنَّاء" لغاندي، المزيد من القوة الدافعة بالاتكال على الذات والعمل البناء و"التعاون مع الأخيار"، حيثما أمكن ذلك.

مع هذا، وفي ما عدا السيرة الذاتية العظيمة التي كتبتها إكْنات إيسْوران Eknath Easwaran وعنوانها الجندي اللاعنفي في الإسلام Nonviolent Soldier of Islam وسوى ذلك من المصادر القليلة (ثمة عمل وثائقي يدعى بادْشاه خان، غاندي الحدود، مشعل للسلام Frontier Gandhi Badshah Khan a torch for peace لصاحبه تيري ماكْلوان Teri McLuhan)، فإن المادة المتوفرة جدًا والتي تتكلم عن خان هي مادة ضئيلة وما يزال الغرب لا يعرفه إلا قليلًا. لعل مَلالَه يوسفزائي الشابة قد أدَّت للعالم خدمة أعظم مما تدركه إذا كرَّمت اسمه في هيئة الجمعية العامة للأمم المتحدة التي عقدت في آب.

ترجمة: وفيق فائق كريشات

*** *** ***


 

horizontal rule

[1] هي الفتاة التي بين الثالثة عشرة والتاسعة عشرة. (المترجم)

[2] مفردها مُلاّ أي الشيخ رجل الدين. (المترجم)

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني